طرحت زوجته سؤالًا غريبًا. ما الذي سيفعله بها لو أحبَّ أحدًا آخر. كان سؤالًا يصعب فهمه.
كان يوان مستلقيًا وقد أدار لها ظهره، لكنه استدار لينظر إليها. عيناه التقتا بعيني سيريت المبللتين، وكانت تبدو حزينة.
“ما معنى هذا الكلام؟”
كان من الصعب على يوان أن يفهم سؤالها، أو حتى التعبير الذي يعتلي وجهها الآن. وفي النهاية جلس معتدلًا.
سيريت جلست معه، ونظرت للحظة في عينيه الرماديتين قبل أن تجيب.
“المعنى كما قلتُ تمامًا. إن وقعت يا سمو الذوق، في حب امرأة أخرى… تساءلتُ فقط ماذا ستفعل بي.”
كانت تنظر إلى ظهره وشعرت فجأة بالأسى، فأطلقت السؤال بدافع لحظةٍ عابرة. لم تكن تنوي سماع جواب، بل بدا سماع الجواب نفسه أمرًا غريبًا، لذلك هزّت رأسها قائلة؛
“إنه سؤال بلا معنى. لا تشغل بالك به.”
“وماذا ستفعلين أنتِ؟”
أمسك يوان بذراع سيريت عندما همّت بالعودة للاستلقاء، وسألها.
تلاقت عيناهما، وكانت النظرات بينهما مضطربة، لكن الكلمات التي خرجت من فم سيريت كانت هادئة.
“سأنسحب من حياتك بهدوء.”
عند هذا الجواب اشتدّت قبضة يوان على ذراعها. كلمات سيريت، التي قالتها وكأنها لا تعني شيئًا، طعنت قلبه بقوة، واهتزّ بصره.
“لا. لم يكن هذا هو سؤالي. كنت أسأل لو وقعتِ في حب شخص ما، فماذا سيحدث لي أنا؟”
“…حب؟”
ضحكت سيريت ضحكة واهنة عند سؤاله. هل يمكن لقلب تمزّق بسبب الرجل الجالس أمامها أن يُشفى يومًا ليحب شخصًا جديدًا؟
“لقد أحببتُ شخصًا مرة… حتى تآكل قلبي من شدّة الحب. ولن أستطيع حبّ أحدٍ بعد ذلك أبدًا. لذا فحتى هذا السؤال بلا معنى.”
أجابت سيريت وهي تنظر مباشرة إلى الرجل الذي كانت ذات يوم تحبّه إلى حد الجنون.
ارتخت يد يوان التي كانت تمسك بذراع سيريت. كان قلبه يخفق بعنف، يصدر صوتًا واضحًا في صدره.
رجلٌ أحبّته حتى تآكل قلبها. ليس إعجابًا عابرًا، بل رجلًا أحبّته بذلك العمق كله.
فكرة أنّ لزوجته رجلًا بهذه المكانة في قلبها أصابته بصدمة لا يستهان بها.
أن تكون قد أحبّت أحدهم إلى تلك الدرجة… ثم تُجبر على الزواج منه، الرجل الذي تكرهه، فلا بدّ أن كل يوم تقضيه معه هو جحيم خالص.
أطلق يوان ضحكة قصيرة مُرّة.
“صحيح. كلها أسئلة بلا أي معنى.”
حب… ما الذي يجعل ذلك الشعور التافه ذا أهميّة؟
مدّ يوان يده نحوها، ووضعها على مؤخرة رأس سيريت، وجذبها نحوه.
طبع قبلة على جبينها، وفكّر في نفسه.
إن كنتُ أنا جحيمك… فسوف تعيشين في هذا الجحيم إلى الأبد.
***
“سمعت أن السيد تاونسند يلقب بصيّاد الجحيم ويبدو أن هذا صحيحًا. لقد وجد المعلومات أسرع مما توقعت.”
قالت سيريت وهي تدخل إلى المكتبة وتقدّم خريطة ليون بابتسامة لطيفة.
كان السيد تاونسند، الذي أوكلت إليه قضية صوفيا، قد زار قصر الدوق صباح اليوم. أخبرهم بأنه اكتشف صانع دواء منع الحمل، وسلّمهم خريطة وسجلات الصيدلية.
وجدت سيريت اسم أنيتا، خادمة ليديا، داخل دفتر السجلات. لكن الدواء الذي استلمته أنيتا لم يكن دواء منع الحمل ولا السم، بل دواء للقلب.
لم يكن اسم ليديا موجودًا في أي موضع داخل السجل، لكن حقيقة أنّ أنيتا تتردد على تلك الصيدلية جعلت الأمر يبدو غير خالٍ من الصلة بها.
“السيد تاونسند لا يترك شيئًا بعد أن يعضّ عليه.”
قال يوان وهو يتكئ بعمقٍ على الكرسي مبتسمًا. انزلق نظره من الخريطة التي قدّمتها سيريت إلى وجهها تدريجيًا.
كانت عيناها الزرقاوان تتلألآن كالجواهر.
اخذ يتساءل،
من هو ذلك الرجل الذي سكنت صورته في هاتين العينين الجميلتين؟
غلي صدره غيرة، حتى اضطر إلى تعديل جلسته.
“يقولون إن الشخص الذي يدير الصيدلية اسمها نونوكي، وهي من قبيلة الهِلد. أنوي الذهاب غدًا، فاذهب معي.”
“ما الأمر؟ أنتِ تطلبين أن أذهب معك؟ كنتُ أظن أنك ستركضين إلى هناك وحدك.”
كان يوان فعلاً مندهشًا. فبطبيعة سيريت، لكانت قد ذهبت وعادت منذ زمن.
“ألم تقل لي ألا أفعل أي شيء خطير؟ الصيدلية تقع في أطراف العاصمة.”
أجابت سيريت بوجه متجهم قليلًا.
وجاء هذا الجواب بدوره مدهشًا، فحدّق يوان في سيريت بملامح مستغربة.
“هل أنتِ فعلًا سيريت فريكتويستر؟”
“هل تسخر مني؟ حسنًا. لن آخذك معي.”
رمتْه سيريت بنظرة جانبية حانقة. في الحقيقة، لم تكن تطلب مرافقته لأنها تخاف الخطر، بل لأنها تملك خطة صغيرة في ذهنها.
إن ذهبت إلى تلك الصيدلية بصحبة يوان، فبالتأكيد سيصل الخبر إلى أذن ليديا. وعندها، ربما تُظهر ليديا رد فعل ما.
وكان هذا بالضبط ما تريده سيريت.
حين قالت ذلك بنبرةٍ تشبه تذمّر الأطفال، ارتفع طرف فم يوان بارتياح. التقط يوان الخريطة ونهض، ثم اقترب من سيريت.
“سأذهب. لا تفكّري بالذهاب وحدك.”
“لنذهب غدًا بعد الفطور.”
ولم يُجب يوان، بل انحنى وطبع قبلة على خدّ سيريت. اتّسعت عيناها دهشة من فعله المفاجئ.
كانت ملامحها تقول: هل أكلت شيئًا غريبًا؟
فابتسم يوان بخفة.
“إن كنتِ قمتِ بشيء يستحق المديح، فلا بد أن تنالي مكافأة.”
“وهل هذه هي المكافأة؟”
أشارت سيريت إلى خدّها حيث حطّت شفتاه قبل لحظات. كان على وجهها تعبير لا يصدَّق، لطيف لدرجة جعلته يرغب في مداعبتها أكثر.
“هل كانت قليلة جدًا؟”
تمتم يوان بهذه الكلمات، ثم انحنى من جديد ليطبع قبلة سريعة على شفتي سيريت قبل أن يبتعد. راقب وجهها بعينين مملوءتين بالمشاكسة.
فابتسمت سيريت بخفة، وكأنها لا تصدق ما يحدث، ثم فتحت فمها لتتحدث.
“هذا قليل للغاية. أليس من المفترض أن تمنحني سبيكة ذهب؟ أعرف أن تقديم الهدايا الثمينة هو تقليد امبراطورية ايلون عندما يمدحون أحدًا.”
“أهناك تقليد كهذا؟”
“لقد وُجد للتو.”
قالت سيريت بنبرة متدلّلة، ثم خطفت الخريطة من يد يوان واستدارت. وعلى شفتيها ارتفعت طرف ابتسامة خفيفة وهي تغادر غرفة المكتب بمزاج جيد.
***
في اليوم التالي، كانت سيريت ما تزال تنظر إلى يوان بوجهٍ فيه شيء من الدلال. والسبب أن يوان قد وضع في يدها زرًا ذهبيًا.
“ما هذا؟”
“تقولين إن المديح يكون بالذهب، خذيه. إنه الذهب الذي تحبينه كثيرًا.”
مدّ يوان يده أمام العربة كما لو أنه يطلب منها أن تمسك بها.
أمسكت سيريت بتلك اليد وصعدت إلى العربة. جلست تنظر إليه مباشرة وهو يجلس مقابلها، ثم مدت له الزر الذهبي.
“هل ترفضينه؟”
“لا. بما أنك أعطيته لي فسأحتفظ به، لكن هذا فعلاً ذهب حقيقي؟”
“أتشكّين بي؟”
سأل يوان وهو مبتسم.
وضعت سيريت الزر في حقيبتها الصغيرة ورفعت كتفيها. لا يمكن أن يعطيها يوان فريكتيوستر شيئًا مقلدًا.
“سأصدقك.”
تنهد يوان بعمق مبتسمًا.
سأصاب بالجنون.
رفع يده ليغطي وجهه، وشعر أنه يكاد يفقد صوابه من شدّة رغبته في فعل شيء بسيريت.
يبدو أنهما لا يجب أن يذهبا إلى الصيدلية، بل إلى غرفة النوم. رأسه كان مكتظًا بالأفكار الدنيوية. وفي تلك الأفكار، لم يكن هو رجلًا نبيلًا، ولا كانت سيريت سيدةً نبيلة.
“عندما نصل إلى الصيدلية، على سموك ألّا تتدخل. أنا سأتولى كل شيء.”
أخذ يوان يحدّق في سيريت بصمت بينما كانت تثرثر بلا توقف. وهي لا تعرف شيئًا عمّا يدور في رأس زوجها. بذل يوان جهدًا كبيرًا ليحافظ على ملامح رجلٍ مهذّب.
بعد أن قطعَت العربة مسافة طويلة، توقفت أمام صيدلية نونوكي. نزلت سيريت من العربة وابتلعت ريقها قبل أن تدخل إلى الداخل.
“أهلًا بكم.”
حيتهم نونوكي بوجهٍ مشرِق عندما رؤية سيريت ويوان يدخلان. فقد كان واضحًا من النظرة الأولى أنهما شخصان رفيعا المقام، لذلك انحنت نونوكي واحترمتهم أكثر من المعتاد.
“تفضلا بالجلوس هنا. ما أشرف حضوركم إلى هذا المكان المتواضع.”
جلس كلًا من سيريت ويوان على الأريكة التي دلتهما عليها نونوكي، بينما وقفت أمامهما بوجهٍ مفعم بالاحترام.
“هل أقدّم لكما بعض الشاي؟”
“لا داعي. اجلسي.”
أشارت سيريت إلى الأريكة المقابلة. جلست نونوكي على الأريكة وهي تراقب سيريت ويُوان بحذر.
“إنه دوق فريكتويستر.”
قدّمت سيريت نونوكي إلى يوان.
نظر يوان بصمت إلى سيريت. كان يرى أنه لا حاجة لذكر منصبه، لكن بما أن سيريت طلبت منه أن يبقى صامتًا، لم يقل شيئًا.
“عذرًا؟ فهمت.”
تجمّدت نونوكي تمامًا وأخذت ترمق يوان بطرف عينه. إذن هذا هو الرجل الذي تحبه ليديا، الدوق فريكتويستر.
في طفولتها، كانت ليديا تُلحّ عليها لتصنع لها دواءً يجعل يوان ينظر إليها وحدها. وعندما قالت لها إنه لا يوجد دواء كهذا في العالم، بكتْ بشدة. تلك الذكرى عادت إلى ذهن نونوكي الآن.
“قيل لي إن مهارتك في صنع الأدوية ممتازة، لذا جئت لأزورك.”
وبينما كانت نونوكي تلقي نظرات خاطفة إلى يوان، جاءها صوت سيريت. فحوّلت نونوكي نظرها إلى سيريت.
إذًا، هذه المرأة هي الدوقة التي انتزعت مكان ليديا. انحرف تعبير نونوكي قليلًا بامتعاض.
“هل يمكنك صنع شيء مثل جرعة الحب؟”
سألت سيريت بصوت منخفض.
ارتعشت حاجبا يون عند سماع كلامها. جرعة الحب كانت دواءً يُستخدم في السرير. لم يستطع يون إخفاء الدهشة التي ارتسمت على وجهه، ونظر إلى سيريت باستغراب.
“نعم، لدي عدة زجاجات.”
“إذن أعطيني زجاجة واحدة فقط.”
أجابت سيريت بوجه خجول، ثم التفتت إلى يون ومنحته ابتسامة محببة.
هل تنوين إفقادي صوابي؟
اخذ يون نفسًا طويلًا وهو ينظر إلى ابتسامتها.
قدّمت نونوكي الزجاجة التي أحضرتها إلى سيريت.
“إذا مزجتموه مع الخمر فستكون فعاليته جيدة. مقدار ملعقة واحدة يكفي.”
قالت نونوكي وهي تتحدث بوجه متضايق قليلًا.
تظاهرت سيريت بالإنصات بينما كانت تفكر في شيء آخر. كانت تتمنى أن يصل إلى مسامع ليديا نوع الدواء الذي اشترته.
“إن كان مفعوله جيدًا فسأستعمله كثيرًا.”
“نعم.”
حاولت نونوكي أن ترفع طرف شفتيها بصعوبة. عندما فكرت بليديا شعرت أنها لا ترغب بأن تستقبل هذه الزبونة مرة أخرى أبدًا.
سيريت ناولت الدواء ليوان ثم حدقت في نونوكي. وبعد أن حدّقت فيها بصمت لبرهة، فتحت فمها ببطء.
“أحتاج دواءً آخر أيضًا، هل تستطيعين تحضيره؟”
“اخبريني بما تريدينه رجاءًا. إن كان دواءً يمكنني تحضيره فسأفعل.”
“السم الذي شربته صوفيا وماتت بسببه. هذا ما أحتاجه.”
التعليقات لهذا الفصل " 73"