كانت تتابع بعينيها الخطوط المتعرجة للجبال وهي تتغير سريعاً، وتتأمل هيئة الغيوم المبعثرة كأنها منسوجة فوق زرقة السماء، وتترك بصرها ينساب على قمم الأشجار التي ما زالت خضراء، وإن بدأت أطرافها تتلون شيئاً فشيئاً.
وبينما كانت غارقةً في تلك المشاهد، غلبها النعاس من غير أن تشعر، فنامت نوماً عميقاً على الرغم من قسوة المقعد ووضعيتها غير المريحة.
ما أعادها إلى اليقظة كانت همهمةً غامضة لم تفهم معناها.
“…..آنسة، آنسة ريديل.”
لم يكن الصوت مرتفعاً، لكنه كان واضحاً تماماً يخترق سمعها.
أعادت أون كيونغ كلماته في ذهنها بعقل مثقل بالنعاس، حتى أدركت فجأة أنه يناديها، ففتحت عينيها على اتساعهما.
“نـ-نعم؟”
أجابت بصوتٍ مبحوح، ثم عقدت حاجبيها متألمة. فمن عنقها حتى ظهرها كان متيبساً و لم تقوى على تعديل جلستها.
انكمشت متوجعةً وهي تسترجع صورة السماء التي لمحَتها قبل قليل عبر النافذة، وتنفست أنيناً خافتاً.
و بدا أن آرثر اعتبر ذلك دليلاً على شدّ عضلاتها.
“هل يؤلمكِ كثيراً؟”
“الأمر ليس كذلك.”
أجابته مترددة على سؤاله القلق، مغمضة عينيها وهي تتألم.
كيف لي أن أغفو وحدي هكذا؟
صحيحٌ أنه قال بنفسه أنه من الأفضل أن تنام حتى يصلون، لكن شعوراً بالحرج ظل يثقل صدرها.
وعندما لم تضف شيئاً وظلت تحرك شفتيها باضطراب، بدا أنه فهم على نحو غامض سبب سلوكها الغريب.
“لستِ بحاجةٍ للاعتذار.”
قال آرثر طلك بصرامة وهو يطبق شفتيه.
كلماته توقفت وكأن لها بقية لم تُقَل. فنظرت إليه أون كيونغ بدهشة، وقد خُيِّل إليها أنه يتجنب عينيها.
‘……هل ارتكبتُ خطأ ما؟’
ربما اقترفت حماقة أثناء نومها، و لا تدري ما هي.
فجأة، شعرت بقلبها يهوي في صدرها بثقل مباغت.
كانت تحاول جاهدةً أن تنبش في ذاكرتها لتتذكر كيف تكون عادات نومها، حينها، دوّى صوت آرثر من جديد عند أذنها.
“لننزل هنا. لقد جهزتُ مسبقاً مكاناً للإقامة.”
كانت نظرته التي رماها إليها عابرةً وهادئة كالمعتاد، كصفحة بحيرة ساكنة. فتابعت أون كيونغ خطواته وهي في حيرة من أمرها.
وأثناء السير نحو النزل، راحت ترسم في ذهنها صورته المتوقعة.
هل سيكون مبنى خشبياً منخفض الطوابق كما يتبادر إلى الذهن عند سماع عبارة “منشأة إقامة من القرن التاسع عشر”؟ أم لعله مبنيّ من طوب أحمر؟ وبالطبع ستكون الغرف منفردةً لكل شخص.
خطواتهما كانت تطرق الأرض في صمت الليل، وبعد عشرين دقيقة تقريباً بلغا مبنى صغيراً.
كان شكله مطابقاً تماماً لما تخيلته. نزلٌ من طوب مرصوص بدقة، بعيد عن أي صورة رومانسية كما تصفها الروايات، لكنه يحمل في جفافه قدراً من الجاذبية الخاصة.
سلّم صاحب النزل إليهما مفتاحين، وبعد أن تبادلا تحيةً قصيرة واتفقا على موعد اللقاء، تفرقا إلى غرفهما.
“لقد حجزت موعد الزيارة في الثالثة، فلنلتقِ إذاً عند الثانية والنصف. لا بد أنكِ متعبة، فاستريحي جيداً.”
“نعم، وأنتَ أيضاً.”
“وإن حدث واحتجتِ للخروج قبل ذلك، فلابد أن تستدعيني. فالأمر محفوفٌ بالمخاطر.”
“حسناً.”
أجابت بسهولة، وإن كانت في داخلها واثقةً أنه لن يعترض طريقها شيءٌ يهدد سلامتها. وقد كان ذلك إيمانها، وإن لم تصرح به.
وبينما كانت تهز رأسها موافقة، لاحظت أن ملامح آرثر استرخت للحظة ثم تصلبت فجأة.
وبحركة غير متوقعة، أنهى التحية على عجل وتراجع عنها خطوتين أو ثلاثاً، كأنه يوشك أن يسبقها إلى غرفته.
لكنه ظل يراقبها حتى دخلت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها.
ارتبكت أون كيونغ من هذا التغير المفاجئ، فاكتفت بتحية صامتة بعينيها ثم انسحبت مسرعة إلى الداخل، وهي تعقد حاجبيها في حيرة. فلم تفهم البتة ما الذي كان يدور في ذهنه.
***
كانت تظن أنها ستظل غارقةً في النوم حتى وقت متأخر من شدة الإرهاق، لكن أون كيونغ استيقظت أبكر مما توقعت.
