قراءة ممتعة~~~
الفصل الخمسين
على الرغم من أنها كانت تعرف أن السؤال غريب، لم تستطع سيريت كبح فضولها وسألت.
كانت تريد أن تعرف اسم الطفل، ولو بهذه الطريقة فقط.
لا، كانت تريد أن تمنحه اسمًا بنفسها.
كانت تشعر أنه إن كان للطفل اسم، فوجوده سيصبح أكثر وضوحًا.
حتى لو كان طفلًا لن تراه أبدًا.
“لستُ متأكدًا. لم أفكر في ذلك من قبل.”
قطّب يوان حاجبيه قليلًا، وكأنه يرى السؤال بالفعل غريبًا.
وبعد أن فرك ذقنه وفكّر لوهلة، فتح فمه ببطء.
“هنري.”
“هنري؟”
“هنري فريكتويستر.”
قال يوان اسم الطفل.
“إنه اسم جميل.”
ابتسمت سيريت، وقد أحبّت الاسم الذي خرج من فم يوان.
هنري فريكتويستر.
وبينما تلفظ الاسم في قلبها، قاومت سيريت رغبتها في البكاء.
لم تكن تعرف هل كان ذلك حقًا اسم طفلها، لكنها قررت أن تفكر فيه على أنه هنري.
وبمجرد أن أصبح للطفل اسم، اشتاقت إليه أكثر.
هنري… طفلي العزيز.
همست باسمه مرارًا في قلبها.
وكلما نطقت به، ازداد جمالًا في أذنها.
***
وما إن أنهت استحمامها واستعدّت لتستلقي، حتى سمعت طَرقٌ على الباب.
“نعم.”
أجابت سيريت وهي تتجه نحو الباب.
وعندما فتحته، دخل يوان.
كان يرتدي رداء النوم، ويحمل في يده دواءً.
نظرت سيريت إلى الدواء بعينين تملؤهما الحيرة.
أمسك يوان بيدها بهدوء وقادها نحو السرير.
وبعد أن أجلسها، جثا أمامها على ركبته.
“يا سمو الدوق، ماذا تفعل؟”
رمشت سيريت ببطء، وهي تنظر إليه من الأعلى.
ومن دون أن يجيب، رفع طرف ثوب نومها.
“يوان!”
فزعت سيريت بسرعة وأمسكت بيده، لكنه نظر إليها وأبعد أصابعها بلطف.
“لماذا تتظاهرين بأنك بخير بينما أنتِ لستِ كذلك؟”
“ماذا؟”
“هل تعتقدين فعلًا أن ركبتكِ بخير؟”
أشار يوان إلى ركبتها التي ازرقت والكدمات تغطيها.
كان ذلك بعد أن أحدثت هانا جلبة كبيرة أثناء الاستحمام.
كانت ركبتها تؤلمها قليلًا، لكنها لم تتوقع أن الكدمة بهذا السوء.
“طالما أنها ليست مكسورة، فهي بخير.”
قالت سيريت بنبرة متحفظة.
“طلبتُ من الطبيب كين الحضور صباح الغد. ستخضعين للفحص.”
“لا داعي لرؤية طبيب. لم تعد تؤلمني.”
“لا أحد يعلم. ربما سجلات علاج كدمة مثل هذه ستكون نافعة يومًا ما.”
“نافعة في ماذا؟”
أي نفع يمكن أن تقدمه سجلات طبية؟
ضحكت ضحكة صغيرة… لكن كلام يوان التالي مسح تلك الابتسامة فورًا.
“قد تصبح دليلًا على ميول الزوج للعنف.”
“…ماذا؟”
ارتبك وجه سيريت تمامًا.
لا بد أنه مجرد مزاح… صحيح؟
لا يمكن أن يعرف أي شيء… أليس كذلك؟
ارتجفت عيناها.
“أنا أمزح.”
قالها يوان بوجه خالٍ تمامًا من أي تعبير.
من يمزح بوجه كهذا؟
حاولت سيريت بخجل أن تُسدل ثوبها مجددًا.
لكن يوان أوقفها.
“سأضع الدواء.”
“اتركه هنا فقط. سأجعل هانا تفعل ذلك.”
