شائعة غريبة! يُقال إن أحد السادة، الذي لم يمضِ على زواجه وقت طويل، تبادل قبلة مع حبه الأول في حانة. يبدو أن الزواج يحصل، لكن الحب الأول لا يُنسى.
وشائعة أكثر غرابة! ذلك السيد المتزوّج حديثًا يقيم الآن في فندق. والأسوأ؟ يقال إن تلك الحب الأول خاصته تدخل وتخرج من غرفته كما لو كانت منزلها.
الدوق… أوه، عذرًا! لا نعرف إن كان دوقًا أم بارونًا، لكن زوجة هذا السيد لا يسعنا سوى الشعور بالشفقة عليها.
جفت الدماء من وجه سيريت وهي تُنهي قراءة خبر الفضائح المنشور في المجلة. ورغم أنهم لم يذكروا أسماء، إلا أن قصة المقال كانت واضحة… إنها عن يوان وليديا.
“هذا رائع.”
وضعت سيريت المجلة بعصبية وهي تكتم دموعًا كانت على وشك السقوط.
لقد مرّ عشرة أيام كاملة ولم يعد يوان إلى المنزل. قال مساعده ديريك إنه لا يستطيع العودة بسبب العمل، لكن بعد رؤية هذه المجلة، بدا أن السبب ليس العمل بل ليديا.
لم تستطع سيريت السيطرة على الغضب المتصاعد في داخلها، فنهضت فجأة من الأريكة وبدأت تتحرك في الغرفة بلا توقف.
“بالطبع، لقد أدرك مشاعره نحو ليديا، لذلك طلب الطلاق. لم أفهم لماذا فجأة يتحدث عن الطلاق سابقًا لكنني أفعل الأن.”
وبينما تتمتم لنفسها، احمرّ وجهها شيئًا فشيئًا. وامتلأت عيناها الزرقاوان بالدموع حتى بدأت تنهمر بغزارة.
كانت تعرف أن شيئًا كهذا قد يحدث يومًا ما، لكنها لم تتوقع أن تتحطم مشاعرها مرة ثانية. لم تكن تتخيل أنها ستتألم وتتحطم مجددًا بسبب شيء سبق أن عاشته في حياتها السابقة.
“وغد حقير، إذا كنت تريد الطلاق، فأحضر أوراق الطلاق على الأقل. لا تختبئ هكذا.”
مسحت سيريت دموعها بظهر يدها.
لكن مهما مسحت، كانت الدموع تستمر في بلل خديها. وفي النهاية، دفنت وجهها في السرير وبدأت تبكي بنحيب مكتوم.
لماذا أشعر بكل هذا الأسى؟
هذا ليس شيئًا يحدث لي لأول مرة، فلماذا يؤلمني بهذا الشكل؟
كنتُ أنتظر الطلاق بشدة… فلماذا أنا…؟
وبعد أن بكت طويلًا، لم تجد سيريت مهربًا من الاعتراف بتلك المشاعر التي أذهلتها وأوجعتها في الوقت نفسه.
لقد أحبت يوان فريكتوستر.
ذلك الرجل الذي مزّق قلبها إربًا وأهانه… أحبّته مرة أخرى، بغباء.
اهتزت بسبب لطفه في هذه الحياة، وبسبب قوله إنه لا يعرف الحب، ظنت ولو قليلًا أنه ربما يحبها هذه المرة.
ومنذ تلك القبلة تحت المطر… منحت قلبها له بالكامل.
ولذلك هي الآن تتألم وتنكسر كالغبية مرة أخرى.
“عليّ أن أقابل يوان.”
حين اعترفت سيريت بمشاعرها، نهضت من السرير.
كان يوان مختلفًا فعلًا عن صورته في حياتها السابقة. كان لطيفًا، مراعياً، وفعل الكثير من أجلها.
لذلك ربما… ربما يكون كل شيء مختلفًا في هذه الحياة. كان عليها أن تتحدث معه بوضوح.
ارتدت ملابس الخروج وغادرت القصر متجهة بلا تردد نحو مكتب يوان.
داخل العربة المهتزّة، أمسكت طرف فستانها بقوة. لم تعد تريد سماع هراء مجلات الفضائح، كانت تريد جوابًا من يوان نفسه.
ربما كنتُ مخطئة… ربما بالغتُ في سوء الظن.
ربما لم يكن سبب غضبه المفاجئ، وكلامه عن الطلاق، له علاقة بليديا أصلًا.
ظهر التوتر واضحًا على وجه سيريت وهي تقترب من مكتب يوان.
ولم يمضِ وقت طويل حتى توقفت العربة قرب المبنى. نزلت سيريت منها وتوجّهت بخطوات ثابتة نحو المكان.
بما أن وقت الغداء كان مناسباً، فكرت سيريت أنه سيكون من الجيد أن تتناول الطعام مع يوان وتتحدث معه بهدوء. كانت تسرع في خطواتها قبل أن تتوقف فجأة في مكانها.
لقد رأت يوان وليديا يخرجان سويًا من المكتب.
تجمّد جسدها في اللحظة نفسها، وظلّت تحدّق بذهول في ظهريهما وهما يبتعدان. كانت ليديا تنظر إلى يوان بابتسامة مشرقة وهي تتحدث بلا توقف، بينما كان يوان يومئ برأسه كأنه يصغي إليها باهتمام.
“كم أنا غبية.”
همست سيريت بوجه خالٍ من أي تعبير عندما اختفى الاثنان بعد أن انعطفا عند زاوية الطريق.
ما الذي كنتُ أتوقعه؟ لماذا ركضت إلى هنا؟ لأرى هذا فقط؟ لماذا أواصل التصرف بهذه الحماقة؟
عادت الدموع تمتلئ في عينيها. لكنها لم تكن غاضبة من يوان أو ليديا… بل من نفسها.
بعد كل ما عاشته في حياتها السابقة، كيف ما زالت لم تتعلم؟ كيف استطاعت أن تركض خلف رجلٍ كانت نهايتها على يده، وخسرت حياتها بسبب عشقِه لامرأة أخرى؟ كيف بقي في قلبها أي ذرة من التعلّق به بعد كل ذلك؟
سيريت استدارت بوجه جامد.
الغباء له حدود… ولهذا السبب حدث كل ما حدث لي.
يا لي من غبية، أبدو مثيرة للشفقة حقًا.
ظلّت توبّخ نفسها وهي تعود إلى العربة.
قالت لنفسها إنها لن تُخدع مجددًا، وإنها لن تحب أحدًا مرة أخرى… لكنها في النهاية منحت قلبها، مرة أخرى.
“هل أعيد سموك إلى القصر؟”
سألها السائق بحذر وهو يراقب حالتها المرهَقة.
هزّت سيريت رأسها.
“اذهب إلى شارع فينِت.”
عليها أن تقابل المحامية ديليباين. لا مزيد من الحماقات، ولا مزيد من التصرفات المثيرة للشفقة…
يجب أن تبدأ إجراءات الطلاق من يوان. كما كان يجب أن تفعل منذ البداية.
***
ذهبت سيريت إلى منزل المحامية ديليباين وتلقت استشارة هناك.
قالت لها المحامية ديليباين إنه بما أن مدة الزواج لم تتجاوز سنة بعد، فسيكون من الصعب الحصول على تقسيم للثروة.
لكن بما أن يوان هو من طرح موضوع الطلاق أولاً، فمن الأفضل التفاوض على الحصول على تعويض مناسب.
عندما قالت إنها ترغب في الحصول على نحو 170 ألف، طمأنتها وأخبرتها ان هذا المبلغ لن يكون صعبًا.
بعد انتهاء الاستشارة وخروج سيريت من منزل المحامية ديليباين، رفعت رأسها نحو السماء.
السماء كانت صافية، مثل اليوم الذي عادت فيه من صيدلية نونوكي.
ارتسمت على وجه سيريت ابتسامة مريرة وهي تستحضر ما حدث بينها وبين يوان.
بدا ذلك اليوم كأنه حلم قديم باهت بقي أثره فقط.
بوجه حزين، صعدت سيريت إلى العربة.
عندما عادت إلى القصر، رتّبت سيريت المجوهرات والأحجار الكريمة على الطاولة الصغيرة أمام الأريكة.
من بينها عقد اللؤلؤ الذي أهداها إياه يوان، وزرّ الذهب الذي منحها إياه كمكافأة.
مدّت سيريت يدها نحو زرّ الذهب.
وبقيت تعبث به لوقت طويل،
عندها فُتح الباب ودخلت هانّا إلى الداخل.
“سيدتي، لماذا أخرجتِ كل هذا ووضعتهِ هنا؟”
سألت هانّا بوجه حائر.
رفعت سيريت رأسها لتنظر إلى هانّا التي كانت واقفة، وأجابت بملامح هادئة.
“سأقوم بالتخلّص منه.”
كانت تنوي، كما خططت أن تأخذ كل ما تستطيع حمله من الأشياء لتضمن على الأقل شيئًا يعوّض ثمن حياتها في حياتها السابقة.
وفي موشيلي، لن تكون هذه المجوهرات الفاخرة ذات فائدة كبيرة، لذا من الأفضل التصرّف بها.
“كل هذا؟ فجأة؟”
“هانّا، على الأغلب سنتمكن من العودة إلى موشيلي بحلول الخريف.”
قالت سيريت بصوت تحاول أن تجعله مبتهجًا.
لكن هانّا كانت ترى الحزن كاملًا على وجه سيريت.
سيدتي المسكينة.
انحنت هانّا أمام سيريت، وأمسكت يدها.
“سيدتي، دعينا نعود إلى موشيلي. العاصمة مزدحمة جدًا ومتعبة. لا شيء يضاهي الوطن أبدًا.”
“نعم، يا هانا.”
أومأت سيريت برأسها مع ابتسامة صغيرة.
“ لكن يا سيدتي هل ستأخذين تلك اللوحة أيضًا؟ لو أخذتِ تلك اللوحة فسيُغمى على سيدي البارون…”
“آه، تلك اللوحة.”
اتّبعت سيريت نظرة هانا وحدّقت في لوحة الصورة الذاتية. عليها أيضًا التخلص منها قبل الذهاب إلى موشيلي. بيعها سيشعرها ببعض الذنب. ربما عليها أن تطلب من سمو الدوق الأكبر أن يشتريها.
“ستبيعينها؟”
“لا بدّ أن أبيعها. لو رآها والدي سيقع مغشيًا عليه.”
ضحكت سيريت بخفة وبدأت تجمع الحُلي والمجوهرات المبعثرة. وبينما كانت هانا تساعدها في ترتيب الحُلي، تذكّرت فجأة وتحدثت.
“سيدتي، من الأفضل أن تنزلي الآن لتناول الطعام. لا أعلم ما الذي أصاب السيدة لينزي، لكنها أعدّت كمية كبيرة جدًا من الأطباق. ظننتُ أنه يوجد حفل عشاء.”
“السيدة لينزي؟”
سألت سيريت بوجه يملؤه الاستغراب.
هانا أومأت وهي تضحك قائلة أنه أمر غريب، ثم ضحكت. فضحكت سيريت أيضًا ثم نهضت من مقعدها.
خرجت من غرفة النوم وتوجهت إلى غرفة الطعام، وهناك أدركت أن كلام هانا عن “حفل عشاء” لم يكن مبالغة. الطاولة كانت مزينة بطريقة فاخرة على غير العادة، والأطباق التي تحبها سيريت كانت تتوالى دون توقف.
بل إن السيدة لينزي نفسها، وليس إحدى الخادمات العاديات، هي التي كانت تقوم بخدمة الطعام. رمقت سيريت السيدة لينزي وهي تصب لها النبيذ، ثم سألتها.
“هل هذا يوم مميز؟”
“سموك لم تكوني تتناولين الطعام جيدًا في الآونة الأخيرة، لذلك قمتُ بتحضير هذا.”
قالت السيدة لينزي ذلك بوجه خالٍ من التعبير، لكن سيريت شعرت بالاهتمام خلف كلماتها، فارتسمت ابتسامة على وجهها.
على خلاف حياتها السابقة، كانت السيدة لينزي في هذه الحياة تعترف بسيريت كسيدة منزل فريكتوستر. لم تكن لطيفة أو ودودة، لكنها كانت تعترف بها على الأقل.
“شكرًا لكِ، يا سيدة لينزي.”
وكان ذلك وحده كافيًا. فكرة أنها ستفارق خدم عائلة فريكتويستر أيضًا عندما تتطلق يوان جعلتها تشعر بالحزن.
تناولت سيريت أكبر قدر تستطيع من الطعام تقديرًا لاهتمام السيدة لينزي. كان ذلك أول عشاء تشبع فيه منذ مدة طويلة.
بعد أن أنهت طعامها وخرجت من غرفة الطعام، التقت في الردهة بالمساعد ديريك. بدا أنه جاء ليأخذ ملابس يوان، إذ كان يحمل حقيبة بذلات في يده.
“سمو الدوقة.”
انحنى المساعد ديريك بأدب وهو يحيّي سيريت.
سيريت ألقت نظرة سريعة على الحقيبة التي يحملها ثم عادت لتنظر إلى وجه ديريك.
“يبدو أنّ الدوق لن يعود إلى المنزل اليوم أيضًا.”
“إنه مشغول بالعمل، هذا كل ما في الأمر.”
نظرت سيريت إلى ديريك الذي كان يتحدث وكأنه يقدّم عذرًا، وابتسمت ابتسامة باهتة.
“إذن، شكرًا لجهدك.”
تجاوزت سيريت ديريك وتوجّهت نحو الدرج. ومع كل درجة تصعدها، كانت خطواتها تصبح أثقل.
لماذا لا يقول يوان أي شيء بعد أن كان هو من بدأ الحديث عن الطلاق؟ هل لأنه يشعر بالذنب ناحيتي؟ ابتسمت سيريت بسخرية.
بالمقارنة مع ما فعله في حياتها السابقة، فهو بالكاد يُعدّ وغدًا.
توقفت سيريت وهي تصعد الدرج، ثم التفتت للخلف. كان ديريك ما يزال في الردهة.
التعليقات لهذا الفصل " 82"