صحيحٌ أنّ انشغاله الدائم قلّل من فرص لقائهما، لكن في كل مرة صادفها في النُزل لم يكن يتعدى إلقاء تحيةٍ مختصره بعينيه، ثم يمضي عنها ببرود.
وكما يحدث الآن بالضبط. ألقت أون كيونغ نظرةً خاطفة نحوه فرأت كيف يتجنب حتى ملاقاة عينيها، فانحنت شفتاها بأسى.
كانت تدرك أنّها هي من جلبت هذا لنفسها، غير أنّ رؤية جفائه المستجد بعد أن اعتادت دفئه، ترك في قلبها شعورًا كأن جزءًا منه يتآكل شيئًا فشيئًا.
ولم يتغير الحال بعد عودتها إلى لندن. فقد بعث إليها آرثر برسالة يخبرها فيها أنه سيبحث أكثر ثم يتواصل معها مجددًا، غير أنّ كل ما كان ينساب بين سطور رسائله من ودّ وحديث عابر قد اختفى تمامًا.
مرّت أصابعها فوق الخطوط الحادة بخفة، قبل أن تطوي الورقة بعناية وملامحها كئيبة.
ذلك الإحساس بالفقد والاضطراب الناشئ من تباعدها عن الشخص الوحيد الذي كانت تتكئ عليه في المسرحية، كان كافيًا ليشعل في نفسها توترًا لا يستهان به. بل وزاد عليه شعورٌ خفي بالخذلان من بروده المفاجئ.
أن تحسّ بالمرارة بدل أن تفيض بالاعتذار الصادق……أيّ وقاحةٍ عاطفية تلك؟ كانت مشاعراً ما كان لها أن تمتلكها أصلًا.
ابتلعت ابتسامةً مُرّة وهي تفتح الدرج الذي كانت تحتفظ فيه برسائل آرثر. و هناك رأت الأوراق مطويّةً بعناية، موضوعةً فوق بعضها بانتظام.
لم تكن كثيرة، لكن ما تراكم في ثناياها من أحاسيس جعلها أثقل من أيّ ركام آخر في حياتها.
وضعت الرسالة الجديدة فوقها، ثم قطّبت حاجبيها.
كانت تتحرّق شوقًا لأن تتخذ من الردّ ذريعةً لتعود إلى مراسلته، لكنه أضاف في آخر رسالته عبارةً صريحة بأن لا حاجة إلى الجواب، وهي إشارةٌ واضحة منه إلى أنه لا يرغب في أي تواصل آخر.
وما إن أغلقت الدرج واستدارت بوجهٍ غارق في الكآبة……حتى دوّى على مسامعها طرقٌ خفيف على الباب.
و ما إن فتحت الباب حتى ناولها رجلٌ بوجه جامد رسالةً دون أن ينطق بكلمة.
كانت رسالةً من إدوارد.
***
إدوارد جاء يزورها في الموعد المحدد بدقة.
و إذ لم يكن قد كتب في الرسالة سبب لقائهما، جلست أون كيونغ تنتظره بقلقٍ متزايد، وما إن واجهت وجهه حتى ارتبكت لدرجة أنها نسيت أن تلقي التحية والتزمت الصمت.
لم يكن في ملامحه يومًا ما يُقال عنه لطيف، لكن خطوط وجهه بدت هذه المرة أكثر حدّة.
في السابق، يوم ماتت مارغريت غيلفورد، لم تتح لها الفرصة لتأمل وجهه مليًّا، لذلك استغرقت وقتًا حتى تنتبه لهذا التغيير.
وفي اللحظة التي كانت أون كيونغ تبحث فيها عمّا تقول، ارتسمت على وجه إدوارد الصارم ابتسامةٌ طفيفة. و ربما بسبب انحناءة عينيه، بدا وكأنه استعاد فجأةً بعضًا من وداعته القديمة.
“……كأننا لم نلتقِ منذ زمن.”
تكلم إدوارد ببطء، وعيناه مثبتتان على عينيها.
بدا صوته مبحوحًا قليلًا كما لو أنه ظل صامتًا طويلًا، غير أنه ظل مدهشًا في نعومته، رقيقًا إلى حد يثير القشعريرة، حتى إن بإمكان المرء أن يظنه صوتًا دافئًا يحمل مسحة مودة.
