أبدى آرثر ملامح متضايقة حين لمح أون كيونغ التي تبعته، ووقف عند مدخل الميتم مانعًا الطريق كأنه لا ينوي السماح لها بالدخول أبدًا.
“لا يجوز لكِ الدخول.”
لكن أون كيونغ لم تكن تنوي الدخول أصلًا، فقد كان من البديهي أن مارغريت غيلفورد مطروحةٌ على بقعةٍ من الدم، ومن الطبيعي أنها لا ترغب في رؤية ذلك المنظر، بل كان يكفيها ألا تبتعد عنه كثيرًا.
فرمقت كتف آرثر بنظرةٍ عابرة ثم أومأت بصمت.
و بمجرد إطلالةٍ خاطفة على الداخل المعتم أشاع في نفسها شعورًا كريهًا.
ورغم أنه رأى إيماءتها، إلا أن قلبه لم يهدأ. فظل آرثر عابسًا بوجهٍ متجهم، ولزم الصمت برهةً، ثم أخبرها بنبرة حازمة،
“الأفضل أن تعودي إلى لندن أولًا. يؤسفني ألا أرافقكِ، لكن عليّ البقاء هنا على الأقل حتى الغد.”
فقد راوده منذ البداية أنه يجب إبعادها فورًا عن مكانٍ جرت فيه جريمة قتل، ولم يكن ذلك تفكيرًا غريبًا، إذ إن الجو مشبعٌ بهالةٍ موحشة تليق بما وقع من أهوال.
ولو لم يكن هذا ضمن أحداث المسرحية لكانت أون كيونغ قد غادرت المكان حالًا.
كادت تسأل بلا قصد عما جرى في المرة السابقة لكنها توقفت وأطبقت شفتيها، إذ أنها كانت قد تخطت مباشرة إلى الفصل الثاني، ومن الطبيعي ألا تعرف ما جرى بعد موت كاثرين، لكنها لم تكن لتستطيع شرح ذلك لآرثر.
فترددت للحظة ثم هزت رأسها نافية.
“……من المستحيل أن يكون إدوارد ما زال هنا. أليس السفر إلى لندن أخطر في الحقيقة؟”
فمجرد التفكير بأنها ستستقل القطار وحدها عائدةً إلى قصر عائلة ريدل كان كافيًا لبث القلق في نفسها.
وإنما الذي جعلها تقدم على قرار السفر في أرضٍ تجهلها تمامًا، لم يكن سوى الطمأنينة التي منحها وجود آرثر إلى جوارها.
ظل آرثر يحدّق بها بوجهٍ متردّد مليء بالصراع، ثم أطلق تنهيدةً قصيرة بعد طول تفكير، وردّ بنبرة تدلّ على عدم رغبته الحقيقية.
“إذاً فلتعودي إلى النُزل أولًا. لا، بل أرى أن نعود معًا الآن أفضل.”
وكأنه قدّر أن في وسعه أن يجد من الوقت ما يكفي ليوصلها بنفسه إلى النُزل، فألقى نظرةً سريعة نحو داخل الميتم، ثم استدار خارجًا.
وما إن خرج حتى انقشعت الظلال القاتمة التي كانت تغشى محيّاه طوال حديثهما.
حتى لحظة وصولهما إلى النُزل، ظلّت على وجهه ملامح الحيرة وكأنّه لا يعلم إن كان ما يفعل هو الصواب حقًا، ثم عقد حاجبيه مرّة أخرى وأوصاها بإلحاح،
“أغلقي الباب جيّدًا، ولا تفتحيه لأيٍّ كان قبل أن أعود.”
كانت وصيّته تعبّر بوضوحٍ عن خوفه من خطر محتمل، حتى وهو يفترض أنّ إدوارد قد غادر المكان.
ولولا أنّها التقت بإدوارد بنفسها حين خرج من هنا بعد أن قتل مارغريت، لربما رأت الأمر مبالغة.
عندها رسمت أون كيونغ ابتسامةً خفيفة، وبحركةٍ عفوية ارتسم على شفتيه هو أيضًا أثر ابتسامة، لكنه أسرع فتجمّد وجهه بصرامة وهو يتراجع بخطوةٍ واسعة إلى الوراء.
ثم أغلق الباب بنفسه وأحدث نقرتين خفيفتين، كأنه ينبهها إلى ضرورة إحكامه، قبل أن يهبط الدرج بخطواتٍ متعجّلة أحدثت صدى واضحًا، راحلًا بعيدًا.
وظلّت أون كيونغ تُرهف السمع لذلك الصدى المتناقص شيئًا فشيئًا، حتى غمر المكان صمتٌ عميق كأن العالم انغمر في الماء، فعادت إلى الداخل.
كان السكون مطبقًا، إمّا لأن النهار لا يناسب حركة الناس، أو لأن الجميع قد اتجهوا إلى الميتم، حتى خُيّل إليها أنّها الوحيدة في هذا العالم. حتى أنها نظرت من النافذة فلم ترَ أيّ إنسان.
لكنها لم تلبث أن ضيّقت عينيها لترى شخصًا يعدو بعيدًا. و بدا لها ظهر آرثر وهو يبتعد، ثم سرعان ما غاب عن بصرها.
