كان الدواء الذي أحضره نونوكي عبارة عن حبوب منع حمل طلبتها ليديا.
لو تناولت سيريت ذلك الدواء، فلن ترزق هي ويوان بطفل أبدًا.
في الوقت الحالي، يوان لا يلمس سيريت، ولكن من أجل الدوقية سيضطر في النهاية إلى ذلك. لذا إن لم تحمل سيريت أبدًا، فسيتخلّى عنها يوان بلا شك.
مجرد التفكير بالأمر جعل ليديا تشعر بالسرور، فضحكت بصوت عالٍ.
يا لها من حياة بائسة ستكون حياة سيريت.
إنّها متعجرفة الآن، لكن عندما تُهجَر، ستكون صدمتها كبيرة.
يا لحسرة صديقتها العزيزة.
ثم، وهي تتخيل سيريت وهي مُلقاة جانبًا، عادت ليديا إلى عمل التطريز.
فستان الزفاف، خاتم الزواج… ستحصل ليديا على أشياء أفضل بكثير مما حصلت عليه سيريت. أما حفل الزواج نفسه فسيُقام رسميًا في قصر دوقية فريكتويستر.
وستستبدل كل الأثاث أيضًا. لن يبقى لِسيريت أي أثر داخل دوقية فريكتويستر.
وبينما كانت تسرح في خيالاتها السعيدة، بدأت تدندن كالعصفور.
بعد مدة، عادت أنيتا. قالت إنها سلّمت الدواء إلى خادمة فريكتويستر بأمان، ثم نقلت خبرًا جديدًا.
“يقولون إن دوقة فريكتويستر ستقيم أول حفلة لها. يبدو أنها تفعل كل ما على الدوقة فعله.”
قلّلت أنيتا من شأن سيريت، وكأنها تحاول إرضاء ليديا.
“حقًا؟”
تلألأت عينا ليديا. أول حفلة لها كدوقة؟ إذًا يجب أن تساعدها. فهي، في النهاية، “صديقتها”.
“أظن أن ما تمّ تحديده حتى الآن هو التاريخ فقط.”
“ومتى سيكون؟”
“في السابع عشر.”
“السابع عشر؟”
ارتفع حافتا شفتي ليديا.
إنه يوم مثالي لإقامة حفلة. ضحكت ليديا ببهجة.
***
“هذه قائمة الطعام.”
قدّمت السيدة لينزي الأوراق إلى سيريت.
أخذت سيريت الأوراق ونظرت إليها. ومن دون أن تلتقي السيدة لينزي بعيني سيريت، انحنت بسرعة وغادرت الغرفة على عجل.
وافق يوان سيريت الرأي.
حيث قال إنه يجب تقليل عدد النبلاء، ودعوة مزيد من الأشخاص المرتبطين بأعماله.
وعندما عبّر عن رأيه، لم يتحدث بقسوة، لكنه نظر إلى السيدة لينزي بنظرة تحمل قدرًا من الازدراء. ويبدو أنها شعرت بذلك، لأن وجهها احمرّ بشدة في حضوره.
“إنها حتى لا تنظر في وجهك.”
قالت هانا وهي تقترب من سيريت.
“أعرف.”
أجابت سيريت وهي تتفحّص قائمة الطعام التي رتبتها السيدة لينزي.
وضعت علامة بالقلم على طبق آخر أرادت إضافته.
“يبدو أن كبرياء السيدة لينزي قد جُرح كثيرًا.”
قالت إيف وهي تضع فنجان الشاي.
“مع نظرة مثل تلك من سمو الدوق، حتّى جلالته الإمبراطور سيشعر بالإهانة.”
رفعت سيريت نظرها عن الأوراق وضحكت ضحكة خفيفة.
في حياتها السابقة، تلقت سيريت تلك النظرات من يوان مرات لا تُحصى. كانت تجرح كبرياءها، وتُشعرها بالبؤس.
استعادتها لتلك الذكريات أججت من جديد كرهها ليوان، فعقدت حاجبيها قليلًا.
“أشعر أن سمو الدوق مخيف بعض الشيء.”
“إنه ليس شخصًا سهلًا أو مريحًا.”
عند تعليق إيف عن كونه مخيفًا، هزّت سيريت رأسها موافقة.
بالفعل، هو رجل مخيف.
رجل يرسل مثل تلك النظرات إلى زوجته، بل ويرسل السم أيضًا.
ضحكت إيف قليلًا، ثم قالت وكأنها تذكّرت شيئًا.
“إن فكرتُ في الأمر، اليوم هو يوم افتتاح معرض الصالون.”
“آه، معرض الصالون!”
عند سماع كلمات إيف، أدركت سيريت فجأة أن اليوم هو التاسع من الشهر، يوم افتتاح المعرض. كانت على وشك أن تنسى ذلك تمامًا.
كان معرض الصالون عرضًا للوحات يُقام كل شهر مايو.
كان بمثابة بوابة للفنانين الجدد، ومكانًا يقدم فيه الفنانون المعروفون أعمالهم.
انه حدث حيث يتم تداول الكثير من الأعمال الجيدة بنشاط، مما جعله حدثًا لا يفوّته النبلاء وسكان الطبقة الوسطى الميسورون.
وضعت سيريت الأوراق والقلم، ونظرت إلى إيف.
“ساعديني في تسريح شعري، يا إيف.”
“هل ستذهبين إلى مكان ما؟”
“إلى معرض الصالون.”
أجابت سيريت وهي تتحرك باتجاه منضدة الزينة.
كانت هناك لوحة يجب أن تشتريها مهما حدث. ففي حال فشلت في الطلاق من يوان كما تريد، كان عليها أن تؤمّن شيئًا ذا قيمة عالية.
اقتربت إيف من سيريت الجالسة، وسرّحت شعرها بسرعة وبمهارة.
بعد أن انتهت، أخذت سيريت مفتاحًا من درجها واتجهت نحو الخزنة. في داخلها كانت هناك أشياء ثمينة، إضافة إلى المخصص المالي الذي يُعطى لدوقة فريكتويستر للحفاظ على مكانتها.
أخذت المال وغادرت القصر وحدها.
وبما أنه كان يوم افتتاح المعرض، كانت القاعة مزدحمة. حيّت سيريت بعض الوجوه المألوفة، ثم بدأت تتفحّص اللوحات.
لكنها لم تستطع العثور على اللوحة التي تريدها، وكانت عيناها وساقاها تتحركان بلا توقف.
ثم وجدتها.
“ها هي.”
لم ترَها شخصيًا في حياتها السابقة، لكنها عرفتها على الفور.
انفرجت شفتاها قليلًا. عندما رأتها على الحقيقة، فهمت سبب كل تلك الضجة. وبعينين تتلألآن، اقتربت منها أكثر.
كانت اللوحة تُصوّر رجلًا نصف عاري مستلقٍ بإغراء على أريكة، يغطي عينيه وأنفه بيده. كان الرجل ذو الشعر البني وسيماً، وجسده كمنحوتة.
وكان العنوان المكتوب في البطاقة هو “صورة ذاتية”، والرسام يدعى “جنتلمان”. وإلى جانب البطاقة، على نحو نادر، كان السعر مرفقًا. ثمن اللوحة كان ألف لوبين.
“هاه، لا بد أن الرسام قد فقد عقله.”
“بالفعل. أن يجرؤ على وضع بطاقة سعر هكذا. المعرض أصبح مبتذلًا.”
“واللوحة نفسها مبتذلة. رجل نصف عاري؟ هذا فاضح أكثر من اللازم.”
“والتصميم الفني سيئ أيضًا.”
“انظر إلى اسم الفنان. ‘جنتلمان’؟ مثير للسخرية. من الواضح أنه مزاح من أحمق ما.”
“يبدو أن المعرض في طريقه إلى الانحدار.”
نقر السادة بألسنتهم ومضوا في طريقهم.
وقفت سيريت تنظر بهدوء إلى اللوحة التي انتقدوها بقسوة. كانت هذه هي اللوحة نفسها التي قررت شراءها اليوم.
“كيف وجدتِ المعرض؟”
جاء صوت مألوف من جانبها.
عندما استدارت، رأت ريغان يبتسم لها ابتسامة مشرقة.
“سمو الدوق الأكبر.”
حيّت سيريت باحترام. كانت هذه أول مرة تراه فيها منذ أن زارها فجأة وأحضر لها حلوى على طريقة لوا.
“كانت الحلوى لذيذة. شكرًا لك، يا سمو الدوق الأكبر.”
كانت حلوى لوا التي أحضرها ريغان لذيذة للغاية لدرجة أن سيريت اشترت مثلها مرارًا بعد ذلك.
حاول ريغان جاهدًا أن يُنزل حافتي فمه اللتين كانتا تحاولان الارتفاع بلا توقف، ولو لم يضبط نفسه، لربما التقت ابتسامته بحافة عينيه.
“سأجد شيئًا ألذ وأحضره لكِ في المرة القادمة.”
ابتسمت سيريت عند نبرته الحاسمة.
“وكالعادة، أنت هنا في معرض الصالون هذا العام أيضًا!”
كان والد ريغان هو من أسس معرض الصالون. ومنذ أن حصل على قلعة بوبرويل وأصبح دوقًا أكبر، صار للمعرض تاريخ يزيد عن ثلاثين عامًا.
“إنه معرض بوبرويل. كيف لي ألا آتي؟”
أجاب ريغان مبتسمًا.
“أنت تحب اللوحات، أليس كذلك؟”
مثل والده، كان ريغان معروفًا بحبه للفن. فقد تعرّف مبكرًا على كوينتن دال، أشهر رسامي إمبراطورية إيرون اليوم، ودعمه منذ بداياته.
وبالإضافة إلى كوينتن دال، كان يدعم عددًا من الفنانين الموهوبين.
“لا شيء جميل مثل لوحة. آه… باستثناء دوقة فريكتويستر الواقفَة أمامي.”
“شكرًا لك على هذا الإطراء.”
ابتسمت سيريت عند تعليقه المرح.
“لكن… ألم يأتي يوان معكِ؟”
سأل ريغان وهو ينظر حوله كأنه يبحث عنه.
“لا، جئت وحدي.”
“وحدكِ؟”
“أردت شراء لوحة.”
“أوه؟ هل وجدتِ واحدة تعجبكِ؟”
سأل ريغان بحماس، وكأنه يريد مساعدتها.
لكن سيريت كانت تعرف مسبقًا اللوحة التي ستشتريها قبل أن تأتي. كانت قيمتها ستتضاعف عشرات المرات خلال شهرين فقط. وها هي اليوم معلّقة هنا.
“نعم، هذه.”
حوّلت نظرها إلى اللوحة أمامها.
مع أن اسم الفنان كان مُسجّلًا “جنتلمان”، فإن الرسام الحقيقي كان كوينتن دال، أعظم رسام في إمبراطورية إيرون.
هذه اللوحة كانت محل جدل طوال مدة معرض الصالون. موضوعها، وتكوينها، وتقنيتها… كلها كانت صادمة وغير تقليدية.
وبما أن عملًا تجريبيًا كهذا خرج باسم فنان جديد، انهالت في البداية الانتقادات القاسية.
وسخر الناس من العنوان ‘صورة ذاتية’ أيضًا، قائلين إنه لا بد يظن نفسه وسيماً إلى هذا الحد.
لكن في اليوم الأخير من معرض الصالون، أعلن كوينتن دال أنه صاحب العمل.
وقد هزّ إعلانه هذا العاصمة، بل والإمبراطورية كلها.
حتى سيريت، التي لم تكن مهتمة بالفن، علمت بالخبر من الصحف والمجلات.
“هذه اللوحة؟”
نظر ريغان إليها وهو في غاية الدهشة.
وعندما رأت رد فعله، خطر ببال سيريت شيء ما. بما أن ريغان هو من يرعى معرض الصالون، وهو نفسه راعٍ لكوينتن دال، فلا بد أنه يعرف. أن “جنتلمان” هو في الحقيقة كوينتن دال.
“نعم، إنها تعجبني.”
قالت سيريت وهي تراقب وجهه.
وعند كلماتها، احمرّت أذنا ريغان، وسعل بخفة. ثم أخرج نفسًا طويلًا وتحدث بابتسامة حرجة.
“قد تبدو… فاضحة قليلًا بالنسبة لسيدة.”
ثم سكت عن الكلام.
“يمكن النظر إليها بهذا الشكل، لكني أشعر بخفة ظل الرسام فيها. كأن اللوحة تخفي مزحة ما.”
“حقًا؟”
حكّ ريغان صدغه، وكأنه في حيرة.
“كما أن فيها شيئًا من أسلوب كوينتن دال.”
قالت سيريت وهي تراقبه بلطف، كأنها تختبره.
وتبدل تعبير ريغان للحظات. نظر إليها بوجه شارد قليلًا.
“كوينتن دال، هذا الرسام؟”
“نعم. أنا واثقة أنه سيصبح يومًا ما رسامًا شهيرًا. مثل كوينتن دال.”
عند كلماتها، ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتي ريغان. ثم أطلق تنهيدة خفيفة.
“هذا حقًا يضعني في مأزق.”
تمتم مع نفسه.
ابتسمت سيريت ابتسامة خفيفة. إذًا، ريغان كان يعرف بالأمر. أن “جنتلمان” هو كوينتن دال.
“أؤمن أنه سيصبح الرسام الذي يمثل إيرون بعد كوينتن دال.”
وعند سماع ذلك، ضحك ريغان ضحكة تحمل معنى الاستسلام.
“هذه اللوحة لكِ. كنت أنوي شراءها أولًا، لكنني سأتنازل. على الأغلب سيحاول يوان قتلي بسبب هذا.”
بعد أن أنهى ضحكه، قال ريغان ذلك.
وفي نظرته إلى سيريت، مرّت عدة مشاعر متداخلة.
“شكرًا لك يا سمو الدوق الأكبر.”
ابتسمت سيريت.
لقد حصلت على لوحة لا تقدَّر بثمن، واحدة ستجلب لها مقدارًا هائلًا من المال.
التعليقات لهذا الفصل " 52"