وكأن ذلك وحده السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، لا غير.
***
حين ظهرت أون كيونغ بوجهٍ شاحب كالأوراق، بدا آرثر متفاجئًا قليلًا.
“…..هل أنتِ بخير؟”
ملامحه غمرها قلقٌ واضح، كأنه خشي أن يكون قد أصابها مكروهٌ في الطريق. فترددت لبرهة، ثم لم تجد سوى هز رأسها بصمت.
فبأي وجه يمكن أن تشرح؟
أن تقول له أنه غدًا صباحًا، أثناء نزهتها، ستصطدم بالقاتل وجهًا لوجه حتى تُدفع إلى حافة الموت؟
أو أن الحقيقة أنها عاشت هذا الموقف بالفعل، لكنها حين كانت على وشك أن تُطعن بالخنجر عادت يومًا واحدًا إلى الوراء؟ ثم إن الخوف لم يزل عالقًا بها حتى الآن، فصارت بهذا الحال البائس؟
“أ…..أنا بخير.”
أجابت متلعثمة، وشفاهها البيضاء المرتعشة ترسم ابتسامةً واهنة. لكن أي عين رأت ذلك ما كانت لتصدّق أنها بخير.
و آرثر لم يُخفِ شكه في كلماتها، غير أن أون كيونغ أطبقت شفتيها ولم تسمح لمزيد من الأعذار أن تنفلت منها.
تأملها مليًا بنظرة مفعمة بالقلق، لكنه استسلم أخيرًا وتراجع عن الاستجواب، وقد أدرك بفطرته أن لا جواب سيُنتزع منها.
ومع أن قلقه لم يتبدد، حمل عنها أمتعتها على نحو طبيعي، غير أنه ظل يراقب وجهها بنظرةٍ متوجسة. ثم، وكأنه أراد صرف تفكيرها عن ذلك كله، أخذ يفتح موضوعًا تلو الآخر.
“…..على ما يبدو، حين نصل سيكون قد حل الليل بالفعل.”
“أجل، هكذا يبدو.”
كان كل ما يقوله قد سمعته من قبل. لذلك لم تفعل أون كيونغ سوى أن تهز رأسها بصمت.
أما آرثر، فحين رأى رد فعلها البارد، ظل يحدق بها طويلًا بوجهٍ يوحي أن في صدره كلامًا كثيرًا، ثم سرعان ما حوّل بصره وكأن الصمت لم يطل أصلًا، واستأنف حديثه.
“بعد أن نصعد، سيكون من الأفضل أن تغمضي عينيكِ قليلًا. تبدين متعبةً للغاية.”
حتى هذه العبارة كانت مألوفةً لها من قبل. فاكتفت بإيماءة أخرى، غير قادرة على إظهار أي حيوية أكثر من ذلك.
يبدو أن آرثر أدرك أخيرًا أن مهما فعل فلن يعيد إليها حيويتها، وأن تركها وشأنها قد يكون أفضل.
وبذلك، حين وجدا مقعديهما وجلسا، استطاعت أن تهدئ أفكارها دون أن تضطر لإظهار أي ردود فعل مبالغ فيها.
جلست أون كيونغ ثم رفعت عينيها بهدوء نحو وجه آرثر المقابل لها.
كان، كما في المرة السابقة، قد أخرج بضع أوراق يقرأها بحماس وهيمنة. غير أن وجهه كان يتراكب في نظرها مع ذاك التعبير البائس الذي رأته عليه قبل أن تعود بالزمن.
تعبيرْ كان كافيًا ليملأ قلب أي ناظرٍ بالفزع. لم يكن شبيهًا بمجرد الخوف العادي الذي يراود إنسانًا حين يقف أمام قاتل أو يشهد قريبًا منه على حافة الموت.
بل كان خوفًا أقدم، متجذرًا، يلتف حوله كقيود لا يراها، حتى وإن لم يكن هو نفسه مدركًا لها، إلا أن أي عينٍ أخرى كانت تستطيع أن تقرأه بوضوح.
حتى أنها شعرت أن وقوفه تحت حدّ السيف ما كان ليجعله أكثر هلعًا مما بدا عليه حينها.
“لا تحدقي بي هكذا، من الأفضل أن تنامي.”
قال آرثر ذلك بهدوء دون أن يرفع بصره عن الأوراق.
و في اللحظة نفسها، تبدد شرودها كأن تيارًا اجتاحه. و شعرت بحرارة مفاجئة تلتهب في أطراف أذنيها.
فمدت يدها بخجل لتلمس أذنها، ثم أنزلت يديها مطويةً فوق ركبتيها، وهمست بصوتٍ خافت،
“لست…..مرهقة إلى هذا الحد.”
“ومن سيصدقكِ؟ وأنتِ بهذا الوجه الشاحب؟”
رفع آرثر عينيه أخيرًا، ونظر إليها مباشرةً وهو يجيب بنبرة مازحة.
لم يظهر الكثير على ملامحه سوى حاجبٍ مرتفع بخفة، لكن صوته كان مشبعًا بضحكة لم يستطع كبتها.
أون كيونغ فتحت شفتاها باستياء خفيف يكاد لا يُرى. ومع ذلك، خفّ توترها كثيرًا. بل حتى هو نفسه بدا مرتاحًا لرؤيتها أكثر هدوءًا مما كانت عليه عند صعود القطار.
“ستكون رحلةً شاقة.”
كان قصده أن تستغل أوقات الراحة لتستريح قدر الإمكان.
لكن عبارة “رحلة شاقة” وصلت إلى أون كيونغ بمعنى آخر تمامًا. فهي كانت تعلم مسبقًا أنها لن تتمكن من لقاء كاثرين ميلر أو الحديث معها في اليوم التالي.
