أجاب إدوارد باختصار، ثم مدّ إليها باقة أزهار بلمسة أنيقة، وكأن ارتجافها لم يكن موجودًا قط.
طرف عيني أون كيونغ ارتعش ببطء وهي تُسدل نظراتها نحو الباقة التي وُضعت بين يديها.
كانت بحجم مماثل لتلك التي تلقتها في “لو كنتُ معكَ”, غير أنّ تركيبتها هذه المرّة بدت مختلفة؛ إذ ضمّت أزهارًا صغيرة متناسقة، قامت على أساس الورود الحمراء كالسابقة، لكن بدلًا من البنفسجي الفاتح، تخللتها أزهارٌ بدرجات زرقاء عميقة.
مررت أصابعها برفق على بتلاتها الرقيقة ثم أحنَت رأسها قليلًا. فانتشرت رائحة الأزهار الثقيلة، ممزوجةً برطوبة الجو، لتستقر كثيفةً عند أنفها.
“عطرها..…”
لكن صوتها خبا قبل أن تكمل. فقد اجتاح ذاكرتها مشهد اللحظة الأولى التي وجدت نفسها فيها داخل هذا العالم.
كان إدوارد واقفًا تقريبًا في الموضع نفسه الذي شغلَه عند بداية “لو كنت معكَ”, يراقبها. إلا أنّ ابتسامته غشيتها ظلالٌ قاتمة، وفي عينيه تلبّد ضبابٌ من ريبة تنذر بالشؤم.
هو القاتل.
“…..جميل.”
كانت الظروف والحديث أشبه بما جرى سابقًا، لكن أون كيونغ لم تستطع هذه المرّة أن تبتسم كما فعلت آنذاك.
وقد التقط إدوارد بصوتها الواهن الموشوش ما قالت، فارتسمت على فمه ابتسامةٌ باهتة.
هل هو أيضًا يستعيد في ذهنه ذاك الحوار الأول؟
تساءلت بذلك في سرّها وهي تحدّق في ابتسامته بغير قصد، ثم أطبقت جفونها ببطء.
لكن الآن، لم يعد لذلك مغزى.
“شكرًا لكَ.”
“يسرّني أن عطرها قد راق لكِ ، هذا يطمئنني.”
قالها إدوارد ذلك بلطف بنبرة رسمية، خالية من أي دفء شخصي.
ذاكرتها أخذتها مرارًا إلى “لو كنت معكَ”. فشدّت قبضتها قليلًا على الباقة، ثم اتجهت بخطى هادئة نحو الزهرية الموضوعة في الزاوية.
ولأنها كانت تدير ظهرها لإدوارد، لم يستطع أن يرى ملامح وجهها. وكان ذلك…..لحسن الحظ.
أون كيونغ حاولت أن ترتب الأزهار بوجه متماسك، لكنها لم تستطع أن تنزع عنها قناع الحذر، برغم أنها كان عليها أن تُظهر نفسها مسرورةً بلقاء إدوارد ومتفاجئة برؤيته.
من خلف النافذة جاء صوتٌ أشبه بأنين منخفض للسماء، كزمجرة وحش يعلن اقتراب عاصفة مطرية.
و كانت أصابعها المرتجفة لا تفعل سوى العبث بالزهور، حتى أدركت أخيرًا أنها لا تستطيع كسب مزيد من الوقت، فسحبت يدها بعيدًا عن الباقة.
“يبدو أنكِ غير مرتاحة.”
توقفت فجأة وهي على وشك أن تستدير.
كان إدوارد قد اقترب منها من الخلف دون أن تشعر، ثم مد يده ليمسك بأناملها التي كانت لا تزال تحوم حول الأزهار.
فارتجفت أون كيونغ بعنف، وصفعت يده بعيدًا باندفاع غريزي قبل أن تتراجع خطوةً للخلف. وانطلقت قشعريرةٌ باردة من عنقها لتتسلق عمودها الفقري.
وفي اللحظة التي وقف فيها خلفها، اجتاحها فجأة مشهد بيت تيرنر؛ حد السكين الموجه إلى عنقها، الصدمة، و الرعب، والنشيج المختنق. فارتسمت ملامح الخوف تلك بلا اخفاءٍ على وجهها.
ثم جمعت يديها المرتعشتين أمام صدرها وهي تلهث بعنف، تعضّ شفتيها بقوة.
إدوارد ظل يحدق بها للحظة، ويده ما زالت معلقةً في الهواء، ثم أنزل ذراعه ببطء. وقد كانت ملامحه هادئة كأن شيئًا لم يحدث، لكن أون كيونغ لم يفُتها أن ترى الومضة العابرة من الضيق في عينيه.
وفي التوقيت ذاته، انهمر المطر بغزارة خلف النافذة، كأنه يغطي على كل أصوات العالم. و لمعان البرق دوّى في الأفق، والرعد زمجر في أعقابه، فيما كان إدوارد يخفض بصره نحوها، محدقًا في وجهها بحدة.
