اليوم أيضًا كانت سيريت تفتش في مكتب يوان. قال يوان صك الملكية غير موجود داخل القصر، ولكن سيريت لم تستطع أن تثق به.
بينما كانت تتفقد الرفوف، وقعت عين سيريت على كتاب يتعلق بالعائلة الملكية لهيريو. تذكّرت اليوم الذي جاءت فيه ليديا إلى المكتب.
بعد مغادرة ليديا، جاء يوان مباشرة ليشرح لسيريت سبب زيارتها. قال إنها جاءت تطلب مساعدته بسبب خلافٍ مع ولي العهد حول مكان إقامتها.
استمعت سيريت لشرح يوان بوجه بارد.
فالقصة التي نقلتها لها هانا، خادمتها المقربة التي مرّت أمام المكتب، كانت مختلفة قليلًا.
“طلبت أن يجعلها محظيته؟”
ضحكت سيريت بسخرية وهي تستعيد ما سمعته من هانا.
قالت إن ليديا طلبت من يوان أن يجعلها محظيته. ولكنها لم تستطع سماع ردّ يوان، لذلك لم تكن تعرف ما كان جوابه، لكنها كانت تعرفه جيدًا.
لم يكن يوان ليتخذ ليديا محظية أبدًا. وذلك من أجل ليديا والدوقية.
“سيقتل زوجته لو اضطر، لكنه ليس رجلًا قد يتخذ محظية. ألهذه الدرجة لا يعرفون يوان؟”
سحبت سيريت ظرفًا من الدرج بوجه منزعج. ثم فتحته وتفقدت محتواه، فتجهم وجهها بشدة.
كان بداخل الظرف حلوى ومذكرة صغيرة.
[صك ملكية قصر موشيلي ليس هنا. أخبرتكِ أنها محاولة بلا جدوى، لكنني أُحيّي عناد سيريت المستمرة في البحث.]
خط يوان المرتّب كان يثير أعصاب سيريت. من الصعب فعلًا أن يغيظك أحد بورقة فقط، لكن يوان فعل ذلك بسهولة مذهلة.
أومأت سيريت إعجابًا بقدرة يوان على استفزازها، ثم وضعت الحلوى الموجودة مع المذكرة في فمها. كورت المذكرة وأعادتها داخل الظرف مع غلاف الحلوى.
بعد أن أعادت الظرف إلى مكانه، خرجت سيريت من المكتب وهي تمغض الحلوى داخل فمها. بما أنها كانت منفعلة، فقد أرادت فقط أن تشرب ماءً باردًا.
وعندما نزلت الدرج توقفت سيريت فجأة حين رأت ليديا واقفة في الردهة. لقد ظهرت الشخصية الرئيسية التي أشعلت غضبها.
في تلك اللحظة، التفتت ليديا التي كانت تتحدث مع كبير الخدم.
“سيّدتي.”
انعكست على وجه كبير الخدم بعد رؤية سيريت لمحة خفيفة من الحرج.
سحقت سيريت قطعة الحلوى بين أسنانها وابتلعتها، ثم نزلت الدرج وتقدّمت نحو ليديا.
“ليديا، ما الأمر؟”
“جئت لأقابل يوان.”
خاطبت ليديا سيريت بوجه متجمّد على غير عادتها.
اختفت تمامًا طريقتها اللطيفة والناعمة، وحلّ مكانها تعبير مليء بالحدة والحذر. كان وجهها يشبه وجه امرأة تنظر إلى عشيقةٍ سرقت زوجها، فشعرت سيريت بإحساس غريب.
“يوان لديه موعد هذا المساء، ولم يعد بعد. هل هناك أمر ما؟”
“سأنتظره في مكتبه.”
“لنذهب إلى غرفة الاستقبال. يوان لا يحب دخول الآخرين إلى مكتبه.”
قالت سيريت بابتسامة رصينة وهي ترفض.
في الحقيقة، حتى لو دخلت ليديا إلى مكتب يوان، فربما لن يمانع كثيرًا،
لكن سيريت لم تكن تروق لها فكرة إدخال ليديا إلى مساحة يوان الشخصية.
“…حسنًا.”
ردّت ليديا بوجهٍ متغطرس.
تحرّكت ليديا أولًا باتجاه غرفة الاستقبال.
أما سيريت فأمرت كبير الخدم بتحضير الشاي ولحقت بها.
***
وُضع الشاي أمام الاثنتين، فسألت سيريت ليديا.
“كيف حالكِ هذه الأيام؟ هل أنتِ بخير؟”
“نعم.”
أجابت ليديا ببرود.
“هذا مطمئن. كنتُ قلقة عليكِ كثيرًا. انهضي سريعًا وتجاوزي الأمر يا ليديا. جلالة الإمبراطور كان سيُريد ذلك أيضًا.”
“شكرًا على المواساة.”
