اتّسعت عينا سيريت حين فوجئت بنوع الدواء غير المتوقع.
دواء مانع للحمل؟
“دواء مانع للحمل؟”
سألت إيف مجددًا بملامح حائرة.
“إنه فعّال، ولكن من الأفضل ألا تتناوليه. فتأثير الدواء لا يُطرَح جيدًا من البطن، لذا لاحقًا، حتى لو أردتِ إنجاب طفل، قد يصبح الحمل صعبًا، أو قد يولد الطفل بصحة غير جيدة.”
لم تختفي علامات القلق من وجه السيدة غيلميما وهي تنظر إلى سيريت.
كان دواءً يضرّ الجسد فعلًا عند استخدامه طويلًا.
“هل هو فعلًا دواء صنعه شعب الهِلد؟”
“فيه عشب البوِتّ، ولا أحد يستطيع التعامل مع هذا العشب بشكل صحيح إلا الهِلد. إنه بالتأكيد دواء من صنعهم.”
أجابت غيلميما بنبرة جازمة.
“شكرًا لكِ. لقد ساعدني هذا كثيرًا.”
وقفت سيريت بابتسامة صغيرة.
خرجت سيريت من منزل غيلميما وأطلقت ضحكة قصيرة.
‘أنتِ تفعلين كل شيء فعلًا يا ليديا.’
حتى قبل أن تعرف صوفيا من الذي أمر بالأمر، كانت سيريت قد عرفت الفاعل مسبقًا.
لا بد أنها ليديا.
يوان يريد طفلًا منها، لذا لا سبب له ليُطعمها دواء مانع للحمل.
الشخص الوحيد الذي سيكره أن يرى طفلًا يولد بين سيريت ويوان… هو ليديا.
وفوق ذلك، فإن ليديا تحمل دم الهِلد، لذا استخدام أدويتهم أمر مألوف لها.
‘هل ليديا لا تعرف بعد؟ أنها لا تستطيع الإنجاب؟’
أمالت سيريت رأسها.
ألم يُخبرها يوان بخطته؟
“من الذي قد يحاول إعطاءكِ دواء مانع للحمل؟”
تساءلت إيف داخل العربة بوجه مستغرب.
“أيًا كان، فمن الواضح أنه يقوم بعمل عديم الفائدة.”
أجابت سيريت وهي تبتسم بخفة.
حتى دون الدواء، لن يُولد طفل بينها وبين يوان.
“ألا ينبغي أن نخبر سموّ الدوق؟”
“لا بأس.”
هزّت سيريت رأسها لقلق إيف.
‘لا حاجة ليعرف يوان الآن. سيعرف عندما نصل إلى المحكمة وقت الطلاق.’
العشيقة التي تُطعِم زوجة الدوق دواء مانع للحمل سرًا…
هذا موضوع تحبه مجلات الفضائح كثيرًا.
نظرت سيريت إلى القنينة في يدها.
‘حين تتكدس الأدلة هكذا، سيكون الطلاق أسهل.’
شعرت سيريت بامتنان حقيقي لليديا لأنها فعلت شيئًا كهذا.
***
كان الهواء في الحديقة مليئًا برائحة أوائل الصيف.
فراشة بيضاء رفرفت بخفة وهبطت على طاولة الشاي.
جناحاها الرقيقان كانا يهتزّان مع نسمات الهواء.
حدّقت ليديا بهدوء في الفراشة الجالسة على الطاولة.
‘يا لها من جميلة.’
ارتفاع بسيط ظهر على شفتيها.
لكن الابتسامة اختفت فورًا.
رفعت ليديا فنجان الشاي وسكبته فوق الفراشة.
أصاب الشاي الأحمر جناحي الفراشة البيضاء.
الفراشة، وقد غمرها الشاي الساخن، رفرفت بأسى قبل أن تتوقف تمامًا.
تلطخت الأجنحة البيضاء بالأحمر.
كأنها غُمرت بالدم.
“لقد ماتت. يا لها من مسكينة.”
تمتمت ليديا بوجه خالٍ من أي مشاعر.
حدّقت قليلًا، ثم قلّبت فنجان الشاي فوق الفراشة.
اختفى الجسد من أمامها، وتنهدت ليديا تنهيدة طويلة.
“هذا جزاؤك لأنكِ حُمتِ أمام عيني.”
نهضت ليديا من غير ذرة ندم على وجهها.
أسرعت أنيتا، التي كانت واقفة على بُعد، ووضعَت شالًا على كتفي ليديا.
نظرت أنيتا نحو الفنجان.
الفراشة الميتة تحته جعلت قلبها ينقبض—بؤس، ورثاء.
لقد رأت نفسها فيها.
“لنذهب إلى نونوكي.”
“نعم، يا صاحبة السمو الأميرة.”
أبعدت أنيتا عينيها ولحقت بليديا.
بعد أن غيّرت ليديا ملابسها، غادرت القصر.
وانطلقت عربتها مسافة طويلة نحو صيدلية نونوكي في أطراف العاصمة.
كانت نونوكي من شعب الهِلد، وكانت مقربة من والدة ليديا.
حتى بعد وفاتها، أبقت ليديا هذه الصلة.
كانت نونوكي تعتبر ليديا بمثابة ابنة أخت.
فهي يتيمة، وكانت تعتبر والدة ليديا عائلتها الوحيدة منذ صغرها.
ولذلك كانت ليديا كذلك عائلتها الوحيدة.
منذ أن عرضت أم ليديا طفلتها عليها، أغرمت نونوكي بتلك الطفلة الملائكية.
وعندما ماتت أمها، الشخص الوحيد الذي كانت تعتبره أسرتها، أمسكت نونوكي بيد ليديا الصغيرة وحلفت: ‘سأرعى هذه الطفلة، وأحبها مدى الحياة.’
“نونوكي.”
نادتها ليديا وهي تدخل الصيدلية.
كانت الصيدلية صغيرة، ولكن كانت الأوعية والأعشاب تملأ الجدران.
والأدوات والقوارير مبعثرة على الطاولة الكبيرة.
كان هناك نافذة كبيرة، لكن الأعشاب والأوعية حجبت الضوء، فبدا المكان معتمًا.
“ملاكي!”
ركضت نونوكي، التي كانت تطحن الأعشاب، نحو ليديا.
استقبلتها بوجه يشعّ ابتسامًا.
كانت نونوكي امرأة في منتصف العمر تظهر فيها أولى الخصلات البيضاء، لكن بشرتها السمراء الصحية جعلتها تبدو أصغر بكثير.
“نونوكي، هل كنتِ بخير؟”
“بالطبع، بالطبع. كنت بخير جدًا.”
قادتها بابتسامة نحو أنظف مكان—الأريكة.
“لقد زاد المكان فوضى عن آخر مرة.”
قالتها ليديا وهي تجلس، تتأمل المكان.
وتساءلت إن كان سيصبح نظيفًا يومًا ما.
ضحكت نونوكي خفيفًا.
“تغاضي عن هذا رجاءًا. هل أحضر لك الشاي؟”
“لا، لقد شربته مسبقًا. اجلسي يا نونوكي.”
“حاضر.”
جلست نونوكي بابتسامة أمامها.
لكن ليديا بقيت تنظر لها بصمت.
عيناها الزرقاوان الهادئتان كانتا تلمعان كالموج، محمّلتين بدموع لم تسقط.
“نونوكي.”
“نعم، يا ملاكي؟”
“أنا… لا أستطيع إنجاب الأطفال.”
التقت ليديا بعينيها.
وزال الدموع، وحلّت نظرة باردة.
‘لماذا ما زلتِ متمسكة بذلك الرجل؟’
‘لقد هددني بعجزك عن الإنجاب!’
‘لماذا لا تستطيعين ترك رجل بارد وحقير مثله؟!’
كانت كلمات والدها الإمبراطور ترنّ في أذنيها.
في البداية، لم تفهم.
بل لم تستوعب شيئًا منه.
من التي لا تستطيع الإنجاب؟
أنا؟
أنا لا أستطيع الإنجاب؟
كما أن يوان استخدم ذلك لتهديد الإمبراطور؟
آلاف علامات الاستفهام ملأت عقلها.
’يا جلالة الإمبراطور، لا أفهم ما تحاول قوله…’
هزت رأسها.
لماذا يقول لها هذا؟
“اسمعي جيدًا يا ابنتي.”
تنفس الإمبراطور بعمق وبدأ بكشف السر الذي أخفاه سنوات طويلة.
قال إن دواء الجلد الذي كانت أمها تعطيها إياه في طفولتها قد تسبب لها بالعقم.
وأن يوان عرف هذا، وهدد بفضح الأمر إن لم يُلْغي الإمبراطور الحفلة التي كانت ستقيمها.
انهارت ليديا تحت الصدمة التي سقطت عليها دفعة واحدة.
ولولا أنها جالسة، لربما سقطت أرضًا.
‘كيف يحدث هذا لي؟ لا أستطيع الإنجاب؟ هذا غير ممكن. هذا كذب.’
أنكرت، لكن كلمات الإمبراطور التالية أجبرتها على التصديق.
“ولهذا رفضك دوق فريكتويستر. رفض الزواج منك لأنك لا تستطيعين إنجاب وريث.”
‘هكذا إذن. لهذا لم يتزوجني يوان.’
ضحكت ليديا ضحكة فارغة مذهولة.
لم تستوعب أبدًا لماذا اختار يوان سيريت إينوهايتر عديمة القيمة بدلًا منها.
لكنها الآن عرفت لماذا اتخذ ذلك القرار.
‘لم يكن يوان يريد إلا طفلًا يرث اسمه. وأنا لا أستطيع منحه ذلك. فبحث عمّن يستطيع.’
وسيريت إينوهايتر كانت مجرد محظوظة.
‘إنه رجل بلا حياء، استغل ضعفك ليبتزّ أباك. يا ليديا، هو لا يستحقك.’
‘هل… هل فعل يوان حقًا ذلك؟’
امتلأت عيناها بالدموع.
كان خبر أنها لا تستطيع إنجاب طفل صدمة بحد ذاته، ولكن أن يوان استغل تلك الحقيقة لابتزاز جلالته، كان صادمًا أيضًا.
كان يوان مستعدًا لفعل أي شيء لها سابقًا.
كانت دائمًا أولويته.
‘أما الآن؟ فالسبب كله هو سيريت. سيريت أفسدت يوان.’
انهمرت دموع ليديا بمرارة وغضب.
‘يجب أن أستعيد يوان.لا يمكن أن يبقى قرب سيريت. قبل أن يزداد فساده أكثر، يجب أن أستعيده.’
رفعت ليديا نظراتها الباردة نحو نونوكي.
“ماذا تعنين أنكِ لا تستطيعين الإنجاب؟”
سألت نونوكي بدهشة.
“لأنني تناولتُ لفترة طويلة دواء علاج المرض الجلدي الذي صنعته أمي… يقولون إنني لم أعد قادرة على إنجاب طفل.”
شعرت ليديا بالحقد على أمها.
‘لماذا أعطتني دواء كهذا؟ لماذا جعلتني هكذا؟’
“هذا… مستحيل…!”
شهقت نونوكي.
“أنتِ أيضًا أحضرتِ الأعشاب يا نونوكي. أنتِ تتحملين جزءًا من المسؤولية.”
حدقت ليديا إليها بوجه خالٍ.
“أنا… أنا…”
ابتلعت نونوكي ريقها.
لمحت شرًّا خافتًا في عيني ليديا، فتوترت.
كانت ليديا في طفولتها ملاكًا، كأنها خرجت من لوحة فنية.
لهذا كانت تناديها “ملاكي”.
لكن تلك العيون المملائكية كانت تتحول أحيانًا إلى شيء مخيف—
فقط مثل الآن.
لكن سريعًا خفَّ ذلك اللمعان الحاد، وارتسمت بسمة لطيفة على شفتي ليديا.
“لن أحمّلك المسؤولية. فقد كنتِ صديقة أمي.”
أظلمت الدنيا أمام نونوكي.
تذكرت وعدها لأم ليديا بأن ترعاها.
واعتصرها الذنب.
“سأبحث عن دواء يعالج العقم. تعرفين مهاراتي يا ملاكي. ثقي بي.”
“لا أظن ذلك سينجح. أنا بالفعل لا أستطيع الإنجاب.”
هزّت ليديا كتفيها.
كان الأمر صادمًا جدًا في البداية.
لم تكن ترغب أن تصبح أمًا، لكنها كانت تكره أن الجميع يستطيع بينما هي لا.
لكنها الآن… تستطيع تقبله.
فهي أخيرًا فهمت سبب زواج يوان من سيريت.
وزال سوء الفهم.
ورغم أن يوان استخدم ضعفها ضدها—
‘فالسبب كله سيريت. إن تخلصتُ منها، سيعود إليّ.’
“نونوكي، دعي هذا جانبًا. اصنعي لي شيئًا واحدًا فقط.”
“ بالطبع. ما هو؟ ما الذي تريدينه؟ فقط قولي.”
كانت نونوكي مستعدة لصنع أي شيء للفتاة التي فقدت القدرة على الإنجاب.
“سُمًّا. سُمًّا قويًا جدًا، يُشعر من يتجرعه بالألم حتى يتلوّى، ويحرق حلقه… ثم يميته.”
تألقت العيون الزرقاء لليديا وهي تنطق بهذه الكلمات بصوتها الراقي.
التعليقات لهذا الفصل " 59"