رموشه الطويلة ألقت بظلالها على وجنتيه، وعيونه التي كانت تنحني أطرافها قليلًا فقدت دفئها الطبيعي، ولم يتبقَّ فيها سوى قسوة حادة، أما شفاهه الرفيعة فانغلقت بصرامة.
كانت الكلمة قصيرةً وبسيطة، لكن ذهنها كان يعجّ في تلك اللحظة بأفكار مضطربة، متشابكةٍ كأسراب من الحشرات الطائرة.
ماذا أفعل؟ قد يقتلني مرة أخرى…..ما كان ينبغي أن أدفع يده بعيدًا.
لا، كان الخطأ منذ أن أدرتُ له ظهري لأضع الباقة في الزهرية. لم يكن علي أن أفعل ذلك قط.
كل تصرفاً صدر عنها ارتد إليها كسهم نافذ، يمزق ذهنها.
لم تعد تعرف من أين بدأ الخطأ، وكلما تابعت التفكير، ازدادت خيوط عقلها تعقيدًا، وتكدست الجمل في رأسها مولدةً مزيدًا من جلد الذات.
ومن بين كل تلك العواصف الفكرية، لم يخرج من فمها سوى أربع كلمات.
أون كيونغ كانت متيقنةً أنها ستموت.
وربما، لو عادت للماضي، لكان الأفضل ألّا تلتقي بإدوارد من الأساس.
كما فعلت سابقًا حين تظاهرت بالمرض…..
“يبدو أنكِ فُزعتِ كثيرًا. أعذريني.”
بينما كانت تنحني برأسها، تنتظر سقوط الموت على عنقها، انسكبت على أذنها كلماتٌ لم تستطع أن تصدّقها. فرفعت رأسها بسرعة، بغير وعي.
إدوارد كان يحدق فيها بملامح هادئة. حتى أون كيونغ، بوجه مذهول، لم تستطع أن تعبّر سوى بصمت يفيض بالدهشة.
وبينما كانت تنظر إليه، لاحظت أن حتى ذلك البرود الطفيف الذي خيّم على وجهه قد تلاشى بلا أثر. و ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ دافئة، تشبه تمامًا تلك التي رأتها منه في “لو كنت معكَ”. ثم انحنى قليلًا مرة أخرى، معتذرًا بصدق.
كان المطر يشتد أكثر فأكثر، يضرب الأرض بضوضاء صاخبة. لكن أون كيونغ لم تسمع سوى صوته.
فاستسلمت له كالمسحورة، وهزّت رأسها نفيًا.
“لا…..لا بأس.”
الكلمات خرجت مرتعشة، قبيحة الوقع، لكنها لم تشعر بالخجل. و لم تدرك حتى أن صوتها يرتجف.
ثم أضافت متلعثمة، لكن هذه المرة بنبرة أكثر وضوحًا،
“لقد…..لقد ارتبكتُ فقط. أنا بخيرٍ حقًا.”
لكنها لم تكن تغفر له.
كانت في الحقيقة تستعطفه بيأس. تخادع نفسها وتدّعي أنها بخير، فقط لتقول له: أرجوكَ، لا تقتلني.
لم تكن شخصًا يمنح الرحمة، بل كانت إنسانًا يلهث طلبًا لرحمته.
لم يُعرف إن كان إدوارد قد قرأ ذاك الخضوع المختبئ في كلماتها أم لا، لكنه على كل حال أومأ برأسه بهدوء، كأنه فهم.
“أظن أنني سأكتفي بهذا اليوم.”
قال ذلك بصوتٍ ثابت.
“ومرة أخرى…..أعتذر.”
ثم استدار بخطواتٍ منظمة وغادر غرفة الاستقبال.
أون كيونغ ظلت تحدق في ظهره المبتعد، ثم انهارت فجأة، وانحنى جسدها إلى الأمام كعود مكسور. و لولا أنها استندت على خزانة جانبية، لكانت سقطت أرضًا.
التوتر الذي شدّ جسدها حتى لحظة رحيله تبخر فجأة، تاركًا فراغًا أنهكها.
ربما كانت قد تهاونت أكثر مما ينبغي بعد لقائها مع آثر.
عضّت شفتيها بشدة. كان لقاؤها مع إدوارد جرس إنذار آخر أيقظها من غفلتها.
عليها أن تتمالك نفسها. فعمّا قريب ستبدأ الجريمة الثانية، وبعد أن ينتهي، سيحين وقت الاستراحة.
على الأقل…..حتى يحين ذلك الحين.
ولم يمض وقتٌ طويل بعد مغادرة إدوارد، حتى وصلها الخطاب الذي لطالما انتظرته من آثر.
_______________________
توقعت بيهددها ولا بىٍقتلها ولا انها تتحلم انها رجعت للبدايه بس شفيه وش فايدة ذا الزيارة😭
الفصل الجاي يبدا ارك الجريمة الثانية😘
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"