وكان ردها الذي خطته قصيراً على نحو مخجل، حتى بدت الأوراق التي سحبتها بلا فائدة.
قرأت بضع جملها أكثر من مرة، ثم طوت الورقة بعناية وقبضت عليها في يدها.
“أعتذر، لقد تأخرتُ قليلاً.”
كان مبعوث آرثر ما يزال واقفاً في نفس الموضع الذي تركته فيه قبل صعودها. و رفع عينيه نحوها بلمحة خاطفة، دون أن ينبس بكلمة، مكتفياً بأخذ الورقة التي مدّتها إليه.
عيناه كانتا ساكنتين إلى حد يثير القشعريرة. و من وراء حدقتين ناعمتين وهادئتين كصفحة ماء، لم يكن يطل أي أثر للمشاعر.
أسقطت أون كيونغ بصرها لا إرادياً، وسحبت يدها على عجل.
حتى مجرد اللمس لم تكن تطيقه. فقد خشيت، وإن كانت تعلم أنه وهم، أن يأتيها الإحساس الصلد البارد لخشب دمية بدلاً من دفء جلد إنسان. وكانت فكرةٌ كهذه وحدها كافية لأن تُغرقها في هاوية قلق لا قرار لها.
لم يُبدِ المبعوث أي امتعاض من رد فعلها، بل اكتفى بتحية هادئة قبل أن يستدير ويرحل.
و أون كيونغ، التي تابعت ظهره المبتعد أخرجت نفساً متقطعاً.
متى سيزورها آرثر مرة أخرى؟
كانت تدرك أن الوقت المتبقي حتى وقوع “الجريمة الثانية” قصير، لكنها لم تعرف بدقة متى سيحدث.
بوسعها أن تتخيل التاريخ تقريباً، لكن إن جاء آرثر بنفسه، لتمكنت من تحديده على نحو أوضح.
‘أتمنى أن يصل جوابه سريعاً.’
همست في داخلها، وهي تصعد الدرج وتقبض بقوة على كفها البارد كالجليد.
رغم أنها لم تظن أن لذلك فائدة تُذكر، فإن مجرد معرفة الموعد مسبقاً قد يمنحها بعض الصلابة ويهيئ قلبها ولو بقدر ضئيل.
وفوق ذلك، فإن آرثر سيكون برفقتها هذه المرة. و هي لن تشهد الجريمة مباشرة، ولن تضطر إلى مواجهة إدوارد، وحتى لو ساءت الأمور ووجدت نفسها وجهاً لوجه معه في مسرح الجريمة، فسيكون آرثر معها.
وكانت فكرة أنها لن تكون وحيدةً في لحظة الخوف عزاءً بالغ الأهمية لها.
عادت إلى غرفتها وأمسكت برسالة آرثر التي كانت قد دفعتها في زاوية، وبدأت تمزق الورقة.
كانت تعلم أنه حتى لو لم تُتلف مثل هذه الرسائل بعد الآن فلن يُبالي أحد، لكنها لم تشأ أن تترك احتمالاً ولو ضئيلاً. فذلك كان أريح لقلبها.
جمعت القصاصات الصغيرة التي لم يعد بالإمكان تمييز أي حرف فيها، ثم أسقطت بصرها المرهق إلى ظلها الممتد طويلاً على الأرض، تتأمله في شرود.
بدا وكأن دهوراً انقضت، ومع ذلك فما زال الأمر يقف عند “الجريمة الثانية” فقط.
وحتى بعد أن تمر هذه الجريمة، تبقى جريمتان أخريان، ثم في النهاية موت إليزابيث…..
‘أنا….’
هل يمكن حقاً أن أغيّر المشهد الأخير من هذه المأساة؟
حتى لو توسلت إلى إدوارد من أجل حياتي، وحتى لو تحقق احتمالٌ نادر أن أبقى على قيد الحياة، فإن انحراف الأحداث عن مسارها الأصلي سيعيد عجلة الزمن إلى الوراء.
وإن كان ذلك سيحدث، فسيكون مصيري في النهاية الموت على يد إدوارد. عندها لن يتعارض الأمر مع سير القصة، ولن يعود الزمن إلى الوراء أيضاً.
فهل يعني هذا أنها ستلفظ أنفاسها الأخيرة في هذا الجحيم، عاجزةً عن العودة إلى واقعها؟
اسودّ وجه أون كيونغ بغتة. و غمرها خوفٌ مبهم كأنها تُركت في قلب بحر واسع لا قرار له.
و لم يكن ثمة بصيص أمل، ولو في حجم ظفر.
‘لقد صمدت فقط على أمل أن يأتي يومٌ أتمكن فيه من الفرار من هذا المكان…..’
أفكارٌ ضبابية راحت تدور في رأسها ثم تتلاشى، فيما قلقٌ حادٌ كالشوك أخذ يطعن قلبها طعناً متتابعاً.
وحين قفز إلى ذهنها فجأةً ذلك الموضوع الذي طالما حاولت تجاهله، اضطرب قلبها دون أن تقوى على صده.
الظل الطويل الممدود على الأرض بدا حالك السواد، ولم يكن السبب أن الشمس آلت إلى الغروب فحسب.
