أُطفئت أضواء المسرح. و أون كيونغ كانت تلتقط أنفاسها في ظلام دامس لا ترى فيه حتى يديها، أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما، لتنتظر أن يتغير المشهد.
كانت ترجُو أن يظهر ولو بصيص ضوءٍ في حجم ظفر، علّ قلبها يهدأ قليلًا.
لكن البصر لم يخرج من عتمته، حتى العلامات المبعثرة على الخشبة لتوجيه الممثلين لم تبدُ لها.
و لم تعد تدري إن كان ما بلل رموشها عرقًا أم دموعًا.
ك فرفعت يدها تمسح عينيها الملتهبتين، ثم أرخَت رأسها فجأة.
تُرى، ما حال آرثر الآن؟
تذكّرت وجهه الشاحب وقد انقبض بحدة، وبين التجاعيد المرهقة كانت تتسلل ملامح قلقٍ دفين.
كأنما كان على وشك أن يقول شيئًا…..
استعادت في ذهنها شكل شفتيه وهي تتحرك، لكنها عجزت عن استنباط الكلمة التي لم تكتمل. ومع ذلك، تمسكت بعناد بمحاولة تخمين الجملة التي أراد أن ينطقها.
ففي هذا الظلام، لم يكن بوسعها أن تفعل شيئًا سواه. بلا رؤية، لم تجرؤ حتى أن تتحرك كيفما شاءت. و لم يكن أمامها إلا أن تنتظر بصبر حتى تتحسن الظروف.
قبضت أون كيونغ كفها بقوة، ثم أخذت نفسًا عميقًا ببطء. و بدأ قلبها، الذي كان ينبض بجنون، يستعيد وتيرته المعتادة، ومع صفاء ذهنها من غشاوة القلق، وجدت متسعًا لترتيب الموقف بعقلانية.
ربما لهذا السبب أحسّت أن بصرها قد انجلت ظلمته قليلًا.
لم تكن قادرةً بعد على الحركة بحرية، لكنها رمشت محدقةً في درجة العتمة لتقديرها، حتى التقطت خيطًا من التفكير.
كانت قد حسبت أن الظلام حلّ فجأة بلا مقدمات، غير أن تسلسل المسرحية أوضح أن الأمر طبيعي.
فبعد ختام المشهد الأخير من الفصل الأول، حان دور الاستراحة.
لقد أربكها الموقف فلم تدركه في حينه، لكن حين فهمت أن ما جرى لم يكن ظاهرةً غريبة مجهولة السبب، بل مجرد وقتٍ مستقطع مألوف، انحسر قلقها رويدًا رويدًا.
في اللحظة نفسها، طردت من ذهنها صورة آرثر التي عادت تطفو، وأغمضت عينيها بإحكام. لا بد أنه بخير، على الأقل ليس عالقًا في ظلام دامس لا يُرى فيه شبرٌ واحد كما هي الآن.
وحين أكرهت نفسها على لملمة الأفكار ورفعت جفنيها، بدا محيطها أكثر وضوحًا من ذي قبل. و كان بوسعها أن تميّز أنها تقف في ممر طويل مفروش بسجاد سميك.
خفضت بصرها إلى أصابعها التي تتحرك بلا وعي، ثم ضيقت عينيها تحدق في الأمام.
هناك، في البعيد، ارتجف بصيص ضوءٍ خافت. وعرفت بالفطرة أن ذلك هو المخرج.
بدأت أون كيونغ تمشي نحوه بخطواتٍ بطيئة. و تجاهلت ستائر عملاقة على جانبيها كانت تهتز أحيانًا بهمس بارد.
ومع استقامة ظهرها، تسارعت خطواتها كلما اقتربت من الضوء. وكلما تقدمت، ازداد النور وضوحًا وتراجعت العتمة المحيطة بها بسرعة.
حتى لم يبقَ بينها وبين المخرج سوى خطوةٍ واحدة، توقفت لحظة، ثم عبرت إلى الداخل بثبات.
في اللحظة ذاتها، مرّ بأذنها همسٌ يشبه أصوات جمهور غفير يتهامس، قبل أن يتلاشى بخفة. وانطفأ الضوء الذي وخز عينيها كالإبر. وحين أعادت فتحهما، وجدت نفسها واقفةً أمام مكتب إليزابيث.
و أمامها كانت هناك صحيفةٌ مطوية بهدوء، مؤرخة بعد زمن طويل من يوم وقوع الجريمة الثانية.
‘لقد بدأ الفصل الثاني.’
***
أون كيونغ تجمّدت في مكانها تحدّق في الصحيفة، قبل أن تزفر بارتباك.
كانت تتمنى فقط أن تبلغ الاستراحة، لكنها لم تتخيل أن تصل إليها بهذا الشكل.
