كرهت أن تصبح الزوجة الرابعة لملك هيريو، وكرهت الذهاب إلى إمرات، وكان الزواج من رجل رديء مثل لوفي برونك أمراً مروّعاً.
لم يعجبها أي من الخيارات الثلاثة، فلم تستطع اختيار أي منها. كان واضحاً أنها ستصبح بائسة أياً كان ما تختاره. لذلك قررت ليديا أن تصنع خيارها بنفسها. خيار يُدعى يوان فريكتويستر.
“اجعلني محظيتك.”
نطقت ليديا وهي تنظر مباشرة في عيني يوان.
أن تصبح محظية كان مؤلماً لكرامتها، لكنه كان أمراً لا مفر منه. لو أصبحت محظية يوان فستبقى بجانبه، ولن تضطر لمغادرة العاصمة. وستعيش وهي تتمتع بكل ما كانت تنعّم به حتى الآن.
ثم عندما تلد سيريت طفلاً، ستزيح سيريت من جانب يوان وتستعيد مكانة الدوقة. إن عاشَت لسنوات قليلة فقط بجانب يوان وهي تخفض رأسها فستستطيع أن تصبح سعيدة مجدداً.
“هذا كلام لا يُعقل.”
قطّب يوان حاجبيه وأخرج تنهيدة عميقة.
بسبب الكلمات التي تفوّهت بها ليديا ولم تخطر له على بال إطلاقاً، شعر بالتعب الشديد فجأة. كان يعلم أن وضعها ليس جيداً، لكن ما قالته كان فعلاً كلاماً لا يُعقل.
“أنا لا أمانع. طالما أنك أنت يا يوان، فلا مشكلة حتى لو كنتُ محظية. احمني، يا يوان.”
طالبت ليديا بثقة.
كانت تعتقد أن يوان يجب أن يفعل ذلك بشكل طبيعي. لأنها تحب يوان، كان عليه أن يرد على ذلك الحب. كان هذا بالنسبة ليديا أمراً بديهياً جداً.
لكن بالنسبة ليوان فكان أمراً لا يمكن أن يحدث، ولا ينبغي أن يحدث إطلاقاً.
“لن يحدث.”
قطع يوان طلب ليديا قطعاً حاسماً.
محظية لرجل مجنون تمامًا بزوجته؟ حتى لو لم يكن واقعًا لسيريت، فالمحظية كانت أمراً غير معقول أبداً.
لم يكن في عائلة فريكتويستر أي تاريخ في اتخاذ محظية.
اتخاذ محظية كان أمراً مُخجِلاً، وأسلاف الدوقات الذين كانوا متشبعين بالفخر تجاه العائلة لم يفعلوا قط ما يُسقِط شرف العائلة.
ويوان أيضاً لا يفكّر بذلك.
“أعلم أنك تقلق عليّ. أن تصبح ابنة الإمبراطور محظية هو أمر مُخزٍ. ولكن لا حيلة في الأمر. الشخص الوحيد الذي يمكنه إنقاذي الآن هو أنت يا يوان.”
ولإقناع يوان الذي رفض رفضًا قاطعًا، ترقرقت الدموع في عيني ليديا.
إن كانت في جوار يوان، فلن يستطيع هندرسون فعل شيء لها.
لذلك يجب على يوان أن يقبلها حتماً.
“الآنسة إليوت.”
زفر يوان تنهيدة منخفضة.
لأنه يعرف جيداً أن ليديا عندما تتشبّث بفكرة ما تغرق فيها بشكلٍ مفرط، أصبح الوضع حقاً مربكاً.
“ساعدني يا يوان.”
“قلت لكِ بوضوح إن هذا غير ممكن.”
“يوان.”
“دعينا نتظاهر بأن هذا الحديث لم يُقال.”
نهض يوان من مكانه وكأنه لا يرغب في الكلام أكثر.
نظرت ليديا إلى يوان الذي نهض من مكانه.
أخفت ليديا بشقّ النفس قلقها وهي تعيد ضبط جلستها. لا ينبغي أن تتصرف هكذا يا يوان.
“اجلس يا يوان. لم ينته كلامي بعد.”
“لا يبدو أن هناك حاجة لسماع المزيد.”
عند رؤية نظرات يوان الباردة، أمسكت ليديا بطرف تنورتها بإحكام.
بما أن يوان يمكن أن يكون بارداً بلا حدود حين يكون بارداً، فقد حان الوقت لإخراج ورقة أخرى.
“كيف ستتحمل مسؤولية تشويهك لشرفي؟”
“…….”
قطب يوان حاجبيه وكأنه لا يفهم ما المقصود.
ودون أن تتجنب نظرات يوان التي تنظر إليها من الأعلى، تابعت ليديا كلامها.
“في تلك الليلة، تبادلنا القُبَل. ثم قضينا الليل معاً في الفندق. لقد لوّث يوان شرفي. لذلك يجب أن تتحمل مسؤوليتي.”
“ما الذي تعنينه بذلك؟”
جلس يوان مجدداً بوجهٍ جاد.
تبادلا القُبَل؟ شعر يوان بأن قلبه يبرد فجأة.
لم يتذكّر يوان تفاصيل تلك الليلة جيدًا. يتذكر أن ليديا كانت بجانبه، لكن لا يمكنه استحضار الوضع بالتفصيل.
“لا يوجد أشخاص لا يعرفون. لقد نُشر الأمر كخبر نميمة في مجلة. سُمِعتي تلوثت بما يكفي، ولا أحد يستطيع استعادة سمعتي الملوثة غيرك يا يوان.”
“…….”
“يوان رجل نبيل. عليه أن يتحمل المسؤولية.”
تصلّبت ملامح يوان عند كلمات ليديا. إن كان نبيلًا، فهذا ما يجب أن يفعله. إذا فعل شيئًا يستوجب المسؤولية، فمن الطبيعي أن يتحمّلها…
“هل كل ما يخرج الآن من فم الآنسة إليوت هو الحقيقة بالكامل؟”
“نعم.”
هزّت ليديا رأسها بثقة راسخة.
“لا أدري. لا يبدو أنها الحقيقة.”
“كيف ليست حقيقة؟”
ردّت ليديا بحدة على التعبير الذي أصبح أكثر هدوءًا على وجه يوان. يوان كان مخمورًا في تلك الليلة ولن يتذكر جيدًا. عضّت ليديا شفتها.
“الآنسة إليوت عادت تلك الليلة بسلام إلى القصر الإمبراطوري على متن عربة عائلة فريكتويستر.”
“ليس صحيحًا. في تلك الليلة نحن…”
“لم يحدث شيء. الآنسة إليوت عادت إلى القصر الإمبراطوري على متن عربتي.”
أسند يوان ظهره إلى الأريكة وهو يحدق في ليديا.
لقد قال السائق ذلك بوضوح. بعد أن أوصل يوان إلى الفندق، أوصل أيضًا الآنسة إليوت بأمان إلى القصر الإمبراطوري.
“هذا غير صحيح.”
“لقد تأكدتُ من الأمر مع السائق بالفعل.”
عندما لم يُخدع يوان، ارتجف وجه ليديا.
ظنّت أنه لن يتذكر. لو كانت تعرف أن الأمر سيكون هكذا، لنامت بجوار يوان تلك الليلة. شعرت ليديا بالندم على قرار تلك اللحظة.
“سأُصحّح الشائعات المنتشرة. سأعيد لكِ شرفك بنفسي، فلا تقلقي بشأن ذلك.”
“إذًا تريد مني أن أصبح زوجة رجل آخر؟”
فور رؤية وجه يوان البارد، امتلأت عينا ليديا بالدموع.
