هل يُعقل أنه لم يدرك مشاعره تجاه ليديا بعد؟ هل يمكن أنه لا يعرف حتى الآن إن كان يحب ليديا أم لا؟
لم تكن تعرف بالضبط متى بدأ يوان يحب ليديا. كانت تظن، بناءًا على الشائعات وكلام ليديا نفسها، أنه أحبها منذ الطفولة أي منذ زمن بعيد.
لكن ما تراه الآن لم يكن أبدًا ردة فعل يظهرها شخص يحب أحدًا بعمق.
كيف لرجل أحب ليديا بذلك الشكل الجنوني أن يجهل ما هي مشاعره؟
“الحب ليس شعورًا يمكن ألا تعرفه. عندما تحب أحدًا، تعرف فورًا. وتقول لنفسك هذا هو الحب.”
لم يسبق لسيريت ولو للحظة أن اختلط عليها الأمر. كانت تعرف بيقين كامل.
أنها تحب يوان فريكتويستر.
حين كانت تراه، كان العالم كله يتلوّن بألوان زاهية من جديد.
كانت تفكّر به في كل لحظة.
كانت تشتاق إليه دائمًا، وتريد أن تكون بقربه، ويضيق صدرها شوقًا له.
كانت ترى كل شيء وفق وجوده، وتشعر أن نصف روحها موجودة بين يديه.
ذلك الشعور… شعور لا يمكن الخلط فيه مطلقًا.
هذا هو الحب كما تعرفه هي.
يوان بدا وكأنه يفكّر عميقًا، ثم مال برأسه قليلًا.
“هل هو شعور قوي لدرجة أنك تعرفينه فورًا؟”
“نعم.”
أومأت سيريت.
كانت تظن أن حب يوان لليديا يشبه حبها هي.
لم يسمح أن تُصاب ليديا ولو بخدش صغير.
تزوج امرأة لا يحبها كي يعطي لليديا لقب الدوقة.
وبمجرد أن رزق بالطفل، قتل زوجته، وفي النهاية وضع الطفل في حضن ليديا.
كانت تظن أن كل ما فعله هذا الرجل لم يكن يمكن تبريره سوى بحب أعمى وقوي تجاه ليديا.
كانت تظن أنه كان يحبها بجنون لدرجة أن ذلك كان التفسير الوحيد لكل شيء.
لكن الآن… بدأت تشك.
بدأت تشعر أن كل ما ظنت أنها تعرفه قد لا يكون صحيحًا.
ألم يتزوجني لأجل أن أنجب الطفل بدلًا من ليديا؟
إن لم يكن قد أدرك مشاعره تجاه ليديا أصلًا، فكيف سيضع خطة كهذه؟
تلبّد رأس سيريت بالضباب.
وفي تلك اللحظة تذكّرت فجأة كلمات كريستين.
‘ليديا ضربت القطة بحجر… احذري من ليديا إليوت.’
ذلك الحديث عن أن ليديا قتلت القطة البيضاء التي كانت تتبع يوان.
هل يمكن أن يكون ما حدث في حياتي السابقة أيضًا…
لا، هذا غير معقول. قتل قطة وقتل إنسانة أمران مختلفان تمامًا.
من غير المنطقي أن تقتل ليديا الدوقة بمفردها داخل قصر الدوق. ما لم يأذن يوان بذلك.
حدّقت سيريت في يوان بوجهٍ جامد.
كان أكثر منطقية أن تظن أن ما حدث كان فعلًا قام به يوان بعدما أدرك مشاعره متأخرًا، بدلًا من أن تعتقد أنه فعلٌ منفرد من ليديا.
فالموت كان ليكون أفضل من الطلاق. سواء للعائلة، أو لليديا. على الأقل كانوا سيتجنبون أصابع الاتهام بالخيانة.
ومع برودة يوان فريكتوستر، كان ذلك أمرًا ممكنًا تمامًا.
إن كان لم يدرك بعدُ مشاعره تجاه ليديا… فلماذا تزوجني؟
إن لم يكن الغرض أن أنجب الطفل بدلًا عن ليديا، فبأي سبب اختارني إذًا؟
خطَر سؤالٌ جديد، فعاد رأس سيريت إلى الاضطراب من جديد. وفي تلك اللحظة، سُمعتْ صوت يوان.
“هذا صعبٌ حقًا.”
كان وجه يوان، الغارق في التفكير، قد تجمّد. ورؤية ذلك الوجه المتجمّد جعلت سيريت تردّد كهمسٍ عبارته ذاتها:
“هذا صعب حقًا.”
ما سبب اختيارك لي؟ لماذا أنا؟ لماذا… أنا بالتحديد….
رفع يوان نظره نحو سيريت.
لماذا تعرف هذه المرأة الحب بهذا الشكل؟
هل يعني ذلك أنها شعرت يومًا بتلك المشاعر القوية تجاه رجلٍ آخر؟
في تلك اللحظة أدرك يوان. أن هناك شعورًا قويًا بقدر الحب… وهو الغيرة.
غيرةٌ تجاه الرجل الموجود في قلب زوجته انتشرت في كامل جسده.
“سأنام هنا اليوم.”
تمدّد يوان على السرير.
كان يكره أنه لا يستطيع سوى افتعال نزوة طفولية، وهي مجرد رغبته في النوم بجانب زوجته، لكنه لم يستطع منع نفسه.
سأُظهر هذا على الأقل.
“سموّ الدوق.”
“تحمّلي هذا القدر فحسب.”
كانت سيريت تحدّق بصمت في يوان الممدد بجانبها من دون أن يطلب الإذن، قبل أن تفتح فمها بعد وقت طويل وتقول:
“سأسمح بذلك… فقط لليوم.”
لسببٍ ما، لم تستطع طرده هذا اليوم.
استلقت سيريت بحذر إلى جوار يوان.
وبينما كانت تستدير وتعطيه ظهرها، أدارت جسدها مجددًا ونظرت إلى يوان النائم.
لم تُطفأ الأنوار، لذا كان وجهه ظاهرًا بوضوح.
جبين مستقيم، جسر أنف واضح، حاجبان جميلان.
انزلقت نظرات سيريت على وجه يوان.
“يوان، هل نمت؟”
نادَت سيريت يوان بصوت صغير.
ومن يوان الذي غرق في نومٍ عميق لم يُسمَع سوى صوت أنفاس خافتة.
“إن كنتَ لم تُدرك بعدُ مشاعرك تجاه ليديا… فهذا يعني أنك لا تنوي قتلي الآن، أليس كذلك؟”
كان من الآمن، حتى هذه اللحظة، أن تكون بجانبه.
ومع أنها شعرت ببعض الارتياح، إلا أن التفكير بهذه الطريقة كان مُرًّا، فابتسمت سيريت ابتسامة باهتة بلا معنى.
أتمنى ألا يكون قد استغلّني وخدعني منذ البداية.
أتمنى على الأقل ألا يكون هذا الزواج قد عُقِد بهدف قتلي.
إن كان الأمر كذلك… ربما يمكنني يومًا ما أن أنسى الجرح الذي سبّبه لي الرجل الذي أحببته بجنون.
ذلك الجرح الذي ظننتُ أنه لن يلتئم أبدًا… ربما يمكن أن يلتئم، وإن بقيت له ندبة.
“تصبح على خير.”
قالت سيريت هذا ثم أغلقت عينيها.
***
“سمو الدوق، لقد قبضوا على الجاني.”
قال ديريك، مساعد الدوق، وهو يدخل إلى المكتب بصوتٍ مستعجل.
رفع يوان نظره عن الأوراق، وقطّب حاجبيه قليلًا قبل أن ينهض من مقعده.
منذ أن تعرّضت سيريت للاعتداء، لم يذهب يوان إلى مكتبه الرسمي وظل يعمل من المنزل طوال الوقت.
“قبضوا عليه؟”
“يبدو أنه متشرّد يتجول في منطقة فيرون.”
“متشرّد؟”
“نعم، اشتبهوا به عندما فرّ هاربًا بمجرد أن رأى الشرطة، فلاحقوه وأمسكوا به، واعترف فورًا. وقالوا أيضًا إنهم وجدوا عدة خصلات من شعرٍ أشقر على ملابسه.”
عند كلام ديريك، تمتم يوان بشتيمة منخفضة.
مجرد تخيّل أن شعر سيريت كان عالقًا بثياب رجلٍ كهذا جعله يشعر باشمئزاز شديد.
والصورة التي تخيّلها في رأسه أثارت فيه الغضب والضيق.
“أين هو الآن؟”
“يقولون إنه في مركز الشرطة.”
أومأ يوان برأسه وخرج من المكتب بخطوات واسعة.
