قراءة ممتعة~~~
الفصل الثامن والتسعين
هانّا كانت تصارع الموت لليوم الثالث.
سيريت لم تنم كما يجب ولم تأكل، وكانت تعتني بهانّا.
يوان بذل كل ما بوسعه لإنقاذ هانّا.
أبقى الطبيب كين داخل القصر ليتابع حالتها باستمرار، وجعل هانّا تتلقى المحاليل لأنها لم تستطع تناول أي شيء.
كل دواء قيل إنه مفيد لعدوى فيدالو بحث عنه وأحضره، وبعد انتهائه من عمله كان يبقى مع سيريت بجانب هانّا.
يوان وسيريت كانا منهكين تمامًا خلال الأيام الماضية بسبب رعاية هانّا.
حتى الآن، كانت سيريت مستلقية على الأريكة واضعة رأسها في حجر يوان، وكان يوان متكئًا على مسند الأريكة مغمض العينين.
ثم سمع يوان حركة فالتفت نحو السرير.
يبدو أن هانّا قد استيقظت، إذ رُفعت يدها التي كانت إبرة المغذي مغروسة فيها.
“سيريت.”
عند رؤية ذلك، أيقظ يوان سيريت التي كانت نائمة واضعة رأسها على حجره.
سيريت فتحت عينيها ببطء. وبينما كانت ترمش، مرر يوان يده على شعرها وفتح فمه بصوت لطيف.
“يبدو أن هانّا قد استيقظت.”
“هانّا؟”
فزعت سيريت ونهضت بسرعة. وعندما أدارت رأسها نحو السرير، رأَت هانّا تحاول الجلوس، فامتلأت عيناها بالدموع.
“هانّا!”
غادرت سيريت الأريكة وركضت نحو هانّا. ومع أن توترها انحل، كانت دموعها تتساقط بغزارة.
“آنستي… أعني، سيدتي.”
نهضت هانا بصعوبة وجَلست، ثم ابتسمت وهي تنظر إلى سيريت.
احتضنتها سيريت وانهمرت دموع الفرح.
لم تمُت هانا. رؤية هانا وقد أفلتت من قدر الموت جعلت صدر سيريت يغمره شعور بالسعادة حتى الاختناق.
“هانا، هانا.”
ظلت سيريت تردد اسم هانا بلا توقف، ووجهها مغطى بالدموع وسيلان الأنف.
ضحكت هانا بخفة وربّتت على ظهر سيريت.
آنستي حقًا تبالغ… لا، بل سيدتي حقًا تبالغ.
ولأنها لم تكن تعلم أنها ظلت غائبة عن الوعي لثلاثة أيام، ظنت هانا أن سيريت تبالغ في القلق.
كما خطر لها أنها، دون شك، يجب أن تبقى إلى جانب سيّدتها رقيقة القلب.
“هانا، هل بدأت تستعيدين وعيك؟ هل يؤلمكِ أي مكان؟”
مسحت سيريت دموعها بظهر يدها وسألت وهي تنظر إلى هانا.
“أنا بخير. فقط أشعر ببعض الضعف.”
“أأنتِ بخير حقًا؟”
وضعت سيريت يدها على جبين هانا. كان هناك قليل من الحمى، لكنه لم يكن خطيرًا.
“نعم، أنا بخير فعلًا. ألا تبالغين في القلق بسبب مرضٍ بسيط؟”
“بسيط ماذا! لقد مرضتِ ثلاثة أيام كاملة. لم تستفيقي لمدة ثلاثة أيام.”
“ثلاثة أيام؟”
اتسعت عينا هانا بدهشة. لم تكن مجرد وعكة ليوم واحد؟
“نعم! لقد جف دمي طوال الثلاثة أيام. هل تعرفين كم تفاجأت؟ لقد كنتُ خائفة حقًا.”
انهمرت الدموع من وجه سيريت.
لم تكن تعرف هانا كم كانت تتلوى قلقًا وخوفًا من أن تموت. كانت تلك الأيام الثلاثة التي كانت فيها هانا طريحة الفراش فظيعة إلى حد لا يُحتمل.
حدقت هانا في سيريت بصمت، ثم مسحت دموعها.
سيدتي الطيبة… لا بد أنكِ لم تنامي جيدًا، ولم تأكلي كما يجب بسبب القلق عليّ.
“ سيدتي حقًا… هل اعتقدتي أنني سأموت؟”
“تموتين؟! لا. لا يجب أن تموتي.”
تذكرت هانّا أن الحوار الذي دار بينهما في القطار ذات مرة كان يتكرر الآن تمامًا، فضحكت بخفّة.
في ذلك الوقت قالت لي سيدتي إنها ستُنقذني مهما حدث. لقد أوفت بوعدها.
“قلت إنني لن أموت أبدًا.”
“نعم، يا هانا. أحسنتِ. لقد أحسنتِ فعلًا.”
امتلأت عينا سيريت بالدموع مجددًا. شعرت بالفخر والامتنان لهانا التي تجاوزت المرض، فاحتضنتها مرة أخرى.
ضحكت هانا بخفّة وهي بين ذراعي سيريت. كان سيريت سعيدة جدًا لأنها تستطيع سماع ضحكة هانا من جديد.
صديقة من زمن طويل وأخت عزيزة، لم تضطر سيريت إلى فقدان هذا الشخص الثمين فكانت سعيدة فعلًا.
***
عاد الطبيب كين وفحص هانا مجددًا، ثم عادت هانا للنوم مجددًا.
قال الطبيب كين بأنها الآن آمنة الأن، فشكرته سيريت مرات عدة.
بعد مغادرة الطبيب كين،
ادركت سيريت أن هناك شخصًا آخر يجب أن تشكره، فنظرت إلى يوان.
“الآن اطمئني.”
“نعم.”
بعد سماع كلمات يوان، ابتسمت سيريت وهزت رأسها.
اهتز قلب يوان بدفء وهو يرى ابتسامة سيريت لأول مرة منذ أيام. كم كان قلقًا من ألا يرى هذه الابتسامة مجددًا. مدّ يده وربّت خد سيريت.
“سأعود إلى غرفتي الأن، فاستريحي براحة.”
دون أن تجيب، رفعت سيريت نظرها إليه في صمت. ابتسم يوان لأن وجه سيريت الذي لا تفعل سوى النظر إليه كان لطيفًا.
كان يرغب في البقاء إلى جانبها وقتًا أطول، لكنه شعر أنها ستستريح أكثر من دونه. كبح رغبته في البقاء واستدار.
عندما أدارت سيريت نظرها إلى ظهر يوان، أمسكت بخفة كمّه.
لم تستطع قول ما كان يجب أن تقوله.
التفت يوان إليها بوجه مستغرب.
“…شكرًا لك.”
عندما التقت نظراتهم، أخرجت سيريت الكلمات التي أرادت قولها.
كانت سيريت تعرف جيدًا كم بذل يوان من أجل هانا. وإن لم يكن يوان قد ساعد، لما كانت هانا قد استيقظت بسلام هكذا.
كانت سيريت ممتنة جدًا ليوان الذي أنقذ هانا.
لقد أوفى يوان بوعده بأن يحمي ما تعتبره هي ثمينًا.
“على الرحب والسعة يا زوجتي.”
وضع يوان يده على صدره بوجه مازح وانحنى بانضباط.
على ذلك التصرف، ابتسمت سيريت بخفّة.
“نامي جيدًا اليوم. لأنكِ لم تستطعِ النوم طوال تلك الفترة.”
ربت يوان على رأس سيريت ثم جذبها اليه ووضع قبلة على جبينها.
حين ابتعدت شفتا يوان عن جبينها، شعرت سيريت بدغدغة في قلبها
ثم أمسكت ذراعه بإحكام. شعر يوان بقوة سيريت عليه فابتسم وأمال رأسه بتساؤل.
أشارت سيريت بيدها إلى يوان وكأنها تطلب منه أن يقترب. ابتسم يوان بخفة وانحنى نحوها. عندها طبعت سيريت قبلة خفيفة على خد يوان.
“أعطيك هذه كمكافأة لأني شاكرة لك”
“أليست المكافأت تُعطى بالذهب والممتلكات حسب تقاليد إيلون؟”
تقدّم يوان يده لسيريت بوجهٍ مازح.
“وأنت أكثر ثراءً مني.”
وضعت سيريت يدها فوق يد يوان بوجهٍ عابس.
ضحك يوان بخفوت وأمسك بيد سيريت وجذبها إلى صدره.
“نامي جيدًا اليوم.”
“لتنم جيدًا أيضًا يا سمو الدوق.”
قالوا لبعضهما أن يناموا جيدًا ولكن الاثنين لم يتركا أحضان بعضهما لوقت طويل.
حتى وهما يحتضنان بعضهما ظلا يكرران هذه العبارات بلا حصر.
كانت ليلةَ عاشقين يصعب عليهما الافتراق.
***
“كك…”
اندفع دم قاتم محمرّ من فم لوفي. كان أكثر احمراراً من النبيذ الموضوع أمامه.
ليديا حدّقت بوجه لوفي الجالس مقابلها. كان لوفي يلهث ممسكاً بعنقه كما لو كان يتألم بشدة.
ليديا حوّلت نظرها عنه بوجهٍ لا مبالٍ وأخذت تتفحص غرفة نوم لوفي. لم تكن الغرفة كبيرة وكانت نظيفة، لكنها حقاً بلا قيمة. مثل الرجل أمامها، لوفي برونك.
“ليديا… جسمي، جسمي غريب… استدعي… الطبيب.”
لوفي مدّ يده نحو ليديا بوجه يبدو وكأنه سيفارق الحياة في أي لحظة.
ليديا صفعت يد لوفي الممتدة نحوها.
“مقزز يا سيد برونك.”
ليديا عبست وهزّت رأسها.
ليديا قطبت حاجبيها وهزّت رأسها.
“ليديا…”
لوفي نادى ليديا بيأس.
كان يشعر كأنه أُلقي وسط نار مستعرة. إحساس مرعب بأن جسده كله يحترق وأعضاؤه تلتوي. أرجوك، طبيباً.
“السيد برونك، فقط مُت بسرعة. السمّ الذي تناولته لن يسمح لك بالعيش حتى لو جاء الطبيب. أن ينقطع نفسك سيكون أرحم.”
ليديا قالت ذلك بوجهٍ ملائكي وبصوتٍ لطيف.
“س… سمّ…”
لوفي أدرك. السبب في هذا الألم المريع هو أن ليديا سمّمته. وأنه سيموت قريباً.
“أنتِ… ساحرة…”
دموع ساخنة انهمرت من عيني لوفي.
تلك المرأة التي تبتسم أمامه كالملاك ليست إلا ساحرة ترتدي قشرة ملاك. أن ينخدع بامرأة كهذه… كان أمراً يقهره.
لوفي مدّ يده نحو ليديا بكل ما تبقى لديه من قوة، لكنه لم يستطع لمس حتى خصلة من شعرها وسقط كما هو على الطاولة.
لم يستطع لوفي إغلاق عينيه. كانت عيناه المفتوحتان على اتساعهما مليئتين بالقهر والحسرة، لكن لم يكن هناك أحد سيعرف ذلك.
ليديا نهضت من مقعدها وفتحت الباب. التقت نظراتها بنظرات أنيتا التي كانت واقفة في الممر. أنيتا ارتجفت فجأة وأسقطت الورقة التي كانت تحملها.
ليديا ألقت نظرة سريعة على الورقة الساقطة على الأرض ثم أومأت برأسها لأنيتا.
“التقطيها وادخلي.”
“نعم، يا سمو الأميرة.”
أنيتا ابتلعت ريقها بصعوبة ثم التقطت الورقة عن الأرض. ساقا أنيتا فقدتا قوتهما وهي تسير نحو الغرفة.
حين دخلت الغرفة، أخذت أنيتا نفساً حاداً، ذلك لأن نظراتها التقت بعيني لوفي المفتوحتين. كان لوفي ملقى على الطاولة بعينين مفتوحتين على اتساعهما.
“افعلي شيئاً بخصوص هاتين العينين. تقشعر لها الأبدان.”
ليديا قالت ذلك وهي تطبق ذراعيها وتأمر أنيتا.
لم تُعجب ليديا بنظرات لوفي المليئة باللوم. كانت تشعر وكأنه يسكب عليها لعنات، مما جعلها منزعجة.
“نعم.”
يد أنيتا المرتجفة توجهت نحو وجه لوفي. أنيتا أغلقت عيني لوفي المفتوحتين. ملمس جلده تحت راحة يدها جعل القشعريرة تسري في عمودها الفقري.
“أعطيني هذا.”
بعد أن أُغلقت عينا لوفي، مدت ليديا يدها. أنيتا أسرعت وناولتها الورقة التي كانت تحملها.
فتحت ليديا الورقة التي ناولتها إياها أنيتا. ما كانت أنيتا تحملها هو وصية لوفي. بالطبع كانت وصية مزيفة كتبتها أنيتا مقلدةً خطّ لوفي.
إلى زوجتي
لقد خدعتك طوال هذا الوقت.
كنت أتظاهر بأنني رجل عادي، لكن في الحقيقة أنا أحب الرجال.
أنا شخص لا يستطيع أن يحب امرأة.
الرجل الذي أحببته تركني بالكامل، ولم يعد لي أي أمل للعيش.
حاولت أن أنساه، لكنني لا أستطيع محوه من ذاكرتي.
لذا قررت أن أنتقم منه بالموت.
آسف يا ليديا لقد استغليتك، كنت أعتقد أنه إذا تزوجتُ منك فسأتمكن من إخفاء أنني أحب الرجال.
أنا آسف حقًا.
لوفي برونك.
بعد أن أنهت قراءة الوصية التي كتبتها أنيتا، ارتفع طرف شفتي ليديا. كلما نظرت إليها أكثر، ازدادت براعة أنيتا وضوحًا.
وضعت ليديا وصية لوفي فوق السرير، ونظرت إلى أنيتا.
“نظّفي كل شيء يا أنيتا.”
“نعم، يا سمو الأميرة.”
أجابت أنيتا بوجهٍ يحاول الحفاظ على الهدوء.
غادرت ليديا غرفة لوفي وهي تدندن سعادة.
كان شعورًا كخلع ضرسٍ كان يؤلمها.
الآن بعد أن تخلّصت من لوفي برونك استعادت حريتها مجددًا.
“سأصبحُ في غاية البؤس يا يوان. كي تُشفقَ عليّ.”
انتشر صوت ضحكة ليديا بصفاء.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 98"