“تبدين كأنكِ فقدت بعض الوزن.”
كانت كلماته خافتةً لكنها وصلت إلى أذنها بوضوح. فترددت أون كيونغ قليلًا قبل أن تجيب بتمهل.
“وأنتَ أيضًا……تبدو أنحف بعض الشيء.”
فتح إدوارد عينيه بدهشة وكأنه لم يتوقع منها جوابًا، ثم سرعان ما انفجر في ضحكةٍ هادئة.
لم يكن في كلماتها ما يستدعي الضحك، لكنها لم تشأ أن تسأله عن السبب فتجعل الجو الذي بالكاد تلطف يتجمد من جديد.
و كانت على يقين أن كلماتها القلقة لم تكن لتعجبه أبدًا.
“لكن على كل حال، ليس بقدر ما تبدين أنتِ. فأنتِ.….”
توقف فجأةً في منتصف حديثه وأطبق شفتيه بصمت. و بدا كأن وجهه غشيه ظلٌ قاتم.
بطبيعة الحال كان ذلك مجرد قناعٍ يضعه، على الأقل هكذا اعتقدت أون كيونغ، فاعتدلت جالسةً دون أن تهتم بما لم يُكمل قوله.
ابتسامته أزالت عنها شيئًا من التوتر لبرهة، غير أن الرجل الجالس أمامها لم يكن سوى قاتلٍ بارد سبق له أن قتلها مراتٍ عديدة.
كلما طال صمته ازدادت الأجواء برودةً ووحشة.
أون كيونغ، وهي تراقبه بوجهٍ يعلوه شيءٌ من الخوف، شعرت بضيقٍ يضغط على صدرها بأنها لا بد أن تقول شيئًا، ففتحت فمها أخيرًا.
“……ما الأمر الذي جاء بكَ؟”
هما ليسا على درجةٍ من القرب تسمح بتبادل تحياتٍ ودّية، هكذا فكرت.
كانت واثقةً أن لزيارته سببًا محددًا، وما أقلقها حقًا هو أنها لم تستطع أن تخمّن ما يكون. فقبضت على يديها بإحكام، عاقدة العزم أن تنتقل إلى صلب الموضوع بسرعة.
توقف إدوارد قليلًا عند سماع سؤالها، ثم ابتسم ابتسامةً خفيفة، لم تكن ابتسامته المعتادة الرقيقة، بل بدت متكلفةً مترددة.
و ظل يتلكأ على غير عادته، ثم تمتم بصعوبة بالغة.
“فقط.….”
كانت الكلمات القصيرة وكأنها تجرّحت في حلقه وهو يخرجها، فانعكس ذلك على وجهه المقطب.
لكنه سرعان ما أرخى شفتيه بابتسامةٍ خافتة، وكأنه استسلم، ثم واصل بصوتٍ هادئ يحمل صدقًا لم تره فيه من قبل.
“أردتُ أن أراكِ.”
اتسعت عينا أون كيونغ دهشة، فلم يكن في حسبانها أبدًا أن تسمع مثل هذه الكلمات من إدوارد.
رمشت بعينيها مرتين أو ثلاثًا، ثم عقدت حاجبيها قليلًا وضاقت نظراتها، تحدّق فيه بتمعن لتتأكد إن كان الجالس أمامها فعلًا هو إدوارد هاملتون.
و ظل صابرًا يترقب، حتى تحدّث بابتسامة باهتة،
“هل يُدهشك الأمر الى هذا الحد؟”
عندها فقط سارعت إلى هز رأسها نفيًا، إذ طرأت على ذهنها فرضيةٌ سخيفة لكنها مرعبة، أنه ربما يغرس سلاحًا في صدرها إن أجابت بنعم.
“لكننا خطيبان، أليس وجهكِ هذا مبالغًا فيه كأنكِ سمعتِ أمرًا لا يحتمل؟”
قال إدوارد ذلك مازحًا وهو يطرق بخفة على ركبته بسبابته، وقد عاد وجهه يتألق بابتسامةٍ كما لو أن ملامحه السابقة المكسوة جرحًا لم تكن سوى حلم.
فابسمت أون كيونغ بدورها بسرعة، مطموسةً في ضحكتها كل الأفكار المظلمة التي خطرت لها قبل قليل.
