كان صوت تقليب الجريدة، هو ما جعل سيريت تفتح عينيها.
وعندما فتحت عينيها، رأت يوان جالسًا على كرسي طاولة الشاي وهو يقلب الجريدة.
في اليوم الثاني بعد تعرّضها للاعتداء، كانت سيريت تتلقى قدرًا كبيرًا من العناية في غرفة يوان.
فكلما رفعت الجزء العلوي من جسدها ولو قليلًا، كان يوان يسرع إليها ويسألها عمّا تحتاج. وإن صدَر منها مجرد أنين خافت، كان يحاول استدعاء الدكتور كين.
حتى إنه حاول إطعامها بنفسه الطعام الذي أحضره الخدم، مما أربكها، ثم حاول حملها إلى الحمّام، مما أفزعها.
وحيث إن حماية يوان المفرطة أصبحت مزعجة قليلًا، كانت سيريت تتمنى أن يخرج سريعًا إلى مكتبه الرسمي.
جلست سيريت وأخذت تنهض من سريرها.
وعندما سمع يوان حركة ما، أنزل الجريدة ونظر إليها.
“هل ما زال رأسك يؤلمك؟”
نهض يوان من مقعده بملامح فاحصة، وتقدّم نحو سيريت بخطوات واسعة،
وقبل حتى أن تجيب، وضع يده الكبيرة على جبينها.
هبطت يد يوان على جبين سيريت.
فكّرت سيريت من جديد كم أن يد يوان كبيرة بينما كانت تبعد يده عن جبينها.
“أنا بخير الآن فعلًا. سأعود إلى غرفتي.”
رفعت سيريت رأسها بابتسامة نحو يوان.
“يجب أن تتناولي الدواء الذي وصفه الطبيب كين جيدًا.”
“سأفعل.”
“ولا تقومي بأشياء خطيرة، وابقَي هادئة في المنزل. إن حدث شيء كهذا مرة أخرى، فلن أكتفي بالطوق بل سأضع أغلالًا في قدمك.”
ضحكت سيريت ضحكة قصيرة على مظهر يوان وهو يقول ذلك بوجه خالٍ من التعبير ونبرة باردة.
“عندما تقولها بذلك الوجه، تبدو وكأنك تعنيها فعلًا.”
“أنا أعنيها.”
قال يوان بحزم.
يبدو أنه لن يهدأ حتى يضع اغلالًا حول ذلك الكاحل الرقيق.
بجدية… ربما يجب أن يحبسها في مكان ما.
“مشاعرك تجاهي عنيفة جدًا على ما يبدو.”
ابتسمت سيريت بخفة ونزلت من السرير.
وما إن شعرت بدوار خفيف وكادت تترنح حتى أمسك يوان ذراعها بإحكام على الفور.
“إن لم تكوني على ما يرام، ابقي هنا أكثر.”
“غرفتي أكثر راحة بالنسبة لي. اذهب إلى مكتبك.”
سحبت سيريت ذراعها من قبضته وغادرت غرفته دون أدنى تردد.
وكتم يوان رغبته العارمة في الإمساك بها من جديد وإعادتها إلى السرير.
فما إن خرجت من مجال رؤيته حتى بدأ يشعر بالقلق يتسلل إليه من جديد.
يبدو أنه سيتعين عليه العمل في مكتب المكتبة بدلًا من المكتب الرسمي لبعض الوقت.
خرج يوان من الغرفة متوجهًا نحو المكتبة.
***
عادت سيريت إلى غرفتها ونادت على هانا وإيف.
فركضا الاثنتان إليها وهما يثيران ضجة تكاد تُدخلها المستشفى فورًا من شدة القلق.
وبعد أن استمعت إلى قلقهما لفترة، سألت سيريت هانا عن القنينة.
“لم تكن هناك قنينة في يدك يا سيدتي. لو كنتِ تمسّكين قنينة، لعرفت أنا فورًا.”
أجابت هانا بصوت واثق.
“أنا متأكدة أنني كنت أمسك تلك القنينة. كانت تشبه تمامًا قنينة دواء منع الحمل،
وكنت أحاول أن أرى إن كان عليها نقش قبيلة هِلد، وعندها تعرّضتُ للهجوم.”
إذا لم تكن القنينة موجودة، فهذا يعني أن الشخص الذي هاجمها أخذها.
ازدادت ملامح سيريت جدية. هل هاجمني لأنني كنت أحمل القنينة؟
يبدو أنه يجب عليّ العودة إلى تلك المنطقة للبحث مجددًا.
كان يوان قد قال لها بوضوح أن تكون حذرة، لكن لم تستطع الجلوس مكتوفة اليدين.
نهضت سيريت من مكانها.
“يجب أن أذهب إلى منطقة فيرون. لأرى إن كانت القنينة هناك.”
“إلى أين تذهبين! الطبيب كين قال إن عليكِ الراحة! وإن عرف الدوق، ستكون مصيبة!”
قفزت هانا فزعًا.
لم ترَ يوان يومًا بذلك البرود والقسوة، حتى عندما رمت عليه سيريت المزهرية لم يبدو هكذا.
“هانا محقة. عليكِ أن تستريحي.”
أضافت إيف بوجه قَلِق.
كان الطبيب كين قد قال إن سيريت تُظهر علامات ارتجاج خفيف،
وإن عليها أن ترتاح أيامًا عدّة.
وكانت سيريت تشعر بالفعل ببعض الدوار والصداع.
لكنها كانت تريد بشدة العثور على تلك القنينة.
هل كانت تحتوي على السم الذي شربته صوفيا؟
هل كانت تحمل نقش قبيلة هِلد؟
ولو وُجد ذلك، فسيكون من الممكن القول إن ليديا هي من قتلت صوفيا.
“أشعر بالاختناق… أظن أن العثور على تلك القنينة سيمنحني طرف خيط.”
قالت سيريت بصوت ضعيف.
“قد لا تكون هي القنينة التي شربتها صوفيا. قنينة دواء منع الحمل تلك شائعة جدًا…”
تلاشت نهاية جملة إيف.
وكان لكلامها وجاهته. لا توجد ضمانات.
في منطقة فيرون، كان الفقراء يتناولون أدوية قبيلة هِلد لأنهم لا يستطيعون الذهاب للمستشفى.
ولذلك وجود قنينة تحمل نقش هِلد في الأزقة ليس أمرًا نادرًا.
هل أفرطتُ في الشك بليديا؟
لكن صوفيا لم تكن فتاة لتموت تاركة إخوتها.
عندها فتحت هانا فمها وكأنها اتخذت قرارًا.
“سأذهب أنا إذًا. ابقَي هنا يا سيدتي.”
“حقًا؟ إذًا هانا… اذهبي مع فيت. لا تذهبي وحدك أبدًا.”
“نعم يا سيدتي.”
أومأت هانا وغادرت الغرفة.
انتظرت سيريت وإيف بقلق.
وبعد ساعتين، عادت هانا بملامح محبطة.
“لا يوجد شيء. بحثت مع فيت في كل منطقة فيرون تقريبًا ولم نجد القنينة.”
“متأكدة؟ هل بحثتما جيدًا؟”
سألتها سيريت بوجه جاد.
“ذهبتُ حتى لمركز الشرطة وسألت إن وجدوا قنينة أثناء التحقيق، وقالوا لا.”
تنهدت سيريت.
يبدو مؤكدًا إذًا… من هاجمها عليها أخذها.
“ماذا لو بحثنا باستخدام قنينة دواء منع الحمل التي أعطتني إياها صوفيا؟ إن كانت الآنسة إليوت متورطة في الأمر، فالشخص الذي صنع لها دواء منع الحمل قد يكون هو نفسه من صنع السم.”
“الأمر صعب، فالقنينة شائعة وكل أدوية الهِلد تحمل نقشًا. وشعب الهِلد كثيرون في العاصمة.”
هزت إيف رأسها.
“وقد يكون هناك هِلديون يصنعون الأدوية دون أن يمتلكوا صيدلية.”
“صحيح مثل السيدة غيلميما.”
وافقت إيف.
“إذن ماذا نفعل؟”
تبادلت هانا نظراتها بينهما بملامح محبطة.
“لا خيار سوى انتظار تحقيق الشرطة.”
راهنت سيريت على الشرطة.
فحادثة الاعتداء على دوقة فريكتويستر ليست أمرًا بسيطًا.
تنهدت بقلق.
***
في الليل، كانت سيريت تتقلب في سريرها.
لم تستطع النوم.
امتلأ رأسها بأفكار عن صوفيا، وعن الشخص الذي هاجمها.
وفكرت في يوان الذي بقي معها يومين يعتني بها.
“أتدرين كم كان مخيفًا؟ عيونه… يا الهي، كانت مثل سلاح قاتل! شعرت أنني سأختنق!”
تذكرت كلام هانا فضحكت سيريت.
كانت هانا تقلد يوان يوم عودتهما، وقد اتسعت عيناها بطريقة مضحكة جدًا.
حتى إن سيريت رغبت لو أن يوان يرى ذلك بعينيه.
“…لا أشعر بالنعاس.”
وقفت سيريت من السرير.
قررت أن تكتب في مذكرتها لترتيب أفكارها.
جلست على طاولة الشاي وفتحت قارورة الحبر.
لكن فجأة—
انفتح الباب بقوة، ودخل يوان.
“سمو الدوق؟”
رفعت سيريت نظرها نحو الباب المفاجئ،
فاصطدمت يدها بقارورة الحبر فسقطت على الأرض،
وانسكب الحبر بغزارة، ملوِّنًا الأرضية بالأسود.
“لقد افزعتني.”
وضعت سيريت يدها على صدرها وهي تنظر إلى يوان القادم بخطوات واسعة.
ارتسم الاستغراب في عينيها.
كان وضع يوان غريبًا.
شعره كان فوضويًا،
وجذعه عارٍ، لا يرتدي سوى بنطاله،
وكان حافي القدمين.
كان في حالة لا يخرج بها من غرفة نومه أبدًا.
لقد صُدمت سيريت—هذا الرجل لا يخرج من غرفته إلا بكامل أناقته المعهودة.
“يوان.”
وقفت سيريت مندهشة.
كان يوان بملامح شاردة، وعيناه ترتجفان بطريقة غير مستقرة.
لم تر يوان منزعجًا ومبعثرًا إلى هذا الحد في حياتها.
اقترب منها في لحظة وعانقها بقوة.
دفعتها القوة للجلوس مجددًا على الكرسي.
“سيريت.”
لامس نفس يوان الساخن عنقها.
حتى أنفاسه لم تكن مستقرة.
وكادت سيريت، دون وعي، أن تربت على ظهره.
لكنها تذكرت سريعًا أن علاقتهما لا تسمح بهذه الحميمية،
فدفعت يوان بعيدًا.
“ما الذي تفعله؟”
لكنه لم يبتعد.
كلما دفعته ازداد تمسكًا بها.
“اتركني الآن.”
حاولت جاهدة الفكاك من ذراعيه.
كان يعانقها بقوة تكتم أنفاسها—بدا وكأنه ليس في وعيه.
“في الحلم….”
تلاشى صوته.
وكانت الرهبة واضحة فيه.
عادت القوة تنهار من جسد سيريت.
“أهو حلم مجددًا؟”
لا تصدق أن مجرد حلم يمكن أن يسحق هذا الرجل إلى هذا الحد.
التعليقات لهذا الفصل " 64"