قراءة ممتعة~~~
الفصل التاسع والسبعين
عاد يوان من المسرح إلى القصر بخطوات سريعة وهو يصعد الدرج متجهًا نحو الردهة. كانت مشاعره تجاه سيريت غير قادرة على الاستقرار على حال واحد.
كان يقلق عليها لأنها مريضة، ثم يبرد قلبه فجأة عندما يفكر أن السبب ربما يكون جاك كلارك.
لقد شعر بالارتياح حين أبعد جاك كلارك عن جانب سيريت، لكن فكرة أنه سيضطر الآن لرؤية سيريت وهي تتألم لأجله كانت تستنزفه مسبقًا.
ومع تمريره العصبي ليده في شعره، دخل يوان الردهة. فاقترب منه كبير الخدم بخطوات سريعة.
“لقد عدت، يا سمو الدوق. سمو الدوق الأكبر قد حضر.”
“الدوق الأكبر؟”
“إنه في غرفة الاستقبال مع سيدتي.”
وعند سماع كلام كبير الخدم، استدار يوان نحو غرفة الاستقبال بوجهٍ ممتعض.
في هذا الوقت بالذات، يا لسوء الحظ. لم يُخفِ يوان الانزعاج الذي ظهر على وجهه، وتقدّم بخطوات واسعة نحو غرفة الاستقبال.
وعندما وصل وشرع في فتح الباب والدخول، انساب صوت ضحكة سيريت إلى الخارج.
لم يكن في صوت ضحكتها أي أثر للمرض. لقد قالت إنها متوعكة، لكن صوتها بدا سليمًا تمامًا أكثر مما توقع.
قطب يوان حاجبيه وفتح باب غرفة الاستقبال قليلًا. ومن خلال الفتحة، ظهرت سيريت وريغان وهما يتبادلان الحديث بوجوه يعلوها الضحك.
“إذن اتفقنا. أصبحنا صديقين يا سيريت.”
وما إن خرج اسم سيريت من فم ريغان، حتى انطفأت الحرارة في وجه يوان دفعة واحدة.
وأطلق من هالته برودة تكفي لتجميد الهواء المحيط. اسم زوجتي… يخرج من فم رجل آخر.
اشتدّت قبضة يوان على مقبض الباب.
وفي تلك اللحظة، دوّى في أذنه صوت ريغان.
‘إن كان هناك حياة قادمة… فسأكون أنا أول من يتعرف على سيريت حينها. سأكون إلى جانبها.’
لم يعرف يوان هل كان ذلك وهمًا، أم حلمًا، أم ذكرى من الماضي، لكن كلمات ريغان انغرست في قلبه بوجع حاد.
تلك الكلمات المغروسة في صدره انتشرت مثل السم، فشلّت تفكير يوان.
القلق، والاضطراب، والغضب جعلته عاجزًا عن التفكير بأي شيء آخر.
ففتح الباب بعنف ودخل مباشرة، لتظهر أمام عينيه وجها كلاهما مصدومان.
سيريت وريغان، ينظران إليه بالوجه نفسه. وفي تلك اللحظة، انقطع خيط عقل يوان تمامًا.
“سمو الدوق.”
“هل عدت؟”
قالت سيريت وريغان الواحد تلو الآخر.
لكن التحية التي نطقَاها بلطف لم تصل إلى أذن يوان كما يجب.
لم يرَ شيئًا، ولم يستطع التفكير في أي شيء.
كان مجرد وجود سيريت مع ريغان شيئًا بغيضًا لا يُطاق بالنسبة له.
اقترب يوان من سيريت وأمسكها من معصمها.
أوقفها قسرًا تقريبًا ووقف يحدّق فيها بلا رمشة.
“سمو الدوق؟”
اهتزّت حدقتا سيريت؛ شعرت أن جوّ يوان مختلف عن المعتاد. بدا وكأنه غاضب بشدة لسبب تجهله.
حتى ريغان أدرك أنّ وجه يوان ليس طبيعيًا.
وبملامح حائرة سأله.
“ما الأمر؟”
أدار يوان نظره بين سيريت وريغان.
الغضب الذي كان يغلي داخله لم يهدأ.
كان لا يزال يكره رؤية الاثنين في المكان نفسه.
وفي لحظة خاطفة، رفع يوان سيريت بين ذراعيه.
“يوان!”
نادت سيريت باسمه وقد ارتجفت من الدهشة. فقد أربكها كثيرًا أن يحملها هكذا فجأة.
نظر يوان إلى سيريت من أعلى.
وقد لمعت عيناه الرماديتان ببريق بارد، يحمل قسوة واضحة.
ارتجف جسد سيريت تحت ذلك النظر المتجمّد.
كانت نظرة باردة إلى حد يخنق النفس.
وبدون أي كلمة، خرج يوان من غرفة الجلوس وهو لا يزال يحمل سيريت بين ذراعيه.
وحين استعادت سيريت وعيها بما يحدث، بدأت تتخبط محاولة الإفلات من صدره.
“أنزلني! يا سمو الدوق!”
حاولت الهرب بكل ما أوتيت، لكن يوان لم يتحرك قيد أنملة.
كان ريغان قد تجمّد لحظة من الصدمة، لكنه ما إن سمع صوت سيريت حتى هرع خارج غرفة الجلوس ووقف في طريق يوان.
“يوان، ما الذي تفعله؟”
“تَنَحَّ جانبًا.”
قال يوان بصوتٍ بارد لريغان الذي وقف في طريقه.
نظر ريغان إلى سيريت، التي كانت تتخبط في حضن يوان، وقد احترق قلبه قلقًا.
كان يودّ لو ينتزعها فورًا من بين ذراعيه،
لكن لم يكن يملك هذا الحق.
صديق… مجرد هذا القدر من العلاقة
لا يمنحه أي أحقية لانتزاع سيريت من يوان.
وبينما يقف هكذا، خطر بباله دون وعيٍ أنه يريد أن يأخذ سيريت من يوان.
“أخبرتك أن تتنحى.”
“يوان، ستؤذي سيريت هكذا.”
“اسم زوجتي!”
ارتفع صوت يوان ما إن خرج اسم سيريت مرة أخرى من فم ريغان.
كان يصعب عليه تحمّل سماع رجل آخر ينادي زوجته باسمها.
بعد أن أزال جاك كلارك من الطريق،
هل جاء دور ريغان الآن؟
لماذا تكون زوجتي بهذه السهولة أمام الرجال الآخرين؟
بينما لا تفسح لي، أنا زوجها، أي مكان بقربها.
“…….”
“لا تنطق اسمها مرة أخرى.”
قال يوان لريغان بصوتٍ تحذيري، ثم حمل سيريت وتوجه بخطوات واسعة نحو الدرج.
ولا تزال سيريت تحاول الإفلات من بين ذراعيه في يأس.
“يوان، ما الذي تفعله! أنزلني الآن!”
لكن مهما حاولت،
لم يتركها يوان ولم يُرخِ قبضته عليها.
مشهد يوان وسيريت أثار صدمة كبير الخدم والموظفين، فراحوا ينظرون إليهما بوجوه مذهولة ومضطربة.
“يا سمو الدوق، هذا خطير.”
حاول كبير الخدم أن يوقف يوان على عجل، لكن كلمات كبير الخدم لم تصل إلى أذني يوان.
تجاهل يوان وجوه كبير الخدم والموظفين المذعورة، وصعد الدرج وهو ما يزال يحمل سيريت بين ذراعيه. لحق به ريغان وأمسك بكتفه ليجبره على الالتفات.
بسبب ذلك، كاد يوان أن يُفلت سيريت للحظة. وفي أثناء محاولته تثبيت قبضته عليها كي لا تسقط، اصطدمت ذراع سيريت بقوة بدرابزين الدرج.
“آه.”
تأوّهت سيريت من الألم الذي وخز ذراعها. مرّ القلق على وجه يوان لوهلة، لكنه سرعان ما ابتلعه غضبٌ لا يستطيع السيطرة عليه.
وبعد أن أعاد تثبيت وضعه، نظر يوان إلى سيريت. كانت عيناها، الممتلئتان باللوم، تتجهان نحوه.
“ما الذي تفعله؟”
ارتجفت نبرة سيريت وهي تقولها.
كان يوان يشيح بنظره مبتعدًا عن عيني سيريت. وعلى الرغم من النظرة المليئة باللوم في عينيها، لم يُفلتها وصعد بها الدرج.
“يوان، كفّ عن هذا!”
كان ريغان يتبعه وهو يصرخ.
لم يلتفت يوان، وقال بصوت حاسم.
“لا تتبعنا.”
لقد خرجت منه الكلمة بحدة جعلت ريغان يضطر إلى التوقف في مكانه. يوان كان زوج سيريت، ولم يكن بوسعه التدخل أكثر.
سيريت صرخت مرات عدة تطلب منه أن يُنزلها، لكن يوان حملها مباشرة إلى غرفة النوم. وما إن أنزلها هناك، حتى ثبت نظره الغاضب عليها.
وسيريت بدورها لم تكن أقل غضبًا منه.
“لا تتصرف معي بهذه الطريقة. حتى لو كنت زوجي، ليس لك هذا الحق.”
“هل أنا زوجك حقًا؟”
“ماذا قلت؟”
“أنتِ لا تعتبرينني زوجًا أصلًا، يا سيريت فريكتويستر.”
تفلتت من يوان شتيمة منخفضة، ثم استدار عنها. مرّر يده بعنف بين خصلات شعره، وكأنه على وشك الجنون، لا يعرف كيف يسيطر على الغضب الذي يغلي في صدره.
“وهل أنتَ تعتبرني زوجة؟ هل أنا فعلًا زوجتك؟”
“بالطبع! إذًا من تظنين نفسك!”
صوت سيريت جاء من خلفه، فاستدار يوان وهو يصرخ.
“لا تصرخ عليّ.”
نظرت إليه سيريت بعينين باردتين. زرقتهما الحادة كانت تضطرب بغيظٍ مكتوم. لم تفهم أبدًا لماذا يتصرف يوان بهذا الشكل.
ولمّا قالت له ألا يصرخ عليها، أدرك يوان فجأة مدى عنف هذا الوضع عليها، فاستدار عنها مرة أخرى.
كان يضع يديه في جيبيه محاولًا كبح غضبه، لكن صوت سيريت ظل يتردد من خلفه.
“إن كنتَ تعتبرني زوجتك، فاحترمني. لا تعاملني بهذه الطريقة!”
“احترام؟ إلى أي حد يفترض بي أن أحترمك أكثر؟”
عند كلمة احترام، استدار يُوان نحو سيريت بوجه متجمد.
لقد احترم زوجته فلم يضع يده عليها قط، وانتظرها، وحتى عندما تبادلَت النظرات مع رجل آخر لم يُظهر شيئًا.
ولأجل زوجته، ذهب لمقابلة رجل مثل جاك كلارك، رجل لم يكن ليخالطه يومًا في حياته.
بل حتى ارتكب أمرًا غير قانوني كي يُبعده.
فكيف يُفترض به أن يحترم هذه المرأة أكثر من ذلك؟
أيعني ذلك أن يغض الطرف حتى عندما ينادي رجل آخر اسم زوجته بنبرة دافئة؟
“إلى متى يفترض بي أن أتحمّلك؟”
اقترب يُوان من سيريت في بضع خطوات فقط.
وبنظرة حادة نحوها، قبض على كتفيها.
“آه.”
أطلقت سيريت أنينًا متألّمًا.
يبدو أنها أصيبت عندما اصطدمت قبل قليل بدرابزين الدرج، فكتفها الأيسر الذي كان يوان يمسكه كان يؤلمها.
وعندما رآها تعقد وجهها وتخرج أنينًا، سحب يوان يده سريعًا عن كتفها.
اتجهت نظراته إلى كتفها الأيسر وذراعها، وكانا متورمين ومحمّرين.
وبمشاهدة يوان ملامحها المتألمة، ارتجف قليلًا وتراجع خطوة إلى الخلف. لقد كان هو من تسبب لها بهذا الألم.
نظرت إليه سيريت مباشرة بوجه يائس وممتلئ بالمرارة وقالت وهي تصفعه بالكلام.
“الآن بدأتَ تفهم ما الذي فعلتَه بي؟”
قذفت سيريت كلماتها نحوه وهي تحدّق مباشرة في وجه يوان اليائس.
“ها.”
زفر يوان الهواء من صدره واستدار متجهًا نحو الباب.
لم يعد قادرًا على البقاء معها في المكان نفسه.
غضبه لم يخمد بعد، وكان يخشى أن يؤذي سيريت مرة أخرى إن بقي.
“إلى أين تذهب؟ حديثنا لم ينتهِ بعد.”
وحين شعرت سيريت أنه يحاول الهرب، سارعت إلى الإمساك بذراعه.
تفاجأ يوان من اليد التي تشبثت به فجأة، فانتفض وحرّر ذراعه منها بقوة.
ويبدو أنه لم يحسن التحكم بقوته، إذ سقطت سيريت على الأرض.
دوّى صوت ارتطامٍ مكتوم، فاستدار يوان مذعورًا.
ولمّا رأى سيريت ملقاة على الأرض، أسرع نحوها ليُنهِضها.
لكن سيريت دفعت ذراع يوان بعيدًا ونهضت بنفسها عن الأرض.
ثم حدّقت في عينيه المضطربتين وفتحت فمها قائلة.
“هل تعلم أنك الأسوأ الأن؟”
“…أعلم.”
لقد كان يعلم ذلك أكثر من أي أحد.
يعلم تمامًا أنه الأسوأ… ويعلم كم هو بائس.
ويعلم أيضاً أنه إن بقي إلى جانب هذه المرأة، فسيضطر للعيش بهذه المشاعر نفسها طوال حياته.
“…لنتطلق.”
قالها يوان وهو يحدّق في عينيّ سيريت الزرقاء.
حتى في هذه اللحظة، كانت عيناها الزرقاوان جميلتين حدّ الجنون.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 79"