وقعت عينا يوان، الذي كان غاضبًا، على ملابس سيريت المتسخة بالطين.
قبض يوان يده بإحكام وأصدر أمرًا لهانا.
“يبدو أنه يجب تبديل ملابسها.”
“نعم، سأبدّلها فورًا.”
أجابت هانا وهي تشهق بالبكاء.
ربّت يوان مرة على رأس سيريت، ثم سلّم زوجته لهانا وخرج من غرفة النوم.
“سمو الدوق.”
صادف أن كبير الخدم كان يصعد الدرج، ورأى يوان خارجًا من الغرفة، فاقترب بخطوات سريعة.
قدّم يوان العصا لكبير الخدم وأمره بصوت بارد:
“اتصل بالشرطة. الدوقة تعرّضت لاعتداء.”
“نعم، سيدي.”
ارتجف كبير الخدم قليلًا وهو يأخذ العصا.
صوت الدوق، والعصا الملطخة بالدم، كانا كافيين لجعل كبير الخدم يتوتر.
وبإدراكه خطورة الوضع، أسرع كبير الخدم في النزول مجددًا.
ألقى يوان نظرة خائفة نحو غرفة سيريت.
كان يخشى فتح الباب من جديد.
شعر أنه لو فتحه، فسيرى سيريت باردة كالجليد، تمامًا كما في أحلامه.
مرّر يده على وجهه، محاولًا تهدئة نفسه.
هذا ليس حلمًا.
سيريت ستكون بخير.
بعد أن هدّأ نفسه بصعوبة، أمسك مقبض الباب.
عندما دخل الغرفة، كانت هانا تكدح في تبديل ملابس سيريت، وما تزال تشهق ببكاء غير متوقف.
لم يستطع يوان الوقوف دون حراك، فاقترب لمساعدتها، لكنه توقف فجأة.
صحيح أن سيريت زوجته… لكن ليس إلى درجة أن يقوم هو بتبديل ملابسها.
من فوق كتف هانا، ظهر جلد سيريت الأبيض.
شعر يوان بالاختناق فسعل بخفة وتراجع.
وبينما كان يدير ظهره قليلًا، وصلته كلمات هانا.
“انتهيت يا سمو الدوق.”
استدار يوان مجددًا ونظر إلى سيريت.
رؤيتها مستلقية بوجه شاحب جعل قلبه يتمزق.
من الذي تجرأ على إيذاء هذه المرأة…
وقعت عيناه على شرشف السرير المتسخ.
لم يستطع تركها على سرير بهذه الحالة، فحمل سيريت بين ذراعيه وخرج من الغرفة.
وبينما كانت بين ذراعيه، ظل يوان يلمح وجهها الصغير.
نظراته الحزينة تنقلت على ملامحها.
على عظم خدها كان هناك خدش، من أثر سقوطها.
الخدش الأحمر بدا بارزًا جدًا على بشرتها البيضاء، مما جعل قلبه ينقبض ألمًا.
كمية الدم على العصا كانت قليلة.
لذا لا بد أن سيريت قد فقدت وعيها فقط.
لكن… لماذا يشعر بكل هذا القلق؟
ابتلع يوان قلقه ودخل غرفة نومه.
وضع سيريت على السرير وغطّاها بعناية.
جلس يوان على طرف السرير، ومرر يده فوق رأسها، ثم أمسك بيدها.
قبّل يدها، بينما كان عليه أن يتحمل وحده هذا الوقت الفظيع.
***
بعد قليل، وصل الطبيب كين.
ودخل غرفة النوم، وبدا القلق واضحًا في عيني يوان.
“سيدي الدوق، سمعت أن الدوقة أصيبت.”
قدّم كين التحية، لكن يوان لم يكن لديه وقت للرد.
“ابدأ الفحص بسرعة…”
قالها يوان بصوت عاجل وهو ينظر نحو سيريت.
“نعم، سيدي.”
اقترب كين بوجه متوتر قليلًا.
“تعرضت لهجوم من معتدي. هناك إصابة في الرأس.”
عندما شرح يوان الحالة، اتسعت عينا كين بدهشة.
تنهّد قليلًا، ثم بدأ بفحص سيريت.
وحين انتهى الطبيب ووقف، سأل يوان على الفور:
“ما حالتها؟”
“الإصابة ليست عميقة. ولا تحتاج إلى غرز أيضًا. سنحتاج انتظار استيقاظها لمعرفة المزيد، ولكن كلًا من نبض القلب وردة فعل الحدقة طبيعي.”
“هذا مطمئن.”
تنفّس يوان الصعداء ومسح وجهه.
واتجهت عيناه نحو سيريت النائمة.
“سأعالج الجرح، وأبقى في القصر حتى تستيقظ.”
“افعل هذا رجاءًا.”
هزّ يوان رأسه.
في تلك اللحظة، دخل أحد الخدم بتردد.
نظر إليه يوان، ففتح الخادم فمه وقال:
“سيدي الدوق، الشرطة وصلت. هم في غرفة الاستقبال.”
أومأ يوان، وأمر هانا بالذهاب معه.
شهادة هانا كانت ضرورية.
وخرج من الغرفة ونزل الدرج، وكل خطوة كان يخطوها مشبعة بالغضب.
كل خطوة كانت تزيد النار في جسده.
دخل يوان غرفة الاستقبال بوجه متجمّد.
ولأن القضية كانت تتعلق باعتداء على الدوقة، فقد حضر رئيس شرطة العاصمة نفسه.
تبادل يوان التحية معهم، ثم أشار إلى هانا.
“هذه الخادمة التي كانت مع زوجتي.”
تجمّدت أنظار الشرطة عليها دفعة واحدة.
ابتلعت هانا ريقها بشدة، وضمّت يديها المرتجفتين.
كانت تردد في داخلها أنها يجب أن تكون ثابتة لتساعد في القبض على من آذى سيدتها،
لكن يداها لم تكفّا عن الارتجاف.
“ابدأوا التحقيق.”
جلس يوان على مقعد فردي، ينظر إليهم مباشرة.
وعلى وجهه ظهر بوضوح أنه سيشاهد كل خطوة.
تجمّد رجال الشرطة تحت نظرته.
لم يكن مجرد تكليف بالقضية ما يشكل ضغطًا عليهم…
وإنما أيضًا طريقة يوان في النظر إليهم.
“اشرحي لنا الوضع بالتفصيل.”
قال أحد الشرطة وهو ينظر إلى هانا.
“أ… هذا…”
بدأت هانا تروي ما حدث ببطء.
استمع رجال الشرطة بوجوه متصلّبة.
ثم قال محقق منهم وهو يميل برأسه.
“إذًا تقولين إنكما ذهبتما إلى منطقة فيرون بسبب قضية الخادمة صوفيا؟”
“نعم.”
أجابت هانا وهي تنظر خلسة إلى يوان.
سيريت طلبت منها ألا تذكر شيئًا يتعلق بليديا، فحذفت ذلك الجزء، وهذا جعلها تشعر بالخوف من رد فعل الدوق.
“يبدو أن الدوقة كانت تهتم بهذه الخادمة كثيرًا، لدرجة أنها ذهبت بنفسها إلى هناك.”
“أ… نعم. لأن لصوفيا إخوة صغار، فكانت آنستي أقصد سيدتي تهتم بهم كثيرًا.”
قالتها بسرعة بينما تشعر بنظرات يوان تثبت عليها.
“هل تعتقدون أن وفاة تلك الخادمة لها علاقة بالإعتداء على زوجتي؟”
توجّهت نظرة يوان الحادة نحو الشرطي.
“قبل قليل، وصلت رسالة انتحار إلى منزل صوفيا. وتقول إنها تعبت من العناية بإخوتها بعد وفاة والدها. تحققنا من خط اليد، وأكّد إخوتها وأصدقاؤها ذلك. يبدو أن القضية ستُغلق على أنها انتحار.”
كان الشرطي يلمح بأن القضيتين غير مرتبطتين.
“لكن… هذا ليس…”
فتحت هانا فمها وكأن لديها ما تقوله، ثم أغلقت فمها بخوف.
نظر إليها يوان باستغراب،
لكن الشرطي واصل حديثه فحوّل انتباهه إليه.
“على الأرجح كان الدافع السرقة. فيرون منطقة خطرة، وذهاب الدوقة إلى هناك يجعلها هدفًا سهلًا للمجرمين.”
“تقول إن الأمر مجرد سرقة؟”
“في فيرون تحدث أمور كهذه عدة مرات كل يوم. حتى الآن، ربما هناك شخص يُضرَب أو يُسرَق.”
كانوا يعتبرون فيرون مكانًا مليئًا بالمجرمين،
ولذلك لم تكن الحوادث هناك تُعتبر قضايا إلا إذا مات شخص.
