ستلتقي إليزابيث بآرثر للمرة الأولى بعد وقوع جريمة القتل الأولى. وبما أن الجريمة الثانية تحدث في منتصف سبتمبر، فقد بدا أن التوجه إلى آرثر في حدود الخامس من سبتمبر سيكون مناسبًا.
“الخامس من سبتمبر..…”
عضّت أون كيونغ شفتها بوجه قلق.
في الحقيقة لم يتبق وقتٌ طويل، لكنه بدا لها تاريخًا بعيدًا لا يُطال.
كانت ترجو سلامتها، ولأجل ذلك كانت بحاجة إلى آرثر لونزديل، الشرطي الوحيد الذي بدأ التحقيق في قضية توماس تيرنر.
وبيدين متوترة كتبت اسمه على الورق ثم رسمت حوله دائرةً كبيرة.
في داخلها كانت ترغب لو أنها تستطيع الاختباء في غرفتها حتى وقوع الجريمة. لكن في القصة، قبل الجريمة الأولى، تلتقي إليزابيث في الشارع بإدوارد وهو يخطط لجريمته، حين كان يغني “الخطة الكاملة”.
لذا فإن خطتها بالانعزال في القصر حتى وقوع الجريمة لم تكن معقولة.
“متى سألتقي إدوارد في الشارع؟”
وبما أن الزمن لم يتقدم أثناء مرضها لأنها لم تظهر، فلابد أن الأمر سيحدث قريبًا.
مجرد التفكير في لقائه جعل معدتها تنقلب، لكنها واصلت إجبار نفسها على التفكير.
إذا بدأت موسيقى المقدمة في ذلك المشهد، فسيكون الأوان قد فات على الاستعداد. فالأرجح أنها ستلتقيه مجددًا في نفس الشارع الذي صادفته فيه سابقًا، وكان ذلك مكانًا بعيدًا نسبيًا…..
زمت أون كيونغ حاجبيها وأصدرت أنينًا مريضًا. على ما يبدو لم يكن أمامها سوى أن تذهب كل صباح إلى ذلك الشارع.
وفكرت وهي تبتسم دون وعي أن من حسن الحظ أنها ليست مضطرةً لطلب إذن أحد.
لم تكن تدري أن اللامبالاة يمكن أن تكون عونًا بهذه الطريقة.
ثم أنزلت ببطء يدها التي كانت تمسك بالأوراق المليئة بالأرقام المبعثرة.
الجريمة الثانية والثالثة لم يُذكر متى وقعتا. لكن على الأرجح أن الفاصل بين الجرائم لم يكن قصيرًا.
فحتى بالنسبة لإدوارد، كان من المرهق أن يرتكب جريمةً مباشرة بعد أخرى.
“التاريخ الأرجح هو قرب العشرين من سبتمبر أو حوالي الرابع من أكتوبر..…”
ضربت أون كيونغ ذقنها بلا مبالاة بطرف القلم المستدير وأطلقت زفرةً قصيرة من أنفها.
لكن مهما أجهدت نفسها بالتفكير، لم يكن بوسعها أن تعرف شيئًا على وجه اليقين حتى يحل ذلك اليوم.
و لم يكن في وسعها سوى الاستعداد نفسيًا.
وبطرف القلم الملطخ بالحبر محَت كل ما كانت قد دوّنته من خربشات، بل مزقت الورق إلى قطع صغيرة تحسبًا، ثم وضعت القلم على الطاولة بحركة حادة تُصدر صوتًا.
راودها فجأةٌ خاطر أن المسرحية ستلقي إليها تلميحًا ما، كما استعارت من فم برنارد ليدل في الصيد الماضي.
لا تدري أي شكل سيتخذ، لكنها لم تستبعد حدوثه. فزمّت شفتيها وأطلقت تنهيدة.
‘على كل حال، من الأفضل أن أكون مستعدةً مسبقًا.’
حاولت أن تفكر بإيجابية وهي تترنح عائدةً إلى السرير. فيكفي مجرد أن تتخيل مجرى الأحداث لتشعر ببعض الطمأنينة.
ثندألصقت خدها بالوسادة واستنشقت نفسًا عميقًا.
‘حين يطلع النهار يجب أن أخرج مباشرةً إلى الشارع.’
ثم عليّ أن أواصل الانتظار الطويل بلا وعد ولا موعد، أستنزف يومي كله في ذلك.
ومجرد التفكير بهذا جعلها تشعر بالإنهاك مسبقًا، فأغمضت عينيها بقوة.
وعندما خطر ببالها أنها ستضطر لشق طريقها بين الناس اللاهين كأنها عالقةٌ في تيارٍ جارف، امتلأ صدرها بالضيق.
و كانت تريد فقط أن تضع حدًا لهذا الكابوس.
***
ارتدت أون كيونغ عند الفجر فستانًا كحليًا بتصميم بسيط وخرجت مباشرةً إلى الشارع.
اختارت ركنًا متوارياً حيث تتفرع مداخل الأزقة بدلًا من الطريق الرئيس، وظلت تترقب هناك. لكن مع ارتفاع الشمس في السماء، استبد بها التعب.
وإذ لم يلقِ أحدٌ لها بالًا، جلست عند عتبة أحد البيوت، و أسندت ظهرها إلى الباب وبدأت تربت بخفة على ركبتيها وهي تحدق في الشارع بنظرةٍ شاردة.
خطوات المارة كانت مفعمةً بالهدوء والراحة. وبينما كانت تسند ذقنها إلى ركبتيها وتراقب تماوج أطراف الثياب، قطبت حاجبيها.
“هل أخطأتُ في اختيار الوقت؟”
فكرة أن يخرج أحدٌ في وضح النهار ليأخذ سلاحه بدت بلا معنى. فراودها الندم على خروجها المبكر، لكنها هزت رأسها محاولةً طرد الأفكار.
فعندما تسمع عبارة “إدوارد ذاهبٌ ليأخذ سلاحه” يتبادر إلى ذهنها مشهدٌ ليلي أو فجرٌ معتم يسير فيه بخفاء.
لكن إن كان الأمر كذلك، فكيف تلتقيه إليزابيث على المسرح في وضح النهار؟
رفعت حاجبها في حيرة.
ومع ذلك، أن ترهق جسدها قليلًا خيرًا من أن تتهاون في الانتظار فيدور الزمن دونها.
شدّت أون كيونغ قوتها في ساقيها ونهضت من جديد، وهي تشكر في سرها أن حذاءها لم يكن ذا كعب عالٍ.
وبعزم ثابت راحت تدور في نفس الطريق مرارًا وتكرارًا، حتى أقرّت عند مغيب الشمس أن لا أمل في هذا اليوم، فعادت أدراجها نحو القصر.
كانت حصيلة اليوم صفرًا، لكنها تماسكت وهي تفكر أن خلال ثلاثة أيام على الأكثر ستلتقي إدوارد لا محالة.
ثم خلدت إلى النوم كالمغمى عليها، لتستيقظ في اليوم التالي وتخرج منذ الصباح الباكر إلى الشارع.
وكان الشارع في ذلك اليوم أيضًا ساكنًا مسالمًا. و أشعة الشمس دافئة، ولولا توترها من احتمال أن تلتقي إدوارد في أي لحظة لعدّت ذلك نزهةً لطيفة.
كانت تمشي بوجه متجهم، و عندما طالت غيبته جلست في المكان الذي خططت له مسبقًا.
أمضت وقتًا طويلًا تراقب المارة، ثم نهضت أخيرًا حين انحدر الشفق الأحمر على الأفق. على ما يبدو أن هذا اليوم أيضًا قد ضاع سدى.
استسلمت لإحساس بالخيبة ورفعت بصرها إلى السماء، مطلقةً تنهيدة عميقة. وبينما كانت تدير جسدها بوجه متعب، توقفت فجأة، إذ دوّت في أذنها مقدمة “الخطة الكاملة” كالرعد.