جرح؟ هراء. هو لا يُجرح. فلو كانت تعجز عن ضبط تعابيرها لكان قتلها منذ زمن.
“لم أتوقع أن أسمع مثل هذا منكَ.”
تذرعت بتلك الكلمات، مصطنعةً خفة في نبرتها، وجمعت عينيها في انحناءةٍ رقيقة.
“لكن لا أنكر أنه أسعدني. وأنا أيضًا……كنت أريد أن أراكَ.”
ضاقت عيناه قليلًا، وفي نظرته ارتيابٌ واضح، وكأنه لا يصدقها تمامًا، لكنه لم يلحّ ولم يحقق، بل ترك كلماتها تمر بسلاسة.
شعرت أون كيونغ بالارتياح لأنه تغاضى، ثم لامت نفسها على أن شكوكها فاضت من ملامحها بجلاء، فاستجمعت صلابتها من جديد.
ومن تلك اللحظة حتى رحيله، كانت تتحسس كل كلمةٍ تخرج من فمه بحذر، تلتقط المعاني الخفية التي قد تكون مستترةً بين السطور.
“…أظن أن عليّ الانصراف الآن.”
ويا للدهشة، أدركت حينها أنه لم يزرها لغايةٍ خفية أو بنيةٍ ما، بل جاء فعلًا بلا سببٍ واضح، فشعرت بالارتباك.
لم يكن يسعى لاختبارها ولا لاستدراجها، فالكلام الذي تبادلاه كان سطحيًا وتافهًا أكثر من أن يُحسب غرضًا مقصودًا.
بل وحتى القول أنه “ثرثر” يبدو غير دقيق؛ إذ بعد سؤالٍ وجواب عابر عن أحوالهما وصحتهما في المدة الماضية، ظلّا صامتين معظم الوقت، لا يكسر السكون سوى رشفاتهما من فناجين الشاي.
فهل كان قوله “أردتُ أن أراكِ” مجرد حقيقة؟ بدا مستبعدًا. لكن إن لم يكن ذلك، فما السبب إذًا لزيارته؟
انسابت الأفكار متتابعةً في رأسها.
“أتمنى دائمًا أن تبقَي بخير……وفي أمان.”
نطق كلمة أمان بتركيزٍ خاص، ثم مد يده ليحتوي يدها بلطف، وانحنى قليلًا ليطبع قبلةً خفيفة على جبينها الذي ما زال متجعدًا بالقلق.
وحين لمح في وجهها انقباضًا لم تنجح في إخفائه، اكتفى بابتسامةٍ باهتة ولم يضف شيئًا، قبل أن يدير ظهره وينصرف.
كان إدوارد اليوم غريبًا بحق. بدا منهكًا، وكأنه تخلّى عن شيءٍ ظل عالقًا في قلبه طويلًا، بل وأشبه برجل وجد بعض الراحة أخيرًا……تمامًا كرجل يستعد لملاقاة الموت.
“آه……”
تجمّد وجه أون كيونغ عند تلك الفكرة.
ربما لم يكن موتُه هو، لكن موتَ أحدٍ آخر كان يقترب.
بدا مضحكًا بعض الشيء أن من طالما لوّح بسيفه دون رحمة، قد يرقّ قلبه فجأة، لكن ربما كان ذلك لأنه اقترب من نهاية طريق الانتقام، فتلبّسته مشاعرٌ غريبة لم يألفها من قبل.
ومع ذلك، لم تستوعب أبدًا سبب مجيئه إليها بالذات.
طردت من ذهنها صورة إليزابيث وهي تموت، ثم أخذت تحسب الأيام المتبقية حتى يحين يوم موت هنري هاملتون، ولم تلبث أن شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها حين أدركت أن ظل الموت بات وشيكًا يخيّم على رأسها.
فلم يتبقَّ أقل من أسبوع.
__________________________
ويت ابي إدوارد البطل غش وش ذا المؤلفه بتجيب لي انفصام شخصياتها حلوه
حالياً حااالياً ابي ادوارد البطل😭
يجنن في ذا الفصل كأنه سايكو مهووس وصدق يحب أون كيونغ
بعدين لحظه يوم قالت كأنه بيفطس……لايكون بيىْتحر؟ ولايكون مخلي الرساله متعمد عشان يمسكونه الشرطه؟ اجل إدوارد زي اون كيونغ واحد داخل؟؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"