بل لم يكن الأمر مجرد أبكر بقليل، فالنَفَس العميق الذي أخذته وملأ رئتيها ببرودةٍ حادة، ورائحة ضوء الشمس المبلل بالندى، دلّاها بوضوح على أن الوقت ما يزال صباحاً باكراً.
مدّت ذراعيها بتكاسل لتتثاءب، ثم أمالت وجهها نحو النافذة تفكر إن كان آرثر قد استيقظ.
‘ربما يكون مستيقظاً الآن..…’
وبالنظر إلى طباعه، لم يكن غريباً أن يكون قد أنهى جولة مشي صباحية، ثم جلس يتناول فطوراً بسيطاً وهو يتصفح الجريدة بوجهٍ جاد خلف نظارته الرفيعة المعتادة.
ابتسمت أون كيونغ ابتسامةً رخوة وهي تسند ذقنها إلى حافة النافذة، وقد تخيلت صورته تلك.
“جولةٌ قصيرة…..لما لا؟”
فالموعد ما زال بعيداً، ويمكنها أن تنشط قليلاً قبل أن يحين.
صحيحٌ أن آرثر أوصاها باستدعائه إذا أرادت الخروج، لكنها لن تبتعد كثيراً وستعود سريعاً، فلا بأس.
أصلحت مظهرها على عجل، وخرجت بخطواتٍ حذرة من النزل. غير أن صرير الباب ووقع خطواتها على الدرج أحدثا ضجة غير مقصودة كادت تفضحها، لكنها اطمأنت إذ لم يُفتح باب غرفة آرثر.
كانت السماء صافيةً من غير غيم، فتدفقت أشعة الشمس الندية على الطريق بلا عائق.
الطيور التي سبقتها إلى الصباح غردت بخفة، وروح القرية المتنبهة أخذت تنتشر في الأجواء مثل ضباب خفيف.
كان صباحاً منعشاً، بحيث يصعب تصديق أن جريمة قتل ستقع قريباً.
سارت أون كيونغ على الطريق دون أن تبتعد عن النزل كثيراً.
لكن ما إن خطرت في بالها كلمة “قتل”، حتى أثقل شعور الذنب صدرها كالصخرة. ومع ذلك، كان حالها أفضل بكثير مما كانت عليه حين كانت وحدها.
فأطبقت قبضتها بوجه قاتم.
هل يعود فضل قدرتها على السير بهذه الطمأنينة إلى آرثر؟ لم يمضِ وقتٌ طويل منذ كانت تطاردها الكوابيس بدماء تغمر الأرض وجثث تتحرك.
و فقط لأنها لم تضطر هذه المرة لمواجهة مسرح الجريمة وحيدة، وجدت نفسها قادرةً على التنفس والمشي وكأنها متحررة.
وهي غارقةٌ في أفكارها، لم تنتبه أون كيونغ إلى أنها تبتعد شيئاً فشيئاً عن النزل.
قدماها حملتاها أبعد فأبعد، حتى غدا مركز القرية خلفها بعيداً. و الأصوات الصاخبة التي ملأت الصباح تلاشت تدريجياً، ولم يبقَ على الطريق سوى عابرين قِلّة يمرون بمحاذاتها.
ومع ذلك، كان مجرد بقائها ضمن حدود القرية كافياً ليبعث في نفسها شعوراً زائفاً بالأمان.
‘ألم يقولوا أن جريمة القتل الثانية حدثت في الصباح..…؟’
كانت تمشي بعينين شاخصتين إلى الأرض، حتى باغتها خاطر: أليس المكان هادئاً أكثر مما ينبغي؟
لكن ذلك الإدراك جاء متأخراً جداً.
صحيحٌ أنها كانت تعلم أنه لا أحد هنا سيؤذيها، ومع ذلك، ارتجف عمودها الفقري بقشعريرة باردة، إذ كان في الأجواء نذير شؤم لا تفسير له.
تثاقلت خطاها حتى توقفت تماماً، حينها داعب أنفها نسيمٌ يحمل رائحة دماء مالحة خفيفة.
فتجمدت وهي مطأطئة الرأس، كأن قوةً غامضة تثقل رقبتها فلا تدعها ترفعها.
كان ثمة شخصٌ واحد فقط في هذا المكان قادرٌ على إيذائها.
تصلبت عضلات عنقها حد الألم، وتلاحقت أنفاسها المضطربة، بينما جالت عيناها في توتر قبل أن ترفع رأسها ببطء شديد.
كان إدوارد هاملتون أمامها. و كانت قطرات دم متجمدة لم تُمحَ بعد مبعثرة على وجنتيه الشاحبتين، وياقة قميصه البيضاء الظاهرة من تحت معطفه الأسود كانت مبللةً بالدم كذلك.
ثم تلك اليد…..فيها سكين، وقد جف الدم متخثراً تحت أظافره.
كادت صرخةٌ تندفع من أعماق حلقها، لكنها ابتلعتها بعجَل، مكتفية بتراجع مذعور وخطوات متعثرة، فيما انفرجت شفتاها بكلماتٍ متقطعة،
“لـ….لما..…؟”
لماذا هو هنا؟
الجملة لم تكتمل، وتهاوت كما خرجت.
ويبدو أن الذهول لم يكن من نصيبها وحدها، فقد بدا أن إدوارد هو الآخر مصدوم، وإن لم يظهر ذلك على وجهه بحدة، إلا أن الدهشة كانت واضحةً في عينيه المتقدتين.
وما صرف نظرها عن عينيه، التي لم تجرؤ على الفكاك منهما، كان الدم وهو يتساقط قطرةً بعد أخرى عن نصل السكين التي يمسكها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات