قراءة ممتعة~~~
الفصل الثالث والستين
عند سماع أنيتا كلام ليديا وهي تصف الدوقة بأنها شخص “ثمين”، رمشت ببطء.
أليست تلك الإنسانة التي تكرهها أكثر من أي أحد في العالم؟
“عذرًا؟”
“سيريت هي امرأة ثمينة جدًا ستنجب لي وليوان طفلًا. ومع ذلك أنتِ آذيتِ سيريت.”
نظرة ليديا المفعمة بالانزعاج وقعت على وجه أنيتا.
حقًا، أنيتا لا تُحسن أبدًا التعامل مع الأمور.
بما أنني لا أستطيع إنجاب الأطفال، يجب أن تنجب سيريت طفل يوان.
كيف تجرؤين على إيذاء امرأة مثلها. يا لكِ من غبية يا أنيتا.
ثم ماذا لو ماتت سيريت وتزوج يوان امرأة أخرى مرة ثانية.
أتريدين مني أن أشاهد ذلك المشهد مرة أخرى؟
ارتجفت ليديا بجسدها لمجرد تفكيرها بهذه الفكرة الفضيعة.
ماذا عساي أفعل بهذه الغبية أنيتا. نظرت إليها ليديا بعينين باردتين.
عند ردّة فعل ليديا، شحُب وجه أنيتا تمامًا وانحنت ملتصقة بالأرض عند قدميها.
“لقد أخطأت، يا صاحبة السمو الأميرة.”
“أنيتا.”
“لقد ارتكبتُ خطيئة تستحق الموت.”
“ارفعي رأسك.”
قالتها ليديا بصوت بارد، وهي تنظر إلى أنيتا التي كانت ترتجف وتتوسل.
رفعت أنيتا رأسها ونظرت إلى ليديا بعينين مملوءتين بالدموع.
“بما أنكِ آذيتِ الدوقة، فلن تفلتي من الموت.”
“يا… يا… يا صاحبة السمو الأميرة.”
ارتجف جسد أنيتا بقوة.
وبتعبير يستجدي الحياة، راحت تنظر إلى ليديا بتوسل شديد. كانت خائفة من أن ليديا تنوي التخلّي عنها.
“لكن لا تقلقي، طالما أنا هانا. يمكننا أن نجعل شخصًا آخر هو الجاني.”
“سمو الأميرة…”
عند كلمات ليديا التالية، انهمرت دموع أنيتا.
كانت دموعًا مختلطةً بين الارتياح والخوف.
انحنت ليديا وجلست أمام أنيتا، لتكون في مستوى نظرها.
أمسكت ليديا بذقن أنيتا، وقالت بصوت لطيف.
“أنا من أنقذك. بما أنني أنا من أبقيتك حيّة، فأنتِ مدينة لي بحياتك.”
“…….”
“لذلك عليكِ أن تبقي مخلصة لي مدى حياتك، يا أنيتا.”
ابتسمت ليديا بوجه يشبه وجه ملاك.
***
استيقظت سيريت من النوم وهي تشعر بصداع.
كان وعيها مشوشًا وهي تحدق في السقف بلا حراك، حين وصلها صوت يوان الجاف.
“سيريت.”
أدارت سيريت رأسها نحو مصدر الصوت.
والتقت عيناها بعيني يوان الجالس على الكرسي بوجه متصلّب.
لماذا يتخذ هذا الرجل ذلك التعبير على وجهه.
هل فعلتُ شيئًا خاطئًا مرة أخرى. ما الأمر، ما الذي أخطأتُ فيه هذه المرة.
هل غضب لأني أزعجه كل يوم أرجوه أن أرى الطفل.
انكمشت سيريت قليلًا أمام وجه يوان المتجمد.
وبينما كانت تعدّد أخطاءها في رأسها، عاد صوت يوان من جديد.
“هل أنتِ بخير؟”
كان في صوته، لسبب ما، شيء من القلق، مما أثار استغراب سيريت.
لا يعقل أن يقلق عليّ. إنه ليس من ذلك النوع من الأشخاص.
ثم فجأة، انتفض وعي سيريت.
الآن ليست حياتها السابقة، بل الحياة الجديدة التي مُنحت لها.
ماتت صوفيا، وذهبت هي إلى منطقة فيرون، وهناك…
وأثناء تتبّعها للذكريات، تذكرت سيريت اللحظة الأخيرة وهي تمسك بالقنينة، وتنهدت.
لقد ضرب أحدهم رأسها.
وبسبب ذلك فقدت وعيها بالكامل.
من الذي تجرأ على…
قطّبت سيريت جبينها من تدفّق الذكريات، وهمّت أن تنهض.
عندها أسرع يوان وأسنَد سيريت، مساعدًا إياها على الجلوس.
بسبب لطفه هذا، نظرت إليه سيريت بوجه مرتبك.
“سمو الدوق.”
“هل أنتِ في وعيك؟ ما الذي كنتِ تفكرين فيه عندما ذهبتِ إلى مكان كهذا!”
رفع يوان صوته بوجه متجمد.
كان غاضبًا من تهورها.
لماذا تذهب إلى مكان خطير إلى هذه الدرجة دون أي خوف، لتُقلق الناس عليها بهذا الشكل.
“…كان لديّ عمل هناك.”
ارتجفت سيريت أمام غضبه.
لم يكن يوان من النوع الذي يرفع صوته كثيرًا عادةً.
لم ترى يوان يغضب بهذه الطريقة من قبل، سواءًا في في حياتها السابقة أو في هذه الحياة،
لذا أصابها التوتر دون إرادة منها.
“لماذا ذهبتِ إلى هناك أصلًا؟ لماذا تذهبين لتصلي إلى هذه الحال؟”
“كانت هناك خادمة تعمل في الدوقية، وقد ماتت في ذلك المكان. شعرت بالشفقة عليها… وأردت أن أعرف من الذي فعل بها ذلك.”
“تذهبين إلى مكان خطير كهذا بدافع شفقة تافهة؟ لماذا أنتِ متهورة لهذه الدرجة؟”
“شفقة تافهة؟ أهذا يبدو لك شفقة تافهة؟ أنت لا تعرف أي شيء.”
اشتعل غضب سيريت من تعبيره.
وهو لا يعرف شيئًا عن معنى خوف الموت.
حدقت به بغضب لأنه وصف مشاعرها بأنها “شفقة تافهة”.
إنه شخص لا يرى سوى نفسه.
لا يمكن لشخص مثله أن يفهم مثل هذه المشاعر.
“نعم، لا أعرف شيئًا. لا أعرف ما يدور في رأسك، ولا ما في قلبك. ألا يمكنك فقط أن تبقي ساكنة؟”
كان يوان في غاية الضيق.
الأحلام المتكررة وحدها تكفي لتدفعه إلى الجنون،
وفي كل مرة تتعرض فيها سيريت للأذى هكذا، يشعر حقًا بأنه سيفقد عقله.
“تقصد أن أبقى جالسة بهدوء في المنزل، مثل دوقة فريكتوستر اللائقة، لا أفعل شيئًا سوى شرب الشاي وقراءة الكتب؟”
“هل هذا صعب إلى هذه الدرجة؟ هل أطلب الكثير؟”
“في السابق كنتَ تعاملني كقطعة أثاث. والآن أنا ماذا، كلب حراسة للمنزل؟ أظن أن هذا يُفترض أن يكون طوقًا إذًا.”
أمسكت سيريت عقد اللؤلؤ المعلّق في عنقها.
أغضبها أن يطلب منها أن تبقى ساكنة.
أزعجها أن يوان يريد أن يحركها كما يشاء.
“لو كان الأمر بيدي، نعم.”
انتقلت نظرة يوان الباردة من وجه سيريت إلى جهة كاحليها تحت الغطاء.
وبينما يحدق هناك، واصل كلامه:
“أرغب في أن أقيّدكِ وإن لم يكن بطوق، فعلى الأقل بأغلال.”
“من الأفضل أن تتخلى عن فكرة التصرف بي كما يحلو لك. سيريرث إينوهاتَر ليست قطعة أثاث ولا كلب حراسة.”
“إنها سيريت فريكتويستر. هذا هو اسم زوجتي.”
صحّح يوان كلماتها بنبرة واضحة.
من الآن فصاعدًا، اللقب الوحيد الذي يمكن أن يلحق باسمها هو “فريكتويستر”.
عند تلك الكلمات، أطلقت سيريت ضحكة قصيرة ساخرة.
الآن فقط بدأت تفهم لماذا هو غاضب إلى هذا الحد.
لو شاع الخبر بأن دوقة فريكتوستر كانت تتجول في الأحياء الفقيرة وتعرضت لاعتداء، فسيكون ذلك عارًا على بيت فريكتويستر، ولهذا هو غاضب هكذا.
“…صحيح. يجدر بي إذًا الاعتذار. لقد لوّثتُ اسم فريكتويستر.”
نظرت سيريت إلى يوان بوجه مائل قليلًا.
“لماذا تقولين هذا الآن بالذات؟!”
اشتعل غضب يوان من كلمات سيريت.
ترمي شخصًا في الجحيم، ثم كل ما تجدينه لتقوليه هو أنكِ تعتذرين لأنكِ لطختِ اسم العائلة؟
على ما يبدو، هذه المرأة تملك موهبة في دفع الناس إلى الجنون.
“لأن هذا هو سبب غضبك إلى هذه الدرجة. لأن اسم فريكتويستر قد تلطخ، ولهذا أنت غاضب.”
“ليس هذا السبب.”
“ليس كذلك؟”
نظرت إليه سيريت بوجه لا يصدق.
“ماذا تظنينني؟”
لفظ يوان كلماته وكأنه يعضّ عليها.
وكان الغضب واضحًا تمامًا على وجهه.
أمسك بكتفي سيريت من الجانبين وجعل عينيها تلتقي بعينيه.
حدقت عينا سيريت الزرقاوان مباشرة في عينيه.
“إذًا تعني أنك تقلق عليّ أنا، لا على اسم العائلة؟”
“ألا يمكن أن تفهمي ذلك بمجرد النظر إليّ؟”
كانت عيني يوان المحتقنتين بالدم، تلمع بشيء أقرب إلى الدموع.
واشتدت قبضته على كتفيها.
رأت سيريت في تعابيره شيئًا يشبه الصدق، فاهتز قلبها.
هل كان حقًا قلقًا عليها؟ حقًا؟
بسبب ملامح يوان، لان قلبها قليلًا.
“…أنا آسفة. سأكون حذرة من الآن فصاعدًا.”
لهذا، في النهاية، اعتذرت هي أولًا.
فقد كانت متهورة فعلًا.
وكانت نادمة أشد الندم لأنها لم تصطحب السائق معها.
في تلك اللحظة، ضمّها يوان إلى صدره.
منذ البداية وحتى النهاية، لم تفعل يومًا ما يريده هو.
كانت تعبث بأفكاره وتتركها فوضى، حتى إنه في بعض الأحيان رغب حقًا في إبعادها عنه إلى مسافة بعيدة.
لكن مجرد تخيلها وهي تختفي عن ناظريه كان جحيمًا من نوع آخر، فكان إبقاؤها إلى جواره والتحمل أهون عليه.
“أرجوكِ… أتوسل إليكِ لا تقومي بأعمال خطيرة.”
“حسنًا.”
استسلمت سيريت بين ذراعي يوان وأومأت برأسها.
وبعد أن احتضنها يوان لبرهة، أطلق سراحها.
وما إن خرجت من بين ذراعيه، حتى لمحت سيريت هانا واقفة على مسافة، بوجه يكاد يبكي.
“هانا.”
عندما رأت سيريت أن هانا سالمة، شعرت بالراحة.
كانت قلقة من أن تتعرض هانا أيضًا لهجوم.
“سيدتي، لا تتخيلين كم كنت مرعوبة.”
اقتربت هانا بخطوات صغيرة سريعة.
وكلما تذكرت لحظة العثور على سيريت وهي ممددة على الأرض، شعرت بقشعريرة تسري في ظهرها.
“أنا بخير الآن.”
“أنا حقًا آسفة. كان يجب ألا أترككِ وحدكِ، يا سيدتي.”
شهقت هانا وهي تقول ذلك.
“أنا من قلت لكِ أن تذهبي أولًا، لا عليكِ. لا تبكي، يا هانا. أنا بخير.”
أمسكت سيريت بيد هانا وهدأت من روعها.
مسحت هانا دموعها وأومأت.
“هل قبضوا على الجاني؟”
بعد أن هدأت هانا، التفتت سيريت نحو يوان وسألت.
كانت تتساءل من الذي أوصلها إلى هذه الحال.
هل كان متشردًا في شارع فيرون هاجمها حظًا عاثرًا، أم أن الأمر من جهة ليديا؟
“لم يُقبض عليه.”
أجاب يوان بوجه خالٍ من التعبير.
لكن داخله لم يكن هادئًا أبدًا.
فقد عاد الغضب تجاه الجاني ليحرق صدره سوادًا.
“كانت هناك قنينة… آه.”
وبينما كانت تتذكر القنينة التي وجدتها بين كومة القمامة، شعرت سيريت فجأة بدوار، ورفعت يدها إلى رأسها.
“ما بكِ؟”
أحاط يوان كتفيها بسرعة، بوجه مذعور.
“مجرد دوار بسيط.”
أجابت سيريت وهي تنظر إليه.
وتشابكت نظراتها مع عينيه الرماديتين القلقتين.
شعرت سيريت أن قلقه الزائد يثقل عليها، فكانت هي من صرفت نظرها أولًا.
“احضري الطبيب كين.”
أصدر يوان أمره لهانا.
“حاضر، سيدي الدوق.”
سارعت هانا بالخروج من غرفة النوم.
“أنا بخير. لا داعي لاستدعائه.”
“قال إنه يجب أن يُستدعى عند استيقاظك. استلقي الآن.”
أعاد يوان سيريت إلى السرير.
وضع يده على جبينها ليتفقد حرارتها.
ومع لمسة يوان الحذرة، أخذت سيريت تحدق به بصمت.
وعندما التقت أعينهما، بدا على يوان تعبير مستغرب.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
“هل أنت حقًا قلق عليّ؟”
كان قلق يوان عليها شعورًا غريبًا عنها.
لم تستطع تصديقه تمامًا.
لكن تعابير يوان بدت صادقة حقًا، وهذا ما جعلها في حيرة.
“أليس ذلك أمرًا بديهيًا؟”
كان وجه يوان يقول كيف يمكن أن تسألي شيئًا كهذا؟
“هكذا إذًا.”
في الحقيقة، في حياتي السابقة لم يكن ذلك بديهيًا أبدًا.
قالت سيريت ذلك في سرّها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 63"