كلمات يُوان عن الطلاق دوّت حادّة في أذن سيريت. لم يسبق أن تخيّلت سماع شيء كهذا، وللحظة لم تستطع فهم ما الذي تعنيه كلماته أصلاً.
“…….”
نظر يُوان بهدوء إلى وجه سيريت المتجهم، ثم استدار عنها من دون أن يقول شيئاً.
امرأة تجعل عقله فوضى في كل مرة. بسببها، حياته التي كانت واضحة ومكتملة بلا ثغرات أصبحت غير واضحة ومليئة بالفراغات. يكتشف نسخاً غريبة من نفسه مرات لا تُعد، وكل يوم يشبه الفوضى.
لقد فعلتُ كل التصرفات التافهة الممكنة فقط لأجعلكِ ملكي، فلماذا تبقين وحدكِ بعيدة شامخة إلى هذا الحد؟
هل سيأتي يومٌ أستطيع فيه أن أقبض عليكِ تماماً؟ وكم من الجنون عليّ أن أرتكب بعد لأتمكن من الإمساك بكِ؟
هل هذا الذي أنا عليه الآن هو حقاً يوان فريكتويستر؟ هل أنا بعقلي وأنا أتصرف هكذا بسبب امرأة؟
ضحك يُوان ضحكة خاوية وغادر غرفة سيريت.
سارعت سيريت للحاق به وهو يخرج من الغرفة. هل يرمي كلمة “لننطلق” ثم يهرب؟ ماذا يفترض أن تفعل الآن؟
“يوان! إلى أين تذهب! لم ننتهِ من الحديث بعد!”
“…”
“ما الذي عليّ فعله إن غادرت هكذا؟”
كانت سيريت تُلاحق يُوان بإلحاح. ورغم أنها كانت تتمنى الطلاق بشدة، إلا أن سماع كلمة الطلاق في موقف لم تتوقعه أربكها تماماً.
الرجل الذي لم يسمح لها حتى بفسخ الخطوبة سابقاً، كيف يمكن أن يتحدث فجأة عن الطلاق بهذه السهولة؟ قبل أيام فقط، كان هو نفسه يمنحها قبلة دافئة تحت المطر.
تغيّر يُوان كان مربكاً إلى درجة أن سيريت نسيت للحظة رغبتها في الطلاق. شعرت وكأنها تعيش لحظة من حياتها السابقة، فوجدت نفسها تتشبث به دون أن تشعر.
“إذا كنتَ تريد الطلاق حقاً، فاجلس وتحدث بشكل صحيح. لا تهرب.”
تجاهل يُوان صوت سيريت خلفه ونزل الدرج بخطوات سريعة. كانت سيريت تنظر إلى ظهره العريض بنظرة محبطة، وتواصل ملاحقته حتى النهاية.
نزل يُوان الدرج وتجاهل نظرات ريغان والخدم وهو يمر بجانبهم متجهاً نحو المدخل.
في تلك اللحظة، لحقت به ليديا من جانبه وأمسكت بذراعه.
“يُوان!”
منذ لحظة خروجهم من المسرح، كانت ليديا تتبع يُوان، وقد شاهدت كل ما حدث قبل قليل. كانت تلك أول مرة ترى يُوان غاضباً فيها إلى هذا الحد، فشعرت بصدمة قوية.
كانت تعرف أنه لا يوجد رجل يمكنه تقبّل خيانة زوجته بسهولة، لكنّها لم تتوقع أن يغضب يوان إلى هذه الدرجة. بدا وكأنه فقد صوابه، وهذا ما جعل ليديا تشعر بالسوء.
مظهر يوان لم يكن شبيهاً برجل يصرخ في زوجة خائنة، بل كان أشبه برجل جُرح قلبه من امرأة يحبها. بدا وكأن الألم الذي تلقّاه من سيريت كان شديداً إلى درجة أنه لا يعرف ما يفعل، وهذا جعل ليديا تشعر بالقلق والانزعاج.
لم يكن لدى يوان القدرة على الالتفات إلى ليديا التي تسير بجانبه. كان كل ما يفكر فيه هو الهروب بعيداً عن سيريت.
وفي النهاية، لم يبعد ليديا عنه، وخرج مباشرة من الردهة.
وفي النهاية، لم يُبعد ليديا عنه، وخرج مباشرة من الردهة.
سارعت ليديا باللحاق بيوان وخرجت معه إلى الخارج.
توقفت سيريت في مكانها وهي تحدق في ظهر يوان وليديا وهما يغادران الردهة. بدا لها أنها أخيراً فهمت لماذا تحدث يوان عن الطلاق، فارتسمت على شفتيها ابتسامة مُرّة.
عينَا سيريت، التي كانت تنظر إلى يوان، رأت الأمر وكأن يوان وليديا غادرا البيت معاً. ولم يكن ذلك شعور سيريت وحدها، بل كل من كان موجوداً هناك رأى الأمر بالطريقة نفسها.
“سيدتي.”
“سيريت.”
ركض كلًا من هانا وإيف نحو سيريت بوجوه مليئة بالقلق.
وبينما كانت هانا تنظر إلى جسد سيريت لتتأكد من حالها، لاحظت الكدمة على ذراعها، فاختنق صوتها وبدأت تبكي. للمرة الأولى، شعرت هانا بالكراهية تجاه الدوق.
أن يُعامل سيدتها بهذه الطريقة أمام الخدم والدوق الأكبر… كان ذلك إهانة واضحة. والأسوأ أنه تسبب لها بأذى أيضاً.
“سيريت، لنصعد.”
دعمتها إيف وهي ترى سيريت واقفة بلا حراك.
فور عودة إيف إلى القصر، كان أول ما رأته هو المشهد الذي كان يوان فيه يحمل سيريت بالقوة نحو غرفة النوم، لذلك كانت لا تزال مصدومة.
لم تستطع تصديق أن الدوق فريكتويستر، المعروف بأنه أرقى الرجال وأكثرهم تهذيباً، يعامل زوجته بهذه الطريقة.
بدا الأمر لإيف غير قابل للتصديق تماماً.
اصطحبت إيف وهانا سيريت إلى غرفة النوم، بينما بقي ريغان يحدّق فترة في الدرج والمدخل، متردداً بين اتباع يوان أو الذهاب إلى جانب سيريت.
وفي النهاية، مال قلبه نحو سيريت، فصعد الدرج.
***
بينما كانت هانا وإيف في حالة ارتباك، تتساءلان عمّا يجري، جلست سيريت على حافة السرير شاردة تماماً.
“لنتطلّق.”
كانت كلمات يوان عن الطلاق، وصورته وهو يغادر قصر الدوق مع ليديا، تتكرر في ذهنها بلا توقف.
لم تكن تعرف بالضبط ما هو هذا الشعور، لكنها كانت متأكدة من شيء واحد فقط، أنه يأكلها من الداخل.
“ما الذي أصاب الدوق بالضبط؟ لماذا يفعل هذا بسيدتنا!”
“ لم يكن الدوق يتصرف كعادته على الإطلاق.”
قالت هانا وهي تغلي غضباً، بينما كانت إيف تتحدث بصوت مرتجف بسبب الصدمة.
رفعت سيريت نظرها نحو إيف. كما قالت إيف، كان ما أظهره يوان اليوم ليس من طباعه المعتادة.
طريقة غضبه كانت غريبة… أقرب إلى العنف.
صحيح أنه في حياتها السابقة كان زوجاً قتلها بالسم، لكنه لم يتصرف يوماً بعنف جسدي بهذه الطريقة. كان يؤذيها بالكلام، يمزق قلبها بالكلمات، نعم…
لكن ليس هكذا.
هل السبب ليديا؟
هل اكتشف فجأة أنه يحب ليديا؟
هل ندم على الزواج منها، فأخرج ذلك عليها بهذه الطريقة؟
ضحكت سيريت ضحكة باهتة بلا قوة، وهي تنظر إلى ذراعها الذي ارتطم بدرابزين الدرج.
الكدمة تبدو قبيحة.
الجو حار، لكن يبدو أنها ستضطر لارتداء الأكمام الطويلة لفترة.
ربتت إيف بلطف على كتف سيريت السليم، ثم غادرت مع هانا غرفة النوم.
بعد أن بقيت وحدها، حدقت سيريت بوجه شارد نحو أطراف قدميها. الآن، من المؤكد أن يوان وليديا معًا. كان من المُقدَّر أن يدرك يوان مشاعره تجاه ليديا في النهاية، لكن كان من الصعب عليها التخلص من هذا الشعور المرّ.
ظلَّ يوم زيارتهما لعيادة نونوكي يخطر في بالها مرارًا. حضن يوان الذي كان يحميها بثبات داخل العربة المتمايلة، والمروج التي مشيا فيها ويده تشد يدها، والمطر الذي هطل فجأة، ولحظة تبادلهما القبلة.
تبددت تلك اللحظات التي كانت أكثر ما يشبه لحظات الزوجين، حتى صارت باهتة كأنها حلم لا يمكن تذكّره بوضوح.
في تلك اللحظة، سمعت صوت طرق على الباب. رفعت سيريت بصرها نحو الباب وملامح المرارة ما زالت عالقة على وجهها. كان ريغان واقفًا هناك، يبدو وكأنه لا يعرف ما الذي يجب أن يفعله.
“سمو الدوق الأكبر.”
نهضت سيريت من السرير.
تردد ريغان قليلًا قبل أن يقترب منها. وبعد أن تفحّص سيريت بعينيه، قطّب حاجبيه عندما رأى الكدمة التي كانت تنتشر على ذراعها.
“هل أنتِ بخير؟”
تنهد ريغان وهو ينظر إلى سيريت بوجه يملؤه الأسى.
اكتفت سيريت بهزة رأس صامتة. لم يعرف ريغان ما الذي يجب أن يقوله أمام وجهها الشاحب. خفَض بصره نحو قدميه، بينما كان يشعر بأن العاطفة التي تعصف في صدره تكاد تجعله يفقد صوابه.
كان يشعر بالغضب، ويشعر بالقلق، ويتساءل إن كان من الطبيعي أن يشعر بكل هذه المشاعر معًا. ثم، بعد لحظة طويلة، نظر إلى سيريت وسأل:
“هل سبق ليُوان أن كان هكذا من قبل؟ أن يعاملكِ بهذه الطريقة… بلا أي احترام…”
لم يستطع ريغان إنهاء كلامه بسبب الغضب الذي كان يغلي داخله. فلو كان يوان يعامل سيريت بهذه الطريقة باستمرار، فلن يستطيع مسامحته حتى لو كان مجرد “صديق”.
“…هذه أول مرة. لذلك أنا أيضًا متفاجئة قليلًا. آسفة لأنني أقلقتك.”
“لماذا تعتذرين يا سيريت؟ أمن المعقول أن تعتذري لأنني قلق؟ لا تعتذري.”
حاول ريغان أن يبلع غضبه بصعوبة.
“…….”
لكن كلمة قلق التي قالها ريغان لم تصل إلى سيريت كما يجب. رأسها كان مليئًا بالارتباك بسبب يوان، فلم تستطع أن تلتقط ما كشفه ريغان من شعور.
“سأطلب استدعاء الطبيب.”
“يكفي أن أضع بعض الدواء.”
رفعت سيريت زاوية شفتيها بابتسامة مصطنعة، وكأنها تقول له ألا يقلق.
وعندما رأى ريغان تلك الابتسامة الحزينة، قبض يده بإحكام. قرر في تلك اللحظة أن يبقى إلى جانب سيريت اليوم… كصديق، حتى لا تشعر بالحزن.
في تلك اللحظة، دخلت هانا إلى الداخل. اقتربت من سيريت ثم تباطأت قليلًا وهي تلقي نظرة حذرة على ريغان.
كان يجب عليها أن تضع الدواء لسيدتها، لكن وجود الدوق جعلها تتردد. فلكي تضع الدواء على كتف سيريت، ستضطر لرفع كمّها، وهذا أمر غير مريح أمام رجل غريب.
وعندما لاحظ ريغان كيف كانت هانا تنظر بخجل وارتباك، أدرك فجأة أنه ليس شخصًا ترتاح له سيريت تمامًا. وكان هذا الإدراك مؤلمًا على نحوٍ مرير.
“أظن أن وجودي يجعل سيريت غير قادرة على الراحة كما يجب، سأغادر الآن.”
”لا أظن أنني سأتمكن من الخروج لتوديعك.“
نظرت سيريت إلى ريغان بوجه يحمل اعتذارًا.
أومأ ريغان رأسه وكأنه يقول إن الأمر لا بأس به، ثم اتجه نحو الباب.
وكانت هيئة ظهره وهو يغادر، محمّلًا بالعجز، تبدو شديدة الوحدة.
***
في حانة فاخرة، في مقعد البار الواقع في أحد الأركان، كان يوان يشرب وحده.
كانت الحانة لا يدخلها إلا النبلاء الحاملون لبطاقة العضوية، لذلك كان من في الداخل يعرفون يوان.
كان الناس يرمقونه بنظرات جانبية، لكن يوان لم يكن لديه أي قدرة على الاهتمام بنظراتهم.
وضع يوان كأسه الفارغ على الطاولة.
لم يكن قادرًا على البقاء واعيًا، فظل يشرب كأسًا بعد كأس.
لا يزال رأسه مزدحمًا، وقلبه يصدر ضجيجًا صاخبًا.
لقد آذى سيريت. ثم قال لها أن يتطلقا.
“الطلاق…”
كانت كلمة تفوّه بها بدافع الاندفاع، لكنه كان يشعر بندم عميق.
كان يخاف من نفسه التي لم يعد قادرًا على التحكم بها.
كان مرعوبًا من كونه يتحول شيئًا فشيئًا إلى شخص غير عقلاني وغير منطقي.
كان يخشى أن يفقد نفسه إلى الأبد إن استمر هكذا.
قال ذلك من أجل هذا السبب… لكنه الآن يخاف من شيء آخر أكثر من أي شيء،
أن توافق سيريت على الطلاق فورًا.
لم يكن ينوي أبدًا أن يتركها.
ومهما تغيّر، لم يكن قادرًا على التخلي عنها.
ارتسمت ابتسامة مُرة على شفتي يوان.
مدّ يده مرة أخرى نحو زجاجة الخمر.
وفي تلك اللحظة، التقط أحدهم الزجاجة قبله.
رفع يوان نظره ليرى الشخص الجالس بجواره.
ظهر وجه ليديا أمامه… ضبابيًا.
عندها فقط تذكّر يوان أن ليديا كانت معه.
منذ مغادرته قصر الدوق، كانت ليديا تُلاحقه وظلت إلى جانبه طوال الوقت.
“يوان، توقف عن الشرب.”
وصل إلى أذنيه صوت ليديا المرتجف كأنها على وشك البكاء.
أطلق يوان زفيرًا طويلًا.
بدأ الشراب ينتشر في جسده، وبدأ وعيه يتعكّر.
الخمر كانت تتغلغل أكثر فأكثر في جسده.
مدّ يوان يده بصمت نحو زجاجة الخمر التي انتزعتها ليديا منه.
لكن ليديا ضمّت الزجاجة إلى صدرها وهزّت رأسها.
“لا. لقد شربت كثيرًا.”
“أعطيني اياها.”
“يوان، هل أنت مستاء كثيرًا؟”
”…….”
أصبح وجود ليديا مزعجًا ليوان. سواء لأنها انتزعت زجاجة الخمر، أو لأنها تواصل الكلام معه هكذا.
“يوان، حين تكون مستاءًا، قلبي يتألم.”
“ولِمَ ستشعر الآنسة إليوت بالألم؟”
ضحك يوان ضحكة قصيرة ساخرة.
“تسألني لأنك لا تعرف؟”
في لحظة امتلأت عينا ليديا بالدموع. لا يجوز ألا تعرف. يجب أن تعرف يا يوان. وبانكسار تساقطت دموعها.
ارتجفت حاجبا يوان قليلًا لرؤيته دموعها. هل يفترض أن أعرف؟
“لأنني أحبك يا يوان.”
عند هذه الجملة، اشتدت قبضة يوان حول الكأس التي يمسك بها. حب؟ أتقول حبًا؟
“لأنني أحبك، حين تكون مستاءًا، أتألم أنا أيضًا وأقلق عليك.“
“…….”
“عندما تنظر إلى امرأة أخرى أشعر بالحزن، وعندما تتضايق بسبب امرأة أخرى أشعر بالغضب. أتمنى لو أنك تبتسم فقط وأنت بجانبي.”
مسحت ليديا دموعها وهي تبوح بقلبها.
“أحبك يا يوان. أحبك بصدق.”
انهمرت الدموع من عيني ليديا مرة أخرى.
حب؟ أهذا يكون حبًا؟ ارتفع طرف فم يوان بشكل مائل.
هل كان الأمر هكذا إذن.
حدّق يوان في ليديا للحظة، ثم مدّ يده ببطء ليمسح دموعها. وبعد ذلك، اقترب منها كما لو كان سيطبع قبلة على شفتيها.
التعليقات لهذا الفصل " 80"