أمام ردّ ليديا الفاتر، ابتسمت سيريت ابتسامة متكلّفة.
كيف استطاعت امرأة متعجرفة مثلها أن تقول اجعلني محظيتك؟ لا بدّ أن وضعها الآن بلغ أقصى درجات السوء. هل عليّ أن أشفق عليها؟
وبينما كانت سيريت تنظر إلى ليديا بعينين باردتين، سألتها ليديا فجأة.
“لماذا اختار يوان سيريت بالذات؟”
كانت ليديا تتساءل بصدق. لو كان بحاجة لامرأة أخرى لأنه لا يمكنها الإنجاب، فكان بوسعه اختيار أي آنسة مناسبة من نبلاء العاصمة.
فلماذا اختار ابنة نبيلة من الأقاليم لا قيمة تُذكر لها؟ هل حقًا تزوج سيريت لتسديد دين يعود لعهد والديهم؟
“ماذا؟“
عند سؤال ليديا، قطّبت سيريت جبينها قليلًا. لم يكن سؤالًا يمكن أن يُقال بصوت عالٍ، لذلك شعرت ببعض الارتباك.
“سيريت محظوظة جدًا في رأيي.”
بالنسبة لما لديها، كانت سيريت محظوظة بشكل مبالغ فيه. دون أي جهد، انتهى بها الأمر بالزواج من رجل اسمه يوان فريكتويستر. ابتسمت ليديا بابتسامة باهتة.
“أهكذا ترين؟”
ردّت سيريت بملامح غير مرتاحة.
لو كنتُ محظوظة، فهل كنتُ سأتورط في حبكما وأموت بذلك الشكل؟
بالنسبة لسيريت كان هذا أكثر كلامٍ غير معقول في العالم.
عند رؤية ملامح سيريت، تجعد وجه ليديا.
هي تمسك بحظٍ بالغ بين يديها، ومع ذلك بدت سيريت وكأنها لا تشعر بأي امتنان.
هل تحب يوان حقًا؟ نظرت ليديا إلى سيريت ببرود وسألتها.
“إلى أي حد تحبين يوان يا سيريت؟”
ابتسمت سيريت ابتسامة مُرّة عند ذلك السؤال.
في يومٍ ما، أحبّته إلى درجة أنه لو أعطته كل ما تملك فلن تشعر بالأسى. أحبّته أكثر مما أحبّت نفسها، وحتى إن لم يُبادِل ذلك الحب كانت تجد الأمر جميلًا. كما لو أن العالم كله كان يوان فقط، فلم تكن ترى سوى ذلك الرجل وحده.
“لا أعلم.”
ابتسمت سيريت ابتسامة قصيرة وهي تنظر إلى ليديا.
في الماضي كنتُ أحب يوان بلا حدود، أما الآن…
كان من المحزن على سيريت أنها لم تستطع إعطاء إجابة واضحة على سؤال ليديا.
“أأنتِ لا تحبين يوان؟”
قطّبت ليديا حاجبيها بسبب رد سيريت الغامض.
“وكم تحبين أنتِ يوان يا ليديا؟”
“…لماذا تسألينني ذلك؟”
ارتسمت على وجه ليديا ملامح امتعاض بسبب السؤال المرتد.
لم تتوقع أن تُسأل مثل هذا السؤال. كانت تظن أن هذه الغبية الساذجة أمامها لا تملك أي بديهة، لكنها على ما يبدو كانت تعرف بمشاعرها.
“هل هناك أحد في العاصمة لا يعرف أن ليديا تحب يوان؟”
“صحيح. أنا أحب يوان. منذ الطفولة وحتى الآن، لم يكن في قلبي سوى يوان.”
“لابد أنكِ تعتقدين أنني دخلتُ بينكما”
“لقد فعلت.“
قالت ليديا بحزم.
“من منظوركِ يا ليديا، قد يبدو الأمر كذلك.”
ولكن يا ليديا، من منظوري أنا، أنتما الإثنان من اقتحم حياتي. أنتما الإثنان من دمّر حياتي الهادئة وجعلها فوضى.
لو أن يوان أدرك مشاعره تجاهكِ أبكر بقليل لما حدثت لي تلك المأساة.
كانت تلك الفتاة الصغيرة التي لا تعرف شيئًا، والتي كانت تُحب دوق فريكتويستر من طرف واحد، ستحزن لأيام عندما تسمع خبر زواجه، ثم ستعود لتضحك وتتصرف كما لو أن شيئًا لم يكن.
كنت سألتقي رجلاً عاديًا، وأكوّن أسرة عادية، وتكبر بالسن معهم. تلك الحياة غير المبهرة، أنتما من سرقتها مني.
“لا أحد يحب يوان أكثر مني.”
كان وجه ليديا مليئًا بالغضب.