فظلّت تحدّق إلى الخارج وقتًا طويلًا، ثم ارتخت أخيرًا لتجلس متكئةً برأسها إلى اللوح الخشبي خلف السرير، والإنهاك مطبوعٌ على ملامحها.
بمجرّد أن شعرت أنّها في مكانٍ آمن، تراخت أعصاب جسدها المتوترة وأخذ التعب ينهشها.
كان الإرهاق مضاعفًا عمّا اعتادت، ولعلّ سببه أيضًا أنّها لم تذق النوم ليل البارحة.
أغمضت عينيها المثقلتين كأن أوزانًا قد ضافت فوقهما، وسرعان ما غفت.
لكن القلق لم يسمح لها بأن تنعم بحلم هانئ. وكما يحدث كلّما غلبها النوم، تدفّقت أفكارها بسرعة وبدأت تلامس واحدًا تلو الآخر من أعماق المشاعر التي أخفتها في داخلها.
عندما بلغت بالكاد الفصل الثاني عاودها القلق: ماذا لو عاد بها الزمن مجددًا؟
و تقافزت في داخلها رهبةُ الموت على يد إدوارد، وخوفٌ آخر دفين لم تجرؤ يومًا على استدعائه، هو ذكرى مروّعة لمصرع إليزابيث.
وهي تعقد حاجبيها وتئنّ في قلق، ارتجف قلبها فجأة حينها دوّى طرقٌ شديد على الباب، ففُتحت عيناها مذعورة. و ارتجّت رؤيتها بضبابٍ متماوج.
“آنسة ريدل!”
قبضت أون كيونغ على رأسها المثقل بالصداع من أثر التعب، واعتدلت جالسةً وهي تحدّق بذهول نحو الباب.
لم يخطر لها في الحال أنّ ذلك الاسم يناديها هي بالذات، فقد كان ذهنها بطيئًا من أثر الوهن.
“آه……لحظةً فقط!”
حين تمعّنت في النبرة المستعجلة، خافت و وقفت مترنّحة تعدو إلى الباب. وبمجرد أن فتحته على عجل، هرعت تعتذر بعينين متهدلتين،
“آسفة……غلبني النعاس للحظة……”
“لقد عثرتُ على دليل!”
تجمّد الدم في عروقها.
قال آرثر ذلك وهو يقتحم الغرفة بوجهٍ متورد، ثم ابتسم أعرض ابتسامةٍ رأتها منه قط، ابتسامةٌ ملؤها البهجة. غير أنّها لم تستطع أن تبادله ابتسامته.
دليل؟ كيف؟ أليس إدوارد قد استولى عليه؟
لم يخطر لها هذا الاحتمال البتة، فانهار اتزان تفكيرها وكأن صخرةً هوت على رأسها.
و بينما لم يلحظ حالتها، أخذ يلهث قليلًا ثم دفعها نحو كابوسٍ آخر بكلماته الصريحة،
“لقد وجدت رسالةً في درج مكتب مارغريت غيلفورد! رسالةٌ كتبها إدوارد هاميلتون يُعلن فيها نيته زيارتها! لعلّ هذا الدليل……”
تلاشى صوته فجأة كأنه بُعد عنها، ثم عاد يتردد في أذنيها كالرجع. و كانت تحدّق فيه بوجه شاحبٍ كالورق، بينما هو يتكلم بحماسة.
وقبل أن يتاح لها أن تفكر أكثر، تحرّكت شفتاها بالكاد.
لطالما حسبها شخصًا يسهل قراءة أفكاره، لكن هذه اللحظة كانت عصيةً على الفهم تمامًا. لماذا تمدّ له يد العون ثم تسدّ عليه الطريق في اللحظة الفاصلة؟
راقبها وهي تبتعد فجأةً وكأن جدارًا ارتفع بينهما، فانعكس ذلك في عينيه بتعبيرٍ مائل نحو الانكسار.
لم يخطر بباله أنها تفعل هذا لأنها حقًا تظن أنّ الرسالة وحدها لا تكفي. فهل خشيت من انتقام خطيبها السابق؟ أم أنّ الأمر أعمق من ذلك……؟
أم لعلّها فجأة أيقنت أنّها لا تستطيع أن تتحمّل خسارة خطيبها؟
ارتسم على طرف فمه انحناءةٌ ساخرة توحي بالمرارة. مهما كانت دوافعها في اقتراح إخفاء الدليل، فقد وُجدت الرسالة بالفعل، ولن يمضي وقتٌ طويل حتى يظهر أثرٌ آخر لا يمكنها هي ذاتها أن تمنعه.
كان آرثر واثقًا أنه سيعثر على دليل قاطع.وقبل أن يلحق شخصٌ آخر بتوماس تيرنر، وكاثرين ميلر، ومارغريت غيلفورد في المصير ذاته……سيمسك هو بيديه إدوارد هاميلتون، لا محالة.
_________________________
اوك احسني اقتنعت آرثر هو البطل جنتل يجنن خوفه عليها حلو وحنووون 🤏🏻 حتى في اللحظه وافق وعنها استانست بنيتي حتى وهو شاك😔🤏🏻
بس مدري صدق ليه إدوارد هو بس الي في الأغلفه؟ وعادي لو طلع هو البطل بعد يمكن يطلع مظلوم وكذا✨
المهم يخوف موضوع الرساله ذي والعنوان وخوف أون كيونغ وكل شييييييي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"