كان آرثر قد أوحى بأنه سيطيل الغياب قبل أن يتواصل معها مجددًا، لكنه فاجأها برسالةٍ وصلتها في وقت أبكر مما توقعت.
و لم يكن فيها سوى جملةٍ مختصرة: ثمة أمورٌ يجب أن أنقلها لكِ، وسأزوركِ قريبًا.
“أمورٌ يجب أن ينقلها……”
تمتمت أون كيونغ بذلك وهي تخفض بصرها إلى الرسالة، وقد تصلّب خط فمها.
لا بد أن الأمر يتعلق بهنري هاملتون.
أغلب الظن أن آرثر خمّن أن الضحية التالية ستكون هنري، فأراد أن يحذرها من ذلك.
ثم إنه سيخطط للإمساك بإدوارد قبل أن ينقض على هنري، مترصدًا له في مكانٍ ما……لكن الأمور، بطبيعة الحال، لن تسير كما يشتهي.
فأخذ يخنق قلبها إحساسٌ جديد من التوتر.
كانت تظن أنه كلما اقتربت نهاية المسرحية سيغمرها الفرح لا غير……لكن عبوسها المرهق أفضى إلى تنهيدةٍ ثقيلة.
لماذا كان جزءٌ منها يتمنى في قرارة نفسه ألا يتغير شيءٌ في الوضع الراهن، مهما كان ملتبسًا؟
على أية حال، ما دامت لم تلتقِ بآرثر بعد، فلن يقع حادثٌ جديد، ويمكنها أن تمنح نفسها قليلًا من الوقت لترتيب أفكارها.
لكن وكأن القدر يسخر منها، إذ وصلتها في مساء اليوم التالي رسالةٌ أخرى. وكان الاسم المنقوش بخط أنيق على الغلاف شيئًا لم يخطر لها على بال.
هنري هاملتون، والد إدوارد بالتبني، والذي لم يبقَ أمامه سوى وقتٍ قصير قبل أن يلقى حتفه على يد ذلك الابن.
بعد عبارات تحيةٍ مهذبة وسؤالٍ عن حالها، جاء في الرسالة المختصرة أنه يرغب في لقائها ليحادثها قليلًا، ويأمل منها أن تتكرم بزيارته.
وقفت أون كيونغ مأخوذة، تعيد قراءة كلماته مرارًا، ثم مالت برأسها متحيرة.
أن تتلقى رسالةً من شخص غير آرثر، كان في حد ذاته أمرًا غير مألوف، لأن معظم من حولها لا يتحركون إلا وفق خط سير المسرحية.
وفوق ذلك، كان الموعد الذي حدده للقائها هو مساء هذا اليوم. فعليها أن تتخذ قرارها فورًا.
لكن……هنري هاملتون بالذات؟ لم يخطر لها قط أنها ستتقاطع معه قبل أن تُسدل الستارة على النهاية.
في رواية <الكابوس>، هل التقت إليزابيث بهنري أيضًا؟
غير أنها، بما أن السرد ركّز على إدوارد وحده، لم يُكشف شيءٌ عن تحركات إليزابيث، وهذا ما جعل أون كيونغ تتحسر الآن.
ظلت تحدّق في الورقة غارقةً في شرودٍ طويل، قبل أن تحسم أمرها أخيرًا وتقرر مقابلته. فلا بد أن لطلبه ذاك سببًا وجيهًا، تمامًا كما كان الحال مع إليزابيث.
***
قصر هاملتون كان يلفّه جوٌ كئيب يبعث على الرهبة.
ما إن ترجّلت أون كيونغ من العربة وحدّقت إلى المبنى المكلل بأضواء الغروب، حتى شعرت بقشعريرة باردة جعلتها تسحب كتفيها إلى الداخل.
وما إن خطت إلى الداخل حتى أحاطت بها برودةٌ ثقيلة، أوضح وأشد مما كان في الخارج.
سارت عبر ممرٍ مضاء كأنه أُعد خصيصًا ليدلها الطريق، حتى توقفت أمام بابٍ بدا أنه يقود إلى مكتبة هنري هاملتون.
ثبّتت وجهها المتصلب، و أخذت نفسًا عميقًا، ثم طرقت الباب بحذر. لكن بدل أن يجيبها صوت عجوز متهدّج كما توقعت، فُتح الباب بصمت.
“ها قد جئتِ أخيرًا.”
