“حتى لو ادّعيتِ أنني أنا من أمرتكِ، فلن يفيد. مهما كرهني هندرسون، فسيُغطي الأمر من أجل شرف العائلة الإمبراطورية.”
“…سأظل مخلصة لكِ مدى حياتي يا سمو الأميرة. لذا… أرجوكِ لا تقولي مثل هذه الأمور.”
قالت أنيتا بصوت يبدو متماسكاً وهي تقبض يدها بإحكام. كلام ليديا لم يكن خاطئاً. إن خذلتها، فلن تبقى على قيد الحياة.
“طبعاً يجب أن تفعلي ذلك. أتدرين كم أنا أعتز بكِ؟”
مسحت ليديا الدموع العالقة في عينيها، ثم ابتسمت بخفّة وتوجهت إلى غرفة الملابس.
لم تكن ترغب في مقابلة هندرسون، لكنها لم تملك خياراً آخر في الوقت الحالي. لم يعد هناك جلالة الإمبراطور ليحميها. عادت الدموع لتفيض من عينيها، لكنها رمشت سريعاً فمسحتها.
بعد أن بدّلت ملابسها، قصدت ليديا قاعة الاستقبال. كان مقززاً أن يستدعيها هندرسون إلى قاعة الاستقبال متشبهاً بالإمبراطور.
نظرت ليديا إلى هندرسون الجالس على عرش الإمبراطور. رؤية هندرسون جالساً في مقعد والدها جعلت حقيقة وفاة والدها تضربها مجدداً.
عضّت ليديا شفتيها بقوة.
“استدعيتني يا أخي هندرسون؟”
“أخي هندرسون…؟”
ابتسم هندرسون بسخرية عند سماعه اللقب. منذ الطفولة لم تناديه بهذا اللقب، فما الذي تنوي عليه؟
هل تقصد أنها لا تستطيع الاعتراف بي كإمبراطور؟ أم أنها تطلب مني معاملتها بلطف لأنها تشترك معي بالدم؟ أم أنها لا تعلم كم أكره حقيقة أننا نتشارك الدم نفسه؟
“من هو أخاكِ؟”
قال هندرسون بصوت بارد.
“…….”
ابتلعت ليديا ريقها بوجه متوتر أمام ملامح هندرسون الباردة التي لا تحمل دفئاً ولو بمقدار ذرة. منذ طفولتها كان هندرسون ينظر إليها وكأنها شيء مقزز.
منذ الصغر كان يصرّح دون مواربة أنها ليست على مستواه لأنها وُلدت من رحم قذر. وحتى الآن لا يخفي هذا الشعور.
“لم أفكّر بكِ يوماً كأختٍ لي. أنتِ عارٌ على العائلة الإمبراطورية.”
“…….”
لم تستطع ليديا قول أي شيء، ولم يكن منها إلا أن انهمرت دموعها قطرة تلو الأخرى. في رأسها كانت تطفو صورة سمّ نونوكي.
يبدو أن هندرسون لم يشعر بأي ذرة من الشفقة تجاه ليديا الباكية، فألقى إليها الظرف الذي كان في يده بوجه جامد.
سقط الظرف الذي رماه هندرسون عند قدمي ليديا. مسحت دموعها والتقطته.
“افتحيه.”
بكلمات هندرسون، فتحت ليديا الظرف وأخرجت المحتوى. كانت فيه رسمة رجلٍ مسن يرتدي تاجاً.
نظرت ليديا إلى هندرسون بوجهٍ يسأله من يكون هذا.
“إنه ملك هيريو. سمعت أنه يبحث عن زوجة رابعة.”
رفع هندرسون زاوية فمه. الابتسامة التي كان يرتسم بها بدت قاسية إلى حد الوحشية.
اللوحة التي كانت ليديا تقبض عليها انكمشت وتجعّدت بشكلٍ فوضوي. وكذلك وجه ليديا تجعّد مثل تلك اللوحة.
“هندرسون!”
صرخت ليديا صرخة أقرب إلى العويل.
ملك هيريو كان أكبر من جلالة الإمبراطور الراحل بعشر سنوات كاملة. كان سيئ السمعة في ملاحقة النساء، وتنتشر شائعات بأنه أصيب بالخرف الآن.
كان هندرسون يحاول تزويجها لمثل هذا الرجل. اختفت الدماء من وجه ليديا.
“إذا تزوّجتِ ملك هيريو فستتمكني من الاستمتاع بكل ما استمتعتي به حتى الآن.”
“لا أريد.”
احتقنت عينا ليديا بالدم. بالنسبة لها، كان إلقاء نفسها في نهر فينيت أهون من الزواج بملك هيريو.
“لن أُجبرك. ولكن اعلمي فقط أنه إن لم تتزوجي ملك هيريو، فسيتغيّر الكثير في حياتك.”
“هل تهددني؟”
ارتجف جسد ليديا برقة. توقعت أن هندرسون لن يتركها وشأنها، لكن ما واجهته كان أسوأ مما تخيلته.
