حضور حفلة لا ترغبين بها هو عذاب حقيقي. تكررت هذه الفكرة في رأس سيريت أكثر من مئة مرة وهي جالسة في حفلة الشاي التي دعتها إليها ليديا.
لم تكن تريد المجيء، لكن ليديا قالت إنها تريد الاعتذار عن إلغاء حفلتها التي كانت ستُقام في السابع عشر، ثم دعت إلى هذه الحفلة بدلًا عنها، ولهذا كان لزامًا على سيريت الحضور.
وبما أنّ الأمر بدا وكأن ليديا تخلّت عن موعد حفلتها لأجل سيريت، سيكون من الطبيعي أن تنهال الأقاويل إن لم تحضر سيريت بعد ذلك.
لهذا تجلس الآن وتبتسم مُجبَرة أثناء استماعها لأحاديث الشابات والسيدات وكأنها تستمتع.
“لا توجد زهرة أجمل منك يا روزالين. تقبّلي قلبي.
هكذا قال وهو يمد لي الزهرة!”
“يا للرومانسية!”
“هل كان لدى السيد باكتر جانب مثل هذا؟”
وبينما كانت قصة خطبة إحدى الشابات تُروى، رفعت سيريت نظرها نحو ليديا.
كان يوان حتى الآن لم يدرك مشاعره تجاه ليديا.
إذًا متى بالضبط سيقع في حبها؟
هذه الفتاة، الجميلة واللطيفة هكذا، كانت بجانبه طوال الوقت… ومع ذلك لم يدرك قلبه بعد؟
يبدو أنه رجل بطيء أكثر مما كانت تتوقع.
“سيريت، هل القهوة مناسبة لك؟”
بدا أن ليديا شعرت بنظراتها الثابتة، فسألت وهي تنظر إلى سيريت.
“نعم، رائحتها طيبة وناعمة، ومن السهل شربها.”
أجابت سيريت بابتسامة رقيقة.
“يا للراحة. بالمناسبة هل أنتِ بخير حقًا؟ لا تعرفين كم قلقت. عندما سمعت الخبر، كان قلبي يخفق كثيرًا من شدة قلقي.”
وضعت ليديا يدها على صدرها.
مظهرها وهي تُظهر قلقًا صادقًا كاد يخدع سيريت للحظة.
لو لم تكن تمتلك ذكريات حياتها السابقة، لكانت صدّقت الأمر بلا شك.
ابتسمت سيريت بعينيها.
“يبدو أنني أقلقتكِ، ليديا. لكنني الآن بخير تمامًا.”
“أنا سعيدة جدًا لأنكِ بخير يا سيريت.”
قالت ليديا وهي تنظر إليها بوجه مرتاح.
في تلك اللحظة، سألت الآنسة غرينت سيريت.
“لكن لماذا ذهبتِ إلى مثل ذلك المكان؟”
حولت سيريت نظرها بعيدًا عن ليديا ونظرت إلى الآنسة غرينت.
“حدث أمرٌ لإحدى خادمات القصر.”
قالت سيريت بملامح جادة، مستقيمة الظهر. ثم سرعان ما رمقت ليديا بطرف عينها تراقب ردّة فعلها. لكن ليديا كانت تستمع دون أن يطرأ أي تغيّر على وجهها.
“ذهبتُ إلى فيرون لأتحقّق من الأمر.”
تابعت سيريت كلامها وهي لا تزال تراقب تعابير ليديا. لم تستطع بعد أن تتخلى عن شكوكها. كلما فكّرت، شعرت أن ليديا لا بد أن تكون مرتبطة بموت صوفيا بطريقة ما.
“أيّ أمر تقصدين؟”
سألت السيدة شيمكنز بوجه يملؤه الفضول.
يبدو أن قصة صوفيا لم تنتشر، لأن الجميع انشغلوا بحادثة تعرّض الدوقة للهجوم.
“الأمر هو…”
بدأت سيريت ببطء تروي ما حدث مع صوفيا.
وحين أنهت حديثها، صدرت تنهّدات متتابعة. نظرت السيّدات والآنسات إلى سيريت بوجوه مصدومة.
“يا إلهي…!”
“حدث شيء كهذا؟”
“انتحار… يا للفظاعة.”
أطلقت السيّدات والآنسات تعليقًا بعد آخر.
وفي وسط كل ذلك، كانت ليديا تحتسي الشاي بملامح هادئة تمامًا. راقبتها سيريت وهي تواصل كلامها المتدرّج.
“لكن… أنا لا أستطيع تصديق نتيجة التحقيق.”
“لا تستطيعين تصديقها؟”
وضعت ليديا فنجان الشاي جانبًا وهي تعقد جسر أنفها قليلًا.
قالت سيريت بنبرة جازمة، وهي تنظر مباشرة في عيني ليديا.
“صوفيا ليست فتاة قد تُقدِم على إنهاء حياتها وتترك إخوتها خلفها.”
“كانت خادمة عزيزة عليكِ فيما يبدو؟”
“ليس الأمر أنها عزيزة بل إنني أعرف ظروفها المؤسفة، فلم أستطع إلا أن أهتم بها.”
“يا لطيبتك~ كيف تكونين بهذا اللطف.”
ابتسمت ليديا ابتسامة خفيفة ذات معنى عند كلام سيريت.
وبينما كانت تفكر في معنى تلك الابتسامة، واصلت سيريت حديثها.
“أتساءل من أين حصلت صوفيا على السم. السم ليس شيئًا يمكن الحصول عليه بسهولة. الشرطة تقول إنها صنعته بنفسها، لكن كيف يمكن تصديق ذلك؟”
“بما أن الخادمة كتبت في رسالتها بنفسها أنها صنعته، ألا يجدر بكِ تصديق ذلك؟ أنا قلقة أن تتعرضي للخطر مرة أخرى، سيريت.”
قالت ليديا ذلك وهي تطلق تنهيدة عميقة وتنظر إلى سيريت.
رفعت سيريت نظرها إلى ليديا. التقت نظراتهما في الهواء. وبملامح خالية من أي تعبير، راحت كل منهما تنظر إلى الأخرى وكأنهما تفحصان بعضها.
ثم سرعان ما ابتسمت سيريت ابتسامة هادئة.
“شكرًا على قلقك، ليديا. ربما من الأفضل فقط أن أصدق ذلك… كما قلتِ.”
ظاهريًا، كانت تهز رأسها وكأنها توافق ليديا، لكن سيريت كانت تفكر بشيء آخر تمامًا.
لقد أمسكت بك يا ليديا.
لم تقم بذكر محتويات رسالة صوفيا الأخيرة… فقط قالت إنها وُجدت.
فكيف عرفت أن الرسالة تقول إنها صنعت السمّ بنفسها؟
في تلك اللحظة، فتحت الآنسة غرينت عينيها بدهشة وسألت؛
“هل كُتب في الرسالة أن الخادمة صنعت السمّ بنفسها؟”
كانت تنظر إلى سيريت بعينين تقولان بوضوح إنها تسمع هذا لأول مرة.
سيريت ألقت نظرة خاطفة على ليديا.
شعرت بها ترتجف لحظة، فقهقهت سيريت في داخلها بسخرية.
“نعم، هذا ما قيل. كُتب في رسالتها أنها صنعت السم بيديها.”
“يا إلهي… هل كانت الخادمة من قبيلة الهِلد؟ إن لم تكن كذلك… فكيف يكون ذلك ممكنًا؟ السم ليس شوكولاتة لتصنعه بهذه السهولة.”
“ليس كل أفراد شعب الهِلد قادرين على صنع السمّ.”
“ولكن أليس بإمكانهم صنعه إن أرادوا؟ اوووه، ذكر شعب الهِلد يجعلني أرتجف من القشعريرة.”
تبادلت الآنسة غرينت الحديث مع سيدة أخرى ثم هزّت رأسها، وكأن القشعريرة فعلاً سرت في جسدها وهي تتكلم.
بسبب تلك الجملة، ساد صمت قصير على الطاولة.
والسبب أن والدة ليديا كانت من شعب الهِلد، مما يعني أن دم الهِلد يجري في عروق ليديا أيضًا.
نسيان الآنسة غرينت لهذه الحقيقة، ورميها تلك العبارة بتهوّر، جعل الأجواء تبرد فجأة.
لم تُظهر ليديا أي ردّ واضح، لكن في عينيها لمعت شرارة غضب للحظة.
أما سيريت فتظاهرت أنها لا تعرف شيئًا واكتفت برشف قهوتها بهدوء.
عندما أدركت الآنسة غرينت أن الأجواء أصبحت غريبة، أخذت تنظر هنا وهناك بارتباك. وفجأة بدا كأنها تذكّرت شيئًا، فارتعشت قليلًا ورفعت يدها لتغطي فمها.
سارعت السيدة شيمكنز، التي فهمت الموقف بسرعة، إلى تغيير الموضوع.
“يبدو أن الجو صار أكثر حرارة، لا آكل هذه الأيام سوى الشيربت*.”
“صحيح، وأنا كذلك. من الغريب أنه أصبح صيفًا بالفعل.”
أسرعت الآنسة غرينت بمجاراة الحديث، محاولةً إنقاذ الموقف. ومع ضحكتها المربكة ومحاولاتها المستميتة، بدت لسيريت مسكينة بعض الشيء.
وبينما فكرت سيريت أن حفلة الشاي هذه مرهقة فعلًا، راقبت وجوههن المصطنعة بملامح خالية من الاهتمام.
وبعد أن انتهت حفلة الشاي المملة والمتعبة، حيتهن سيريت بابتسامة مجاملة، ثم غادرت غرفة الشاي.
بما أنها جاءت إلى القصر الإمبراطوري، رأت سيريت أن من الأفضل أن تمرّ لتحية وليّة العهد كريستين، فتوجهت إلى الجناح الشرقي حيث تقيم عائلة ولي العهد.
وفي الطريق، التقت سيريت بـ أنيتا. وبما أنها تعرف جيدًا أن أنيتا هي الخادمة التي تستخدمها ليديا كيدها وقدمها، تقدّمت سيريت نحوها بخطوات ثابتة.
ربما كانت أنيتا تعرف بشأن ما حدث لصوفيا. وربما… كانت هي نفسها المرأة التي التقت بها صوفيا.
تعرّفت أنيتا على سيريت فارتجفت قليلًا وانحنت بسرعة قبل أن تسرع بخطوات صغيرة محاوِلةً المرور من جانب سيريت.
التعليقات لهذا الفصل " 68"