انتهت الحفلة الأولى التي أشرفت عليها دوقة فريكتويستر بنجاح.
كانت سيريت تبتسم بفخر، لكن ابتسامتها تجمّدت فورًا. تذكّرت أن ليديا ما زالت تقيم في غرفة الضيوف.
في الليلة السابقة، لم تعد ليديا إلى منزلها وانتهى بها الأمر بالمبيت في قصر الدوق. وبما أنهم لا يستطيعون طرد مريضة بالقوة، لم يكن أمام سيريت سوى كبت القشعريرة التي تسري في جسدها.
لم تكن تريد العيش تحت سقف واحد مع ليديا.
فمجرد التفكير في وجودها في المكان نفسه كان يستدعي ذكريات حياتها السابقة، تلتفّ حولها كالكابوس وتخنق أنفاسها.
“سيدتي، الإفطار جاهز.”
أطلّت هانا برأسها من خلال الباب المفتوح ونادت عليها.
“حسنًا.”
لم تكن سيريت راغبة فعلًا في الاهتمام بليديا، لكنها بصفتها سيّدة المنزل، كان عليها أداء واجبها. فأمرت الخدم بتحضير فطور يُرسل إلى ليديا.
وحين خرجت من غرفتها، كانت إحدى الخادمات تقف هناك وهي تحمل فطور ليديا.
“تعالي معي.”
توجّهت سيريت إلى غرفة الضيوف التي تقيم فيها ليديا، والخادمة تتبعها.
طَق طَق.
طرقت سيريت الباب.
“ليديا، إنها أنا.”
“تفضّلي.”
انبعث صوت ليديا من الداخل. فتحت سيريت الباب ودخلت.
كانت ليديا جالسة على السرير، وتبدو بحال أفضل بكثير من الأمس. خَدّاها الوردِيّان المميّزان بدا عليهما اليوم أيضًا مظهر الثمر الناضج.
“ليديا، كيف تشعرين؟”
سألتها سيريت.
“أنا بخير. أشعر بارتياح.”
أجابت ليديا بابتسامة مشرقة.
وبالفعل، بدت في مزاج جيد. البارحة كان هناك توتّر غريب يحيط بها، أما اليوم فملامحها مرتخية ومشرقة.
“سعيدة لسماع هذا. لا يوجد أي مكان يؤلمك، صحيح؟”
حتى لو كانت ليديا بخير ومسرورة، فمزاج سيريت لم يكن كذلك أبدًا. ومع ذلك، أرغمت نفسها على الابتسام وبذلت جهدها كسيّدة المنزل لتحسن استقبال ضيفتها.
“مزاجي رائع، وهذا كله بفضل يوان.”
“حقًا؟”
هل تصالحا؟ لمجرّد ذكر اسم يوان شعرت سيريت بطعم مرّ في فمها.
يشتري عقدًا لزوجته، ويُصلح في الوقت نفسه سوء التفاهم مع حبه الأول.
“أحضرتُ لكِ الإفطار. حتى لو لم يكن لديكِ شهية كبيرة، حاولي أن تأكلي قليلًا. يقولون إن عليكِ أن تأكلي جيدًا.”
استدارت سيريت نحو الخادمة التي تحمل الصينية، ووجّهت كلامها إلى ليديا.
“شكرًا لكِ، يا سيريت.”
أجابت ليديا بوجه مبتهج.
“إذًا، تناولي طعامك على مهلك.”
سلّمت سيريت الإفطار إلى ليديا وغادرت الغرفة.
وبمجرد خروجها من غرفة الضيوف، بدأت سيريت يومًا غير مبهج على الإطلاق.
أعطت الخدم الذين عملوا بجدّ في اليوم السابق مكافأة صغيرة، وناولتهم ما تبقّى من الطعام، ولم تبخل عليهم بالكلمات الطيّبة. كما كتبت رسائل شكر لإرسالها إلى ضيوف الحفلة.
وتناولت الغداء مع ليديا، ثم ودّعتها بابتسامة حين عادت إلى منزلها.
بالنسبة إلى سيريت، كان ذلك أصعب عمل اضطرت إلى القيام به.
بعد العشاء، توجّهت إلى المكتبة حيث تُحفَظ السجلات، ودوّنت هناك بدقّة كل الأمور المتعلّقة بالحفلة.
وحين انتهت، كان الليل قد حل بالفعل.
“آه…”
تثاءبت سيريت وهي مكدّسة بالتعب، فامتدّت بجسدها. فانزلق الشال عن كتفيها وسقط.
انحنت لتلتقطه، لكنها لمحت زوجًا مألوفًا من الأحذية. التقط صاحبها الشال قبل أن تصل إليه.
“ما الذي تفعلينه مستيقظة حتى الآن؟”
أعاد يوان الشال إلى كتفيها وهو يسأل.
“كان عليّ أن أُنهي بعض الترتيبات.”
اتكأت سيريت على الطاولة ورفعت رأسها تنظر إليه وهي تتكلم.
عندها أخذ يوان الأوراق التي كتبتها سيريت وبدأ يتفحّصها. وارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يقرؤها.
“هل أنت راضي عنهم؟”
قالت سيريت وهي تنظر إليه بتعبير مائل.
“من أين تعلّمتِ أن تكتبي بهذا الشكل؟”
وضع يوان الأوراق على الطاولة وهو يبدو متفاجئًا.
ومن من غيره؟ لقد تعلّمت هذا من يوان فريكتويستر نفسه.
“من رجل سيّئ الطبع. رجل ليس له ميزة حسنة سوى وجهه الوسيم.”
بعد كل حفلة، كان لا بد من تدوين كل التفاصيل المتعلقة بها في أوراق، ولذلك اجتهدت سيريت في حياتها السابقة لتكتب تلك الأوراق كما ينبغي.
‘إن كنتِ ستفعلينها بهذه الطريقة، فالأفضل ألا تفعليها من الأساس. هذا إهدار للوقت. وللورق كذلك. هل أنتِ دائمًا هكذا؟’
حين عرضت عليه عملها بفخر، عاد عليها يوان بكلمات مزعجة إلى حد لا يُحتمل.
في لحظة، تحوّلت سيريت إلى شخص يُهدر الورق والوقت معًا، فانطفأت بالكامل.
لم تنجح في الحفلة، ولا في العمل الورقي… شعرت أنها أكثر شخص عديم الفائدة في هذا العالم.
‘تعالي واجلسي هنا.’
سحب يوان كرسيًّا وأجلسها إلى جواره.
في تلك الليلة، أبقاها يوان إلى جانبه حتى ساعة متأخرة، يعلّمها خطوة بخطوة كيف تُعدّ الأوراق.
وبفضل أسلوبه القاسي في التعليم، أصبحت سيريت قادرة على إعداد الأوراق كما يجب.
“رجل، إذًا؟”
ردّ يوان بصوت حاد.
“نعم. رجل سيّئ الطبع تعرفه جيدًا يا سمو الدوق.”
“من هو هذا الرجل السيّئ الطبع؟”
“فكّر في أكثر رجل سيّئ الطبع من حولك. إنه هو.”
“ديريك؟”
“المساعد ديريك؟”
ضحكت سيريت بخفّة وهي تنهض من مقعدها.
لماذا يُلصق التهمة برجل مسكين بريء؟ لا أحد أسوأ طبعًا من شخصه الكريم.
“طريقة كتابة الأوراق ذكّرتني بديريك.”
وبما أن ديريك أيضًا تعلّم من يوان، فهذا طبيعي. ابتسمت سيريت بسخرية خفيفة عند كلام يوان.
“قلت لك إنه شخص سيّئ الطبع.”
“الدوق الأكبر بوبرويل؟”
قطّب يوان جبينه بشدة، وقد بدا شديد الاستياء.
“سمو الدوق الأكبر؟”
انفجرت سيريت ضاحكة حين جُرّ ريغان المسكين إلى الحديث فجأة.
“هذا مستحيل طبعًا. ريغان لا يملك القدرة على إعداد أوراق بهذا القدر من الإتقان.”
“لم أرَ أوراق سموّه من قبل، لكن سيّئ الطبع هو آخر وصف يمكن أن يُطلق عليه.”
بسبب الطريقة الجادة التي قلّل بها يوان من شأن ريغان، لم تستطع سيريت كتم ضحكتها. لقد رغبت فعلًا في تحية تلك الصداقة الغريبة بينهما.
“حقًا؟”
“سموّه لطيف، ودود. بعيد تمامًا عن أن يكون سيّئ الطبع.”
“لطيف… ودود…”
ردّد يوان كلماتها بوجه منزعج.
إذًا، ما الذي تراه زوجته في الرجل الواقف أمامها الآن؟
“أي شخص سيعتقد ذلك.”
تجاوزته سيريت متجهة نحو رفوف الكتب. تبعها يوان بخطوات بطيئة.
“وماذا عن يوان فريكتويستر في نظرك؟ أي نوع من الرجال هو؟”
“لقد أخبرتك بالفعل.”
توقّفت سيريت أمام المكتبة، ووقفت على أطراف أصابعها ومدّت يدها نحو كتاب في الرف العلوي. كالعادة، كان الكتاب الذي أرادت قراءته موجودًا ولكن لسوء الحظ في مكان يصعب الوصول إليه.
“لا أذكر أني سمعت جوابًا.”
آه، صحيح. لقد قالت إنه بغيض وانها تكرهه*. تذكّر يوان كلماتها تلك في حفلة القصر الإمبراطوري، فارتفعت زاوية شفتيه بسخرية.
-*من الفصل الثالث عشر-
هل ما زال مروّعًا وبغيضًا في نظرها؟
مدّ يده وانتزع بسهولة الكتاب الذي كانت أصابعها تحاول عبثًا الوصول إليه.
التعليقات لهذا الفصل " 57"