ثم عضّت على شفتيها وهي تتخيل مستقبلها بعقل مثقلٌ بليلٍ دامس.
هل كان سيتغير شيء لو كان آرثر إلى جانبها في هذه اللحظة؟
استدعت بذاكرتها بصره الصارم، ثم استنشقت نفساً عميقاً.
كانت واثقةً من أمر واحد: أنه وحده آمن ويمكن الاعتماد عليه. وذلك كان عزاءها الوحيد وسط شقائها.
و أغمضت عينيها ببطء، فيما أخذ الخوف يتراجع خطوةً بعد أخرى.
‘أتمنى أن يصل الجواب سريعاً حقاً.’
فهو وحده كان سندها.
***
كانت تتمنى أن يأتي الرد سريعاً، لكن لم يخطر لها أن يصل بهذه السرعة.
ألقت أون كيونغ نظرةً جانبية على المبعوث الذي مدّ لها ورقةً صغيرة، ثم أخذتها منه وفتحتها ببطء.
كانت الكتابة فيها أكثر عَجَلة من ذي قبل، والجملة بالغة القِصر.
[إذاً فلنلتقِ بعد ثلاثة أيام، في التاسعة صباحاً، في محطة القطار. ولا داعي لأن ترسلي جواباً.]
قرأت الرسالة مرتين أو ثلاثاً، ثم رفعت رأسها. لكن المبعوث كان قد اختفى بالفعل، وكأنه استغل انشغالها بالقراءة ليمضي في طريقه، وكأنه أوصل إليها رسالة آرثر شفهياً قبل رحيله: لا حاجة إلى رد.
‘ثلاثة أيام إذاً…..’
لم يبدُ الوقت قصيراً ما دامت التحضيرات المطلوبة ليست كثيرة.
طوت أون كيونغ الورقة وأخفتها في قبضتها، ثم عادت إلى غرفتها وهي تراجع في ذهنها ما ينبغي عليها الاستعداد له.
مع أنه قيل أن المكان يبعد كثيراً عن لندن، إلا أنها حتى لو تعطلت الخطة وطال الأمر فلن يتجاوز عودتها اليوم التالي. لذا فلن تحتاج سوى لحقيبة صغيرة تضم بضع حاجيات وبعض الثياب لتبديلها.
وبينما كانت تصعد الدرج تفكر إن كان هناك ما يجب أن تُعِدّه بعد، توقفت فجأة في منتصف الطريق. و تشبثت بالدرابزين وقطبت وجهها وهي تغرق في قلق شديد.
ماذا لو عاد برنارد ليدل وسألها أين كانت؟ بأي جواب سترد؟
وإن لاحظ غيابها في أثناء رحيلها؟
ظلّت شاردةً بوجه قاتم ثم سرعان ما هزّت رأسها لتطرد هذه الأفكار.
كلا، هذا غير ممكن. إنه محض وساوس من قلق بلغ ذروته.
لقد كانت تعلم يقيناً أن لا أحد يهتم بمكانها أو يفتقدها.
انزلقت أطراف ثوبها بخفة على الدرج وهي تصعد كالشبح بلا صوت، حتى وصلت إلى غرفة إليزابيث التي باتت مألوفةً لديها.
وفي أثر خطواتها، كان يتناثر طيف الوحدة حفنةً بعد حفنة. أما برودة السكون فلم يعد يخيفها.
فقد أمضت زمناً طويلاً جداً تتحمل وحدها ما هو أدهى من ذلك.
***
صباح اليوم الذي اتّفقت على موعده مع آرثر، كانت أون كيونغ تتحرك بانشغال تستعد للخروج، ثم توقفت متجمدةً في مكانها.
فجأة ظهر على مكتبها جريدةٌ صفراء لم تكن موجودةً من قبل. و كان تاريخها بعد يومين.
لم تكن هناك منذ لحظات. فحملقت إليها طويلاً، ثم مدت يدها ببطء والتقطتها بحذر.
ورغم أنها لم تكن سوى أوراق مطبوعة، لم تستطع أن تمنع نفسها من التردد في لمسها.
جريدةٌ من المستقبل ظهرت على نحو مفاجئ…..تماماً كما حدث مع قضية توماس تيرنر. ولابد أن خبر وفاة كاثرين ميلر مدوّنٌ فيها.
استرجعت ذاكرتها السابقة وبدأت تتصفحها بعناية من الصفحات الأخيرة إلى الأمام، حتى وقعت عينها في منتصفها تقريباً على عنوانٍ مكتوب بخط بارز،
[مقتل معلمةٍ في مدرسة المتطوعين…..قاتلٌ مجهول الهوية]
ورغم أن سرد الجريمة كان بارداً إلى حد ما، إلا أنه كان أفضل كثيراً مقارنةً بما حدث في قضية توماس تيرنر، التي بالكاد خُصصت لها مساحةٌ في الصحيفة.
وبينما كانت تقرأ المقال متذوقةً شيئاً من المرارة، قطبت أون كيونغ جبينها.
_______________________
يمه وهي تتخيل ان اذا لمست ذاه بيطلع دمية خشب😭 رعب ثم فجأة يمكن سرجع السيناريو
بس صدق يعني النهاية لازم إدوارد ىًقتلها عشان تمشي القصه؟😦
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"