كان قريبًا.
امتدّ توترٌ شديد حتى أطراف أصابعها، وحاولت جاهدةً أن تخفي ارتباكها وهي تدير رأسها ببطء.
وعند مدخل زقاق، لا يبعد عنها عشر خطوات، وقف إدوارد يحدق فيها بثبات، وبين ذراعيه طردٌ غامض.
كان الطرد ملفوفًا بإحكام بورق بني، ولم يكن حجمه كبيرًا.
وبمجرد أن لاحظ أن عينيها وقعتا عليه، أخفاه بيد طبيعية الحركة ورسم ابتسامةً باهتة على شفتيه.
بدا كأنه يتظاهر بأن الأمر لا أهمية له، لكن أون كيونغ كانت تعلم تمامًا ما يحويه.
الخنجر الذي يستخدمه إدوارد في القتل. ذلك الذي سيزهق به قريبًا روح توماس تيرنر، ثم ينهي به أنفاس إليزابيث نفسها…..
“…..لم أكن أظن أنني سألقاكِ في مكان كهذا.”
كانت عيناها معلقتين على الخنجر دون وعي، حتى رفعت رأسها فجأة تنظر إليه.
كان إدوارد يحدق بها في صمت، وهيئته توحي ببعض الارتباك. بابتسامة مألوفة ارتسمت على شفتيه، لكن في عينيه ظهر وميض تعب لم يستطع إخفاءه، وكأن شيئًا من الحذر مرّ خلاله.
فابتلعت أون كيونغ ريقها وحركت شفتيها بصعوبة.
“أنا أيضًا…..فمنذ الصيد الأخير لم تتح لي فرصةٌ للقائكَ..…”
لكن صوتها ارتجف فتقطع الكلام منها دون إرادة.
حاولت أن تصل عبارتها بأكبر قدر من الطبيعية، لكنها لم تنجح كما أرادت. فشعرت أن ظهرها قد تيبس من التوتر، وراودها خاطرٌ مرعب بأنه قد يقتلها في أي لحظة إذا بدا عليها شيء مريب.
لكن على غير توقع، ظل إدوارد محتفظًا بتعبير هادئ ونبرة رزينة وهو يواجهها.
“كانت لدي بعض الأمور…..وأظن أنني سأبقى منشغلًا لفترة.”
أضاف كلامه بصوت بدا وكأنه يكبح شيئًا في داخله، وعقد ما بين حاجبيه بخفة.
ولم تدرك أون كيونغ أن ثمة خطبًا ما إلا في تلك اللحظة.
ففي القصة، عندما يغني إدوارد “الخطة الكاملة”، لم يكن قادرًا على إخفاء توتره وقلقه، وحتى حين يواجه إليزابيث كان يُظهر هشاشته بوضوح.
أما الآن فكان هادئًا على نحو غريب.
صحيحٌ أن وجهه يحمل مسحة تعب خفيف، لكنه لا يقارن بالحدة والقلق الذين عرفتهما في المسرحية.
…..لماذا؟
“سأخبركِ بما يستجد في المرة القادمة.”
توقفت شكوكها التي كادت أن تتشعب فجأة. إذ وجدت نفسها تحدق فيه كأنها أفاقت من حلم طويل، واتسعت عيناها دهشة.
“سأذهب أولًا.”
وقبل أن تتمكن من الرد، استدار وأخذ يخطو مسرعًا مبتعدًا في الاتجاه المعاكس لها.
خطواته كانت تشبه إلى حد بعيد تلك التي كان يقطع بها خشبة المسرح، لكنها مختلفةٌ قليلًا.
لم تكن خطوات رجل يتهيأ لجريمة. بل كانت أقرب إلى خطوات شخص يفرّ هاربًا منها.
__________________________
هااااااي شخباركم معلش عالقطعة بالغلط ضاع الفصل وطار كل شي مع ميسا 😭
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"