كان أول ما لفت نظرها عند دخولها المكتبة لوحةٌ ضخمة لفهد، ممدّد باسترخاء، يحدّق مباشرةً في زائريه بنظرة نافذة.
أشاحت ببصرها عنه نحو مصدر الصوت، لتقع عيناها على هنري هاملتون جالسًا غائرًا في مقعده. بشَعرٍ أبيض مسرّح إلى الخلف بعناية.
حدّق بها، وما إن التقت عيناهما حتى ارتسمت على محيّاه ابتسامةٌ رقيقة. و عيناه، خضراوان كأوراق الصيف، ضاقتا بخفةٍ فتوارى بريقهما خلف جفنيه الممدودين.
كان صوته غريبًا، متأرجحًا بين حشرجة شيخٍ ورنين شاب.
وبينما كانت أون كيونغ تتمعن في نبرته، واصل هنري حديثه ببطء،
“لقد مر وقتٌ طويل، أليس كذلك؟……لا تقلقي، فإدوارد ليس هنا.”
كانت قد أعدّت في ذهنها تحيةً لائقة، لكنها ترددت لحظةً قبل أن تختار الرد بكلمة “نعم”، مرفقة بإيماءة صغيرة.
صحيحٌ أن ذكر إدوارد هزّها قليلًا، لكن ما دام هو خطيبها، والرجل أمامها أبوه، فلا غرابة أن يُذكر اسمه في مطلع حديثٍ كهذا.
كان هنري يسند ذقنه بيدٍ، بينما اليد الأخرى مسترخيةٌ على الطاولة، يحدّق بها بثبات وهو ينقر سطح المكتب بسبابته بخطى بطيئة رتيبة.
ثم تمتم طويلًا بكلماتٍ مبهمة لم تستطع أن تميّزها، وما إن همّت أون كيونغ بفتح شفتيها حتى سبقها بالكلام.
“حسناً، كيف حالكِ في هذه المدة؟”
كان هذا ما تفوّه به بغتة. و لم يكن إلا سؤالًا عاديًا عن الحال، و ما كان ينبغي أن يعسر عليها الجواب.
فلو كانت إليزابيث مكانها، لأجابت بخفةٍ ودفء، بل وابتسمت بلطفٍ وهي تبادله السؤال عن أحواله، وكان ذلك ليكفي.
غير أن اللحظة التي حاولت أن تنطق فيها، تدفقت عبر ذهنها كل الذكريات منذ أن انجرفت إلى داخل هذا المسرح، فاختنقت الكلمات عند حلقها. و ارتسمت على وجهها، رغمًا عنها، علامات امتعاضٍ خفيف.
فضحك هنري هاملتون ضحكةً قصيرة وهو يلحظها.
“كنت أظن أنك ستُبدين سرورًا……ألم تستمتعي كثيرًا بهذا العرض؟”
عرض. هذه الكلمة القصيرة ارتطمت في أذنها كالنصل، فبدا كأن الهواء الحميم قد تجمّد فجأة.
ثم ارتعشت في ملامحها ومضة خوف، بينما كان هو يتأمل ذلك التغيّر على وجهها بابتسامةٍ بطيئة وهادئة.
لم يخطر لها يومًا أنها ستلتقي بشخصٍ يدرك أن ما حولهم ليس سوى مسرحية، بل الأسوأ من ذلك أنه يتحدث إليها وكأنه يعرف حقيقتها.
ثم فُتحت شفتاها لتسأل بصوتٍ مبحوح، كما لو أن شيئاً كان يضغط على عنقها،
“مـ……من أنتَ؟”
امتلأت عيناها بالريبة والاضطراب، لكن هنري لم يكلّف نفسه عناء الإجابة، بل استغرق في تداعياته الخاصة، ينساب في حديثه وحده.
“أن يُشاهد أحدهم عرضًا واحدًا أكثر من عشر مرات……لا بد أن الأمر ليس مجرد هوى عابر، بل حبّ عميق.”
قال ذلك وهو يزداد سرورًا، بينما تغشى ملامحه الظلال التي ترسمها عيناه الضيقتان المبتسمتان.
“وأنا أيضًا……استمتعت بكِ كثيرًا. لذا اعتبري ما فعلته لكِ هديةً صغيرة مني، عربون شكر.”
أون كيونغ طبّقت شفتيها بإحكام، وقد علا ملامحها ما لا يحصى من الكلمات المحبوسة.
‘هدية؟ أي سخفٍ هذا!’