ولو لم تكن الضحية دوقة، لما اهتم أحد.
“عندما أسمع كلامك يبدو كأن ما حدث لزوجتي ليس أمرًا مهمًا.”
كان صوت يوان هادئًا لكن وجهه كان جليديًا.
“لأنها ذهبت إلى شارع فيرون.”
أجاب الشرطي دون أن ينتبه لبرودة وجه يوان.
“أفهم أنكم تلقون اللوم على ذهاب زوجتي هناك.”
“لو لم تذهب لما حدث شيء.”
قالها الشرطي بكل غباء، فركله رئيس الشرطة بركبته بخفة وقد اتسعت عيناه رعبًا.
“جيد. بما أن الشرطة لا نية لها في التحقيق بجدية، فسأطلب من جلالته الإمبراطور سلطة تحقيق خاصة.”
وقف يوان ببطء، دون أن يرفع عينيه عن الشرطة.
كانت سلطة التحقيق الخاصة حقًّا يمنح للنبلاء،
وإن وافق الإمبراطور، يحصل النبيل على صلاحيات تتجاوز الشرطة إلى سلطة القاضي نفسه.
ولأن هذا الحق يُساء استخدامه كثيرًا، نادرًا ما يُمنح.
لكن بما أن يوان هو دوق فريكتويستر… فالحصول عليها لن يستغرق ساعة.
“لا! هذا ليس ما قصدناه أبدًا. سوف نحقق بدقة شديدة!”
صرخ رئيس الشرطة في ذعر عندما سمع عبارة “سلطة تحقيق خاصة”.
فمجرد تقديم طلب كهذا يعني أن الشرطة “غير جديرة بالثقة”،
ويتحول الأمر إلى فضيحة رسمية.
نظر يوان إلى الشرطة من فوقهم.
“أحضروا لي الجاني واجعلوه يجثو على ركبته أمامي.”
قال يون وهو ينظر اليهم بنظراته الحادة كالشفرة،
حتى أن الشرطة خفّضوا رؤوسهم فورًا، عاجزين عن مواجهة عينيه.
“ولا أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، بما أنكم أكفاء.”
قالها وكأنه يتحداهم لإثبات كفاءتهم،
ثم خرج من غرفة الاستقبال.
تنهد يوان بعمق في الردهة.
من آذى زوجتي…
سواء كان رجلًا أو امرأة، نبيلًا أو وضيعًا—
حتى لو كان حاكمًا—
سيدفع الثمن.
اشتعلت العينان الرماديتان بغضب لا يهدأ.
***
ارتجف جسد أنيتا برقة.
كانت تنتظر ليديا وحدها في غرفة فارغة،
والخوف الذي لم تستطع تحمله ملأ معدتها بالغثيان.
ماذا لو ماتت الدوقة؟
ماذا لو رآني أحد؟
كانت تشعر أن الشرطة ستقتحم المكان في أي لحظة لتأخذها.
عندها فُتح الباب، ودخلت ليديا.
كانت قد عادت لتوها بعد احتساء الشاي مع الإمبراطور،
وبدت عليها الحيرة وهي تقترب من أنيتا.
“أنيتا، أين القنينة؟”
“استرجعتها.”
قالت أنيتا وهي تنظر إلى ليديا.
“لو أنك تعاملتِ معها جيدًا من البداية، لما احتجتِ الذهاب مرتين.”
تنهدت ليديا بصوت خفيف وجلست على الأريكة بجلوس مترهل.
“أ… يا صاحبة السمو الأميرة.”
نادت أنيتا، بوجه مرتعد.
رفعت ليديا عينيها عنها، وهي تقلّب مجلة بملل.
أومأت لها لتتحدث، فابتلعت أنيتا ريقها وبدأت الكلام ببطء.
“عندما كنت أسترجع القنينة قابلتُ الدوقة فريكتويستر.”
“…ماذا؟”
أغلقت ليديا المجلة وجلست مستقيمة.
الجميع يعرف أن أنيتا هي خادمتها… وبالطبع سيريت تعرف ذلك أيضًا.
“وبعد ذلك؟ ماذا حصل؟”
حثّتها ليديا بنبرة متضايقة، كأنها تقول أسرعي وتكلمي.
أخذت أنيتا تشرح وهي تنظر إلى ليديا بحذر.
وعند انتهائها، تنهدت ليديا ووضعَت يدها على جبينها،
التعليقات لهذا الفصل " 62"