ولأنهما سيكونان أول من يشهد الجثة، فلن يكون بوسعهما العودة مباشرةً إلى القصر أيضًا.
أفكار المستقبل التي تنتظرها ارتسمت كظل ثقيل على ملامحها، فانعكس على وجهها تعبيرٌ خفيف من الانزعاج قبل أن تغمض عينيها بهدوء.
و تعلّقت بأمنية ساذجة: ربما، إن استيقظت من نومها ستجد أن كل شيء قد انتهى.
***
“…..آنسة ريديل.”
ناداها آرثر بصوتٍ لم يكن مرتفعًا، تمامًا كما فعل في المرة السابقة، وهو يوقظها بحذر.
رفعت وجهًا لا يزال مثقلًا بالنعاس، وخطر ببالها أن تصرفه يبدو أكثر حرصًا هذه المرة. ثم سرعان ما قطبت جبينها لتطرد بقايا النوم عنها.
و ما إن رآها تستفيق حتى تراجع بخفة إلى الخلف.
“لقد وصلنا.”
قال ذلك بنبرة مهذبة، لكنها حملت شيئًا من المسافة.
تذكرت أنها قبل عودتها بالزمن كانت قد ظنّت للحظة أنه يتجنبها. والآن، وهي تراه يحوّل بصره بعيدًا عنها، أطلقت زفرةً طويلة.
يبدو أنها لم تكن مجرد أوهام. لكنها لم تستطع مطلقًا أن تفهم السبب.
آرثر، وقد أدرك أنها لاحظت شيئًا من بروده، أطلق سعالًا جافًا بوجه حائر، قبل أن تلين ملامحه مجددًا بسرعة. مما دلها على أنها لم ترتكب خطأً كبيرًا يستوجب هذا التغير…..ومع ذلك.
نزلت من القطار وراءه بوجه متردد، وزوايا شفتيها تنحني إلى الأسفل. وقد غشاها شعورٌ بالفتور والغربة لم تفهم سببه.
حتى وهي تتوجه إلى نفس النُزُل الذي نزلت فيه في المرة السابقة، وتتسلم نفس الغرفة التي خُصصت لها آنذاك، ظلّت المسافة بينهما كما هي، و لم تقترب قيد أنملة.
أخذت المفتاح، وما إن دخلت غرفتها حتى أطلقت تنهيدةً خفيفة.
يكفيها ما عانته قبل عودتها بالزمن من إنهاك، فكيف بها الآن وهي مضطرةٌ لأن تستهلك ما تبقى لها من طاقة في التفكير بسبب التغير المفاجئ في سلوك آرثر. فقد شعرت وكأن عقلها يتآكل قطعةً قطعة.
ما إن وضعت الحقيبة التي تسلمتها من آرثر في أحد أركان الغرفة، وابتعدت بضع خطواتٍ عن الباب، حتى التقطت أذناها صرير السلالم الخشبية العتيقة.
لسعةٌ باردة اجتاحت عمودها الفقري على حين غرة.
لم يكن الصوت غريبًا، فالنُزُل ليس مخصصًا لهما وحدهما، ومع ذلك أحست بثقلٍ مشؤوم لا تفسير له.
قلبها كان ينبض مسرعًا، منذ لحظة لم تدركها بنفسها. والخطوات…..كانت تقترب أكثر فأكثر.
كان وقعها ثقيل، مما يوحي بأنه رجل، أما سرعتها فكانت متأنية.
‘مجرد نزيل آخر…..لا أكثر.’
هكذا حاولت أون كيونغ أن تهدئ نفسها بجموح، حتى أنها نسيت أن تتنفس.
و أقنعت نفسها أن كل هذا ليس إلا أثرًا لفرط الحساسية الذي تركته العودة بالزمن في أعصابها. مجرد ضجيج غريب، غير مألوف، يتسرب إلى مسامعها في مكان غير آمن…..هذا كل شيء.
لكن فجأة…..
تلاشت كل تبريراتها. و ارتبك وعيها حتى شعرت بدوار، فقط لأنها أدركت الخلل الذي كان يختبئ بين كلماتها.
الخطوات…..صارت صامتة.
متى؟ منذ أي لحظة اختفت؟
أخذت تستعيد بقلق آخر لحظة بقي فيها الصوت حاضرًا. تذكرت بوضوح أنه كان يزداد قربًا، كأن صاحبه يقترب من باب غرفتها مباشرة.
لكن بعد ذلك؟ لا شيء.
لم يتراجع الصوت، لم يبتعد في الممر…..بل انقطع فجأة. وكأن صاحب الخطوات يقف الآن أمام بابها تمامًا.
بمجرد أن خطر لها ذلك، هوت معدتها كحجر ثقيل.
‘..…مستحيل.’
حاولت أن تخدع نفسها، أنها فقط لم تلحظ صوت الابتعاد، أو ربما أن الخطوات أصلًا لم تكن قادمةً في سبيلها. و تلمّست أي سببٍ هزيل وهي تحدق بثبات في الباب.
خارج الغرفة ظل كل شيء ساكنًا. وانقضت عشرات الثواني ولم يبدُ أي أثر لوجود أحد، حتى بدأ قلبها يستعيد هدوءه قليلًا.
فمن ذا الذي قد يختبئ بهذا الصمت المطبق ليراقبها؟ لابد أنها فقط بالغت في حساسيتها.
سحبت نفسًا عميقًا، وخفّفت ملامحها قليلًا، وهمّت بخطوة أخرى إلى الداخل…..
عندها فقط—
__________________________
يماااااه وش من وجع ليه وقف الفصل هنا استوي يامؤلفه خل نتفاهم
شكله إدوارد ولا آرثر يعنني اتطمن؟ مدري بس بطني آجعني
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات