“لدي ما أقوله للدوق. بما أنه لا يعود إلى البيت، فليس أمامي إلا أن أذهب إليه بنفسي.”
كانت تريد إنهاء موضوع الطلاق بسرعة. أن تعود إلى نفسها القديمة، إلى تلك التي لا تريد شيئًا سوى الطلاق، وتعود لتعيش حياة سيريت إينوهاتَر التي لا علاقة لها بيوان.
حياة تُرمى فيها، ويُتخلّى عنها، وتُقتل… مثل تلك الحياة البائسة لن تتكرر أبدًا في هذه المرة.
يوان سيذهب ليبحث عن سعادته، وأنا سأبحث عن سعادتي… وبهذا لن يصبح أحدٌ تعيسًا، وسيعيش الجميع في سعادة.
هذا وحده كان كافيًا… هكذا فكرت سيريت.
“المسألة هي…”
تمتم ديريك وهو يعيد الإمساك بالحقيبة بطريقة متوترة.
كان الأمر محرجًا بالنسبة لديريك لأنه يعرف طباع يوان جيدًا. فلو أحضر الدوقة من دون إذن، فسيغضب يوان بالتأكيد.
بصراحة، كان ديريك يرغب في اصطحاب الدوقة معه. فالدوق في الأيام الأخيرة كان يبعث جوًا باردًا إلى حد يصعُب معه حتى فتح حديث معه. وإذا كانت الدوقة بجانبه، لربما صار الدوق أقل حدّة.
“يبدو أنني سببت لك الإحراج يا ديريك. لا تشغل بالك. سأذهب إليه لاحقًا وحدي.”
شعرت سيريت بالأسف عندما رأت حيرة ديريك.
“…….”
“حسنًا، اذهب إذن.”
تركت سيريت ديريك خلفها واتجهت مجددًا نحو الدرج.
“لا. دعينا نذهب معًا. سأصطحبك بنفسي.”
في تلك اللحظة، أوقفها ديريك. لم يعد يستطيع ترك الدوق على تلك الحال. وبما أن الأمر يتعلق بزوجين، فقد كان يؤمن بأن الحل لا يكون إلا بالحوار، لذلك جمع شجاعته.
استدارت سيريت إلى الخلف. وحين رأت أن ملامح الحرج والارتباك قد اختفت من وجه ديريك، قررت ألا ترفض.
“إذًا، انتظرني قليلًا. فقط لحظة واحدة. وخلال ذلك، تناول شيئًا من العشاء. سأعود بسرعة.”
قالت ذلك ثم صعدت الدرج بخطوات سريعة.
وحين دخلت غرفة نومها، توجهت إلى خزانة الملابس لتختار شيئًا ترتديه. كانت تبحث عن أجمل فستان لديها. فهذه المرة أرادت أن يكون الوداع وداعًا حقيقيًا… لا وداعًا مروّعًا وقاسيًا مثل حياتها السابقة.
وبينما كانت تخرج فستانًا بلون الخوخ، دخلت هانا في تلك اللحظة.
“سيدتي، إلى أين تذهبين؟”
سألتها هانا بعينين متسعتين عندما رأت سيريت ممسكة بالفستان الخوخي.
“هانا، قومي بمناداة إيف. أحتاج أن أصفّف شعري.”
“حاضر.“
خرجت هانا مسرعة من غرفة النوم بعدما سمعت كلام سيريت.
وبعد لحظات، دخلت إيف إلى الغرفة.
كانت سيريت تحاول ارتداء الفستان الخوخي وحدها وهي تتلوّى بصعوبة، فنظرت إلى إيف وهانا بنظرة طلب المساعدة. ضحكتا بخفة وساعدتاها على ارتداء الفستان.
“إلى أين ستذهبين؟”
سألتها هانا.
“إلى الدوق.”
أجابت سيريت.
“هل طلب الدوق مقابلتك؟”
قالت إيف وهي تُخرج رأس سيريت من داخل الفستان الذي علق شعرها به.
“لا. أنا التي سأقتحم عليه المكان.”
قالت سيريت وهي تبتسم وتتحرك نحو طاولة الزينة.
جلست سيريت أمام طاولة الزينة، وحدّقت في صورتها داخل المرآة. كانت ذاهبة للحديث عن الطلاق، وأرادت أن تبدو واثقة. أرادت أن يبدو الطلاق شيئًا لا يستحق الاهتزاز.
“أريد أن أبدو دوقة أكثر من أي وقت مضى.”
“نعم.”
هزّت إيف رأسها وهي تبدو وكأنها تفهم تمامًا ما تعنيه.
اعتنت إيف بتسريح شعر سيريت ووضع مكياجها بعناية. كانت سيريت تبدو أنيقة لدرجة أنها بدت جاهزة لدخول حفلة رقص في القصر الإمبراطوري في هذه اللحظة.
وضعت سيريت حول عنقها عقد اللؤلؤ الذي اشتراه لها يوان. الطوق الذي وضعه لها بيده… وقد حان الوقت لتقطعه وتعيش حياتها بلا أي علاقة به.
خرجت سيريت من غرفة النوم بعد أن انتهت من استعداداتها. وما إن وصلت إلى الردهة، حتى استقبلها المساعد ديريك بوقفة محترمة.
توجّهت سيريت مع ديريك إلى الفندق الذي يقيم فيه يوان.
وعندما وصلا إلى الفندق، قادها ديريك إلى الغرفة التي يمكث فيها يوان. وقف أمام باب الغرفة ونظر إلى سيريت.
“هذه هي.“
حدّقت سيريت في الباب المغلق بإحكام. ما إن فكرت بأنها ستقابل يوان بالفعل حتى بدأ التوتر يتسلل إليها.
كان أول ما ظهر أمامها هو صالون واسع، وعلى اليمين غرفتان تبدوان كغرفة نوم وغرفة ملابس إلى جانب بعضها. تخيّلت للحظة يوان وليديا وهما يعيشان معًا هنا، فعضّت سيريت على شفتها.
عاد ديريك من غرفة الملابس إلى الصالون، وقال لها إنه سيغادر أولًا.
“شكرًا لك أيها المساعد ديريك. عد بحذر.”
بعد أن ودّعته وبقيت وحدها، تجولت سيريت بعينيها في أنحاء الغرفة ثم جلست على الأريكة تنتظر يوان.
لم يكن يُسمع في الغرفة الهادئة سوى صوت عقارب الساعة.
تك… تك…
كان قلب سيريت يخفق أسرع من المعتاد وهي تجلس مستقيمة.
حين أفتح موضوع الطلاق… أي وجه سيُظهره يوان؟
هل سيقول لي إنه يحب ليديا؟
ووقتها… أي وجه عليّ أن أُظهر أنا؟
كانت أفكارها تضجّ داخل رأسها، تتصادم وتعلو، حين سمعت صوت الباب وهو يُفتح. ارتجفت سيريت مفزوعة ونهضت من مقعدها.
بدأ الباب يُفتح ببطء. قلبها كان يخفق بقوة، بوضوح يكاد يُسمع. جمعت سيريت يديها المتوتّرتين أمامها، واعتدلت في وقفتها.
ومن خلال الباب المفتوح، دخل يوان. كان وجهه بلا أي تعبير، لكنه ما إن رأى سيريت في الداخل حتى تجمّد في مكانه.
“سيريت.”
نطق يوان اسمها بصوت يشبه الهمس، وعلى وجهه ذهول واضح.
أغلق يوان الباب بوجه متصلّب واقترب منها. ولما وقف أمامها، لم يستطع إخفاء اضطرابه.
“لماذا جئتِ؟“
سأل يوان بصوت جاف.
لم يكن مستعداً بعد لمقابلة سيريت. كان أمراً سخيفاً أن يحتاج إلى شجاعة ليرى زوجته، لكن المدهش أنه كان كذلك بالفعل.
“جئتُ لأن سموك لم يعد إلى المنزل.”
كان قلب سيريت يؤلمها بسبب الطريقة الواضحة التي يُظهر بها يوان انزعاجه، لكنها تظاهرت بعدم المبالاة وتحدثت بنبرة خفيفة كأنها مزاح. فهي الآن لن تسمح لنفسها بأن تُجرح ثانية.
“…….”
تجنب يوان نظراتها وأدار عينيه نحو مكان آخر.
ساد صمت قصير بينهما. وبسبب امتناع يوان عن النظر إليها، عضّت سيريت شفتها.
“عودي الآن، قبل أن يتأخر الوقت.”
قال يوان أخيراً بعد لحظة طويلة.
“هل تطردني؟“
ابتسمت سيريت ابتسامة مُرّة عندما رأت يوان يحاول إعادتها رغم أنها لم تمكث سوى لحظات.
لقد جاءت لتفترق عنه بوضوح.
في هذه الحياة فقط… افترق عني دون أن تؤذيني.
لن أكون عبئاً في طريق حياتك بعد الآن.
“أنا متعب.”
“لدي ما يجب أن أقوله لك، يا سمو الدوق.”
“…….”
عند كلمات سيريت رفع يوان نظره إليها، لكنه خفّض عينيه فوراً، هارباً من نظراتها.
“رجاءً، خصص لي بعض الوقت.”
يبدو أنه كان يريد منها أن ترحل، لكن سيريت تجاهلت رغبته وجلست على الأريكة.
عندها أطلق يوان تنهيدة منخفضة، وبملامح مترددة جلس مقابلها.
“ما الذي تريدين قوله؟”
جلس يوان في المقعد المقابل لسيريت، لكنه ما زال يرفض النظر مباشرة في عينيها.
سيريت حدّقت في وجه يوان، ذاك الوجه الذي يهرب من نظراتها، ثم فتحت فمها أخيراً.
“تتذكر ما قلته سابقاً؟ عندما قلتُ لك إنك لو أحببتَ شخصاً ما يوماً، فسأنسحب بهدوء من حياتك.”
“…….”
أومأ يوان بصمت.
“كنتُ جادة. وما زال ذلك الوعد قائماً.”
“ما قصدكِ بهذا؟”
قطّب يوان جبينه وهو ينظر إليها. هل تقصد أنها ستخرج من حياته؟
“سأنسحب بهدوء من حياتك، يا سمو الدوق. تماماً كما وعدتُ في ذلك الوقت.“
شدّت سيريت قبضتها على يديها المتشابكتين فوق ركبتيها. وفجأة راودتها فكرة غريبة. ربما كان سبب عودتها بالزمن هو أن تُنهي علاقتها بهذا الرجل بالشكل الصحيح.
بدلاً من أن تُرمى بقسوة من رجل أحبّته حتى الجنون، لعلّ القدر منحها فرصة لترتّب أمورها بنفسها وتلملم قلبها.
تماماً كما في لوحة هوفوس المعلّقة في مكتب يوان، حيث يعود بعد انتهاء عقوبته إلى الماضي لانتشال نفسه من العذاب بفرصةٍ منحه إياها الحاكم.
“سيريت.”
حدّق يوان فيها للحظة بوجه شارد.
“لنتطلّق.”
قالت سيريت ذلك بملامح هادئة لا ارتجاف فيها.
الكلمة التي خرجت من فمها…
كلمة طلاق، جعلت يوان يتجمد في مكانه.
للحظةٍ توقف نفسه تمامًا.
“طلاق؟“
“لقد قلتَها أنت أولاً يا سمو الدوق. قلتَ إننا يجب أن نتطلّق.”
عند تلك الكلمات شعر يوان بأن رأسه يطن.
صحيح… هو من قال ذلك.
“وأنا لا مانع لدي. فلنتطلّق.”
“يبدو أنكِ ركضتِ كل هذا الطريق لأنكِ أردتِ الطلاق حقًا.”
تجلّت برودة حادة على وجه يوان في لحظة.
كان على وشك الجنون من سماع سيريت تتحدث عن الطلاق.
هكذا إذن… جاءت في هذا الوقت من الليل فقط من أجل الطلاق؟
آه، صحيح… هي امرأة تزوجت وهي تفكر في الطلاق من البداية.
قبضته تشددت حتى ابيضّت مفاصله.
“أنتَ من بدأ الحديث عن الطلاق أولاً يا سمو الدوق.”
عند سخرية يوان الخفيفة، قطّبت سيريت حاجبيها بضيق.
“لا بد أنكِ كنتِ متحمسة. كنتِ دائمًا تتلهفين للطلاق.”
“توقّف عن السخرية.”
“وكم تريدين من التعويض؟ هل سترضين بـ170 ألف؟”
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة بعنف.
كلا يوان وسيريت، وقد كانا يحدّقان ببعضهما بوجوه مجروحة، التفتا نحو الباب. والشخص الذي دخل من خلال الباب المفتوح كانت ليديا.
وقفت ليديا عند المدخل، والدموع تتساقط منها قطرة بعد أخرى.
“يوان.”
عند رؤية ليديا تبكي بهذا الشكل الحزين، نهض يوان من مكانه بوجه متفاجئ.
انتقل بصر سيريت من ليديا إلى يوان. نظرات سيريت الذي ارتفعت نحو يوان كانت مليئة بالحزن.
“آنسة إليوت.“
ناداها يوان بملامح مستغربة وهو يخطو بسرعة نحوها.
“ماذا أفعل، ماذا أفعل يا يوان.”
قالت ليديا وهي تبكي وتطوّق خصر يوان بذراعيها.
وفي اللحظة التي حاول فيها يوان إبعادها وهو يقطّب أنفه، نطقت ليديا بخبر لم يكن في الحسبان.
التعليقات لهذا الفصل " 83"