أمسكت سيريت بيد يوان التي كانت تغطي عينيها، وأزاحتها. لكنه رفع يده من جديد ثم أمسك كتفيها وأدارها.
وقفت سيريت بحيث أصبح ظهرها للّوحة، ورفعت نظرها نحو يوان.
“هل كان الباب مفتوحًا؟”
سألت سيريت، لأنها لم تسمع إطلاقًا صوت دخوله.
“إذًا كنتِ غارقة في اللوحة لدرجة أنك لم تدركِ حتى أن أحدًا دخل.”
قال يوان بملامح جادة. كان انزعاجه ظاهرًا بوضوح على وجهه.
“كنتُ فقط أتأمل موهبة الرسام كوينتن دال. من المدهش حقًا كيف رسمها كأنها حيّة أمام العين. ألا تشعر بأنها لو لُمست لبدت وكأن بشرته حقيقية؟”
كانت سيريت تبدي إعجابًا صادقًا بموهبة أعظم رسّام في إمبراطورية إيلون، لكن نظرات يوان صارت أكثر قسوة.
فتح يوان فمه أخيرًا، ووجهه متجمّد بالكامل.
“لم أكن أعلم أن زوجتي قد ترغب في لمس بشرة رجل آخر.”
“ولماذا تفسّر كلامي بهذا الشكل؟ الرجل في اللوحة ليس حقيقيًا. هل أنت تغار من لوحة؟”
نظرت سيريت إلى يوان بوجه لا يصدق ما يسمعه.
“أنا منزعج. هذه ليست غيرة.”
قال يوان وهو يقطع كلامها بنبرة حاسمة.
وأيّ شخص سينزعج بالطبع. فلوحة تظهر جسد صديقه معلّقة في غرفة نوم زوجته ليست أمرًا مريحًا لأي أحد.
“ولماذا يجب أن تنزعج أصلًا؟ إنها مجرد لوحة.”
رفعت سيريت كتفيها بخفّة. غريب كيف يتصرف بكل هذه الحساسية بسبب لوحة.
“لا أريد أن أشرح.”
لو شرح سبب انزعاجه فستعرف سيريت حقيقة اللوحة. وذلك أسوأ بكثير بالنسبة إليه من كون اللوحة معلّقة في غرفة نومها، لذلك لم يستطع إلا أن يلوذ بالصمت.
“وأنا أيضًا لست مهتمة بسماع ذلك.”.
قالت سيريت بلهجة متدلّلة باردة، ثم تجاوزت يوان متجهة نحو الباب.
“إلى أين تذهبين؟”
سألها يوان وهو يتبعها خارج غرفة النوم.
خرجت سيريت إلى الردهة والتفتت لتنظر إليه.
“لقد أخبرتني أنام في مكان آخر.”
“قلت في غرفتي.”
قال يوان بنبرة واضحة، مؤكدًا أنها ليست أي غرفة أخرى، بل غرفته هو.
“أظن أنه يمكنني النوم في غرفة الضيوف. لدينا كل هذه الغرف، فلماذا بالذات…في غرفة الدوق؟”
أمالت سيريت رأسها قليلًا ثم اتجهت نحو غرفة الضيوف التي كانت تقيم فيها قبل الزواج.
لكن يوان أمسك بيدها فورًا وأشار بذقنه نحو غرفة نومه.
“ما معنى أن تترك امرأة متزوجة غرفة زوجها وتذهب لتنام في غرفة الضيوف؟ هناك خدم ينظرون أيضًا.”
لم يكن في كلام يوان خطأ واحد، فترددت سيريت قليلًا. ثم نظرت إليه بخفة.
“كوني أنام في غرفة نوم سموّك لا يعني أنني سمحت لسموّك بأي شيء.”
“لا داعي لأن تذهبي بعيدًا بخيالك.”
أمام ردّ يوان الحاسم إلى حد يبعث على الإحراج، سعلت سيريت بخفة وتركت يده. ثم اتجهت بقدميها نحو غرفة نوم يوان.
أخذت سيريت تتفقد غرفة نوم يوان.
كان السرير الكبير يحتلّ منتصف الغرفة، بينما وُضعَت أريكة قرب الباب. وبالنسبة لحجمه، لم يكن في الغرفة الكثير من الأثاث، مما أعطاها مظهرًا خاليًا من الزوائد، يشبه تمامًا صاحبها.
وبما أنها لم تزر غرفة نوم يوان كثيرًا في حياتها السابقة، شعرت سيريت ببعض الغرابة.
أجلس يوان سيريت على الأريكة، ثم جذب حبل الجرس ليستدعي أحد الخدم. وبعد لحظات، دخل خادم إلى الداخل.
“هل ناديتني؟”
ألقى الخادم نظرة خفيفة بإتجاه سيريت الجالسة على الأريكة، ثم سأل يوان.
“أحضِر خادمة تتولى مساعدة زوجتي في الاستحمام.”
ومع كلام يوان سارعت سيريت لتضيف.
“هانا… احضر هانا.”
“نعم، حاضر.”
وما إن غادر الخادم الغرفة حتى التفتت سيريت بجسدها نحو يوان الواقف بجانب السرير. كان يوان يستعد لتبديل ملابسه بينما يفك أزرار سترته.
وجّهَت سيريت نظرتها نحو الحمّام المُلحق بغرفة يوان.
“لا تقل لي إنك تريدني أن أستحم هنا أيضًا؟”
“أريدكِ أن تستحمي هنا.”
أجاب يوان وهو يخلع سترته ويضعها فوق السرير.
“ألا يبدو هذا غير لائق؟ كيف لي أن أستحم في غرفة نوم الدوق….”
تلاشى صوت سيريت وهي تنهض من مكانها. لم يعجبها الأمر إطلاقًا. ولماذا عليها أن تستحم هنا بالذات؟ ارتسمت على أنفها تجعيدة انزعاج.
اقترب يوان منها بخطوات واسعة بينما كان يفك أزرار أكمام قميصه.
“هل يُعد غريبًا أن تستحم الزوجة في غرفة نوم زوجها؟”
اقترب يوان منها حتى وقف بمحاذاتها، ثم انحنى ليقابل عينيها مباشرة.
ومع اقترابه أكثر من المعتاد، جلست سيريت من جديد على الأريكة وكأنها هوت إليها دون قصد.
اقترب يوان أكثر، مقربًا وجهه من وجهها.
ارتبكت سيريت من تصرفه المفاجئ، فبدأت تسحب جسدها إلى الخلف تدريجيًا، حتى أصبحت في وضع يشبه الاستلقاء على الأريكة.
وبينما هي في تلك الوضعية غير المريحة، نظر يوان إليها من الأعلى ثم فتح فمه ليتكلم.
“إن كان الاستحمام في غرفتي غير مريح لهذه الدرجة، فيمكنني أن أستحم معك.”
“عذرًا؟”
اتّسعت عينا سيريت دهشة.
سأل يوان بابتسامة تحمل شيئًا من الخطر.
“هل نستحم معًا؟”
سيريت، وقد أربكها الجو الذي يصنعه يوان، سعلت بخفة. ما الذي أصابه اليوم، بحق السماء؟
وفي تلك اللحظة تمامًا، سُمِع صوت طرق على الباب.
دفعت سيريت يوان بسرعة ونهضت عن الأريكة. ثم رتّبت صوتها .
“ادخلي يا هانّا.”
شعرت بحرارة تصعد إلى وجهها حتى احمرّ. فرفعت يدها لتضغط بها على وجنتيها محاولة إخفاء احمرارها، وهي تنظر إلى هانّا التي دخلت.
“سيّدتي.”
تقلّبت عينا هانّا يمينًا ويسارًا بملامح تقول ما الذي يحدث هنا؟ فالاستدعاء إلى غرفة يوان بدل غرفة سيدتها أثار فضولها حتى الامتلاء.
“قومي بخدمة سيّدتك أثناء الاستحمام.”
قال يوان ذلك وهو يومئ بذقنه نحو الحمّام.
“حاضر يا سمو الدوق.”
أجابت هانّا بوجه مهذّب، ثم التفتت إلى سيريت.
وكانت ابتسامة ماكرة ترتسم على ملامحها.
يا إلهي… لا يمكنني ايقافها حقًا.
تمتمت سيريت في داخلها وهي تنقر لسانها، ثم سبقت هانّا وتوجّهت نحو الحمّام.
تبعتها هانّا من ورائها، وعيناها تلمعان ببريق فضولي. ولم تُزل تلك الابتسامة الماكرة عن وجهها.
“سيّدتي، لماذا أنتِ هنا؟”
“حضّري ماء الاستحمام، يا هانّا.”
ضحكت سيريت لوهلة وهي تنظر إلى هانّا بملامح تقول إنها حالة ميؤوس منها.
“نعم.”
لم تستطع هانّا إخفاء ملامح الفضول وهي تجهز ماء الاستحمام.
وبعد قليل، دخلت سيريت إلى الحوض المملوء بالماء. كانت هانّا تدلّك رقبة سيريت وكتفيها برفق وهي تقول:
“الآن أخبريني رجاءًا. لماذا سيدتي في غرفة الدوق؟”
“ولِمَ هذا القدر من الفضول؟ الأمر حدث فحسب.”
أجابت سيريت وهي تغمض عينيها.
مع سخونة ماء الحمّام وتدليك هانّا، بدأت تشعر بخمول لطيف في جسدها.
“هل اساعدكِ في الاستعداد؟”
“أيُّ استعداد تقصدين؟”
فتحت سيريت عينيها بانزعاج عند سماع كلام هانّا.
“بما أن اليوم يبدو هكذا….”
“يا إلهي يا هانّا. لا تذهبي بتفكيرك بعيدًا. الأمر فقط أن اللوحة جعلتْه يطلب مني النوم في غرفته الليلة.”
“اللوحة؟”
عند كلام سيريت، أمالت هانّا رأسها باستغراب.
“يبدو أنه لا يحبها إطلاقًا. وأنا أيضًا بدأت تزعجني قليلًا.”
“هل يغار الدوق من اللوحة؟”
قهقهت هانّا بخفة.
“ومن أين لي أن أعرف ما الذي يدور في رأسه.”
فحتى في حياتي السابقة لم أكن أعلم أنه سيقتلني.
فكّرت سيريت وهي تتثاءب بتعب.
بعد أن أنهت استحمامها وخرجت، كان يوان يقرأ كتابًا وهو يرتدي رداء النوم على الأريكة. يبدو أنه استحمّ في حمّام آخر، فشعره كان مبللًا بلطف.
خرجت هانّا، ومع بقائهما وحدهما، وقفت سيريت قرب الحمّام وهي تشعر ببعض الإحراج.
“اجلسي. هل ستظلين واقفة هكذا؟”
قال يوان من دون أن يرفع عينيه عن الكتاب.
“هل حقًا عليّ النوم هنا؟”
سألت سيريت وهي واقفة في مكانها.
لم يكن النوم في سريرٍ واحد مع يوان أمرًا جديدًا، لكنها اليوم تشعر بشيء من الحرج.
ربما لأنها أصبحت تعلم الآن أنه… ليس واقعًا في حب ليديا بعد.
رفعت يدها إلى مؤخرة عنقها تفركها بخجل.
“نعم.”
أغلق يوان الكتاب ونظر إلى سيريت.
كان شعره ينسدل فوق جبهته بشكل جعله يبدو أكثر إغراءً من المعتاد.
تجنّبت سيريت نظراته بسرعة وتقدّمت بخطوات صغيرة نحو السرير.
التعليقات لهذا الفصل " 72"