ظهرت عادة احتقار النساء دون أن يشعر، فأساء للدوقة من بين كل الناس.
شعر الشرطي بالعرق البارد ينـزل على ظهره.
“رجاءً تحقّقوا بدقّة من أين حصلت صوفيا على السم.”
تكلّمت سيريت بصوت هادئ من دون أن تُظهر أيّ انفعال. كان مزاجها سيئًا، لكنها لم تُبدِ ذلك حرصًا على الحفاظ على كرامتها.
“أرجو أن تُجْروا تحقيقًا شاملًا بخصوص الشكّ الذي تحمله دوقة فريكتويستر.”
ساند يوان كلام سيريت، مشدِّدًا على عبارة «دوقة فريكتويستر»، في تذكيرٍ منه بألّا ينسوا أنّ سيريت واحدة من أسرة فريكتويستر.
“نعم، يا صاحب السمو.”
وأمام ذلك الصوت الذي يستحيل معارضته، هزّ الشرطي المسؤول، وكذلك رئيس الشرطة، رأسَيهما بشدة.
***
خرج يوان من مركز الشرطة، ثم ألقى نظرة خاطفة على سيريت التي كانت غارقةً في أفكارها. رؤيتها بهذه الحالة، وكأنها تفكر بجدّ، جعلت رأسه ينبض… فغالبًا هذا يعني أنها على وشك القيام بشيء خطير مجددًا.
“تم إمساك الجاني، لكن يبدو أنّ شكوكك لم تُحَل بعد.”
توقّف يوان عن السير، ثم نظر إليها.
فتوقّفت سيريت كذلك، ورفعت رأسها نحوه.
ما حدث لها قد يكون مجرد سوء حظ، لا علاقة له بليديا.
لكن بعد ما سمعته من الشرطة، ازداد يقينها بأن ما حدث مع صوفيا لم يكن انتحارًا.
“صوفيا فتاة عادية في الثامنة عشرة. كيف لفتاة مثلها أن تصنع سُمًا؟”
“يعني أنك لا تثقين بنتائج التحقيق؟”
“نعم. بصراحة… لا أثق.”
“وهل تنوين الاستمرار في التعلّق بهذه القضية؟”
“على الأرجح.”
هزّت سيريت رأسها بثبات، وكأن الأمر بديهي.
تنفّس يوان بتنهيدة صغيرة—تنهيدة شخص كان يعرف تمامًا أنها ستقول ذلك—ثم أخذ يدها ووضعها على ذراعه من جديد، وقادها باتجاه العربة.
وبينما يسيران، قال يوان؛
“إذن فلنفعل هذا. أعرف محققًا يمكن الاعتماد عليه. سنوكل إليه التحقيق في قضية صوفيا.”
توقف يوان عند العربة ومدّ يده نحوها لتركب.
كان قد قرر بالفعل أن يضع شخصًا قادرًا على حماية سيريت قبل أن تقع في خطر آخر.
فهي لن تهدأ… إلا إذا عرفت الحقيقة كاملة.
“سأقابل ذلك المحقق بنفسي.”
“فلنقابله اليوم إذًا.”
ضحك يوان بخفة وهو يرى لمعان عيني سيريت، ثم لوّح بيده وكأنه يقول لها: اصعدي بسرعة.
أمسكت سيريت بيده وصعدت إلى العربة. أعطى يوان تعليماته للمارِس أن يتجه إلى شارع “ليتاس”، ثم جلس قربها.
“المقعد المقابل… فارغ، كما ترى.”
قالت سيريت بعينين واسعتين وهي تنظر إلى يوان الجالس بجانبها. رفعت يدها النحيلة وأشارت نحو المقعد المقابل، وكأنها تقول له اجلس هناك.
“صحيح، إنه فارغ.”
“هل تريدني أن أتحرك للجهة الأخرى؟”
“ابقِ كما أنت. ما المشكلة في جلوس زوجين جنبًا إلى جنب داخل عربة واحدة؟”
ضايقه قليلًا أنها لا تسمح له بالاقتراب.
لماذا تصعب الأمر إلى هذا الحد؟
“ليست مشكلة، لكن… فقط…”
“فقط… ماذا؟”
“يبدو… حميميًا أكثر من اللازم.”
عند ذلك الجواب، ضحك يوان بخفّة، وبحركة خاطفة سحب سيريت ورفعها لتجلس على ركبته. ارتبكت سيريت تمامًا، ولم تستطع قول كلمة، ولم تفعل سوى أن رمشت بعينيها.
“أعتقد أنه يجب أن يكون بهذا الشكل ليبدو حميميًا.”
“أعتقد ذلك.”
سعلت سيريت بخفة محاولة الخروج من حضنه. لكن يوان لم يتركها.
رفعت سيريت نظرها نحو وجه يوان الذي لم يفرج عن يده الملتفة حول خصرها. كانت ملامحه تحمل شقاوة غير معتادة منه، فأحسّت بوخز دافئ في معدتها.
ثم تذكرت فجأة… أن يوان ما زال لا يعرف حقيقة مشاعره تجاه ليديا. غمرها شعور غريب. فكرةُ أنّ هذا التعبير الطفولي المشاغب لا يظهره إلا لها جعلها تشعر بقليل من الزهو.
“حسنًا، اختاري الآن. هذا المكان… أم هذا المكان؟”
أشار يوان بذقنه إلى المقعد بجانبه ثم إلى ركبته.
عيناه قالتا بوضوح
اختاري—هل ستجلسين هنا، أم هناك؟
وكانت نفس النظرة…
نظرة طفل يحب اللعب.
أمام هذا التعبير الغريب المألوف في آنٍ واحد، شعرت سيريت بقلبها يخفق دون أن تدرك، ثم نزلت بسرعة من على ركبته وجلست في المقعد المجاور.
“طبعًا… المقعد بجانبك.”
“أحترم اختيارك.”
ابتسم يوان ابتسامة خفيفة وأمسك بيد سيريت. كان راضيًا لمجرّد أنها سمحت له بالجلوس إلى جانبها. أما محاولتها الجاهدة لسحب يدها، فلم تعجبه كثيرًا.
“اترك يدي.”
“اثبتي قليلًا. قبل أن أُجلسك على ركبتي مجددًا.”
وبدا وكأنه يُلقي سحرًا يطلب منها الهدوء حين انحنى يوان وطبع قبلة على ظاهر يدها.
تسللت رعشة دافئة إلى جلدها من لمسته على يدها، وانتهى الأمر بسيريت واقعة تحت سحره ذاك دون مقاومة. هي مجرد يد… بين زوج وزوجته.
حوّلت نظرها إلى النافذة متظاهرة باللامبالاة، لكن كل إحساس في جسدها كان متركزًا على يدها المحبوسة في يده. تجاهلت نبض قلبها الذي صار أسرع قليلًا، وظلت تحدّق خارج النافذة حتى توقفت العربة.
نزل يوان وسيريت من العربة ودخلا إلى مكتب المحقق تاونسند. كان المحقق الذي يعتمد عليه يوان أحيانًا، وقدرته لا يستهان بها.
استقبلهم السيد تاونسند، الشاب الذكي المظهر، بحفاوة. ومع تقديم كوب من الشاي أعده أحد المساعدين، بدأ تاونسند الحديث.
“لا أعلم ما الأمر الذي ترغبون بتكليفي به، لكنني سأبذل قصارى جهدي.”
“قولي ما تريدين بكل راحة.”
ومع تلك الكلمات، مال يوان قليلًا برأسه نحو سيريت، مشجّعًا إيّاها على الكلام.
أجابت سيريت بأنها فهمت، ثم شرحت للسيد تاونسند قضية صوفيا. فدوّن السيد تاونسند كلامها بسرعة في دفتر صغير.
“ما أريد معرفته هو مصدر السمّ الذي حصلت عليه صوفيا. أنا لا أعتقد أنها صنعته بنفسها.”
“نعم، فهمت. سأحقّق في مصدر السم.”
“هناك ما قد يفيدك. إحدى الخادمات المقرّبات من صوفيا قالت إنها حصلت منها على دواء لمنع الحمل. دواء مصنوع على يد الهِلد، وكان مطابقًا تمامًا لقنينة الدواء التي عثرتُ عليها.”
لم ترغب سيريت في ذكر أن صوفيا حاولت إعطاءها دواء مانع للحمل خلسة، فاختارت أن تغلّف الحقيقة بكذبة صغيرة.
“آه، إذًا من الممكن أنها حصلت على السمّ من قبيلة الهِلد التي صنعت دواء منع الحمل.”
فهم السيد تاونسند كلام سيريت مباشرة.
“هذا ما أردت قوله. عندما يتوفر لك الوقت، تعال إلى قصر الدوقية، وسأعطيك الدواء.”
“سيكون ذلك مفيدًا جدًا يا سيدة الدوق. شعب قبيلة هِلد يختلفون في الأعشاب والتركيبات التي يستخدمونها، لذلك عند تحليل مكوّنات الدواء، يمكننا معرفة من صنعه.”
ابتسمت سيريت بصفاء، مأخوذة بذكاء السيد تاونسند.
وعند رؤية تلك الابتسامة، ارتفعت زاوية شفتي يوان بلطف.
كان يوان لا يعرف ما هي حقيقة مشاعر الحب بالضبط، لكنه شعر بأن شيئًا واحدًا بات واضحًا له الآن.
زوجته، بعينيها اللامعتين، بدت لطيفة للغاية.
خرج يوان من مكتب المحقق ومدّ يده نحو سيريت. فأعطته يدها بطبيعية.
لكن يوان لم يضع يدها على ذراعه كما يفعل عادة، بل أمسك بها مباشرة.
ومع النظرة المتسائلة التي رمقته بها سيريت، ارتفع طرف شفتيه.
“الأمور الخطرة، اتركيها للسيد تاونسند من الآن فصاعدًا. أو اتركيها لي أنا.”
“ستتولى الوقوع في المشاكل بدلًا عني إذًا؟”
قالت سيريت وهي تضحك بخفة وتنظر إليه.
“أفضل من أن تقع زوجتي في خطر.”
“حسناً…”
أجابت سيريت وهي تحاول كبح ابتسامة لا تتوقف عن الارتفاع.
وبوجه مرتاح، عادت سيريت إلى قصر الدوق. وما إن دخلت غرفة النوم حتى استقبلتها هانا وهي تحمل دعوة بوجه غير مرتاح.
“وصلت دعوة لحفل شاي.”
“ما هذا التعبير؟”
سألتها سيريت مبتسمة، لكنها ما إن رأت اسم المرسِل حتى تجمّد وجهها ليصبح مطابقًا لوجه هانا.
التعليقات لهذا الفصل " 67"