لم تطلب شيئًا منه، ومع ذلك ألقى على كتفيها ما يزعم أنه منحة، وهو يبتسم بكل رضًا كأنه وهبها كنزًا، بينما لم يكن في حقيقتها سوى تفاحةٍ مسمومة مغلفة بعناية.
ومع ذلك، كان هناك سؤالٌ واحدًا ينهش صدرها قبل كل شيء……
“لماذا……لماذا أنا بالذات؟”
لماذا كانت هي بالذات؟
فليس قلةٌ من الناس يشاهدون العرض نفسه عشر مرات أو أكثر، ولم تكن هي الوحيدة التي حضرت ذلك العرض في تلك الساعة من ذلك اليوم، بل لا بد أن هناك آخرين قد عبروا الباب الدوّار مراتٍ تفوق ما فعلته هي.
هنري هاملتون، وقد رفع حاجبيه كمن لم يتوقع منها هذا السؤال، أجاب بصوتٍ يدّعي اللطف، يحاكي فيه الرحمة،
“أنتِ الوحيدة التي استوفت بعض الشروط التي وضعتُها منذ أن شُيّد هذا المسرح.”
شروط؟
لم تنطق أون كيونغ بشيء، لكن هنري، وقد قرأ ما ارتسم على ملامحها، تابع حديثه بلهجةٍ متساهلة،
“فمن الصعب أن يلتزم المرء بكل تلك الشروط الدقيقة والمعقدة……من تاريخ وزمان، وظروف، وعدد مشاهدات.”
ترددت في أن تسأله: ولماذا وضعتَ تلك الشروط أصلًا؟ ولماذا صنعتَ هذا الوضع الغريب؟
لكنها كتمت السؤال عند رؤيتها لوجهه؛ شفتيه كانتا مرسومتين في شبه ابتسامة، لكن عينيه ظلّتا جافتين بلا أثر من ابتهاج. بدا واضحًا أنه لن يجيب على تساؤلاتٍ أخرى، مهما ألحت.
ومع ذلك، لم تستسلم بسهولة. فإن كان هو من جرّها إلى هذا المسرح، فلا شك أن لديه من المعرفة ما قد يحل بعض ألغازها، أو يبدّد شيئًا من حيرتها.
فأي سؤالٍ يمكن أن تلقيه من دون أن تثير سخطه؟
أن تسأله من يكون؟ لا، على الأرجح لن يجيب.
أن تسأله إن كان في وسعها أن تمنع أن تكون آخر الضحايا؟ ربما……
غير أن صوتًا حادًا، طَقّ!، مزّق أفكارها. فارتجفت كتفيها وهي تنتصب جالسة، لتجد هنري هاملتون يحدّق فيها، وقد غرس عصاه في الأرض ليجذب انتباهها، ثم تحدّث بصرامةٍ قاطعة،
“يكفي إلى هنا. لم أدعُكِ اليوم إلا لأُعطيكِ إنذارًا. بعد ثلاثة أيام.”
كان حكمًا صارمًا، لفظ كلماته بتأكيدٍ لا يقبل نقاشًا، ثم ختم ببطء،
“سنلتقي مجددًا يومها.”
وكأنها كانت تسبح في وهم الأمل، فإذا به ينتشلها بعنف إلى اليابسة اليابسة.
جفّف الهواء العاري أنفاسها، وغامت عيناها وقد أدركت أن كل الاحتمالات التي تعلقت بها تنطفئ.
‘..…لا.’
عضّت أون كيونغ على شفتها وهي تتراجع باضطراب.
لا يمكن أن يكون الأمر محتوماً، فلا بد من سبيل، لا بد أنه يوجد مخرج.
لكنها، في قرارة نفسها، كانت تدرك أنها لم تملك وسيلة. رغم ذلك أدارت جسدها فجأة وفرّت من المكان، كالهاربة من قدرها.
________________________
😦😦😦😦😦 آخر شي توقعته يطلع من دخلها……
بعدين ليه بيشوفها مره ثانيه؟ هو بيىْقتل ولا؟ ولا بيجي بجسم ثاني؟؟ يماااااه ياحمار على الاقل اشرح وش تبي😭
المهم يخوف ليه آرثر فجأه يبي يشوفها وليه ذا الحمار ناداها ويقول اشوفس بعدين؟ لينه على الاقل علمها اذا بتىْقتل ولا لا لأن العنوان غريب من الضحية الأخيرة مفروض باقي ضحيتين على الأقل
احس قربنا من النهايه مع ان اظن باقي عشر فصول؟ نسيت
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"