كانت تكره يوان لأنه يرسم بينها وبينه حدودًا. وكلما كرهته أكثر، زاد حقدها على سيريت أضعافًا مضاعفة.
لأن كل ما يفعله يوان الآن هو بسبب سيريت. لو لم تكن سيريت موجودة، لما كان يوان بهذه الدرجة من البرود.
“أفهم ما تشعر به الآنسة إليوت. سأحاول التحدث جيدًا مع سمو ولي العهد. حتى لا تضطري لخوض زواج لا تريدينه.”
حاول يوان تهدئة ليديا بأسلوب مهذب.
لكن ليديا تأذت أكثر من هذا الأسلوب المهذب. رؤية يوان يتعامل معها وكأن الأمر لا يخصه ويدفعها بعيدًا جعلها تشعر بمرارة شديدة.
كيف يمكن ليوان أن يفعل هذا بي؟ ليس أي شخص آخر، بل بي أنا.
لقد تغيّر يوان. تغيّر تمامًا. عضّت ليديا شفتها وأحكمت قبضتها.
“حياتي تدمّرت لأنك يا يوان لم تمسك بيدي. وعندما تراني يومًا في ذلك الحال، ستندم بالتأكيد على هذه اللحظة.”
نهضت ليديا من مكانها وهي تبكي. كانت ترتجف وهي تحدق في يوان، ثم غادرت غرفة المكتب مباشرة.
حتى عندما خرجت ليديا وهي تبكي، لم يحاول يوان إمساكها. ما كان يقلقه أكثر من ليديا التي غادرت والدموع على وجهها هو سيريت.
استند يوان بعمق إلى الأريكة. تلك الشائعات المتعلقة بليديا، من المؤكد أن سيريت تعرف عنها أيضًا. لا بد أن قلبها تأذى كثيرًا. أم ربما لأن في قلبها رجلاً آخر فإنها لم تكترث أصلًا؟
رفع يوان شعره إلى الخلف وارتسمت على وجهه ابتسامة مُرة.
***
“لقد أنهينا التأكد من الحقيقة من نادل الحانة. كانت مختلفة تمامًا عمّا تم تداوله.”
المساعذ ديريك قدّم تقريره ليوان.
كان يوان قد أمر ديريك بالتحقق من صحة كلام ليديا بشأن تبادل القبل. وقد تأكد ديريك من أن كلام ليديا غير صحيح من خلال النادل.
قال النادل بثقة إن الأمر لم يكن قبلة، بل كان الدوق المخمور يسند رأسه على كتف الآنسة إليوت. ثم هزّ رأسه مرارًا قائلاً إنه لا يعلم كيف انتشرت مثل هذا الشائعة.
“اهتمّ بهذه الشائعة المنتشرة، بأسرع وقت ممكن.”
قال يوان بوجه متعب.
هو في الأصل ليس من النوع الذي يهتم بالشائعات التي تنتشر في المجتمع المخملي. فالمجتمع دائمًا ما يثرثر بقصص لا معنى لها.
وبما أنه يعلم أنهم بعد وقتٍ قليل سيثيرون قصة أخرى، لم يكن يشعر بضرورة أن يبذل جهدًا خاصًا لتصحيح الشائعة الخاطئة. كما أن دوقية فريكتويستر ليست عائلة يمكن أن تُشوَّه سمعتها من شائعة تافهة كهذه.
لكن عندما فكّر في سيريت، كان لا بد من تصحيح تلك الشائعة. لم يكن يحتمل أن تسيء فهمه، ولم يكن يحتمل أيضًا أن يُتداول اسمها مع ذلك النوع من القذارة.
هو بالفعل زوج حقير بما يكفي، وإن صدقت أنه ارتكب مثل ذلك مع امرأة أخرى فلن تتحسّن علاقتهما أبدًا.
مشاعرها نحوه اساسًا في الحضيض، وإذا صدّقت ذلك فستسقط إلى ما هو أسوأ مما هي عليه الآن.