ضحك هندرسون بسخرية عند سماع كلمة تهديد.
“إن لم ترغبي بالزواج من ملك هيريو، فاذهبي إلى إمرات. لقد منحك إياها والدي رغم المعارضة الشديدة، ولو عشتِ هناك فسيُسعده ذلك.”
“إمرات لا يوجد فيها شيء. لا شيء!”
كانت أرضي إقطاعية إمرات التي منحها اياها الإمبراطور خصبة وتنتج الكثير من المحاصيل،
لكن بما أن معظم الإقطاعية أراضٍ زراعية، فهي تفتقر إلى البنية الأساسية للحياة.
وبالطبع لم يكن من الممكن الاستمتاع بأي حياة ثقافية هناك. فلا دار أوبرا موجودة، ولا حتى مسرح صغير واحد.
ولا يوجد أيضًا أي نبلاء يمكنها الاختلاط بهم واللعب معهم، لذا فإن إرسال ليديا إلى إمْرات كان بمستوى إرسالها إلى السجن.
“هذا لا يعجبك، وذلك لا يعجبك. إذن ماذا تريدين؟”
“أعطني قليلًا من الوقت. كم مضى منذ وفاة جلالته حتى تضغط علي هكذا؟”
غرقت عينا ليديا بالدموع من شدّة القهر.
“القصر الذي تشغلينه هو في الأصل قصر الإمبراطورة. بسببك ما تزال كريستين مقيمة في قصر ولي العهد.”
“أتقصد أنك تريد طردي من القصر؟ القصر هو بيتي!”
“لا، القصر الإمبراطوري ليس مكانًا يمكن لابنة عشيقة دنيئة أن تجرؤ على تسميته بيتًا.”
“أنت قاسٍ جدًا يا أخي.”
ارتجفت ليديا وهي تشد قبضتها.
“كم هذا مثير للسخرية. ألا يخطر ببالكِ ولو قليل أنكِ كنتِ تتمتعين بما هو فوق حقك طوال الوقت بفضل أبي؟”
“لن أتزوج ملك هيريو، ولن أذهب إلى إقطاعية إمرات أيضًا. يا أخي، لا يمكنكَ طردي من القصر.”
قالت ليديا بنبرة حازمة ثم أدارت ظهرها له. القصر هو بيتي. لا يمكنني أن أُطرَد هكذا.
“إذن أحضري عريسًا مناسبًا. لا أعلم إن كان هناك رجل أحمق سيقبلكِ وأنتِ لا تستطيعين إنجاب الأطفال.”
عند سماع الكلام خلفها توقفت ليديا فجأة. هل كان هندرسون يعرف أيضًا؟ التفتت ليديا إليه ببطء.
وحين التقت عيناها بعينيه، تابع هندرسون الكلام.
“هناك رجل واحد مجنون لا يمانع أنكِ لا تنجبين الأطفال. الابن الثاني لأسرة الفيكونت برونك، لوفي برونك، يقول إنه يقبل بكِ.”
ارتسمت سخرية على وجه هندرسون.
***
كانت سيريت تعض أظافرها بينما تمشي داخل غرفة النوم بخطوات مضطربة.
ماذا أفعل… كيف يجب أن أتصرف الآن؟
كان يوان يعرف كل شيء منذ البداية. وفوق ذلك، كان صك ملكية قصر موشيلي في يده. بعد أن علمت سيريت بهذه الحقيقة، لم تستطع أن تستعيد وعيها بشكل صحيح لعدة أيام.
تلقت سيريت صدمة كبيرة عندما أدركت أن يوان كان يلعب بها داخل قبضته طوال هذا الوقت، فلم تستطع مغادرة السرير لعدة أيام.
كان يوان يطل على سيريت بين حين وآخر، وفي كل مرة كانت تغلق عينيها متظاهرة بالنوم. لم تكن ترغب في رؤية وجهه.
“إذا كان صك ملكية القصر في يد يوان، فلن يفيد تدبير المال بشيء، صحيح؟”
تمتمت سيريت بعد أن توقفت عن المشي.
حتى لو تمكنت من جمع ١٧٠ ألف، فإن ذلك سيكون بلا معنى إذا قال يوان إنه لن يعيد وثيقة القصر.
أطلقت سيريت تنهيدة عميقة وخرجت من الغرفة بدافعٍ مفاجئ متجهة إلى مكتب يوان.
فتحت باب المكتب بحذر ودخلت، ثم بدأت تجول بعينيها في المكان. إذا كان صك ملكية القصر موجود في هذا المنزل، فمن المؤكد أنها ستكون في هذا المكتب.
بدأت سيريت تفتح الأدراج الأقرب إليها بحثًا عن صك ملكية قصر موشيلي. وأثناء تفتيشها الأدراج ورفوف الكتب بحثًا عن وثيقة القصر، عثرت على ظرف.
كانت على وشك فتحه لتتفقد ما بداخله، حين دوّى صوت يوان.
التعليقات لهذا الفصل " 89"