كلما فكرت بأنها ستضطر للحديث مع إدوارد كان نفسها ينقطع وأطراف أصابعها ترتجف، أما حين يتعلق الأمر بآرثر فقد أدركت أنها على العكس تنتظر ذلك بشغف.
‘هل سيكون آرثر مختلفاً؟ أتمنى أن يصغي إليّ.’
فهو أحد الأبطال الرئيسيين على أي حال، ربما يستمع إلى كلامها.
‘أتمنى أن أجد فيه شخصاً يمكن التفاهم معه……’
وهي تمشي بهذه الآمال في قلبها أسرعت في خطواتها، وارتسمت على وجهها ابتسامةٌ خفيفة.
كانت هذه أول مرة تبتسم منذ أن شهدت جريمة القتل.
***
وحين وصلت بالقرب من مركز الشرطة، ظلت تتردد عند المدخل حتى ظنّت أن الوقت قد حان، فاندفعت سريعاً إلى الداخل.
من الخارج بدا المكان هادئاً للغاية، لكن الداخل كان عكس ذلك تماماً، مليئاً بالحركة والصخب.
انبهرت أون كيونغ وهي تحدق بعينيها الواسعتين، وكأنها دخلت عشّ نمل، فالضجيج والازدحام كانا شديدين.
ومع محاولتها تفادي الأكتاف التي تصطدم بها من كل صوب، ضمّت جسدها إلى الحائط وسارت بمحاذاة طرف الممر.
“أين آرثر؟”
كانت قد نجحت في دخول المبنى، لكن مع هذه الفوضى صارت قلقةً إن كان بوسعها العثور عليه في الوقت المحدد.
‘ماذا أفعل؟ هل أوقف أي فرد من الأعضاء وأسأله؟ لكن، هل سيجيب على سؤالي؟ ليتني دخلت أبكر من هذا……’
بدأت مشاعر الندم تطفو شيئاً فشيئاً على وجهها الكئيب. لكن فجأة التقطت أذناها اسماً مألوفاً فمدت عنقها قليلاً.
“……المفتش لونزديل……”
“……في الطابق الرابع……”
المفتش لونزديل؟ الطابق الرابع؟
أرهفت السمع للحوار المختصر، ثم سارعت باتجاه السلم.
وحتى وهي تصعد الدرج، ظل اسم آرثر يتردد بين حين وآخر، كأنه يؤكد لها أن الطريق الذي تسلكه هو الصحيح.
حتى بعدما وصلت إلى الطابق الرابع، ظل اسم آرثر يتردد في الأرجاء.
“……أظنه في ذلك الاتجاه.”
“الأمر عاجل، أين بالضبط؟”
“هناك، المكتب الرابع على اليسار.”
لم يكن الحديث بين العاملين في الشرطة يبدو رسمياً أو متقيداً بالمصطلحات، لكن ذلك جعل الأمر أسهل على أون كيونغ لتجد طريقها.
أرسلت شكراً في سرها، ثم خطت مسرعةً بخطوات واثقة.
المكتب الرابع على اليسار، إذاً……
‘هنا هو.’
كان على الباب نافذةٌ صغيرة يمكن من خلالها النظر إلى الداخل. فارتفعت أون كيونغ على أطراف أصابعها لتلقي نظرةً خاطفة.
كان المكان مكتظاً بالناس أيضاً، لكنها واصلت تغيير زاوية النظر حتى بدا لها أنها لمحت رأس رجل أطول قليلاً من الآخرين.
وبوجه متلهف قفزت بخفة عدة مرات، ثم أخيراً رأت آرثر وقد استدار نحو الباب. عندها انفجرت بابتسامةٍ عريضة.
كان عابس الوجه، عابس الملامح، وكأن شيئاً ما لا يرضيه. ولعل السبب هو جريمة قتل توماس تيرنر. فلا شهود بقيوا، ولا أدلةً تُركت، ولا أمل يلوح في الأفق بحل القضية.
الجميع نصحه أن يتخلى عنها، لكن آرثر لونزديل ظل يطارد المجرم بإصرار لا يلين.
