لا يعرف ماذا يفعل مع المرأة أمامه التي تختار دائمًا الكلمات التي تثير غضبه.
زوجته تدفعه دومًا لمواجهة أسوأ ما في داخله.
“أعلم أنكِ تزوجتِ بي بنية الطلاق.”
”… ماذا تقصد؟”
اهتزّت عينا سيريت.
عند كلام يوان، خفق قلب سيريت بقوة.
كان يعرف؟ أنني تزوجته فقط من أجل الطلاق؟
حبست سيريت أنفاسها.
إلى أي حد يعرف؟
ارتجفت يد سيريت.
اتجهت نظرات يوان إلى يد سيريت المرتجفة.
اليوم أيضًا، لم يكن هناك خاتم الزواج في يدها.
أيام سيريت دون خاتم الزواج كانت أكثر من الأيام التي ترتديه فيها.
وبالمقارنة مع يوان الذي كان يرتديه دائمًا، كانت الزوجة التي لا تفكر إلا بالطلاق تعتبر خاتم الزواج شيئًا تافهًا جدًا.
أمسك يوان بمعصم سيريت.
“ولذلك لا ترتدين خاتم الزواج هكذا دائمًا، أليس كذلك؟”
كان يوان ينظر إلى سيريت بابتسامة مائلة.
“ما الذي تقصده؟!”
“هل ظننتِ أنني لن أعرف؟”
وحين رأى يوان اهتزاز نظرات سيريت، ابتسم ابتسامة هادئة.
عندما نظر لوجهها الشاحب وجسدها المرتجف، شعر وكأنه مفترس أمام فريسته.
“هذا ليس صحيحًا، لقد فهمتَ الأمر بشكل خاطىء.”
سيريت، التي لم تستطع ترتيب أفكارها، أنكرت في البداية.
أنكرت، لكنها كانت تعلم أن ذلك بلا فائدة.
اشتدّت قبضة سيريت.
“ليس صحيحًا؟”
ضحك يوان بخفة.
هل تقولين هذا وأنتِ تعرفين التعابير التي تعتلي وجهك الآن؟
يبدو كوجه أرنب محاصر في زاوية.
“ليس صحيحًا. حقًا ليس كذلك.”
“الكذب ليس جيدًا، يا سيريت.”
“ليست كذبة.”
“أعلم أنكِ تزوجتِني من أجل صك ملكية قصر موشيلي.”
فتح يوان فمه وهو ينظر مباشرة إلى سيريت التي تواصل الإنكار.
“ما الذي تقوله؟”
خرج موضوع صك ملكية قصر موشيلي من فم يوان.
أصبحت عينا سيريت فارغتين، ولم تعد قادرة على التفكير في أي شيء.
حدّقَت عينا يوان الرماديتان، المليئتان بالحزم، في سيريت.
“سأقولها بوضوح. الطلاق، لن يحدث.”
“…….”
مقابل نظرات يوان الثابتة، كانت عينا سيريت تتخبط دون أن تجد لها قرارًا.
انعكست الحيرة والخوف في عيون سيريت الزرقاء.
قلبها أخذ يخفق بسرعة مزعجة.
الآن وقد أدرك يوان مشاعره، ربما يعاملها كما في حياتها السابقة… مثل ماشية لإنجاب الأطفال.
“أيًا كان السبب الذي ستأتين به، فالطلاق غير ممكن. ستموتين وانت تحملين اسم فريكتويستر”
ارتجف بدن سيريت من كلمات يوان بأنها ستموت باسم فريكتويستر.
شعرت وكأن يوان قد حدد لها وظيفتها في هذه الحياة.
“لا. سأحصل على الطلاق مهما كان.”
لن أسمح أن أُسحب مجددًا إلى المصير الذي تختاره لي.
خرج صوت سيريت مرتجفًا وهي تتكلم.
عند سماع يوان أن سيريت مصممة على الطلاق، ارتفع طرف شفتيه بسخرية.
من أجل هذه المرأة التي لا تستطيع حتى أن تتخيل في يد مَن صك ملكية قصر موشيلي، كان عليه أن يخبرها بنفسه.
حتى لا تحلم أبدًا بأنها تستطيع مغادرة جانبه.
“أملك صك ملكية قصر موشيلي.”
“…….”
رنّ صوت يوان في أذن سيريت.
فرّ الدم من وجهها فجأة في لحظة.
كانت يداها الموضوعتان على ركبتيها ترتعشان بعنف، فقبضت بقوة على طرف تنورتها.
صك ملكية القصر في يد يوان؟ كيف…؟
“لذا، لا تحملي بأحلام لن تتحقق. إذا تطلّقتِ مني، فسيتغيّر مالك قصر موشيلي.”
“هل أنتَ تهدّدني الآن؟”
تنفّس سيريت أصبح أثقل قليلًا.
كانت غاضبة، وكانت خائفة أيضًا.
كل شيء أصبح فوضويًا.
