كلمات يوان عن الحب ترددت في عقل سيريت. أن يخرج من فم يوان قوله إنه يحبها كان أمرًا غريبًا، فشعرت سيريت بأن عقلها أصبح فارغًا.
يقول إنه يحبني، أنا.
وما إن أدركت سيريت ما قاله يوان حتى بدأ قلبها يخفق بسرعة.
هل أسأت السمع؟ لا يمكن أن يوان يحبني. ارتطمت نظرات سيريت المرتبكة بنظرات يوان.
“الآن أعرف. ما هو الحب… ومن هو الشخص الذي أحبه.”
على عكس سيريت، كان يوان ينظر إليها بعينين لا تحملان أدنى تردد.
لم يكن في قلبه ذرة شك. إذا لم يكن هذا هو الحب، فماذا يكون؟ امرأة يهتز وجوده أمامها ويظل الأمر مقبولًا.
حتى لو غرزت سيريت رصاصة في رأسه، فسيبتسم بسخاء ويقبل الموت. طالما أنها هي، فكل شيء يمكن احتماله. طالما أنها لا تترك جانبه.
اقترب يوان بحذر من سيريت. طبع قبلة خفيفة ثم ابتعد قليلًا لينظر إليها.
في العينين الزرقاوين المعلقة به لم يلمح أي شعور. وحين ظلت سيريت تحدق به بصمت، جذب يوان خصرها نحوه بقوة.
كانا قريبين بما يكفي ليشعرا بأنفاس بعضهما، ومع ذلك لم تدفعه سيريت بعيدًا. وبما أنه بدا كإذنٍ منها، طبع يوان قبلة أخرى.
هذه المرة لم تكن قبلة خفيفة. يوان الذي أمسك شفتَي سيريت راح يتحرك برفق. كان يمتص شفتيها ويلامسهما بطرف فمه وينقل أنفاسه إليها.
حين انغلقت عينا سيريت ببطء، أصبحت حركات يوان أكثر جرأة.
عض يوان الشفة السفلية لسيريت بخفّة. وبين الشفتين المتباعدتين قليلًا توغّل يوان. وأصبحت حركاته وتزداد خشونة شيئًا فشيئًا.
في تلك اللحظة، سقطت دمعة على وجه يوان. وما إن لامست الدمعة وجهه حتى أبعد شفتيه عن سيريت.
كانت العينان الزرقاوان ممتلئتين بالدموع. مسح يوان دموعها بوجهٍ متعجب.
“لماذا تبكين؟”
“لا أعرف. أنا لا أعرف.”
حتى سيريت لم تستطع أن تفهم لماذا تبكي. هل تبكي لأنها حزينة، أم لأنها سعيدة، أم لأنها غاضبة، أم لأنها مظلومة. لم تستطع أن تعرف إطلاقًا.
كلمة يوان “أحبك” أحدثت موجةً كبيرة داخل سيريت.
لم تكن متأكدة إن كان يمكنها أن تصدّق هذا الإعتراف حقًا.
ماذا لو كان يخدعها بتلك الكلمات، ماذا لو كانت لعبة أخرى بين يديه.
كانت تخشى أن يكون يلعب عليها مرة أخرى.
حتى لو كان يحبها حقًا، فإن الجراح التي تلقّتها في حياتها السابقة لن تُشفى بالكامل، لذلك ظلت تكره يوان.
وكما كرهت يوان، كرهت نفسها أيضًا. أن تعتمد على كلمات الحب التي قالها ذلك الرجل الذي تكرهه، وأن تهتزّ بسببها، كان أمرًا سخيفًا وبائسًا بالنسبة لها.
لم تستطع سيريت تحمّل قلبها الذي كان يتشعّب في اتجاهات كثيرة.
يوان احتضن سيريت التي كانت تبكي بصمت. لم يكن يعرف ما الذي جعل هذه المرأة تبكي، لكن مجرد كونها تبكي جعله يشعر بالألم في قلبه.
داعب يوان رأس سيريت وظهرها مهدئًا إياها. وبعد أن بكت طويلاً في أحضانه، ابتعدت سيريت عنه.
عند رؤية سيريت بعينيْن وأنف محمرّين، ارتفع طرف شفتي يوان برفق.
“هل انتهيتِ من البكاء؟”
عند سؤال يوان، أومأت سيريت برأسها بوجهٍ منقبض.
لم يوجد أحد سوى هذه المرأة قد يبكي بهذا الشكل الحزين بسبب اعتراف زوجها بالحب.
يوان مسح الدموع التي ابتلّ بها خدّ سيريت.
ثم قبّل خدّ سيريت، ولمس أنفها بأنفه بخفّة. بدا الأمر مضحكًا، فضحكت سيريت بخفّة.
ضحكت سيريت، فابتسم يوان بدوره. كان ذلك أوّل يوم يتبادلان فيه ابتسامة هادئة.
***
كانت ليديا الصغيرة تسير في الحديقة ممسكة بيد أمها.
مرّ الآن شهران منذ غادرت منزل إليوت ودخلت القصر الإمبراطوري. كان القصر لا يزال غريبًا على ليديا.
كانت ليديا في مزاجٍ جيد طوال فترة التنزّه وهي تنصت للأغنية التي كانت أمها تغنّيها.
لكن مزاجها هبط فورًا عندما قالت أمها بعد أن توقفت عن الغناء.
“ليديا، هناك جلالة الإمبراطورة.”
في المكان الذي أشارت إليه أصابع أمها كانت توجد الإمبراطورة المخيفة التي لا تحبها ليديا.
كانت الإمبراطورة جالسة مع سيّدةٍ نبيلة جميلة على طاولة الشاي.
وبالقرب منهما كان يمكن رؤية الأولاد الذكور يلعبون على بساط النزهة. هندرسون وريغان، وطفل لم تره من قبل.
“يجب أن نذهب لنقدّم التحية.”
كانت ليديا تحدّق بالصبي الذي تراه لأول مرة بوجهٍ يملؤه الفضول، لكنها أدارت رأسها نحو أمها عند سماع صوتها. كان على وجه أمها أثر توتّر. ربما بسبب جلالة الإمبراطورة.
“حسنًا يا أمي.”
كانت ليديا تكره الإمبراطورة كثيرًا لدرجة أنها كانت تتمنى لو تتحول إلى حشرة حتى تدوسها فتقتلها.
أمسكت الأم بيد ليديا بإحكام وتقدمت نحو الإمبراطورة. عندما اقتربتا، تجهم وجه الإمبراطورة.
“نقدم احترامنا لجلالتكم، يا صاحبة الجلالة الإمبراطورة.”
انحنت الأم بأدب. وانحنت ليديا أيضًا كما تعلمت، مطوية ركبتيها بأدب.
تلقّت الإمبراطورة التحية بوجه متبرم، ثم قدّمت السيدة النبيلة الجالسة معها.
“إنها دوقة فريكتويستر، فعليكما مراعاة الأدب.”
عند كلام الإمبراطورة، نظرت ليديا بطرف عينها إلى الدوقة فريكتويستر.
كان وجهها الصافي يبدو واثقًا ورقيقًا، ولم تكن ملابسها فاخرة لكنها بدت راقية.
الكلمة التي خطرت فورًا هي أنها نبيلة. ليديا أدركت معنى النُبل عندما رأت الدوقة.
عندما أدت ليديا التحية مع والدتها، ربّتت الدوقة بيدها على بطنها القريب من موعد الولادة وابتسمت بوجه لطيف.
“مرحبًا يا طفلة.”
“أنا ليديا إليوت.”
ليديا كانت تريد أن تصبح مثل الدوقة. لو أصبحت شخصًا رفيعًا ونبيلًا هكذا، فلن تسمع كلامًا عن دم قذر.
“ليديا!”
في تلك اللحظة، لوّح ريغان إلى ليديا مبتسمًا على اتساع وجهه. ريغان كان دائمًا طيبًا، وكانت ليديا تحبه مئة مرة أكثر من هندرسون.
“ما كان عليه أن يكون لطيفًا هكذا.”
نقرت الإمبراطورة لسانها وهي تنظر إلى ريغان، ثم قالت لليديا أن تذهب وتلعب معه.
عندما نظرت ليديا إلى أمها تستأذنها بعينيها، ربّتت الأم على رأسها بابتسامة دافئة.
“اذهبي واستمتعي. سأذهب أنا أولًا.”
“نعم.”
أومأت ليديا برأسها وتوجهت نحو حصيرة النزهة. كانت مملوءة بالكثير من الوجبات الخفيفة الشهية.
لكن عيني ليديا لم ترَ الوجبات الخفيفة. كانت مشغولة بالطفل الصغير الذي كان ينظر إليها بلا أي تعبير على وجهه.
عينا الصبي الرماديتان كانتا غامضتين. وبما أنه يشبه دوقة فريكتويستر كثيرًا، بدا أنه طفل عائلة فريكتويستر.
“اجلسي، ليديا. جربي هذا.”
ربّت ويغان على المكان بجانبه ثم قدّم تفاحة مغطاة بالسكر. عندما أمسكت ليديا التفاحة، كانت تحدق بيُوان.
وحين اتجه نظر ليديا نحو يوان، فتح هندرسون فمه بوجه ساخر.
“إنه ابن عائلة فريكتويستر. على عكسك، دمه نبيل.”
احمرّ وجه ليديا. كان أهل القصر دائمًا يهمسون عنها،
دم وضيع، دم قذر، سلالة دنيئة.
كانت تشعر بشكل غامض أن تلك الكلمات غير جيدة، لكن سماعها أمام طفل عائلة فريكتويستر جعلها تشعر بالعار.
غرقت عينا ليديا بالدموع. في تلك اللحظة، ظهر منديل فجأة أمامها.
عندما نظرت إلى الجانب، كان الصبي يمد لها المنديل بوجه خالٍ من التعبير.
كان بلا تعبير، لكن ليديا اعتقدت أن الصبي لطيف. أخذت المنديل.
“شكرًا.”
تمتمت بالكلمة، فاكتفى الصبي بإيماءة خفيفة برأسه.
حينها، نادت دوقة فريكتويستر على الصبي.
“يوان، لنعد الآن.”
عندما عرفت ليديا اسم الصبي، تلألأت عيناها. يوان فريكتويستر. ذلك الاسم انطبع عميقًا في صدر ليديا.
بعد أن غادر يوان والدوقة، تذكّرت ليديا أنها لم تُعد المنديل ليُوان.
قبضت ليديا على المنديل وركضت سريعًا في الاتجاه الذي اختفى فيه الاثنان.
التعليقات لهذا الفصل " 95"