[الضحية وُجدت في منزلها حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، بعد مضي ست ساعات تقريبًا على وفاتها، ورقبتها مقطوعة.
لم يظهر أن أية مقتنياتٍ قد اختفت، وأعلنت الشرطة أنها ستباشر التحقيق مرجحةً أن تكون الجريمة بدافع الانتقام والحقد أكثر من كونها سرقةً مقرونةً بالقتل.]
وفي الوقت نفسه، لم يُعرف بعد عن أي شاهد عيان. لكن، بالطبع، هذا لا يعني أنه لم يكن هناك شهود. فالكثير من الناس لا بد أنهم مرّوا قرب إدوارد في اللحظة التي ارتكب فيها الجريمة، ولا بد أن بعضهم قد لامس كتفه وهو يفرّ والدماء تغمر جسده.
هناك من رآه حتمًا وهو يحمل سكينًا ملوثةً بالدم، وهناك من لا بد أن أنفه التقط رائحة الدم المعدنية الحادة.
ومع ذلك، فلن يجرؤ أحدٌ على أن يصرّح بأنه شاهد القاتل، كما هي حال كل أولئك الممثلون المساعدون في العروض الغنائية.
أون كيونغ كانت تُقلب الجريدة بعينين شاردتين، ثم طوتها بعناية وأخفتها بين ركام الصحف.
ثم حملت حقيبتها الجاهزة، وألقت نظرةً أخيرة على الغرفة قبل أن تخطو بخفة وتغادر القصر.
ورغم أنها حاولت أن تتحرك بصمت، إلا أن خروجها لم يلقَ انتباهاً من أحد، وذلك ما سهّل الأمر عليها.
“إلى المحطة، من فضلكَ.”
ركبت إحدى العربات، وظلّت تحدّق عبر النافذة وهي تهتزّ بارتجاج الطريق.
الريح التي لامست أنفها كانت جافة. و لم يحن بعد أوان تلوّن أوراق الخريف، لكن الهواء الفاتر الخالي من الرطوبة كان يُعلن بجلاء أن الخريف يقترب.
وقد كان منتصف سبتمبر، أي أن شهرًا تقريبًا ما زال يفصل عن وقوع الجريمة التالية.
وفي كل مرة كان البرد، الرقيق كقماش رفيع، يلتف حول جسدها، وفي كل مرة يختلط هواؤها العميق برائحة الخريف الحادة الصافية، كانت أون كيونغ تدرك تلك الحقيقة من جديد. كما هو الحال الآن.
اشتدّ قبضها على مقبض الحقيبة، وابيضّت مفاصل أصابعها.
‘لا فائدة من استحضار تلك الأفكار.’
حاولت أن تكبح الغثيان الذي بدأ يعتريها، فابتلعت ريقها سريعًا مرارًا وهي تصرف بصرها عن النافذة.
أطبقت جفنيها وحبست رؤيتها في ظلامٍ داخلي، ثم أخذت أنفاسها بانتظام حتى هدأ قلبها المضطرب شيئًا فشيئًا.
وفي تلك الأثناء، ظلّت العربة تسير، إلى أن أعلن السائق بصمته وتوقّفه المفاجئ أنه قد أوصلها إلى وجهتها.
نزلت أون كيونغ من العربة ورتبت هيئتها قليلًا قبل أن تدير رأسها لتتأمل ما حولها.
لم يكن هناك ساعةٌ في مرمى بصرها، لكنها كانت متأكدةً من أنها وصلت أبكر من الموعد المحدد بما أنها غادرت القصر في وقتٍ أبكر.
ومع شخصية آرثر، فالأرجح أنه سبقها إلى الوصول……
“الآنسة ليديل.”
وبينما كانت تفتش بعينيها هنا وهناك بحثًا عن آرثر، اقترب رجلٌ من خلفها وناداها بهدوء.
لم تشعر أون كيونغ بوجوده أصلًا، فتجمدت في مكانها عاجزةً حتى عن مجرد الالتفات. فتراخت قبضتها، وسقطت الحقيبة من يدها لترتطم بالأرض بوقعٍ مكتوم.
“المعذرة، لم أتوقع أن أفزعكِ هكذا.”
تجاوزها آرثر بخطوةٍ سريعة، والتقط الحقيبة ونفض الغبار عنها وهو يعتذر، وصوته المرتبك مشبعٌ بالارتباك والحرج.
كان يضع قبعة فيدورا تغطي وجهه بعض الشيء، ثم التفت نحوها ليكرر اعتذاره.
“آه، لا……لا بأس.”
رؤية آرثر أكثر توترًا منها جعلت أون كيونغ تشعر بالحرج، فابتسمت بتكلف وهي تمد يدها.
لم يكن ذلك إلا إشارة له أن يعيد لها الحقيبة، لكنه على العكس شد قبضته أكثر على مقبضها.
“سأحمل الأمتعة عنكِ.”
قال ذلك بحزم وهو يبتسم ابتسامةً خفيفة.
وبما أنه تحدث بذلك الوضوح، بدا من المحرج أن تطلبها ثانية، فاكتفت أون كيونغ بأن تسحب يدها بهدوء.
“لا يزال هناك بعض الوقت قبل انطلاق القطار، فإذا كان لديكِ ما تودين الاستعداد له، فالأفضل أن تنجزيه الآن.”
قال آرثر ذلك وهو يسير بخطواتٍ وئيدة، يحمل في يد أمتعتها وفي الأخرى حقيبته.
أون كيونغ التي كانت تنصت لتوجيهاته الجافة رفعت رأسها قليلًا ونظرت إليه لتسأله،
“وأنتَ؟”
“أنا بخير.”
أجاب باختصار، ثم أمعن النظر في عينيها كأنه ينتظر منها شيئًا. لكن نظراته كانت مثقلةً فدفعتها إلى إنزال رأسها بسرعة، لترد بصوت مصطنع الوضوح،
“وأنا……أعتقد أنني بخير أيضًا.”
“جيد، فلنصعد إلى القطار مسبقًا إذاً.”
صرف آرثر بصره عنها بلباقة، وتقدمها بخطوتين.
‘هل انتبه……إلى أنني شعرت بالثقل من نظرته؟’
كانت أون كيونغ تسير خلفه وهي تشعر بمزيج غامض من الأسف، تراقب ظهره بصمت. لكنه لم يلتفت إليها حتى اللحظة التي صعد فيها إلى القطار.
ومن هذا السلوك، المختلف عن ذلك الذي كان يلتقط فيه حتى النظرات العابرة، أدركت أنه إنما كان يفعل ذلك مراعاةً لها.
لم يلتفت إليها آرثر إلا حين جلس في مقعده داخل القطار. و كان على وجهه تعبير يصعب وصفه.
مسحت أون كيونغ ملامحه بنظرةٍ سريعة.
خطوط وجهه الجافة الحادة لم تتغير، غير أن عينيه كانتا مملوءتين حتى الحافة بالأسف، متأرجحتين وكأنهما على وشك أن تفيضا. وكل طرفة منهما كانت تسقط مشاعر ثقيلة لا يمكن التغاضي عنها.
“ما بكَ؟”
اضطرت أون كيونغ أن تبدأ بالكلام أولًا. و لم تستطع أن تفهم لماذا بدا وكأنه يعتذر بلا توقف.
‘لا يكمن…..هل يريد الآن أن يطلب مني أن أعود؟’
ضاقت عيناها قليلًا وهي تحدق فيه. وقد فتح آرثر فمه مرارًا من دون أن يخرج صوت، ثم حين تلاقت عيناهما ارتجف كتفيه في وهن.
ثم تجعدت حاجباه برفق، وظل يعض شفتيه عاجزًا عن الكلام، قبل أن ينطق أخيرًا، ببطء شديد، كطفل ارتكب خطأً فادحًا ولا يجد سوى طلب الصفح ملاذًا،
“آ…..آسف. لم أتمكن من الحصول على تذكرة في الدرجة الأولى. قد تجدين الأمر غير مريح..…”
كان صوته خافتًا على غير عادته، يخلو من ثباته المعتاد. وأون كيونغ، التي التقطت كلماته المترددة، اتسعت عيناها دهشة.
لقد ظنّت أن الأمر أخطر بكثير، لكن في النهاية لم يكن سوى هذا؟ فشعرت بخيبة خفيفة، وفي الوقت نفسه ببعض الطرافة.
ومع ذلك، رأت أن تهدئه أولًا. فأخفت ابتسامتها سريعًا، وأجابت بصوت هادئ،
“لا، لا بأس.”
“لكن الأمر سيكون مزعجًا لكِ.”
ترددت لحظة تبحث عن إجابة تجعله يصدقها، ثم قالت بلطف عابر وكأنه شيء عادي،
“في الحقيقة…..لم أركب القطار من قبل.”
وكانت صادقة، وإن اقتصر الأمر على قطارات القرن التاسع عشر.
لكنها لم تستطع البوح بالحقيقة كما هي، فاكتفت بابتسامة خفيفة متكلفة. و كانت تتمنى أن يخفف ذلك من شعوره بالذنب ولو قليلًا.
ثم رفعت يدها وربتت بخفة على ذراعه.
“إذاً، أرجوكَ أخبرني أولاً أين يجب أن أجلس.”
نظر آرثر مباشرةً في عيني أون كيونغ طويلاً، ثم حرك تفاحة حلقه كمن ابتلع شيئاً، كلماتٍ أم مشاعر غامضة غاصت إلى الأبد.
ثم أزاح بصره عن وجهها الصافي وأدار جسده مستأنفاً السير بخطواتٍ أبطأ هذه المرة، في صمت.
لم تتعجل أون كيونغ وتبعت خطاه متفحصةً ما حولها بعينيها.
كانت المسافة بين المقاعد ضيقة، وعلى الجدران تراكبت إعلانات بالية متآكلة الأطراف.
وهي تحدق بلا مبالاة في تلك الأوراق الملونة الملتصقة كزينة فقدت غايتها، أدركت أن آرثر قد توقف.
“من هنا.”
كان المقعد في آخر العربة. والمقاعد من حولهما خاليةٌ تماماً، فمدت أون كيونغ عنقها لتتطلع نحو المدخل.
هناك في المقدمة جلس بضعة أشخاص بوجوه شاحبة مرهقة لا يظهر عليها أي تعبير.
خطر ببالها فجأة أن هذا الفراغ غير معقول، لكنها رأت أن مواجهة وضع غير منطقي كهذا أهون من أن تضطر للجلوس وسط أولئك الغرباء. لا سيما وأن الأمر لا يحمل لها ضرراً…..
“سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً. من الأفضل أن تنامي حتى نصل.”
حين جلست أون كيونغ بحذر وبدأت ترتب أمتعتها، و قال آرثر ذلك فجأة وهو يجلس في المقعد المقابل لها.
ثم رفعت رأسها وهي تشد بأصابعها طرف تنورتها لتبسط تجاعيدها، فإذا به قد أخرج بعض الأوراق من حقيبته.
وبينما كانت تحدق فيه وهو يفتش جيوبه كمن يبحث عن نظارته، رمشت بعينيها.
“وأنتَ؟”
“لدي ما يجب أن أقوم به.”
أجاب ببرود، ثم أصلح نظارته وضغط شفتيه صامتاً، غارقاً على ما يبدو في أوراق مجهولة المحتوى.
تجهم وجه أون كيونغ.
العمل حتى في مثل هذا الموقف؟ صحيحٌ أن سبب ركوبهما القطار أصلاً كان بسبب العمل، لكن…..
“أظن أنني أنا من ينبغي أن أنصحكَ بالنوم قليلاً..…”
حين تمتمت بذلك، رفع آرثر عينيه مرتبكاً.
طرفا عينيه، اللذان برزا فوق إطار نظارته الرقيقة، لان منهما الارتباك. فأعاد دفع نظارته إلى موضعها وأخذ يسعل بخفة وهو يتظاهر بترتيب الأوراق.
لكنه لم يعدها أبداً إلى الحقيبة. كان يقلب الأوراق بين يديه بفواصل ثابتة لا معنى لها، ولم يفتح فمه من جديد إلا عندما بدأ القطار يهتز وينطلق.
“لا تهتمي بي، يمكنكِ النوم إن شئتِ.”
كانت كلماتٍ حادة باردة تنقطع كالسيف.
وحين ظل يكررها كالببغاء من دون أن يمنحها حتى نظرة، شعرت أون كيونغ بالإنهاك. فأرخَت ظهرها بوجه متجهم بعد أن كانت تجلس منتصبة، وأسندت جسدها إلى المقعد.
و الصلابة التي لامست ظهرها منحتها برودةً جافة.
طوال سير القطار، ظل يصدر أصواتاً متتابعة متخلفة، والمقاعد تهتز بلا لينٍ مريح.
ولم يكن هناك ما يسند جسدها بليونة، و مع ابتعادهم قليلاً عن محطة الانطلاق بدأ الألم يتسرب إلى أوصالها.
‘…..الآن أفهم لِمَ اعتذر.’
لم تجرؤ أون كيونغ على إخراج أنين من ألمها مخافة أن يقلق آرثر، فاكتفت بتحريك عضلاتها المتصلبة بخفاء وهي تبدل جلستها مراراً.
وإذا ما لاح لها أنه سيرفع رأسه، أسرعت بالتظاهر وكأن شيئاً لم يحدث، محدقةً خارج النافذة.
لكن من الطبيعي ألا تفوته حالتها، فهي كانت تضطرب أمامه في كل لحظة.
“…..آنسة ريديل.”
“….نعم.”
“هل تودين أن أترك لكِ بعض المجال؟”
“لا……”
فكلما غيّرت جلستها، كانت ركبتاها تصطدمان به، وذلك لأن المسافة بين المقاعد ضيقةٌ للغاية.
أجابت بصوت خافت محرج، ثم ثبتت عينيها نحو النافذة بوجه محمر، وهي تشعر بثقله يراقبها لكنها أبت أن تلتفت نحوه.
تراءى لها أنها سمعت ضحكةً خافتة، لكنها تلاشت بسرعة حتى شكّت أنها توهمت. ولم تملك الجرأة لتسأله إن كان قد ضحك فعلاً.
ما إن سكتا حتى غرقت العربة في صمت ثقيل.
لا صوت لبكاء طفل، ولا همهمة ناعس. الركاب جميعهم اختاروا الصمت، فلم يبقَ مسموعاً سوى صوت القطار وهو يشق طريقه، حتى أن الأنفاس لم تعد تُسمع.
وفي ذلك الجو المطبق، راحت أون كيونغ تتابع بصمت المشاهد المارة خلف النافذة.
_____________________
ارثر غريب مرات احسه يهتم بأون كيونغ ومرّات احسه يسوي نفسه انا البارد ياجبل لايهزك ريح
واون كيونغ ياعمري هي تراعيه وسافهه ذا الصمت الغريب 😔
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات