أون كيونغ التي كانت تجرّ ساقيها الرافضتين للحركة متوجهةً إلى بيت توماس تيرنر توقفت في النهاية غير قادرة على الاحتمال.
فبعد وصولها إلى بيت تيرنر كان عليها أن تشهد جريمة قتل.
وربما كان وهمًا فحسب لكنها أحست أن رائحة الدم قد بدأت بالفعل تنتشر في الهواء حتى صار التنفس عسيرًا عليها فعضّت شفتيها محاولةً أن تضبط إيقاع أنفاسها بوعي.
غير أن وعيها المترنح لم يعد إليها بسهولة رغم الألم.
وبوجه يشبه البكاء تابعت خطواتها المتعثرة حتى وقفت أمام النافذة المألوفة عابسة الجبين.
كان من العسير عليها أن تنحني لكنها اضطرت لتخفي جسدها فانطوت بحركات متيبسة تصدر صريرًا غريبًا فيما العشب الباهت تحت قدميها تهشّم بسهولة لمجرد أن وطأته ففاضت عيناها بالدموع من ذلك المنظر وحده.
مسحت دموعها بكفها على عجل ثم جثت على ركبتيها قبالة النافذة كأنها تعترف بخطاياها.
وكان إدوارد يواجه توماس تيرنر ثم استل خنجرًا من خصره……
كادت صرخةٌ تفلت من فم أون كيونغ لكنها أسرعت لتسد شفتيها براحتها بقوة.
أخذت أطراف توماس تيرنر تضرب الأرض بعنف فيما راحت يداه الملطختان بالدماء تنزلق مرارًا غير قادرةٍ على حمل جسده الثقيل، وصوته المختنق لم يلبث أن خمد حتى ارتمى جسده مترهلًا بلا حراك.
شهدت أون كيونغ كل ذلك بعينيها.
ومات توماس تيرنر وعيناه مفتوحتان و لم تكن قرييةً أدنى لمحة من الإنغلاق بل بقيت مصدومةً من الموقف غير المتوقع وبالدهشة المحضة التي ستظل ملامحه منقوشةً عليها إلى الأبد دون أن يزاحمها تجعيدٌ أو شيخوخة.
وكانت عيناه السوداوان مثل خرزتين تحدّقان نحوها. فأدارت نظرها عنه بصعوبة وزحفت متثاقلةً نحو خلفية المنزل.
لم تكف ساقاها عن التخاذل حتى كادت أن تتعثر مرارًا لكن لم يكن بوسعها أن تنكشف أمام إدوارد.
وحين ألقت نظرةً أخيرة عبر النافذة كان إدوارد يدير ظهره إليها ولم يبدُ أنه قد استشعر وجودها هناك.
وبينما كانت تكتم أنفاسها اللاهثة حرصًا على عدم إصدار أي صوت دوّى في الهواء لحنٌ ضخم يكاد يمزّق الأجواء.
وفي اللحظة نفسها فُتح الباب فجأة وبينما كان إدوارد يبتعد بخطواتٍ سريعة عن البيت كانت فرقٌ غامضة لا يُعرف من أين جاءت تزحف متسللةً نحو بيت توماس تيرنر.
-جريمة قتل! إنها جريمة قتل!-
هتفوا بأعين متقدة وأشاروا بأصابعهم نحو الداخل.
-القاتل؟-
-لقد فرّ منذ زمن بعيد. ولم يتبقَّ سوى الجثة وحدها.-
وفي لحظات احتشد الناس حول بيت توماس تيرنر يتناجون همسًا فيما بينهم، من دون أن يلتفت أحدٌ منهم إلى أون كيونغ.
وكانت الهمسات اللزجة للجموع تلتصق بخطواتها المتعثرّة خلفها.
-قاتلة! قاتلة!-
بدا وكأن الدنيا بأسرها تنهال عليها بالاتهام. فأخذت خطوات أون كيونغ تتسارع شيئًا فشيئًا.
وما إن بدأت تركض حتى ظل الصدى القاسي يجلجل في أذنيها.
-قاتلة!-
تحولت الكلمات إلى خناجر تنغرس في صدرها.
حتى حين صعدت إلى العربة التي ظهرت من جديد لتعود بها إلى القصر لم تستطع أن تفلت من تلك الهمسات التي ظلت تطاردها.
وحين وصلت أخيرًا إلى غرفة إليزابيث واندفعت مرتجفةً عبر الدرج انهارت على الأرض فور دخولها.
ومع محاولتها للنهوض كانت أصابعها تخدش الأرض في ارتباك بينما جسدها يتهاوى مثل شمعة أوشكت على الانطفاء.
“أنا……أنا……”
لكن البكاء خنق حنجرتها. فابتلعت غصّتها بصعوبة، بينما حرّكت شفتيها بارتباك ثم أطرقت عنقها وهي تتمتم محتجّة.
“لم أرتكب جريمة قتل……أبداً……”
غير أن الإحساس بالذنب لم يغادرها.
***
إلا أن أون كيونغ هذه المرة لم تفقد وعيها. رغم أن عقلها كان مضطربًا كمن سيفقده في أية لحظة.
وأخيرًا، بعدما ملأت وعاءً بالماء وعادت إلى الغرفة شرعت تغسل يديها بجنون.
كانت تود أن تغسل جسدها بأسره، لكن يديها كانتا الأَوْلى.
حدّقت أون كيونغ في الدم العالق على يديها.
كان مجرد وهم لا يراه الآخرون، لكنها آمنت تمامًا بأن الدم قد لوّث يديها فعلًا. و كان عليها أن تغسله بسرعة، لتثبت أنها ليست قاتلة.
غسلت بين أصابعها، وفركت ظهر يديها، وحاولت محو الدم العالق بخطوط كفها. فتطاير الماء مع حركاتها الخشنة متناثرًا حولها، و ابتلّت أطراف ثوبها، لكن عينيها لم تريا تلك التفاصيل التافهة.
‘غريب……’
لقد غسلت بإصرار، ومع ذلك لم يختفِ الدم. فاختلطت دموعها بماء الوعاء.
ورغم أنها فركت بشدة، ظل الدم يبلل يديها. وكان الماء في الوعاء لا يزال صافيًا، كأنه يأبى أن يمتزج بالدم. وكأنه يصدر حكمًا بأن الخطأ هو خطأها حقاً.
ألقت أون كيونغ يديها في الوعاء يائسة. فارتجّت صفحة الماء محدثةً موجات صغيرة ارتطمت بظهر يديها.
ومع أنفاسها المتقطّعة انحنت برأسها.
كلما خطر ببالها توماس تيرنر، قفز قلبها بجنون. فعادت الصدمة والرعب اللذان ظنّت أنهما قد تلاشتا، ونهضا من غبار النسيان ليطوّقا قلبها من جديد.
وعند تلك اللحظة، بدا لها أن أرض الغرفة تغمرها طبقةٌ رقيقة من ماء أحمر يصعد ليبلل قدميها.
لم تأبه بتناثر الغبار والرطوبة على ثوبها، بل نهضت مذعورةً وتراجعت مترنحةً نحو السرير.
و لم يخطر ببالها أن الغطاء سيتلوث، فقد كان كل ما يسيطر عليها هو الحاجة إلى انتزاع قدميها من الدم المتزايد.
فاندفعت إلى داخل الأغطية. وكان النهار لم ينقضِ بعد، فاخترق الضوء الخافت نسيج القماش الرقيق، كأنه يهمس لها بأنها لن تستطيع الهرب من شعورها بالذنب أبدًا.
هزّت رأسها بعنف وانكمشت حتى كادت تختفي، فيما أنفاسها الحارة احتبست في صدرها عاجزةً عن الانسياب، تضغط على حنجرتها بتدفق ثقيل.
شيئًا فشيئًا، أخذ نفسها يضعف.
وفي تلك اللحظة، حين كانت توشك أن تستسلم للنوم لتنال شيئًا من راحة محطّمة، دوّى صوت طرقٍ على الباب.
كان زائرًا غير متوقع، فارتعدت أون كيونغ من الخوف. ومن داخل القماش المظلل فتحت عينيها عن آخرهما، وأرهفت السمع بترقّب لالتقاط ما سيأتي بعد ذلك الصوت.
لكن كان كل شيء ساكنًا، وكأن الطرق على الباب لم يكن سوى وهم.
أون كيونغ التي كانت متوجسةً نهضت أخيرًا ببطء. فانزاح الغطاء الرقيق حتى قدميها، وهناك، امتد أمام ناظريها بحرٌ ضحل واسع.
‘مجرد وهم……’
أغمضت عينيها بقوة، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم عضّت على باطن شفتيها وهي تتحرك خطوةً بعد خطوة.
ومع كل حركة أخذ صوت الماء المتلاطم يخفت، حتى اختفى تمامًا، فلم يبقَ أمامها حين فتحت عينيها سوى أرض يابسة.
ثم فتحت أون كيونغ الباب بتوجس، ولم تلبث أن أمالت رأسها حين أدركت أن من كانت واقفةً هناك لم تكن سوى الخادمة المعتادة.
وكأنها قرأت في عينيها الاستفهام، أجابت الخادمة بنبرة هادئة توضح سبب قدومها،
“هناك زائرٌ بانتظاركِ. إنه في غرفة الاستقبال.”
اتسعت عينا أون كيونغ قليلًا.
من عساه يزور إليزابيث في هذه اللحظة؟ لم يكن ثمة مشهدٌ كهذا على المسرح، على الأقل لم يُذكر من قبل.
حاولت أن تتذكر، لكنها لم تستطع أن تخطر ببالها شخصيةٌ يمكن أن تأتي لزيارتها.
فترددت لحظة ثم طلبت من الخادمة الانتظار، وأحضرت شالًا أبيض أسدلته على كتفيها.
ثم مررت أصابعها في شعرها المبعثر لتصففه بسرعة، وأسدلته في هدوء على كتفيها، قبل أن تومئ للخادمة بأنها مستعدةٌ للنزول.
وقبل أن تغطي الغطاء برؤيتها كان النهار في منتصفه، لكن الوقت مرّ من دون أن تشعر. فقد مالت الشمس إلى الغروب، و تلاشت خيوطها الأخيرة وتتناثر على الأفق وهي تختفي.
دخلت أشعة الشمس الباهتة عبر النافذة مرسلةً نوراً طويلاً على الأرض، فسارت عليه كأنها تعبر جسورًا صغيرة في طريقها إلى الطابق السفلي.
وما إن بلغت أمام غرفة الاستقبال حتى تجمّدت في مكانها. فقد كان إدوارد هاميلتون واقفًا هناك.
وفجأة، امتلأ البحر الذي حسبته جافًا حتى كاد يغمر كاحليها، ومعه دوى صوت أظافر تخدش الأرض وهي تقترب.
ومن بين الظلال الداكنة ظهر توماس تيرنر، يزحف نحوها بجرح غائر في عنقه، محدقًا إليها بعينين لا ترمش. ثم مد يده وأمسك بكاحلها بقوة.
كان الدم اليابس متكتلًا تحت أظافره. وبنفس تلك اليد التي التصقت بها القذارة، قبض على ساقها بعنف كأنه سيحطمها، قبل أن يطلق صرخةً مريرة تملؤها العذابات.
‘أنتِ التي قتلتني!’
“إليزابيث.”
و لعلّ وجهها الشاحب إلى حد الزرقة أثار استغرابه، فعبس إدوارد وهو يناديها.
حينها فقط التقطت أون كيونغ أنفاسها اللاهثة بعد أن كانت متجمدةً كأنها نسيت التنفس. وبعينين مذهولتين كمن أفاق للتو من كابوس، حدّقت فيه مذهولة ثم أطلقت تنهيدةً مرتجفة.
كان وجه إدوارد هزيلاً، متعب الملامح، تغطيه ظلالٌ قاتمة وهو يحدق بها بصوت جاف،
“هل أنتِ بخير؟”
“آه……نعم، أنا، بخير……”
أجابته بصوتٍ بعيد، متردّد، وهي تخفض رأسها هاربةً من نظرته.
ثم رفعت يدها لتشدّ الشال الأبيض الملقى على كتفيها بإحكام، قبل أن ترفع عينيها نحوه بخجل.
نظرات إدوارد كانت ما تزال معلقةً بها. و كان وجهه يوحي بالقلق وكأنّه يرثي حالها، لكن أون كيونغ لم تصدّق ذلك، بل أيقنت أنه قناعٌ مزيّف.
وبعينين غارقتين في التعب كان يوشك أن يقول شيئًا، لولا أنها قاطعته بنبرة مرتجفةً بعد أن حاولت جاهدًةً أن تخفي ارتعاشها،
“آه……عذرًا يا إدوارد.”
ثم تماسكت وأكملت بشجاعة،
“لكنني الآن……لستُ على ما يرام.”
وكان في كلماتها معنى واضح: أن يتركها وحدها. وأدرك إدوارد ذلك حتمًا.
ظل يحدّق بها بضع ثوانٍ، ثم أومأ برأسه إقرارًا. و عيناه اللتان التقطتا شيئًا من ضوء الغروب فأشرقتا لحظة، ما لبثتا أن خبا بريقهما تحت الظلال.
“أجل، يبدو كذلك.”
أجابها ببساطة. ثم خطا خطوتين نحوها، لكنه توقف حين رآها ترتدّ مذعورة، تنكمش بجسدها كما لو تدفعه بعيدًا.
رفعت رأسها تنظر إليه في هلع، و إذا بيده تمتد نحوها. فاضطربت شفتاها استعدادًا للصراخ، غير أنه لم يفعل ما توقعت.
كل ما فعله هو أن أخذ يدها بهدوء، وأسندها بين كفيه، ثم انحنى ليطبع قبلةً خفيفة على ظهرها. ورفع بصره نحوها وهو على تلك الحال، يلتقي عينيها مباشرة.
و لم يطل ذلك التلامس، بل انقضى سريعًا.
“أتمنى لكِ الشفاء العاجل.”
ترك خلفه وداعًا باردًا بلا حرارة، ثم انحنى بانحناءةٍ خفيفة قبل أن يتجاوزها بخطواتٍ واسعة متجهًا خارج القصر.
ارتخت يد أون كيونغ التي كانت تقبض بقوةٍ على شالها، فسقط القماش أرضًا بخفة، لكنها لم تعد تملك حتى القدرة على الانحناء لالتقاطه.
ثم وضعت يدها على جبينها النابض بالألم، وتمايلت مترنحةً عائدة إلى غرفتها.
وما أخافها أكثر من أي شيء هو أنها لم تستطع أن تفهم الغرض الحقيقي وراء قدوم إدوارد لزيارتها.
__________________________
كأنه جاي يتأكد هي شافته؟ بنفس الوقت احس صدق إدوارد نفسها دخل المسرحية لأن حركاته مب مع النص وبعد هي في البدايه قالت انه مره يشبه الممثل
-تحريات كونانية:
المهم مشاعرها وهي خايفه توجع بطني آجعني وانا اتخيل لأن بعد توني شايفه مقطع تشارلي ذاه💀 (لحد يشوفه)
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"