قراءة ممتعة~~~
الفصل الواحد والسبعين
توقفت عربة دوقية فريكتويستر أمام قصر الدوق الأكبر ريغان بوبرويل.
نزل يوان من العربة ودخل إلى منزل الدوق بوجه متجهم تمامًا. كانت خطواته المتجهة نحو العلّية تحمل ضيقًا واضحًا.
صعد الدرج ووقف أمام الباب، ثم فتحه دون حتى أن يطرق. لم يكن في مزاج يسمح بالمجاملة.
ما إن فتح الباب ودخل، حتى ظهر له ظهر ريغان وهو يقف أمام حامل اللوحات.
كان ريغان يرسم وقد رفع أكمام قميصه، وتتحرك ذراعاه بسرعة ونشاط. وكلما حرّك يده على القماش، برزت عروق ساعده بوضوح.
كان منهمكًا في العمل لدرجة أنه لم يلاحظ دخول أحد. يوان، وكأنه توقع ذلك، طرق الباب عندها.
عندها فقط، تكلّم ريغان، الذي كان يمسك بقلم الرصاص، دون أن يدير رأسه.
“بين، أنا مشغول. إذا لم تكن تحمل خبر موتي، فلنسمعه لاحقًا.”
“ستسمعه قريبًا. خبر نعي ريغان بوبرويل.”
قال يوان ذلك بوجه مائل وممتعض.
وعندما سمع ريغان صوت يوان، استدار بملامح متفاجئة قليلًا. وما إن التقت عيناهما، حتى ابتسم ريغان ابتسامة عريضة.
“لماذا؟ مجددًا، ماذا؟”
ترك ريغان القلم واقترب من يوان.
كان يرتدي نفس الملابس التي رآها عليه في المعرض.
كان يوان يتساءل أين اختفى فجأة من قاعة المعرض، وبالطبع… كان مختبئًا هنا كما توقع.
“افعل ما تشاء. سواء لعبتَ بالرسم أو احتلتَ على الناس بلوحاتك، هذا لا يخصني. لكن كان يجب ألا تُقحم سيريت في الأمر يا كوينتن دال.”
قال يوان ذلك وهو ينظر إلى ريغان مباشرة.
الاسم الحقيقي لـ كوينتن دال، أفضل رسّام في إمبراطورية إيلون، هو ريغان بوبرويل.
ريغان كان يملك موهبة استثنائية في الرسم، وكان يريد أن تُقيَّم أعماله بصدق.
ولكي يحدث ذلك، كان عليه أن يتخلّى عن لقب الدوق الأكبر بوبرويل.
لذلك استخدم رجلًا كتومًا ليكون واجهة لاسمه المستعار كوينتن دال، ويعمل من خلفه في الخفاء.
كوِنتين دال لفتَ الأنظار منذ ظهوره الأول،
وبعد خمس سنوات فقط أصبح أفضل رسام في إمبراطورية إيلون.
الذين يعرفون أن ريغان هو نفسه كوينتن دال كانوا قِلّة قليلة، وأحدهم كان يوان.
“هاهاها.”
عند كلام يوان، أطلق ريغان ضحكة.
“يضحكك هذا؟”
عُريُّ ريغان بوبرويل معلّق الآن في غرفة نوم زوجتي.
ارتفع حاجب يوان.
“أنا لم أتوقّع ذلك إطلاقًا. من كان سيعرف أن دوقة فريكتويستر ستشتري تلك اللوحة؟
لذا لا تغضب كثيرًا.”
“كان عليك أن تمنعها.”
“وبأي حق أمنعها؟”
هزّ ريغان رأسه وكأنه يقول إنه لا يملك ذلك الحق.
“لو منعتها، لما كان جسدك العاري معلّقًا الآن في غرفة سيريت.”
تقلّص وجه يوان بضيق.
كانت “لوحة جنتلمان” سابقًا،
ثم أصبحت الآن “لوحة كوينتن دال”.
لكن اسمها الحقيقي هو “لوحة ريغان بوبرويل الذاتية”.
الرجل في اللوحة كان ريغان.
كان وجهه مغطّى فلم يعرف في البداية ولكن عندما رأى يوان الندبة على خصره تمكّن من التأكد أنه ريغان.
وفوق ذلك، بما أن اسم العمل هو “صورة ذاتية”،
فالرجل العاري لا يمكن إلا أن يكون ريغان.
“هل علقتها الدوقة في غرفة نومها؟”
عند كلام يوان، اندهش ريغان ومسح حلقه بخجل.
يوان ازداد انزعاجًا وهو يرى ريغان يحمرّ وجهه أمامه.
“كيف ستتحمّل مسؤولية هذا؟ هل من المفترض أن أرى جسدك شبه العاري كل يوم في غرفة زوجتي؟”
“لا، لماذا علّقتِه في غرفة نومها أصلًا؟ قصر الدوق واسع…!”
مسح ريغان وجهه المحمرّ وهو يبتسم بارتباك.
“قالت إنها لوحة ثمينة. وإنها لوحتها أيضاً….”
ازدادت غيظًا لدى يوان كلماتها، لكنه ابتلعها.
هي لم تقل إن ريغان ثمين، لكن في أذن يوان بدا الأمر وكأنها تقول إن ريغان ثمين، وهذا أثار استياءه.
“ثمينة؟”
عند كلام يوان، انفرج وجه ريغان فرحًا.
ومع ارتسام الفرح على ملامح ريغان، ازدادت ملامح يوان قسوة.
“هي تقصد أن اللوحة ثمينة، طبعًا.”
قال يوان بحدة قاطعة، وكأنه يقطع الطريق عن أي فكرة سخيفة.
“أكيد. هل يُعقل أنها كانت تعني أنّني أنا الثمين؟ أعرف هذا جيدًا.”
“استرجع اللوحة.”
“كيف استرجعها؟”
قطّب ريغان قليلًا عند طلب يوان.
سيريت كانت قد دفعت ثمن اللوحة كاملًا وبشكل قانوني، اللوحة الآن هي ملك لسيريت.
وتولدت لدى ريغان رغبة بأن تحتفظ سيريت بتلك اللوحة كشيء ثمين دائمًا.
“إن لم تأتِ وتأخذه سريعًا، فستحترق تلك اللوحة وتختفي ذات يوم.”
قال يوان ذلك بنبرة تحذير ثم استدار مبتعدًا عن ريغان.
“كيف تحرق لوحة تعتبرها زوجتك ثمينة؟ أيها الزوج السيئ!”
وبّخ ريغان يوان الذي كان متجهًا نحو الباب.
وتجاهل يوان توبيخه المازح وهمّ بالخروج، لكن شيئًا ما علِق في ذهنه فجأة.
أمسكَ يوان الباب المفتوح وعاد بنظره إلى الخلف.
“هل تعرف سيريت أن نموذج اللوحة هو أنت؟”
“لا أحد في هذا العالم يعرف أنني كوينتين دال سوى ثلاثة أشخاص. وإن لم تكن أنت من أخبرها، فلا يمكن أبدًا أن تعرف دوقة فريكتويستر الحقيقة.”
قال ريغان بنبرة واثقة.
“أخرج اللوحة من بيتي بسرعة.”
قال يوان ذلك بوجه عابس من جديد ثم غادر غرفة العلّية.
بعد مغادرة يوان، انفجر ريغان ضاحكًا بصوت عالٍ لفترة. من كان يصدق أن تلك اللوحة ستُعلَّق في غرفة سيريت؟
وفكّر أن غضب يوان كان مفهومًا، ثم استدار مجددًا نحو الحامل. كان يرسم الحظة التي قبّل فيها “كوينتين دال المزيف” ظهر يد سيريت.
ارتفعت زاوية شفتي ريغان بسعادة وهو واقف أمام الحامل.
‘قالت إنها لوحة ثمينة. وإنها لوحتها أيضاً….’
تذكّر كلمات يوان، ولم تستطع ابتسامته التي ظهرت أن تزول بسهولة.
حين قالت سيريت إنها ستشتري تلك اللوحة، كان الأمر مربكًا في البداية، لكنه شعر بالسعادة لأنها بدت وكأنها قد تعرفت عليه.
والآن، بعدما سمع أنها تعتبر تلك اللوحة ثمينة… شعر بالسعادة فعلًا.
“هاا… يجب أن أستعيد تركيزي، أليس كذلك؟”
ريغان، الذي كان يبتسم بسعادة، تنهد وتمتم.
سيريت كانت زوجة يوان. زوجة يوان فريكتويستر بالذات، لا أي شخص آخر.
ريغان حاول جاهدًا كبح مشاعره التي كانت تنجرف نحوها.
“لكن لماذا يراودني شعور بأن هناك خطأ ما؟”
ترك تلك المشاعر تجاه سيريت كان أمرًا بديهيًا لأي شخص يرى الموقف، لكن ريغان لم يستطع التخلص من شعور أنه لا ينبغي أن يفعل ذلك.
وكأنه يفوّت شيئًا. وكأنه يجب أن يفعل شيئًا من أجل سيريت.
“ما الذي تهذي به. من تظن نفسك؟ أنت لا شيء. ركّز.”
وبينما يوبّخ نفسه، حاول ريغان تهدئة قلبه.
فالشخص الوحيد الذي يستطيع فعل شيء من أجل سيريت… هو زوجها، يوان.
***
وضعت سيريت الشوكة والسكين. فمنذ قليل وهي تشعر بنظرات يوان المثبتة عليها، ولم تستطع تناول طعامها كما يجب.
“منذ قليل وأنت لا تأكل، لماذا تحدّق بي بهذه الطريقة؟”
عندها فتح يوان فمه وكأنه كان ينتظر هذا السؤال.
“لنضع اللوحة في العلّية.”
“تقول أن نعلّق لوحتي الثمينة في العلّية؟ العلّية لا يوجد فيها سوى خردة.”
هل يقول لها أن ترميها في المخزن بطريقة لطيفة؟ عبست سيريت.
“ألا يمكنك التوقف عن قول ذلك؟”
قال يوان بنبرة تضج بالانزعاج.
“قول ماذا؟”
“إنها مجرد لوحة. ليست لوحتك الثمينة.”
“أيُزعجك أن أقول إنها لوحتي الثمينة؟”
لم تفهم سيريت كلام يوان. هل هذا شيء مزعج؟ إنها لوحتها فعلًا.
أو ماذا؟ هل يقصد أنها ملكية مشتركة لأسرة فريكتويستر؟
“لأوضح الأمر، هذه لوحتي التي اشتريتها بمالي. صحيح أن المال خرج من بيت فريكتويستر، لكنه خرج باسمي، لذا فهي ملكي أنا.”
كانت سيريت تسارع بتثبيت الأمر حتى لا يطالب يوان بملكية اللوحة.
“سأعطيك لوحة أخرى. لوحة أغلى بكثير من تلك.”
“أغلى؟”
“ما رأيك باللوحة المعلّقة في مكتبي؟ ستكون قيمتها أعلى بعدة مرات.”
“عقوبة هوفوس؟”
“نعم.”
كانت عقوبة هوفوس لوحة تتوارثها أسرة فريكتويستر عبر الأجيال.
وقيمتها بالطبع لا يمكن مقارنتها بلوحة صورة ذاتية.
هي لوحة تُظهر هوفوس، الذي ارتكب خطيئة خداع الحاكم، وهو يحمل صخرة ضخمة على كتفيه صاعدًا الجبل.
وكان يُقال إن التعبير المصوَّر على وجهه المليء بالألم هو أهم ما يميّز اللوحة.
لكن امتلاك لوحة تتوارثها عائلة فريكتوستر جيلاً بعد جيل سيشعرها بشيء من الانزعاج.
فكلما تنظر إلى تلك اللوحة، ستشعر وكأنها هي أيضًا تنال عقابًا ما.
وكأنها تُوبَّخ لأنها خدعت يوان وتزوجته.
هل ستنال عقوبة لو باعت تلك اللوحة؟ هل سيظهر من يشتريها أصلًا؟
قيمتها عالية جدًا، ولن يتمكن من شرائها سوى ثري حقيقي.
“لا أريدها. إنها لوحة لا أرغب بتعليقها في غرفة النوم. لا أريد أن أرى شخصًا يُعاقَب كل يوم.”
“لكنّك تريدين رؤية رجل غريب شبه عارٍ كل يوم؟”
قال يوان بملامح مستفزة.
“بالنسبة لي، رؤية رجل غريب شبه عارٍ أفضل بمئة مرة، بل ألف مرة، من رؤية شخص يُعاقَب.”
“هاا”
عند جواب سيريت، رمى يوان المنديل بضجر على الكرسي المجاور وزفر تنهيدة عميقة.
“لماذا تتصرف بهذا القدر من الانفعال؟”
“ألا أبدو كشخص سيفعل؟”
“إنها مجرد لوحة.”
“إنها لوحة رجل عارٍ.”
“إنه إيروس. ليس رجلًا عاريًا. فنان كوينتن دال قال ذلك بوضوح. قال إنه استخدم إيروس كفكرة أساسية للوحة.”
“هل عليكِ حقًا تعليق تلك اللوحة في غرفة النوم؟”
تنفّس يوان بوجهٍ يبدو وكأنه يكبت شيئًا، ثم سأل سيريت.
“نعم.”
“حسنًا. لنفعل ذلك.”
أومأ يوان وكأنه فهم، ثم أشار لكبير الخدم الواقف هناك.
اقترب كبير الخدم من يوان بخطوات سريعة.
“ضع ستارة على اللوحة المعلّقة في جناح الدوقة.”
“حسنًا، مفهوم.”
أجاب كبير الخدم على تعليمات يوان وعاد سريعًا إلى مكانه.
“ستارة؟”
حدّقت سيريت في يوان مطوّلًا.
“أتمنى أن تتنازلي عن هذا القدر على الأقل.”
كانت نظرات يوان تقول: لقد تحمّلت الكثير، فاقبلي أنتِ بهذا القدر أيضًا.
“حسنًا.”
أومأت سيريت بلا تردد.
رغم أنها وضعت اللوحة في غرفة نومها، إلا انها كانت تشعر ببعض الحرج فعلًا.
فهي في النهاية لوحة لرجل غريب شبه عارٍ، وكلام يوان لم يكن خاطئًا بالكامل.
“هل ربما…”
راح يوان يحدّق في سيريت التي وافقت بسهولة، ثم فتح فمه.
“ربما ماذا؟”
“لا شيء.”
حرّك يوان رأسه بخفة، ثم عاد ليكمل طعامه.
بعد أن أنهت سيريت الطعام، صعدت إلى غرفة النوم. جلست على الأريكة تقرأ كتابًا، لكن اللوحة ظلّت تشغل بالها.
وفي النهاية، نهضت سيريت من مكانها ووقفت أمام اللوحة.
“يبدو أن علينا فعلًا تركيب ستارة.”
هزّت رأسها موافقةً تمامًا على رأي يوان.
لكن كيف رُسمت بهذه الحيوية، كأنها أمام العين مباشرة؟ حقًا، كوينتن دال مختلف.
عاودت سيريت الإعجاب بموهبة كوينتن دال.
كانت غارقة في تأمل اللوحة حين حُجبت رؤيتها فجأة.
وقبل أن تنتفض من المفاجأة، دغدغتها رائحة مألوفة عند أنفها.
“من الأفضل أن تنامي في غرفتي الليلة.”
رَنّ صوت يوان المنخفض قرب أذنها.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 71"