رفضت، لكن يوان لم يتراجع.
فتح علبة الدواء على أي حال.
ووضع إصبعه المغموس بالمرهم على ركبتها.
وتحرك لمسه ببطء فوق الكدمة.
كان يضع الدواء برفق شديد حتى شعرت سيريت بالدغدغة، فقبضت أصابع قدميها.
وبعد أن انتهى من تغطية كامل الكدمة، لم تُرفع يده.
استمرت أصابعه في الانزلاق بلطف على جلدها.
جعلتها حركته تلك تشعر بكل إحساس في ركبتها.
حتى أن سيريت شكّت إن كان لا يزال يضع الدواء فعلًا.
“أعتقد أنك انتهيت.”
حرّكت ركبتها هاربة من يده.
رفع يوان رأسه نحوها وتحدث بنبرة محايدة.
“هذا الدواء لا يعمل إلا إذا استمريتِ في تدليك المنطقة.”
عند نبرته الهادئة ونظرته الهادئة، سعلت سيريت بخفة.
شعرت بالإحراج من أفكارها الغريبة، ودفء خفيف صعد إلى مؤخرة رقبتها من الإحراج.
“حسنًا. سأفعل ذلك بنفسي.”
“ضعيه كلما سنحت لك الفرصة ودلّكيه جيدًا.”
قال يوان وهو يضع الدواء على الطاولة الجانبية.
“شكرًا لك.”
عند كلماتها، نظر إليها يوان بصمت.
وبعد أن تأملها للحظة، قال بصوت منخفض، يكاد يكون همسًا.
“أتمنى ألا تكرري فعل شيء خطير كهذا مرة أخرى.”
“أتريدني أن أقف وأشاهد طفلًا يتأذى؟ وليس أي طفل… بل طفل ولي العهد.”
“إذًا تنوين تكرار هذا الفعل الخطير في المرة القادمة.”
“سأعتني بنفسي. توقف عن القلق بلا داعٍ، يا سمو الدوق.”
ابتسمت سيريت بخفة.
“لو استمعتِ للكلام، لما كنتِ سيريت فريكتويستر.”
تنهد يوان بخفة وكأنه استسلم، ثم غادر الغرفة.
“ولو استمعتُ لكلام يوان فريكتويستر، لما كنتُ سيريت إينوهاتَر.”
وبقيت سيريرت وحدها، فأخذت تتمتم بتذمّر وهي تحدّق بلا تركيز في الدواء الذي تركه يوان وراءه.
كانت تتذمّر، نعم، لكن لسبب ما شعرت وكأنّ دواءً ما قد وُضع أيضًا على العقدة العالقة في قلبها.
***
مشَى يوان حافي القدمين في الممر البارد.
كان عقله قد تبخر، ولم يبقَ سوى فكرة واحدة.
الذهاب إلى غرفة سيريت.
لقد رأى نفس الحلم مجددًا… موت سيريت.
كان الحلم يمحو عقله تمامًا، ولا يترك سوى رغبة واحدة—
أن يراها.
وحين دخل غرفتها، عاد إليه وعيه أخيرًا عندما سمع أنفاسها المنتظمة.
في الفترة الأخيرة، أصبح هذا الوضع يتكرر.
يحلم… ثم يستفيق ليجد نفسه أمامها.
ولم يكن يعود إليه اتزانه إلا بعد أن يتأكد من أنها تتنفس جيدًا.
مدّ يوان يده بحذر ولمس شعرها.
انسابت خصلاتها الناعمة بين أصابعه.
“سيريت.”
همس باسمها.
وبقي ينظر إليها طويلًا وهي نائمة.
كثيرًا ما كان يوان يفكر… ربما هو مجنون فعلًا.
فحتى وهو مستيقظ، كانت نوبات القلق تفاجئه فجأة.
لحظات يشعر فيها أنه سيختنق إن لم يتأكد من أنها بخير.
وأحيانًا، حتى وهي أمامه تتناول طعامها… كان القلق يهاجمه.
وحينها، كان ينادي اسمها بلا سبب، فقط ليسمع صوتها ويرى عينيها ويطمئن.
تنفّس يوان بعمق وهزّ رأسه.
غادر غرفتها، وقضى الليل كله بلا نوم حتى جاء الصباح.