عندما كانت أون كيونغ تتابع أفعاله من مقعد المشاهد، لم تكن تفهم سبب إصراره على التعمق في القضية بهذا الشكل، لكنها الآن رأت كيف يمكن لذلك أن يكون طوق نجاتها.
وبينما كانت تحدق في هيئته من خلف النافذة، كانت تنحني أحياناً فجأة لتفادي أن يلتقي بصره ببصرها من غير قصد.
ثم، ما إن دوّى عزف الموسيقى معلناً بداية فصل خيط القاتل، حتى انفرج وجهها ابتهاجاً، ومدّت يدها ببطء لتدير مقبض الباب.
كان هو قد أمسك بحزمة من الأوراق السميكة، يقطّب حاجبيه ويوشك أن يتكلم،
-حتى لا يسقط مزيد من الضحايا……-
-احموا المواطنين، وأخرجوا الوحش المختبئ في لندن.-
-أيها القاتل الحقير، أظهر وجهكَ حالاً!-
هكذا علت أصوات الممثلين الجانبيين وهم يقلبون الملفات بصخب أشبه بالصراخ.
عندها أخذت أون كيونغ نفساً عميقاً، ودَفعت الباب ببطء لتدخل. الآن جاء دورها.
-عذراً……-
تمتمت أون كيونغ بحذر وهي تلتقي بعيني آرثر.
كان نور المصابيح في المكتب مسلطاً بالمصادفة على موضعهما فقط، فوق رأسيهما.
و الممثلون الذين كانوا يتحركون بانشغال حول آرثر توقفوا دفعةً واحدة، وأداروا وجوههم نحوها في وقت واحد.
فارتجف جسدها قليلاً تحت تلك النظرات الحادة، لكنها شدّت كتفيها بإصرار وتقدمت نحوه بخطواتٍ بطيئة.
-من تكون هذه المرأة؟-
-مظهرها يدل على أنها من علية القوم.-
-لماذا تأتي مثل هذه السيدة إلى هنا؟-
-إلى مكان يفيض بالكوابيس، والصراخ، والدماء، والموت!٠
العيون لم تفارقها، بل التصقت بها بإلحاح.
أما آرثر، فقد حدّق فيها بوجه يعلوه التعب، ثم ما إن رأى ملامحها المنكسرة قليلاً حتى بدا وكأنه يحاول عمداً تليين تعبيره.
تنحنح مرتين، ثم غنّى بصوتٍ جاف لكنه يحمل شيئاً من اللطف،
ثم أخذ يدير بصره هنا وهناك، قبل أن يرمقها بطرف عينه كما لو كان يختلس النظر إلى رد فعلها.
كانت أطراف أذنيه قد احمرّت بوضوح. ثم غطى مؤخرة عنقه بكفه العريض، وفركها مرتين قبل أن يزفر تنهيدة قصيرة ويقطب جبينه.
“أعتذر….عليّ أن أبحث عن شيء أولاً.”
ثم أدار ظهره تماماً وبدأ يقلب بعشوائية أكوام الأوراق.
“آه، فهمت..…”
تمتمت أون كيونغ وهي تلوي شفتيها، وقد بدا لها أن ما يبحث عنه ليس سوى قلم وورق لتدوين شهادة محتملة، وقد أخفاها بنفسه وسط الفوضى فصار يبحث عنها على عجل.
فتركت نظرها يتيه بعيداً عنه نحو أرجاء المكتب.
كان المشهد أكثر حياةً وفوضى بكثير مما بدا على خشبة المسرح.
أعضاء التمثيل ظهروا بملابس غير مرتبة كما لو قضوا ليالي بلا نوم، يتنقلون في كل اتجاه بلا توقف؛ و أحدهم يخطّ بالقلم بعجلة، و آخر يقلّب خريطةً ويناقش زميله بحماسة، وثالث كان يغفو جالساً حتى ينتفض فجأة ليستفيق.
كانوا مختلفين تماماً عن أولئك الذين التقت بهم في الشارع.
شعرت أون كيونغ فجأة وكأنها عادت حقاً إلى عالم حيّ ينبض بالحياة.
وبينما كانت تستغرق في هذا الإحساس، أعادها إلى الواقع صوتٌ يناديها.
و التفتت إلى الأمام، فرأت آرثر وقد التقط بعض الأوراق الممزقة وقلمًا كان يتدحرج بلا اهتمام، ثم رفع رأسه نحوها وهو يلتقط أنفاسه ليلتقي بعينيها من جديد.
في تلك اللحظة القصيرة رفعت أون كيونغ كمها قليلاً، فاكتشفت خصلةً من شعره المرتب بعناية وقد انسدلت على جبينها، فحدّقت بعينيها نصف مغمضتين.
ثم رأى آرثر بقايا ابتسامةٍ لم تمحُ تماماً على وجهها، فأمال رأسه قليلًا وهز كتفيه كمن يتظاهر باللامبالاة، لكن أون كيونغ أدركت أنه كان في الواقع يشعر بالحرج.
غطّت فمها براحتها وضمت شفتيها إلى الداخل، ثم ما لبثت أن سوّت ملامحها وفتحت فمها،
“لا بأس…..هل يمكنني أن أبدأ بالكلام الآن؟”
“نعم، بدايةً…..ما اسمكِ؟”
“…..إليزابيث ريدل.”
تقديمها اسماً ليس لها على أنه اسمها ألقى ببعض البرودة في قلبها.
فجلست أكثر استقامةً واعتدلت بوجه متحجر بعض الشيء، ثم بلعت ريقها وأكملت وكأن شيئاً لم يكن،
“كنت شاهدةً على ما حصل حوالي العاشرة صباحاً.”
“العاشرة صباحاً؟ ولماذا اخترتِ أن تلتقي الضحية في وقتٍ مبكر كهذا؟”
“كنت قد رتبت الموعد مسبقاً. قيل لي أنه يعرف خطيبي في الماضي، وأردت أن أسمع شيئاً عن ذلك، فطلبت أنا اللقاء.”
لم يبدُ أن آرثر يظنها هي القاتلة. فمقارنةً بجثة توماس تيرنر الضخمة، كان جسدها ضئيلاً إلى حد يستحيل معه أن تكون قد قتلته.
كان كل ما يفعله هو أن يسارع في تدوين أقوالها، بينما تتباطأ شفتاه وكأنه يغرق في التفكير، تاركاً أنيناً منخفضاً يتسلل بين أنفاسه.
راحت أون كيونغ تراقب ملامحه، فلاحظت أن طرفي شفتيه قد انخفضا قليلاً. بينما طرق بأصابعه على ظهر الورقة للحظة قبل أن يتحدث ثانيةً بعد مرور بعض الوقت.
“إذاً، هل رأيتِ القاتل يقتل الضحية ثم يفرّ هارباً؟”
“لا..…”
ومع الرد، اجتاحتها فجأة صورة المشهد كله.
فارتجف صوتها، وشحب وجهها، وابتلعت ريقها بصعوبة. و رطّبت شفتيها اليابستين بطرف لسانها قبل أن تواصل بتلعثم.
“لقد…..شاهدت لحظة القتل نفسها..…”
وفجأة خفت صخب المكتب المزدحم حتى كاد يتلاشى. و لم تعد تسمع سوى دقات قلبها العنيفة وهي تتسارع وتتضخم في صدرها، ومعها صفيرٌ حاد يمزق أذنيها.
وعند اقترابها من فقدان السيطرة، صفّق آرثر كفّه أمام عينيها مرة واحدة ليعيدها إلى وعيها.
_____________________
كول بس صدق بتفصح إدوارد؟ يعني اذا هو البطل شكله لا؟ مدري بديت اشك
بس ترا يعني إدوارد عنده سبب ويمكن بالغلط عشان كذاته مسيكين😔
المهم آرثر شكله حوسه مع انه جنتل يضحك كل شي ضايع😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"