حاول فورًا أن يفسّر لسيريت لماذا جاءت ليديا إليه في ذلك اليوم، لكنها كانت باردة جدًا تجاهه.
كان واضحًا من تصرّفاتها أنها لا تصدّقه، ولهذا ظلّ في الأيام الماضية قلقًا بشدّة.
“فهمت. وهذا تقرير عن نونوكي الذي طلبته سابقًا.”
وضع المساعد ديريك التقرير أمام يوان.
نظر يوان إلى التقرير نظرة سريعة، ثم أومأ لديريك.
“أحسنت.”
انحنى ديريك باحترام وغادر مكتب يوان.
بقي يوان وحده، وأخذ يتصفح التقرير الذي تركه ديريك وهو يجلس بوضعية مائلة.
كان يوان يتصفح التقرير مرورًا سريعًا، لكنه ثبّت جلسته عندما بلغ موضعًا معيّنًا. قطّب جبينه قليلًا وتمتم.
“ليديا إليوت؟”
ظهر اسم ليديا في تقرير نونوكي أكثر من مرة. ذُكر فيه أن نونوكي كانت على علاقةٍ وثيقة بوالدة ليديا، وأن ليديا ما تزال حتى الآن تتردد كثيرًا على صيدليتها.
فكرة أن نونوكي، المرتبطة بوفاة صوفيا، تعرف ليديا أيضًا جعلت يوان يشعر بالضيق. الاحتمال الأكبر أنّها مجرد صدفة، لكنه لم يستسغ الأمر.
أطلق يوان تنهيدة، ونظر إلى الوقت، ثم نهض من مقعده. كان موعد لقائه بوليّ العهد هندرسون قد حان.
***
عندما وصل يوان إلى القصر الإمبراطوري، قاده رئيس الخدم إلى قاعة الاستقبال.
كان هندرسون قد سبق ووصل إلى هناك.
كان هندرسون في مزاجٍ جيد، وما إن دخل يوان حتى لوّح له بيده وهو يبتسم ابتسامة واسعة.
“أهلًا بقدومك.”
“سمو وليّ العهد.”
حيّاه يوان بوجه رسمي.
“أعرف أنك رجل متمسّك بالمبادئ، لكن هذا اللقب يجرحني قليلًا. اجلس.”
أظهر هندرسون امتعاضه من كون يوان لا يزال يناديه بوليّ العهد، ثم أشار له بالجلوس.
بعد أن جلس يوان، سكَب هندرسون الشراب بيده وقدّمه إليه.
“أشكرك.”
أخذ يوان الكأس منه.
قام الخادم الواقف إلى بجانبهم بملء كأس هندرسون.
ارتشف هندرسون شرابه، وبدأ يتحدّث عن أمور مختلفة.
في حديثه عن مراسم التتويج، امتدّ هندرسون إلى أوضاع الدول المجاورة أيضًا. لم يتوقف عن الثرثرة لحظة واحدة.
كان يوان يجد هذه الجلسة مملّة للغاية. كان طوال الوقت يتساءل عمّا تفعله زوجته التي لا تحبه.
طوال حديث هندرسون، لم يفكّر يوان إلا في سيريت.
ماذا تناولتِ للعشاء؟ وهل صعدتِ الدرج ركضًا؟
هل هي الآن تبحث في المكتب عن صك الملكية؟
أو غرفة النوم لأنني لست موجودًا؟
كان جسد يوان في القصر الإمبراطوري، لكن قلبه عند سيريت في قصر الدوق.
“لكن أخبرني يا يوان.”
قال هندرسون وهوقد ثمل كما يبدو، مستندًا بجلسته المبعثرة على الأريكة وهو ينظر إلى يوان.
عرف يوان أن هندرسون مخمور جدًا بما أنه يناديه باسمه بهذه الألفة، فوضع كأسه جانبًا.
التعليقات لهذا الفصل " 91"