شرب فنجانًا من الشاي بدلًا عن الإفطار، واخذ ينتظر الطبيب كين.
***
وصل الطبيب كين قبل الموعد بعشر دقائق.
وبعد أن تبادلا التحية، أخذَه يوان إلى غرفة سيريت.
كانت سيريت جالسة بأدب عند طاولة الشاي، تنتظر.
وعلى الرغم من أنها رفضت العلاج بالأمس، إلا أنها كشفت ركبتها للطبيب بسهولة اليوم.
“لا يبدو أن هناك مشكلة في العظام. سأرسل لك دواءً ومرهمًا. إن تناولتهما واستخدمتِ المرهم جيدًا، ستتعافين بسرعة.”
“شكرًا لك، طبيب كين. آه، وبشأن نتائج تحاليل هانا … كانت نتائج تحليل دمها جيدة، لذا شعرت بالارتياح.”
ابتسمت سيريت.
“إن كانت هناك أمور تثير قلقكِ، فاتصلي بي في أي وقت.”
انحنى الطبيب كين وغادر الغرفة مع يوان.
وبمجرد أن خرجا، تحدث يوان.
“لنتحدث قليلًا.”
“نعم، يا سمو الدوق.”
قاد يوان الطبيب إلى مكتبه.
وأشار له بالجلوس على الأريكة، ثم جلس أمامه.
فتح يوان فمه أكثر من مرة، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة.
لم يكن سهلًا أن يقول إن دوقًا قد جنّ.
خصوصًا حين يكون هو الدوق نفسه.
لكن الطبيب كين، بطبعه الهادئ والصبور، انتظر دون أن يضغط عليه.
“أحلم بأحلام غريبة.”
وأخيرًا تحدّث يوان.
“أحلام غريبة؟”
اعتدل الطبيب كين في جلسته.
شرح له يوان تفاصيل الأحلام، وكيف يشعر بعدها، وما الذي يفعله جرّاء ذلك.
“إن لم أتأكد أن زوجتي ما زالت حية، أشعر أنني سأفقد عقلي.”
“هل يحدث ذلك فقط بعد أن ترى تلك الأحلام؟”
عند سؤال الطبيب، مرّر يوان يده على وجهه.
“في البداية، نعم. لكن الوضع يزداد سوءًا.”
“هل يمكنك الشرح بدقة أكبر؟”
أخرج الطبيب دفتره وقلمه.
“حتى في حياتي اليومية، يهاجمني القلق فجأة. أقلق هل زوجتي بخير… هل حدث لها شيء.”
“وماذا تفعل حينها؟”
“إن كانت قريبة… أتأكد منها.”
“وإن لم تكن؟”
“أتحمّل.”
حتى وإن كان القلق يشتعل داخل صدره، لم يكن هناك ما يستطيع فعله.
طالما لم يكن الحلم للتو، بقي لديه بعض السيطرة.
لكن لم يكن يعرف إلى متى ستبقى تلك السيطرة.
“هل يمكنك تذكر متى بدأ هذا القلق لأول مرة؟”
“لستُ متأكدًا.”
حاول يوان أن يسترجع ذاكرته.
هل كان بعد أن طلبت سيريت فسخ الخطبة؟
أم بعد أن قالت إنها تكره يوان فريكتويستر؟
أم منذ بدأت تلك الأحلام؟
لم يستطع التحديد.
وربما كانت كل تلك الأشياء مجتمعة.
“لابد أن هناك حدثًا أيقظ شيئًا دفينًا في عقلك الباطن.”
“وإن عرفتُ ما هو… هل يمكنني الخروج من هذه الحالة؟”
أجاب الطبيب بنظرة متحيرة.
“لا أستطيع أن أعدك بذلك.”
“عندما أستيقظ من الحلم، أركض حافيًا نحو زوجتي. ولا أدرك أنني حافيٌ إلا بعد أن أتحقق أنها تتنفس. وأحيانًا… أنسى حتى كيف أتنفس أنا.”
“……”
وعندما رأى يوان النظرة الجادة في عيني الطبيب، ضحك ضحكة تشبه التنهد.
“هل أنا أبدو طبيعيًا؟”
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 50"