قراءة ممتعة~~~
الفصل الستين
“اصنعي لي سمًا قويًا.”
لم تكن ليديا تريد دواءً لعلاج العقم. كانت تحتاج إلى سم قوي جدًا، سم يقدر على قطع الحياة فورًا.
“وفي ماذا ستستخدمينه؟”
فزعت نونوكي ورفّت عيناها بسرعة. كان قلبها يخفق بقوة لرؤية ليديا—ذلك الوجه الملائكي—وهي تطلب السم بهدوء.
كانت ليديا تحمل دومًا منذ طفولتها لمحة خفية من القسوة. وكانت أمّها تقلق لأن ليديا بدت تنظر إلى الحياة وكأنها شيء زهيد لا قيمة له.
وكانت كثيرًا ما تخشى أن تصاب ليديا يومًا بالجنون، مثل جدتها لأمها.
“فقط أظن أنني قد أحتاجه.”
ابتسمت ليديا ابتسامة رقيقة. لقد وجدت أخيرًا مكانًا ستستخدمه فيه.
“أنتِ لا تفكرين في فعل شيء سيء، صحيح؟”
“نونوكي، هل تعتقدين أنني سأشرب السم وأنهي حياتي بنفسي؟”
انفجرت ليديا ضاحكة عند نظرة القلق في عيني نونوكي.
نونوكي حقًا لا تعرفني جيدًا.
مسحت ليديا دموع الضحك التي تجمّعت عند زاويتي عينيها، ثم نظرت إلى وجه نونوكي القلِق.
“ولماذا أموت؟ لن أموت لأجل شيء مثل هذا.”
“بالطبع. وما المشكلة إن لم تستطيعي إنجاب طفل.”
أمسكت نونوكي بيد ليديا. كانت يد ليديا الباردة تبعث قشعريرة مخيفة، مما جعل ابتسامة نونوكي ترتبك.
“شخص آخر يمكن أن ينجب الطفل.”
سحبت ليديا يدها من يد نونوكي. كان هناك شخص يمكنه أن ينجب الطفل. سيريـت إينوهاتَر. شخص كانت تظنه عديم الفائدة، لكنه اتضح أنه مفيد جدًا.
“والتبنّي خيار جيد أيضًا. بالطبع، يا ملاكي.”
ولأنها لم تدرك نوايا ليديا الحقيقية، ظلّت نونوكي تهز رأسها بحماسة لتُرضيها.
“نونوكي، لن أموت. لذا اصنعي لي السم. أحتاجه.”
حثّت ليديا عليها.
“السم خطير يا ملاكي. لا يمكنني إعطاءه لكِ بهذه السهولة.”
ظهرت الحيرة على وجه نونوكي. كانت تتلقى طلبات سرّية من نبلاء يريدون السم أحيانًا، لكنها لم تكن تلبّيها.
فالسم خطير جدًا، ولا ينبغي التعامل معه باستهانة. ولم تكن لتضع شيئًا كهذا بين يدي ليديا.
“أنا أصبحت هكذا جزئيًا بسببك يا نونوكي. عليك أن تتحمّلي المسؤولية. وإلا قد أبدأ بكرهك.”
كان صوت ليديا باردًا. وكان وجهها الخالي من أي تعبير يبدو كدمية خزفية باردة.
ارتعشت نونوكي. فقد كان الصوت لطيفًا، لكنه تهديد صريح. رسالة واضحة مفادها إنها إن لم تعطيها السم فلن يمرّ الأمر بسلام.
“في ماذا ستستخدمينه؟ لا أستطيع إعطاءه لك قبل أن تقولي لي.”
تجرأت نونوكي وسألت، رغم كلمات ليديا.
“سأحتفظ به فقط. الآن اصنعيه بسرعة.”
“لقد وعدتِ. يجب أن تكتفي بالاحتفاظ به فقط.”
“نعم.”
“انتظري قليلًا.”
وقفت نونوكي بوجه غير راضٍ، وجمعت الأعشاب والمواد وعادت إلى الطاولة الكبيرة، وبدأت في تحضير السم.
وطوال تحضيرها، لم يزُل ذلك الانقباض في صدرها.
لكنها حاولت جاهده أن تثق بليديا، وأكملت صنع السم.
“هل انتهيتِ؟”
اقتربت ليديا من الطاولة.
“نعم.”
وضعت نونوكي السم المُحضّر داخل قنّينة.
ومدّت يدها لتعطيها لليديا… ثم توقّفت يدها في منتصف الطريق.
كان عليها أن تسلّمها اياها ولكن قلبها لم يهدأ.
“أعطيني إياه.”
مدّت ليديا يدها نحو نونوكي، ووجهها مفعم بالفرحة كطفلة حصلت أخيرًا على لعبتها الثمينة.
“عليكِ أن تلتزمي بوعدك.”
سلمت نونوكي القنينة على مضض، وقالت بقلق شديد.
“لا تقلقي.”
أجابت ليديا بملل.
وبعد أن تبادلتا التحية، خرجت ليديا من الصيدلية.
كانت أنيتا تنتظر أمام الباب، فتقدمت فورًا.
“أنيتا.”
حين ناولتها ليديا قنينة السم، أخذتها أنيتا بحذر.
“لنُنهي الأمر. بشكل نظيف.”
ابتسمت ليديا لها بملامح ملاك.
***
“سيدتي! سيدتي!”
اندفعت هانا إلى غرفة النوم، وجهها شاحب كالجص.
كانت سيريت تقرأ، ففزعت من ملامح الرعب على وجه هانا، ووضعت الكتاب على الطاولة بسرعة.
“ما الأمر؟ ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟”
وقفت سيريت واقتربت بسرعة من هانا، تتفحص وجهها.
“ص-صوفيا… صوفيا…”
كان صوت هانا يرتجف حتى بالكاد خرجت الكلمات.
“صوفيا؟ ما بها صوفيا؟”
“لقد… ماتت.”
“ماذا؟”
اتّسعت عينا سيريت من الصدمة.
ما الذي تقوله؟
صوفيا… ماتت؟
بالأمس قالت إنها ستذهب لمقابلة من أعطاها الدواء…
ارتبك تنفس سيريت من هول الصدمة.
“يبدو أنها لم تعد إلى المنزل ليلة أمس. وُجدت الجثة مساء الأمس، لكن هويتها لم تُؤكَّد إلا هذا الصباح. والشرطة في الردهة الآن.”
عند سماع ذلك، غادرت سيريت الغرفة فورًا.
نزلت السلالم بسرعة، وتقدمت نحو رجال الشرطة الواقفِين مع كبير الخدم. وما إن رأوها حتى حَيَّوها باحترام.
“سيدتي الدوقة.”
“سمعت بأن خادمة من خدم الدوق قد ماتت. هل هذا صحيح؟”
سألت سيريت بصوت ثابت وهي تنظر إلى الشرطي.
كان صوتها هادئًا… لكن قلبها كان يخفق بقوة مخيفة.
هل ماتت أثناء محاولتها كشف حقيقة الدواء؟
“نعم. وُجدت خادمة تُدعى صوفيا في منطقة فيرون. هناك آثار تدل على ابتلاع سم، لذا لم نتأكد بعد إن كان الأمر قتلًا أم انتحارًا.”
“سم؟”
فقد وجه سيريت لونه.
فور سماع كلمة “سم”، انفجرت ذكريات حياتها السابقة في رأسها.
وبنفس اللحظة، أدركت—هذا من فعل ليديا.
هل قتلتها لأنها كادت تكشف من أعطاها الدواء؟
“سيدتي. أيمكن…”
اهتزت عينا هانا، تفكر بالشيء نفسه.
“الفاعل… ما زال مجهول، صحيح؟”
سألت سيريت وهي تحاول السيطرة على ارتجاف قلبها.
“نعم، لا يزال التحقيق جاريًا. سنبلغكم فور معرفة الفاعل.”
قال الضابط باحترام.
“كنا على وشك اصطحابهم لرؤية غرفة صوفيا.”
نظر كبير الخدم إلى سيريت، فتنحّت قليلًا وهزت رأسها.
“تعاونوا معهم بالكامل.”
“نعم، سيدتي.”
أجاب كبير الخدم وقاد الشرطة نحو غرفة صوفيا.
وما إن ابتعدوا، حتى بدأت هانا تدور في مكانها بقلق.
“أيمكن أن تكون الآنسة إليوت هي من فعلت هذا؟ ”
“هانا، ششش.”
نظرت سيريت حولها بخوف من أن يسمعهما أحد، وأسكتت هانا.
كان تفكير سيريت يشبه تفكير هانا، لكنها لم تكن تملك أي يقين بعد. لم يكن هناك دليل واضح، ولم يكن بإمكانها الاندفاع دون دليل.
عادت سيريت إلى غرفة النوم وجلست على الأريكة بوجه شاحب مذهول.
جاءت إيف حين سمعت الخبر، وجلست أمام سيريت بوجه مصدوم.
“لا يمكن أن تكون انتحرت. كانت تحب إخوتها بجنون… لا يمكن أن تتركهم وتموت هكذا.”
هزت هانا رأسها بقوة.
“أنا أيضًا أعتقد ذلك.”
وافقتها سيريت.
صوفيا—التي كانت بمثابة ربّة الأسرة—لن تنتحر.
ولأنها قالت بالأمس إنها ستذهب لمقابلة الشخص الذي أعطاها الدواء، كان من الواضح أن يد ليديا هي التي امتدت إلى الأمر.
شعرت سيريت بثقل في صدرها، وكأنها هي التي دفعت صوفيا إلى الهلاك.
لقد مات والدها، وقيل إن إخوتها الصغار لا يجدون ما يكفي ليأكلوه.
لابد أن عائلتها تلقت الخبر الآن…
كم سيكون وقع ذلك عليهم.
فكّرت سيريت في صوفيا، وشعرت وكأن صدرها ينغلق تمامًا، فنهضت من مكانها.
“لماذا؟ يا سيدتي، إلى أين ستذهبين؟”
“أريد أن أذهب إلى منطقة فيرون حيث عُثر على صوفيا.”
أجابت سيريت على سؤال هانا.
“إلى هناك؟”
“نعم، أريد أن أذهب وأرى المكان. ربما أجد شاهدًا ما. لا أستطيع الجلوس مكتوفة اليدين.”
“إذًا سأذهب معكِ.”
“لا، سأذهب مع هانا. إيف، هناك مكان آخر أريدك أن تذهبي إليه.”
“أين؟”
سألت إيف وهي تنظر إلى سيريت.
قالت سيريت أن تنتظر قليلًا، ثم توجهت نحو الخزنة.
أخرجت المال من الخزنة ومدّته إلى إيف.
“اذهبي إلى منزل صوفيا ووصّلي لهم هذا.”
“حسنًا، اتركي هذا لي.”
أخذت إيف المال من يد سيريت وغادرت غرفة النوم.
“هانا، لنذهب نحن إلى منطقة فيرون.”
“نعم، يا سيدتي.”
هزّت هانا رأسها.
***
كانت منطقة فيرون من أسوأ أحياء الفقر في الإمبراطورية.
الطرقات غير مُعتنى بها، والمجاري طافحة، والقاذورات تملأ الأرض.
الجرائم تحدث باستمرار لدرجة أن السرقة أصبحت أمرًا عاديًا.
وكل خبر عن جريمة بشعة… يكون بنسبة تسعة من عشرة وقع هنا.
طلبت سيريت من السائق الانتظار عند المدخل، ثم دخلت الأزقة مع هانا.
“قالوا إنها وُجدت في زقاق خلفي، صحيح؟”
بدت هانا متوترة وهي تنظر حولها.
“نعم.”
كانت سيريت كذلك تنظر بقلق إلى المكان.
القمامة متناثرة في كل مكان والمنازل على وشك الانهيار.
ورائحة كريهة من القمامة والمجاري جعلت سيريت تعقد حاجبيها.
عضّت شفتيها وهي تتخيّل صوفيا تموت هنا، وحيدة.
“سيدتي، أظن أنه هناك.”
أشارت هانا إلى مكان محاط بشريط الشرطة.
اتجهت سيريت معها.
كان المكان مهجورًا، والقمامة مكدّسة… وعلى الأرض بقعة كبيرة من دم داكن.
دم صوفيا بلا شك.
شعرت سيريت بدموع تشق طريقها.
والأقسى… أنها ماتت بسبب السم—تمامًا كما ماتت سيريت في حياتها السابقة.
لا تقلقي على إخوتك الآن. ارتاحي يا صوفيا.
دعَت لها سيريت في داخلها.
“سيدتي، هل نسأل تلك العجوز هناك؟ ربما رأت شيئًا. ولو حتى شخصًا مريبًا.”
نظرت سيريت إلى حيث أشارت هانا.
كانت عجوز تجلس أمام بيت، ترمش ببطء.
هزت سيريت رأسها.
“نعم، لنذهب.”
تقدمت هانا أولًا.
لكن سيريت توقفت فجأة.
رأت شيئًا بين القمامة.
قنينة.
قنينة مألوفة جدًا.
“هانا، اذهبي واسأليها أولًا.”
“حاضر، سيدتي.”
بعد أن ذهبت هانا، رفعت سيريت شريط الشرطة ودخلت.
انحنت والتقطت القنينة من بين القمامة.
كانت مألوفة حقًا.
تشبه تمامًا القنينة التي وُضع فيها دواء منع الحمل.
وعندما همّت بأن تقلب القنينة لترى إن كان عليها رمز قبيلة الهِلد في الأسفل، سمعت حركة خلفها.
عند اللحظة التي شعرت فيها بوجود أحد خلفها وحاولت أن تلتفت، ضرب ألمٌ حاد رأسَ سيريت.
كُوونغ—
ومع ذلك الصوت الثقيل، فقدت سيريت وعيها وسقطت على الأرض.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 60"