رؤية الخادمة بخير جعلت سيريت ترتاح قليلًا. على الأقل، لم يكن يوان هو من أرسل سمًا هذه المرة.
“أقسم لكِ يا سيدتي. صدقيني. قالوا إنه غير ضار… قالوا إنه قد يحسّن العلاقة الزوجية أيضًا. وأنتِ تشربين منه منذ أكثر من عشرة أيام ولم يحصل لك شيء…”
توسلت الخادمة.
“تحسين العلاقة الزوجية؟ أي دواء هذا! وهل أطعمتي سيدتي منه لأكثر من عشرة أيام؟”
صرخت هانا مذهولة.
“سامحيني لقد أخطأت… أرجوكِ سامحيني…”
انفجرت الخادمة بالبكاء.
“كفى بكاءًا. من أعطاك هذا الدواء؟”
سألت سيريت.
“لا أعرف…”
هزّت الخادمة رأسها يائسة.
“تأخذين دواء من شخص لا تعرفينه؟ يا لكِ من متهورة. لو حصل لي شيء لكنتِ قاتلة.”
“ل- لا… لقد… أعطاني مالًا… لم أنتبه… قال إنه يخدم شخصًا مهمًا، وإنني إن فعلت ما قاله فسأحصل على الكثير من المال…”
واصلت الخادمة البكاء.
“البكاء لن ينفع. سأخبر صاحب السمو الدوق بكل شيء!”
صرخت هانا.
“أرجوكِ يا سيدتي… أحتاج المال… مات والدي فجأة، وإخوتي لا يجدون ما يأكلون، وقد نُطرد لأننا لا ندفع الإيجار…”
تنهدت سيريت وهي تنظر للفتاة المتوسلة عند قدميها.
لم تستطع فهم كيف يدفع المال الناس إلى فعل هذا.
لكنها تذكرت أنها هي نفسها تزوجت الرجل الذي قتلها—من أجل المال.
المال حقًا يجعل الناس يرتكبون الحماقات.
“ما اسمك؟”
سألت سيريت.
“صوفيا.”
رفعت صوفيا رأسها ونظرت إلى سيريت.
كان مظهرها المذعور للغاية يبدو مُرثيًا.
“حسنًا، صوفيا. سأعطيك مالًا أكثر ممّا أعطوكِ اياه.”
“…ماذا؟”
“سيدتي!”
اتجهت نظرات كلٍّ من صوفيا وهانا نحو سيريت في اللحظة نفسها.
“وفي المقابل، اكتشفي من ذاك الشخص. أي من أعطاك هذا الدواء—وما هو هذا الدواء.”
“حسنًا! حسنًا يا سيدتي!”
هزّت صوفيا رأسها بشدة.
“وعليكِ أن تخبريني بكل شيء يطلب منكِ أن تفعليه بالتفصيل.”
“ب- بالتأكيد!”
تلألأت عينا صوفيا برجاء شديد.
“لنجعل هذا الأمر بيننا فقط. انهضي الآن، يا صوفيا.”
نهضت صوفيا من مكانها، وترددت قليلًا قبل أن تتكلم.
“…كانت امرأة. الشخص الذي قابلته. كانت تغطي وجهها تقريبًا كلّه بالرداء، فلم أستطع رؤيتها جيدًا. في المرة القادمة، سأشدّ الرداء لأرى وجهها.”
“لا داعي لأن تبالغي في ذلك.”
“هناك قنينة دواء أخرى. سأجلبها أيضًا. شكرًا لكِ يا سيدتي. شكرًا جزيلًا.”
شكرت صوفيا مرارًا وخرجت من الغرفة.
“سيدتي، كيف تثقين بتلك الفتاة؟”
قالت هانا بوجه غير راضٍ عن مسامحة صوفيا.
“أنا لا أثق بصوفيا، لكنني أثق بظروفها اليائسة التي جعلتها في حاجة ماسة للمال.”
هزّت سيريت كتفيها.
“ولكن ما هو هذا الدواء أصلًا؟”
رفعت إيف القنينة من الطاولة، تتفحصها.
“من الواضح أنه ليس سمًا. لو كان كذلك، لكنت ميتة الآن.”
“قد يكون سمًا بطيئًا. سأحضر الدكتور كين.”
قالت هانا بقلق.
لكن قبل أن تتكلم سيريت، قالت إيف.
“هذا دواء من قبيلة الهِلد.”
“قبيلة الهِلد؟”
“الساحرات؟”
سألت هانا برعب.
كانت نساء قبيلة الهِلد ماهرات في التعامل مع الأعشاب، وقد دُعين في الماضي ساحرات. وبسبب كونهن قبيلة متنقّلة بارعة في استخدام السموم، كنّ حتى قبل مئة عام مصدر خوف واحتقار.
وحتى الآن، لا يزال الكثير من الناس في إيرون ينظرون بازدراء إلى أفراد قبيلة الهِلد الذين استقرّوا للعيش هناك.
“هذا هو النقش الذي يضعنه على القنينة. إنهم يعتقدون أن رسمه يجعل مفعول الدواء أقوى.”
أظهرت إيف الجزء السفلي من القنينة.
كان هناك رمز لشمس داخل مثلث.
“وكيف تعرفين كل هذا يا آنسة إيف؟”
رمشت هانا بدهشة.
“جارتنا من قبيلة الهِلد. سأخذ هذا إليها وأسألها. بالتأكيد ستعرف.”
“سأذهب معكِ يا إيف.”
نهضت سيريت من الكرسي.
***
السيدة غيلميما، التي تسكن بجوار إيف، رحّبت بهما بحرارة.
“مرّ وقت طويل، يا إيف.”
عانقت السيدة غيلميما إيف بابتسامة دافئة.
كانت عائلة البارون راسينغ تتعامل بود مع الجيران من دون النظر لطبقتهم الإجتماعية. وكانت غيلميما تحب أطفال العائلة، فازدادت الألفة بينهما.
“لم أتوقع أن ألتقي بالدوقة فريكتويستر.”
قالت غيلميما بنبرة متوترة قليلًا وهي تنظر إلى سيريت.
“تشرفت بلقائكِ. أعتذر لقدومنا دون اتصال مسبق.”
“من يحتاجني مرحب به دائمًا.”
ضحكت ضحكة خفيفة تشبه تغريد العصافير، وقادتهما إلى غرفة الجلوس.
بعد أن أحضرت الشاي والبسكويت، أخذت القنينة التي قدمتها سيريت، تتفحصها بجدية. شمّتها، وتذوّقت منها، ثم وقفت وهي تحمل القنينة.
يبدو أنها تحتاج إلى التأكد أكثر. امتلأ وجهها بنظرة الباحث المتحمس.
“أعذراني لحظة.”
ونزلت نحو القبو بالقنينة.
“غرفة عمل السيدة غيلميما في الأسفل.”
قالت إيف وهي تحتسي الشاي.
“فهمت.”
هزّت سيريت رأسها. وبوجه فيه بعض التوتر، وجّهت نظرها نحو باب القبو.
ما حقيقة الدواء الذي كانت تتناوله؟
بعد قليل، عادت السيدة غلمِيما إلى غرفة الجلوس. وضعت القنينة على الطاولة، وبوجه يملؤه القلق قالت:
التعليقات لهذا الفصل " 58"