قبضت على طرف تنورتها بأصابع مرتجفة كأنها تمزقه، ثم أرخته فجأة وسحبت نفسًا عميقًا.
أغمضت عينيها وفتحتهما مرارًا، و قلبت الصحيفة مراتٍ عديدة، لكن التاريخ المطبوع بوضوح ظل ثابتًا لا يتزحزح أمام نظراتها القلقة.
أواخر سبتمبر…..
رمقتها بنظرةٍ حادة أخيرة، ثم أخذت تحسب بسرعة في رأسها.
إن كان الزمن حقًا في أواخر سبتمبر، فلن يكون من المجدي حساب كم مضى منذ الجريمة الثانية، بل الأجدى أن تحسب كم بقي حتى الجريمة الثالثة المتوقعة.
لم تكن تعرف على وجه الدقة تاريخ وفاة مارغريت غيلفورد، لكن بما أن الجرائم وقعت بفارقٍ يقارب نصف شهر، فقد خمّنت بسهولة أن الموعد سيكون أوائل أكتوبر.
وإن صحّ ذلك، فهذا يعني أنها ستواجه جثةً أخرى عما قريب…..
فشعرت بغثيان يتصاعد في صدرها، و عضّت شفتيها بعجلة تكبح اشمئزازها، ثم أزاحت نظرها إلى الجانب.
بحثت بيأس عن ما يشغلها، فانزلقت عيناها على سطح المكتب المبعثر حتى استقرت على بضع رسائل.
كان الاسم على الظرف مألوفًا…..إنها رسائل من آرثر.
لم تستطع إلا أن تقرأها. كأن قوةً خفية سحبت يدها، فتناولت إحداها وبدأت تقلب الأوراق ببطء، تقرأ سطرًا تلو الآخر.
[ …..لقد تأكدت من عودتكِ إلى المنزل سالمةً في ذلك اليوم، لكن القلق لم يفارقني، لذا أمسكت القلم.
إن بعثتِ لي بردّ، ولو بكلمةٍ تطمئنني أنكِ بخير، فسيكون ذلك كافيًا ليريح قلبي. ]
تلت ذلك بضعة أسطر أخرى، لكنها لم تحمل أي أمر مهم.
لم تكن الرسالة سوى بادرة خفيفة للسؤال عن الحال. ورغم ذلك، وجدت أون كيونغ نفسها تعيد قراءتها مرارًا، مأخوذةً بالدهشة.
أن يطلب منها أن تكتب ردًا تؤكد فيه أنها بخير؟ ماذا يعني هذا؟
كانت تظن أن قراءة رسالةٍ من آرثر ستبدد الغموض وتكشف ما جرى، لكنها لم تزدها إلا ارتباكًا فوق ارتباك.
أيعقل أنها أصيبت أو مرضت مرضًا شديدًا دون أن تدري؟
صحيحٌ أنها أكثر من يعرف حالتها، ولم تشعر يومًا بعلّة واضحة منذ عادت لتأخذ مكانها كإليزابيث، لكنها لم تستبعد تمامًا ذلك الاحتمال.
رفعت ذراعها بحذر، و حرّكت جسدها في مكانها بخطوات خفيفة، تتحقق إن كان ثمة ألمٌ أو جرحٌ خفي، لكنها لم تجد شيئًا.
طبيعيًا لم يكن هناك وجع ولا وخز. لكن الأمر الذي شغلها لم يكن مقتصرًا على ذلك فقط.
‘كأنه يكلمني كما يكلّم أعزّ المقرّبين…..’
صحيحٌ أنهما أصبحا أوثق مما كانا عليه عند اللقاء الأول، غير أن القلق الذي تقطر به سطور رسائله كان عاطفةً دافئة لا تُتبادل إلا بين أشخاص تجمعهم صلةٌ حميمية.
مشاعرٌ لا يُفترض أن تكون بينها وبينه.
ومع ذلك، تقبّلت أون كيونغ في أعماقها ذلك الاهتمام بارتياح خفي، وما إن أدركت ذلك حتى اجتاحها ذهولٌ خفيف.
لقد أعجبها أن آرثر لونزديل يراها قريبة، يعتني بها ويسأل عن حالها. و لم يكن شعور امتنانٍ عابرًا، بل إحساسًا مشوبًا بالمودة.
فعضّت شفتها اليابسة على عجل وأسرعت تطوي الرسالة لتخفي ما فيها، ثم تراجعت خطوتين مبتعدةً عن الطاولة.
لم تستطع حتى أن تخمّن متى بدأ قلبها يلين بهذا الشكل.
متى؟ متى كان ذلك؟ ربما منذ اللحظة التي سمح لها بالدخول إلى غرفته وبقي إلى جوارها. أو قبلها حتى، منذ أن هرع لنجدتها، أو حين حاول مواساة خوفها، أو في كل مرة أنصت إليها بصدق…..
استعادت ذكرياتها على عجل، فارتسمت على وجهها ملامح أسى. فما جدوى هذه الاسترجاعات الآن؟
لقد صار قلبها هشًا إلى حدّ أن أي صدمةً صغيرة تكفي لجرحه وتمزيقه. وليس في وسعها أن تحميه أو تجعله أصلب، فالظروف التي تحاصرها لا تسمح بذلك.
كانت تحاول اقتلاع جذور هذا الحب المتفحم من صدرها، لكنها ما لبثت أن أدركت أن حتى هذا ليس بيدها، فابتلعت تنهيدةً رطبة.
ولتُسكت أفكارها المتزاحمة، حاولت جاهدةً أن تشتت انتباهها، فحدّقت ببصرها الى الرسائل المتبقية على الطاولة بوجهٍ متوتر.
كانت تعلم أن التجاهل ليس حلًا، لكنها لم تعد تملك طاقة تفكيرٍ أبعد من ذلك.
وبينما هي تحدّق بجبين متقطب، تحاول بصعوبة التركيز في سطور الرسالة الثانية، تغيّر تعبيرها فجأة عندما بلغت منتصفها تقريبًا.
مثلما كانت الرسائل السابقة مكتوبةً بخط حادّ، اختتمت تحية الاطمئنان برسالة قصيرة تتعلق بوفاة كاثرين ميلر.
وبذلك، كان بالإمكان توضيح أن الجريمة تشترك في طريقة القتل ونوع السلاح مع حادثة توماس تيرنر، ما يشير إلى أنها سلسلة جرائم من نفس القاتل، إلا أنه لم يمكن تحديد المشتبه به.
كانت الرسالة موجهةً لشخص شاهد وعاون، لكنه، من الناحية العملية، لا يمكنه التدخل بشكل عميق في القضية، لذلك جاءت التفاصيل عامةً ومختصرة.
ومع ذلك، كانت الرسالة محشوةً بالكامل بما أراد آرثر توصيله.
رفعت أون كيونغ الرسالة الأخيرة على الطاولة وفتحت الورقة الأخيرة.
[أخشى أن تكون هذه الأخبار غير سارة، لكن بما أنني وعدت بأن أبلغكِ بأي جديد، أرسل هذه الرسالة.
باختصار، لقد تم تفتيش المنطقة بدقة، لكننا لم نعثر على أي دليل يمكن أن يحدد هوية القاتل أو أي شاهد. ]
كان آرثر يعتذر بطريقةٍ لطيفة، لكنها كانت تعرف مسبقًا أنه لم يكن ليتوصل إلى أي دليل. فلو عثر على أي أثر يثبت أن القاتل في الجريمة الثانية هو إدوارد، لما ماتت مارغريت غيلفورد أو هنري هاملتون.
لكن، بقيت جريمتان بعد ذلك. و من المؤكد أن إدوارد غادر المكان دون أن يترك أي دليل قد يكشف هويته.
أنهت أون كيونغ تفكيرها وأعادت جمع الرسائل المتراكمة على الطاولة.
ثم فتحت الرسائل الثانية والثالثة لتعيد قراءتها، بينما تركت الرسالة الأولى عمدًا في الأسفل.
وفجأة لاحظت أن الدفء والحنان الذي تسرب في الرسالة الأولى قد اختفى تمامًا في الرسائل اللاحقة.
كانت الجمل الجديدة متوترةً بشكل غريب، خاليةً من المشاعر، ومصفوفةً بصلابة.
فعبست أون كيونغ، وارتفع شعورٌ خفيف بالقلق على طول عمودها الفقري.
لابد أن هناك سببًا لتغيير موقف آرثر، لكنها لم تعرف ما هو، فشعرت بالانزعاج.
هل كان بسبب محتوى الرد؟ أم أنه لم يتلق الرسائل أصلاً؟
بينما حاولت تخمين ما حدث خلال الاستراحة، شدّت وجهها.
لن تحصل على إجابة بمفردها. وبما أنها فشلت في معرفة ما جرى من خلال الرسائل، أصبح اللقاء مع آرثر أمرًا حتميًا.
فاتخذت قرارها وشدّت كتفيها.
و لم تكن متأكدةً مما إذا كانت ستتمكن بعد لقائه من التصرف كما كانت تفعل سابقًا.
_______________________
ويت ويت شكل آرثر البطل؟ الصدق اذا هو عادي دامه مريح أون كيونغ بس وإدوارد من يحتويه؟ حسبت أوم كيونغ بتفهمه وكذا
يعني تو باقي نص الروايه بس مدري اول مره ادخل في حيرة من البطل😭 وطلعت تونّس الصدق
بعدين ليه آرثر تغير اسلوبه معها ؟ لايكون عشان المسرحيه ولا هو شافها ماعطته وجه ؟ تـء ياويلك تجرحها
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات