رمشت سيريت بدهشة أمام يوان الذي جاء إليها في ساعة متأخرة من الليل.
“لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا في التحضير للحفلة.”
تقدّم يوان نحو سيريت بخطوات واسعة وواثقة.
“كان هذا ممتعًا. أكثر مما توقعت.”
ومع أنها جرّبت الأمر مرة في حياتها السابقة، إلا أن الأمر لم يكن مرهقًا جدًا.
“هذا جيد.”
أومأ يوان برأسه بخفة واقترب منها أكثر.
حين حاولت سيريت أن تتراجع تلقائيًا، سحب يوان ذراعها وقربها منه. ثم مدّ لها العلبة التي يحملها.
“ما هذا؟”
“قلادة.”
“قلادة؟”
تجهم وجه سيريت. أي قلادة؟ ولمن؟ نظرتها المندهشة جعلت يوان يلوّح بالعلبة كأنه يطلب منها أخذها.
“لا تقل لي إنها لي؟”
“لمن ستكون إذن؟ لي؟”
ضحك يوان قليلًا على اتساع عينيها.
أثناء تجوله في متجر المجوهرات، لفتت نظره قلادة لؤلؤية. شعر أنها ستبدو جميلة على سيريت.
ذكره وهج اللؤلؤ الأبيض الناعم ببشرتها الفاتحة، حتى إن حرارة صعدت إلى عنقه. وبعد أن تظاهر بالسعال، طلب من الموظف أن يريه القلادة.
زوجتي تصرّ على إمساك الطوق بنفسها، لذا فليكن. ولكن على الأقل علي أن أشتري لها طوقًا جميلًا.
كما أنها تعبت في التحضير للحفلة.
اشترى القلادة بهذا الشعور، لكنه بعد ذلك أحس بالارتباك. لأن القلادة جعلته يفكر في سيريت. ولأن حملها في يده جعله يشعر بسعادة غريبة.
“لماذا تعطيني شيئًا كهذا وليس هناك مناسبة حتى؟”
لم تفتح سيريت العلبة، بل نظرت إليه بحذر.
تنهد يوان، وانتزع العلبة من يدها، وفتحها، ثم أعادها إليها.
“ألا يمكنكِ فقط… أن تعجبي بها؟ هذا لا يبدو صعبًا.”
كان مزاجه جيدًا بعد شراء شيء يناسبها، لكن رد فعلها الآن جعله يشعر بخيبة طفيفة. وتعابير وجهه تغيرت.
“لأن الأمر غريب. تقدم هدية بلا سبب.”
نظرت سيريت إلى القلادة داخل العلبة. كانت اللآلئ الهادئة جميلة فعلًا. لكن الشخص الذي اعطاها اياها هو المشكلة.
“ليست هدية.”
كان صوت يوان جافًا. وبرود ردّها جعله يشك أنه ربما ارتكب حماقة.
“إذن ما هي؟”
“طوق. سأضعه على زوجتي.”
أخرج يوان القلادة من العلبة، وأمسك كتفي سيريت وأدارها.
“طوق؟”
سألته بنبرة حادة.
تجاهل كلماتها، ووضع شعرها على جانب واحد. وحين ظهر عنقها الأبيض، جفّ فمه.
كان جسده يستجيب بصدق أكبر مما توقع، ثقيلًا ومشدودًا، وشعر بأنه مجنون قليلًا، فأطلق ضحكة تشبه التنهد.
“قلتُ لك من قبل. أنا من سيمسك بالطوق. وليس لدي أي نية لتسليمه لك، يا سمو الدوق.”
كانت ثرثرتها البريئة وهي لا تعرف شيئًا عن حالة زوجها مثيرة للسخرية.
من دون كلمة، وضع يوان القلادة حول عنقها. وكل مرة تلامس أطراف أصابعه بشرتها الناعمة كان عليه أن يقاوم رغبة قوية في إسقاطها على السرير.
“بالنسبة لطوق… فهو جميل جدًا.”
كان اللؤلؤ الصغير المعلق على السلسلة يضيء بنعومة كضوء القمر. بدا كأنه قمرٌ مكتمل مصغّر، وهذا راق لسيريت. شعرت وكأن جمالًا هادئًا يستقر على عنقها.
استدارت وابتسمت له ابتسامة خفيفة.
تبا. تبتسم بهذا الجمال، ومع ذلك لا يستطيع لمسها حتى.
الليل متأخر، السرير قريب، وزوجته بهذا القدر من الجمال.
أي تعذيب هذا؟ مرّر يوان يده في شعره ونظر إليها مطولًا.
“هل أعجبكِ؟”
“بالنسبة لطوق، نعم.”
رفعت سيريت وجهها إليه بنظرة متدللة.
وعند رؤية تلك الملامح، أدرك يوان أن صبره ليس طويلًا كما كان يظن. أمسك ذراعها وقبّلها.
امتص شفتيها العلوية والسفلية برفق، ثم شقّهما بعجلة طفيفة ودخل إلى الداخل. كان هناك طعم حلو قد يذيب اللسان.
“مم—”
دفعت سيريت يوان بسرعة. وعيناها القلقتان تشتتان النظر على وجهه.
“تصبحين على خير.”
قال يوان الكلمات كتنهد، وأدار ظهره لها.
لو بقي أكثر، كان سيصبح أسوأ من الحيوان. فخرج من غرفة سيريت كأنه يهرب.
***
كان قصر فريكتويستر مزدحمًا بالناس الذين حضروا الحفلة. امتلأت القاعة والحديقة بوجوه مبتسمة.
ومن الأجواء وحدها، كانت الحفلة ناجحة.
كانت سيريت تتحرك بين القاعة والحديقة، تؤدي دور المضيفة بإتقان. ورغم انشغالها الذي لا ينتهي، شعرت بالفخر.
مقارنة بحياتها السابقة، كان هذا تطورًا مذهلًا.
وأثناء مرورها بجانب مساحة تعرض لوحات عدة، التقطت أذنها جزءًا من حديث.
“تخيلي، لقد تم بيع ذلك اللوحة!”
“يا إلهي! من اشتراها؟”
“سمعت أن سيدة نبيلة اشترتها.”
“يا للعجب، مهما كانت، أنا أشعر بالغيرة.”
أطلقت السيدات ضحكات عالية.
مرّت سيريت بالقرب منهن وارتفع طرف شفتيها قليلًا. اللوحة التي يتحدثن عنها كانت التي اشترتها من معرض الصالون.
ورغم أن اللوحة تعرضت لانتقادات شرسة، إلا أن النساء صرن يتسللن إلى المعرض لرؤيتها من باب الفضول.
لكن خوفًا على سمعتهن، لم تجرؤ أيّ منهن على النظر إليها مباشرة؛ كنّ يمررن وكأنهن عابرات، بينما يختلسن النظر. عدم القدرة على المشاهدة العلنية جعل الأمر أكثر إغراءًا.
اتجهت سيريت نحو قاعة الحفلة، وهي تفكر بأن الأمور ستصبح صاخبة حين يعرف الجميع أن التي اشترتها هي دوقة فريكتويستر.
التعليقات لهذا الفصل " 55"