ليديا أدت دور الزوجة التي فقدت زوجها فجأة أداءً ممتازًا.
كانت تبدو وكأنها تعاني فعلًا وحزينة. لدرجة أن عائلة لوفي انخدعت تمامًا.
في تلك اللحظة، قام آشر، شقيق لوفي الأكبر، بتمزيق رسالة الانتحار ثم رمى بها على الأرض.
آشر، الذي كان وجهه محمرًا وهو يزفر بغضب، بدا شديد السخط.
“آشر!”
الفيكونت برونك نادَى آشر بصوت صارم.
“هذا عار على العائلة. أن يحب الرجال! أن يقتل نفسه بسبب رجل!”
تفجرت الكلمات من وجه آشر المشتعل.
كان سبب الانتحار أكثر صدمةً من الانتحار نفسه. وبما أن العائلة متدينة بشدة، كان آشر غير قادر على تقبّل ذلك أكثر.
ليديا التقطت وصية لوفي المجعدة وأعادتها بعناية لتصبح مفرودة. ثم نظرت إلى الڤيكونت برونك بعينين مليئتين بالدموع.
“والدي في القانون، رجاءً احفظ شرف لوفي. إذا تسربت هذه الوصية للخارج، فسيتعرض لوفي للّوم حتى بعد موته.”
“صحيح. يجب حرقها.”
وافق آشر بشدة على كلام ليديا. أشياء كهذه يجب حرقها والتخلّص منها.
“لكنها آخر ما تركه لوفي لك.”
قالت الفيكونتة برونك بصوت متهدج بالبكاء.
ليديا أمسكت بيد السيدة برونك وهزت رأسها بحزم إلى حد ما.
“ليس فقط يجب حرق الوصية، بل لا يجب أن يُعرف أنها كانت انتحارًا أيضًا. إذا عُرف أن لوفي انتحر فسيتساءل الجميع عن السبب. يجب حماية شرف لوفي.”
“يا زوجتي، كلام ليديا صحيح. رغم أنه يؤلمنا، إلا أن علينا واجب توديع لوفي بشكل لائق.”
الفيكونت برونك أيضًا وافق ليديا الرأي. من أجل ابنه الميت ومن أجل شرف العائلة، يجب تغطية الأمر بهدوء.
“لوفي. يا ابني البائس.”
لم تستطع الفيكونتة برونك تحمّل الحزن فجلست منهارة على الأرض. تغطي وجهها بمنديل وتبكي، وكان مشهدها مفجعًا لدرجة لا يمكن النظر إليه.
ليديا غطت فمها بيدها والدموع تنهمر من عينيها. خلف يدها المرفوعة، كان طرف فم ليديا يرتفع بخبث.
***
“مات؟”
عند كلام ديريك، لمعت في عيني يوان نظرة دهشة. خبر موت لوفي برونك صدم يوان كثيرًا.
“نعم.”
“سبب الوفاة؟”
“لم يُكشف عنه. أسرة برونك تلتزم الصمت لذلك لا يمكن معرفة السبب الدقيق. لا نعلم سوى أنه عُثر عليه في منزله.”
أجاب ديريك على سؤال يوان.
يوان زفر. امتلأ صدره بضيقٍ غريب من الذنب.
قال لليديا إن لوفي برونك رجل مناسب للزواج.
ليديا قالت إنها ستفعل كما قال، وبالفعل مباشرة أخبرت هندرسون بنيّتها الزواج منه.
يوان لم يشعر بالراحة لأنه بدا كأنه هو من دفع ليديا إلى ذلك الطريق.
“ابحث في الأمر بدقة.”
“نعم، فهمت.”
ثم خرج ديريك من مكتب يوان.
بعد ذلك بعدة أيام، عرف ديريك سبب وفاة لوفي برونك.
كان ذلك في اليوم التالي لقيام عائلته بإقامة جنازته بهدوء.
“تواصلتُ مع شقيق لوفي برونك الأكبر، آشر برونك، وعرفت الأمر. سبب الوفاة هو الانتحار.”
“انتحار؟”
عند كلام ديريك، قطب يوان حاجبيه.
لم يكن يبدو أن هناك سببًا يجعله ينتحر. لهذا السبب المفاجئ، استحضر يوان وجه لوفي برونك السعيد يوم الزفاف.
“يُقال إنه عُثر عليه في غرفة النوم بعد أن شرب مادة سامة ومعه وصية. سبب الانتحار لا يمكن معرفته لأن السيد آشر برونك يرفض تمامًا كشفه. هل أبحث أكثر؟”
“لا، هذا القدر يكفي.”
أجاب يوان على كلام ديريك.
بعد أن صرف ديريك، غرق يوان في التفكير.
سبب وفاة لوفي برونك كان يشغل باله.
الانتحار، السم، الوصية. الكلمات الواردة في تقرير وفاة لوفي برونك كانت مألوفة بشكل مفرط. بجانب وفاة الخادمة التي أثارت تساؤل سيريت، كانت الكلمات نفسها مُسجّلة.
ثم شخص واحد فقط مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بوفاة الاثنين. ليديا إليوت.
وفاة صوفيا مرتبطة بصيدلية نونوكي، وليديا على معرفة جيدة بنونوكي. لوفي برونك شرب السم وانتحر، وزوجته هي ليديا.
“صدفة؟”
ضرب يوان سطح المكتب بإصبعه. هل يمكن اعتبار هذا مجرد صدفة بسيطة؟
أسند يوان جسمه للخلف على الكرسي، وأطلق ضحكة ساخرة ليُجبر أفكاره المشتتة على التوقف.
بهذا المنطق يبدو وكأن الشخص الذي قتلهم هو ليديا. حتى لو كان ذلك صحيحًا بالنسبة للوفي برونك، هل لدى ليديا أي سبب لقتل صوفيا؟
شعر يوان بالأسف لأنه شك في أن ليديا هي الجانية، فقرر ألا يُفكر أكثر في الأمر.
نهض يوان من مقعده وغادر مكتب العمل.
بسبب الأعمال المتراكمة وما يجب إنجازه قبل الذهاب إلى الإقليم، قضى أيامًا مشغولة جدًا، وفي الأيام الأخيرة لم يكن يعود إلى المنزل إلا في وقت متأخر من الليل.
وبما أن الغد هو يوم ذهابهم، فقد بدا من الأفضل أن يغادر العمل مبكرًا اليوم ليتفقد القصر.
وكان يشعر أنه بحاجة لرؤية وجه سيريت أيضًا.
رؤيتها فقط وهي نائمة كل يوم أرهق شوقه.
عندما عاد يوان إلى القصر، تناول العشاء مع سيريت لأول مرة منذ مدة. بدا أن سيريت منهكة بطريقة ما، مما جعل يوان يشعر بالقلق.
“هل هناك شيء ما؟”
سأل يوان وهو ينظر إلى سيريت التي كانت على غير عادتها، تأكل ببطء وبلا رغبة.
رفعت سيريت عينيها نحو يوان بينما كانت تحرّك شوكتها دون شهية.
كانت سيريت في حالة اضطراب شديدة الآن. لم يكن لديها أي شهية بعد خبر وفاة لوفي برونك.
تمامًا كما في الحياة السابقة، مات لوفي برونك. بخلاف هانا، لم يستطع أن يهرب من قدره.
ربما كان يجب أن تحذره على الأقل.
لو قالت له ألا يتزوج ليديا لأن هذا المستقبل ينتظره… هل كان لوفي برونك سيعيش؟
“أنا مكتئبة قليلًا بسبب أخبار السيد برونك.”
“آه.”
عند جواب سيريت، أومأ يوان كما لو كان يفهم.
“لم يمضِ وقت طويل على زواجه، إن الأمر مؤسف حقًا.”
وكما في الحياة السابقة، لم تُعرف الأسباب الواضحة لوفاة لوفي برونك هذه المرة أيضًا.
انتشرت عدة تكهّنات، وكانت كلمة “الانتحار” هي أكثر ما علق في قلب سيريت.
هل ليديا لا علاقة لها إطلاقًا بوفاة لوفي برونك؟
بسبب أمر لوفي، تذكّرت سيريت صوفيا بشكل طبيعي.
ذهبت مع يوان إلى صيدلية نونوكي، لكن ليديا لم تُبدِ أي ردّ فعل.
كانت سيريت تظن أن ليديا قادرة على فعل أي شيء.
بعد ذلك حدثت أمور كثيرة فجأة، وقضية صوفيا مُسحت من رأسها من حيث لا تدري.
حين أدركت ذلك فجأة شعرت سيريت بأسف شديد تجاه صوفيا.
“هذا مؤسف، للسيد برونك… وكذلك للسيدة برونك*.”
*يقصد ليديا.*
“……”
عند كلمات يوان، نظرت سيريت إليه بذهول.
صورة يوان وهو يُبدي الشفقة تجاه ليديا جعلت قلب سيريت ينبض بقلق غير مستقر.
كانت العلاقة مع يوان هذه الأيام جيدة. مثل زوجين عاديين تزوجا عن حب.
لكن سيريت كانت تقلق بين الحين والآخر.
فذكريات الحياة السابقة كانت تمسك بكاحلها مرارًا.
شعرت أنه في أي لحظة قد يقول يوان إنه يحب ليديا ويقبض على عنقها. ذلك القلق جعلها غير قادرة على تقبّل يوان بالكامل.
“لا ترهقي نفسك في التفكير وتناولي الطعام. بعدها نامي مبكرًا اليوم. فنحن سنغادر صباح الغد”
“حسنًا.”
عند تعبير يوان اللطيف رفعت سيريت زاوية فمها.
هل يخفي خلف ذلك التعبير اللطيف مشاعر آخرى؟ كانت سيريت تخشى أن يكون ليوان نوايا خفية.
زاوية فم سيريت التي رفعتها بصعوبة هبطت بلا قوة.
***
سيريت ألقت نظرة على القصر ونظرت لصفوف الخدم.
وجوه الخدم الذين يودّعون الدوق والدوقة، اللذين سيعودان في الربيع، كانت مليئة بالابتسامات.
وأثناء تفقدها القصر والخدم، خطرت لها فجأة فكرة.
هل سأكون هنا في الربيع القادم أيضًا؟
“سيريت.”
عندها سمعت صوت يوان.
سيريت صرفت نظرها عن القصر ونظرت إلى يوان. كان يقف أمام العربة ومدَّ يده كأنه يقول لها أن تمسك بها.
سيريت أمسكت بتلك اليد وركبت العربة. بعد أن صعد يوان أيضًا، أُغلِق الباب.
عند صوت إغلاق الباب، ارتجف جسد سيريت قليلاً. لم تنم ولو لحظة في الليلة الماضية.
الإقليم كان المكان الذي ماتت فيه.
بمجرد التفكير في العودة إليه، باتت مشاعرها مضطربة. كان الأمر أشبه بالسير نحو الموت بقدميها، لذلك لم تكن مرتاحة أبدًا.
تحركت العربة نحو محطة القطار. بعد النزول منها، ركبا القطار وقطعا طريقًا طويلًا مرة أخرى متجهين إلى إقليم الدوقية.
وبعد وصولهم إلى الإقليم، استقلّا العربة للذهاب إلى قصر الدوقية.
وكلما اقتربت العربة من القصر، ازداد خفقان قلب سيريت.
“سيريت، هل هناك ما يؤلمك؟”
سأل يوان بعدما لاحظ أن وجه سيريت يبدو غريبًا.
عندما سمعت صوته ورفعت نظرتها نحوه، انتفضت بلا وعي.
شعرت وكأن يوان سيُقدّم لها شايًا مسمومًا ويأمرها أن تشربه في أي لحظة.
“أنا بخير.”
تظاهرت سيريت بأنها غير متأثرة وقالت ذلك.
لكن يوان لم يبدد نظراته القلقة.
“وجهك لا يبدو جيدًا.”
“فقط لأنني مرهقة.”
عندما قالت إنها متعبة، انتقل يوان من مقعده وجلس بجانبها.
وعندما نظرت إليه بإستغراب، جذب رأسها بلطف وأسنده على كتفه.
“ما زال أمامنا وقت حتى نصل، فحاولي أن تغلقي عينيك حتى ذلك الحين.”
أمام هذا الاهتمام اللطيف، ارتسمت على وجه سيريت ابتسامة تحمل مشاعر مختلطة.
في حياتها السابقة لم يكن شخصًا يقوم بمثل هذه الأفعال أبدًا.
هل يمكن الوثوق بهذه اللطف؟ لقد قال إنه يحبني.
بعد فترة قصيرة، توقفت العربة.
فتحت سيريت عينيها على صوت صهيل الخيول.
“لقد وصلنا.”
قال يوان وهو يربّت بلطف على خد سيريت.
على وجه سيريت التي رفعت رأسها عن كتف يوان بدا التوتر واضحًا.
ذكريات اللحظة الأخيرة من حياتها السابقة اجتاحت عقلها بعنف.
اللحظات التي شربت فيها السم أمام ليديا وماتت كانت تدور في رأسها وتربكها.
ارتجف جسدها بخفة ثم تنهدت.
لقد عدتُ إلى ذلك المكان. إلى المكان الذي متُّ فيه.
التعليقات لهذا الفصل " 99"