طالما أنّ صك ملكية القصر في يد يوان، فلن تستطيع الإفلات منه كما قال.
أمام تلك الحقيقة الواضحة، تجمعت الدموع في عيني سيريت.
“من المؤسف أن هذا بدا لكِ تهديدًا. أنا فقط أخبركِ بالواقع.”
أجاب يوان بصوت كسول.
“منذ متى وهي عندك؟”
“من البداية. منذ أن خرجت كضمان.”
“إذن كنتَ تعرف… منذ البداية…”
استبدّ شعورٌ بالإحباط بسيريت.
قالت إنها ستُمسك بزمام طوقها بيدها، لكن منذ البداية وحتى الآن كان طوقها دائمًا في يد يوان.
ولم تكن تعرف… كم كانت ساذجة.
“كنت أعرف كل شيء. السبب الذي جعل خطيبتي التي كانت تطالب بالفسخ، فجأة تلحّ على الزواج. كنت أعرفه منذ البداية.”
“لقد خدعتَني.”
ارتجف طرف ذقن سيريت.
شعرت وكأنها كانت لعبة.
كان يعرف كل شيء من البداية إلى النهاية.
كم يا ترى كانت مثيرة للسخرية في نظره؟
“وأنتِ أيضًا لم تكوني أفضل، أليس كذلك؟ خدعتِني أنتِ الأخرى.”
اتكأ يوان على المقعد بظهره، وبدا وجهه كسولًا.
وعلى طرف شفتيه ارتسمت ابتسامة مائلة، كأنه يقول لا داعي للغضب ما دمنا كلانا خدع الآخر وتزوّجنا.
“مهما كان السبب، فنحن تزوجنا على أي حال، وكل ما عليكِ فعله الأن هو أن تعيشي بهدوء إلى جانبي بصفتكِ دوقة فريكتويستر. هذا هو الشيء الوحيد الذي تستطيع سيريت فريكتويستر فعله.”
“أعيد لي صك ملكية القصر.”
طالبت سيريت وهي تنظر مباشرة في عيني يوان.
كانت تعلم أن طلبها وقح، لكن هذا الرجل تصرّف معها بوقاحة أكبر في حياتها السابقة، فلم يهمّها.
“وإذا أعدتها، ماذا ستعطينني بالمقابل؟”
ابتسم يوان بسخرية خفيفة.
عند سخرية يوان، فردّت سيريت ظهرها وجلست مستقيمة.
كانت تريد أن تتكلم بثبات دون أن ترتجف.
فهذا ليس تذللاً لاستعادة صك ملكية، بل تفاوض.
“سأعطيك لوحة كوينتن دال.”
“تلك اللوحة التافهة؟”
“سأدفع الفارق مهما كلّف الأمر.”
عندما رأت أن ملامح يوان غير مهتمة، أصاب سيريت الذعر.
إن دفعت مع جيريمي، فسوف تستطيع تسديد كل شيء عاجلاً أم آجلاً.
“أنا لا أريد المال.”
“إذًا… ماذا تريد بالضبط؟”
“لقد قلتُ لكِ باستمرار. أن تبقي في مكانك بصفتكِ دوقة فريكتويستر. عندها لن ينتقل قصر موشيلي إلى يد شخص آخر.”
“هذا إهانة لوالدي أيضًا! أنت تعرف أكثر من أي أحد كم أظهرت أسرة إينوهاتَر من ولاء لأسرة فريكتويستر عبر السنين!”
صرخت سيريت غضبًا.
تصرف يوان باستخدام قصر موشيلي كورقة ابتزاز كان إهانةً للفيكونت إينوهاتَر.
“والفيكونت وافق. على أن يكون صك ملكية القصر بحوزتي.”
“…هل والدي يعلم بذلك أيضًا؟”
اتسعت عينا سيريت عند سماع كلمات يوان.
أوجعها قلبها وكأنه يُوخز.
والدها… كان يعلم؟
“نعم.”
أومأ يوان بخفة.
امتلأت عينا سيريت بالدموع.
كم كان والدها يقدّر الشرف.
أن يُظهر لسيده مثل هذا الموقف… لا بد أنه شعر بإهانةٍ مُذلّة.
تألّم قلب سيريت.
“طلبت إذنه في أن يسمح لي بالاحتفاظ بها. قلت إنني أريد الاحتفاظ بوثيقة قصر موشيلي لأنني أرغب في الإمساك بنقطة ضعف سيريت، لذلك لا يمكنني إعادتها.”
اختار يوان عمدًا كلمات لا تثير سوى غضب سيريت. كان يريد أن يدوس البادرة قبل أن تنمو. هذه المرأة يجب أن تتخلى بأسرع وقت عن أي أمل بأنها تستطيع الابتعاد عنه.
“سمو الدوق!”
صرخت سيريت وقد استشاطت غضبًا. هل قلتَ مثل هذا الكلام لوالدي؟ هل جرحتَ قلب والدي بتلك الكلمات؟
لوح طيف وجه والدها الأخير في ذاكرتها. في محطة القطار، ذلك الأب الذي كان يلتفت عبر النافذة مرارًا ليلقي نظرة أخيرة على ابنته.
ما الذي كان يشعر به وقتها؟ كيف كان يختنق قلب أبٍ يسلّم ابنته لرجل تحدث عن “نقاط ضعفها”؟
“الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الدوقة حماية قصر موشيلي هي واحدة فقط. أن تعيش بصفتها دوقة فريكتوستور.”
ابتسمت شفتا يوان بخفة بعدما حطم أمل سيريت.
كان يشعر بأنه إنسان سيئ إلى أقصى درجة، لكنه كان يستمتع كثيرًا بالرضا الذي يمنحه له إبقاؤها مقيدة.
كان شعور الرضا يتغلب على كراهيته لنفسه، لذلك لم يندم يوان.
في تلك اللحظة، توقفت العربة التي وصلت إلى قصر الدوق. كان يوان هو من فتح الباب قبل السائق.
اندفع هواء الصيف النابض بالحياة إلى داخل العربة، لكن أجواء الاثنين كانت متجمدة كفصل الشتاء.
رمق يوان مدخل قصر الدوق الذي ظهر خلف الباب المفتوح، ثم أعاد رأسه نحو سيريت.
“لذلك استسلمي. لن تتمكّني من الهرب.”
“…….”
لم تعرف سيريت إن كان ذلك تحذيرًا أم تهديدًا، لكن دمها تجمّد.
القدر يلتف حول عنقها كطوق يخنقها فلم تستطع أن تتنفس.
كما لو أنه، تمامًا كما قال يوان، لا سبيل للهرب من هذا المصير.
نزل يوان من العربة أولًا، ومدّ يده نحو سيريت.
لكنها لم تفعل شيئًا سوى التحديق في تلك اليد، دون أن تمسك بها.
لو أمسكتُ تلك اليد، شعرتُ بأنني سأُسحَب فعلًا داخل القدر الذي صنعه يوان.
وحين لم تمسك سيريت بيده، كان يوان هو من أمسك يدها أولًا.
تزلزلت نظرات سيريت تحت قبضته القوية.
“أظن أنني قمتُ بأسوأ اختيار ممكن.”
“أسوأ اختيار؟”
ارتجفت حاجبا يوان قليلًا. كان ذلك يعني أنها تندم على زواجها منه.
ابتسم يوان بخفة. حتى لو ندمت، فهي بالفعل زوجته.
انحنى يوان وأدخل جسده إلى داخل العربة.
التقت عيناهما للحظة. لم يزح نظره عن عينيها المرتبكتين وهو يرفع سيريت بين ذراعيه.
لقد انتهى وقت انتظار زوجته.
تلألأت عينا يوان ببريق خطر.
تفاجأت سيريت بحركته وأمسكت كتفيه بقوة.
أخرجها يوان من العربة وتوجّه بها نحو درجات قصر الدوق.
“اتركني. أنزلني.”
حاولت سيريت أن تفلت من بين ذراعيه وهي تتلوى،
لكن يوان لم يرمش حتى وهو يصعد الدرج.
“قلتُ أنزلني!“
“…….”
“لماذا تفعل هذا؟! أتركني!”
بدأت سيريت تضرب كتف يوان بقبضتها.
ومهما ضربته، لم يبدُ أن يوان يكترث على الإطلاق.
تجاهل يوان نظرات رئيسالخدم والموظفين الموجهه عليه، وحمل سيريت كما هي إلى غرفة النوم.
وعندما دخل الغرفة، أنزلها فوق السرير.
“ما الذي تفعله؟!”
ترك سيريت التي كانت تصرخ خلفه وتوجه بخطوات واسعة نحو الباب.
ثم، دون أي تردد، أقفل الباب.
طق. كان صوت القفل واضحًا،
فنزلت سيريت عن السرير بوجهٍ ممتلئ بالقلق.
ولما استدار يوان عن الباب، كان وجهه شرسًا،
فتراجعت سيريت خطوة للخلف من غير أن تشعر.
“يوان.”
لم يبعد يوان عينيه عنها قط،
وببطء بدأ ينزع سترته.
تصلّب جسد سيريت تحت نظرات يوان الخطِرة.
وضع يوان سترته على كرسي طاولة الشاي،
وبينما كان يفك ربطة عنقه، اقترب من سيريت.
“كيف شعورك بعد أن قمتِ بأسوأ اختيار؟”
كان صوت يوان متمهلًا، تمامًا كحركته البطيئة وهو يفك ربطة عنقه.
استشعرت سيريت الخطر، فتجنّبته بخطوة جانبية،
لكن يوان اعترض طريقها مباشرة.
رفعت سيريت رأسها لتنظر إلى يوان الذي سد الطريق أمامها.
التعليقات لهذا الفصل " 87"