أنا أكثر شخص في العالم يحب يوان، لذلك من الطبيعي أن أكون بجواره، لكن هذه الحقيقة قد دمرت بسبب سيريت.
أنا قادرة على أن أمنح يوان كل ما أملكه،
أما أنتِ، ماذا تستطيعين أن تمنحيه؟ لا، هل لديكِ شيء تمنحينه من الأساس؟
“…….”
“يوان أيضًا يحبني. تمامًا بقدر ما أحبّه أنا.”
أجابت ليديا بوجهٍ مفعم بالثقة.
يوان يحبني، بقدر ما أحبّه أنا. إذا أعطيته كل ما أملكه، فسيحبني أكثر. لن يحبكِ أنتِ، بل سيحبني أنا.
“…….”
ابتسمَت سيريت بمرارة أمام ملامح ليديا التي لم يكن فيها ذرة شك.
حينها سُمع طرق خفيف على الباب، ثم فُتح.
الشخص الذي دخل كان يوان.
بعد أن أخبروه أن ليديا جاءت وأنها تجلس مع سيريت، دخل إلى قاعة الإستقبال من دون أن يبدّل ملابسه حتى.
رمق سيريت بنظرة ثم حوّل نظره إلى ليديا.
عينَا ليديا تلألأتا عندما رأت يوان.
“يوان.”
نهضت ليديا من مقعدها دفعة واحدة.
عند رؤية استقبالها له، ابتسمت سيريت بسخرية خفيفة ثم وقفت من مقعدها. الآن بما أن يوان قد حضر، فدورها قد انتهى.
“إذًا يمكنكم الحديث.”
وحين مرّت سيريت بجانب يوان، أمسك يوان فورًا بذراعها.
“ابقِي هنا.”
كان يوان قلقًا من أن تُسيء سيريت الفهم. يجب أن يسمعا كلام ليديا معًا حتى لا ينشأ سوء ظن لا داعي له.
سحبت سيريت معصمها من قبضته وهي تهز رأسها.
“ليديا لديها ما تريد قوله لك يا يوان. لا أظن أن مكاني هنا.”
“سيريت.”
“سأرحل أولًا يا ليديا.”
تجاهلت سيريت كلام يوان، حيّت ليديا وخرجت من المكان.
لم يستطع يوان أن يمسك سيريت وهي تغادر، واكتفى بملاحقتها بعينيه. حتى بعد أن أُغلِق الباب ظل يحدق به وقتًا طويلًا، ولم يصرف نظره إلا بعدما أمسكت ليديا بذراعه.
“يوان.”
“اجلسي.”
أبعد يوان يد ليديا وجلس في المقعد الذي كانت سيريت تجلس فيه. على الطاولة وُضِع فنجان الشاي الذي كانت سيريت تشرب منه.
كان هناك أثر خفيف لأحمر الشفاه على حافة الفنجان. تخيّل يوان سيريت وهي تفرك ذلك الأثر بإبهامها بعد أن أنهت شرب الشاي، فارتفع طرف شفتيه قليلًا.
“اليوم تناولتُ العشاء مع السيد برونك.”
ما إن جلست حتى فتحت ليديا فمها على عجل.
“…….”
“أشعر أنني سأكون تعيسة إن كنتُ معه. أنا لا أستطيع الزواج من ذلك الرجل. أريد أن أكون قربك يا يوان.”
واصلت ليديا كلامها بوجه كئيب، وكانت دموعها تتساقط قطرات قطرات.
ناولها يوان منديلًا بملامح هادئة.
أخذت ليديا المنديل وهي تراقب تعابير وجه يوان. حاولت أن تبحث داخل هدوئه عن أي مشاعر موجهة نحوها.
لكنها لم تجد ذلك شيء. فتحت فمها بسرعة وقد سيطر عليها القلق.
“يوان، اسمح لي. دعني أبقى إلى جانبك. سأتنازل عن إقطاعية إِمرات لعائلة فريكتويستر. سأعطيك كل ما أملك.”
“…….”
“أنا لست مثل سيريت. أنت تعرف ماذا أُمثّل في المجتمع الراقي. سأكون عونًا كبيرًا لأعمالك أيضًا. إن كنتُ بقربك فستكسب الكثير.”
“لوفي برونك شخص مناسب.”
قال يوان ذلك وهو ينظر مباشرة في عيني ليديا بوضوح تام.
كما قال هندرسون، لم يكن من السهل العثور على رجل يقبل بامرأة لا تستطيع إنجاب الأطفال.
ومع ذلك قبل لوفي برونك بليديا، وهذا يعني أنه صادق معها بالفعل. لذلك فإن لوفي برونك سيجعلها سعيدة.
“لا، الشخص الأفضل لي هو أنت وحدك. وأنا وحدي من يستطيع أن يجعلَك تتألق أكثر مما أنت عليه الآن.”
التعليقات لهذا الفصل " 93"