وعند مروره، أمر أحد الخدم بأن يُحضِر له ملابسه، وأعطى ديريك أمرًا بتجهيز العربة.
وبينما كان ينتظر في البهو أن يحضر الخادم معطفه، ظهرت سيريت مع الخادم الذي أرسله في المهمة.
“هل ستخرج؟”
سألت سيريت وهي تشاهد الخادم يساعد يوان على ارتداء معطفه.
“لقد قبضوا على الجاني.”
“قبضوا عليه؟”
اتّسعت عينا سيريت لكلام يوان. أخيرًا قبضوا عليه.
وبالنظر إلى تلك العينين الواسعتين، أدرك يوان أن سيريت ستُصرّ على الذهاب معه. وكان توقّعه في محلّه.
“سأذهب أنا أيضًا.”
كانت سيريت تريد أن تتأكد بعينيها من هو الجاني. وكانت فضولية أيضًا إن كان للشخص علاقة بليديا.
“توقعت ذلك.”
“انتظر. لا تذهب وتتركني.”
ركضت سيريت بسرعة نحو الدّرج قبل أن يكمل يوان كلامه.
نظر يوان إلى ظهر سيريت وهي تركض على الدرج، فعبس.
“لا تركضي. ستُصَابين.”
“أنا لا أركض.”
بينما كانت تركض، قالت سيريت تلك الكذبة المكشوفة، فابتسم يوان ابتسامة خفيفة.
وبعد قليل، نزلت سيريت من الدرج راكضة، بوجه محمّر بعد أن بدّلت ثيابها للخروج.
“قلت لكِ لا تركضي.”
قال يوان بصوت ممتزج بالزفير، وهو ينظر إلى سيريت التي وقفت أمامه. فمهما قال، زوجته لا تستمع.
“من هو الجاني؟ من فعل هذا؟”
تجاهلت سيريت كلمات يوان وسألت. فهذا وحده ما كانت تريد معرفته الآن.
“يقولون إنه متشرد من فيرون.”
مدّ يوان ذراعه نحو سيريت.
أمسكت سيريت ذراعه بشكل طبيعي، ورفعت رأسها إليه بوجه يعلوه الاستغراب.
“مشرد؟”
لم تستطع سيريت كبح فضولها، فأخذت تسأل يوان وهي تخرج معه عبر الردهة، تسأله عن أشياء مثل دافع الجريمة أو عمره.
لكن يوان لم يكن يعرف التفاصيل بعد، وقال إنه سيعرف كل شيء عندما يصلان إلى مركز الشرطة.
ركب الاثنان العربة واتجها نحو مركز الشرطة.
وعند وصول دوق ودوقة فريكتويستر، اضطرب المركز كلّه. فوجود الدوق مفهوم… لكن ظهور الدوقة في مكان قاسٍ كهذا جعل القلق يرتسم على وجوه الجميع.
“تريدان رؤية المجرم.”
نظر الشرطي المسؤول إلى سيريت بوجه متردد. كانت ملامحه تقول إن هذا ليس مكانًا مناسبًا لامرأة.
فقالت سيريت بصوت هادئ.
“أظن أنه من الأفضل أن يرى وجهي حتى نتأكد تمامًا.”
“أ— أجل، قد يكون ذلك صحيحًا.”
نظر الشرطي هذه المرة إلى يوان ليستطلع رأيه.
“سترافقنا زوجتي أيضًا.”
أومأ يوان وكأنه يقول إن الأمر لا مشكلة فيه. كان يعرف جيدًا أن عناد سيريت ليس شيئًا يمكن كسره بسهولة.
“حسنًا، سنقوم بإيصالكما.”
وبعد سماع موافقة يوان، اصطحب الشرطي الاثنين باحترام شديد ونزل بهم إلى السجن السفلي.
كان درج النزول إلى السجن مظلمًا، وتفوح منه رائحة العفن والغبار. ومع أصوات الشتائم والبصاق المتطاير، بدأت سيريت تفهم سبب تردد الشرطي. فهذا المكان لم يكن مناسبًا إطلاقًا لقدوم سيدة راقية.
وبينما كانت تسير خلف الشرطي في الممر، سُمعت صفارات استهزاء وضحكات فظة.
كان ذلك تحرشًا موجّهًا لسيريت— فأظلم وجه يوان واشتدّت ملامح وجهه.
نظر الشرطي إلى يوان بارتباك، ثم صرخ وهو يضرب القضبان بالعصا.
التعليقات لهذا الفصل " 66"