قراءة ممتعة~~~
الفصل السابع والأربعين
“هااا…”
تنهدت سيريت تنهيدة طويلة.
لقد مرّ بالضبط خمسة أيام منذ الزفاف.
عاد والدها إلى موشيلي، وعاد جيريمي إلى سيرفي. حتى السيدة أوكسينبري عادت إلى منزلها، تاركة القصر هادئًا مرة أخرى.
الآن بعد أن هدأ القصر الذي كان مزدحمًا من قبل، بدا الهدوء باعثًا على شيء من الوحدة.
“آه… هذا ليس وقت هذا.”
لم يكن ينبغي لها أن تشعر بالوحدة. أطفأت سيريت الأنوار في غرفتها بسرعة واستلقت على السرير.
كانت تتجنب يوان بحجج متكررة.
في اليوم التالي للزفاف، عاد يوان إلى المنزل عند الفجر،
مع أنه قال “لنلتقِ الليلة.”
كانت ممتنّة، لكنها في الحقيقة كانت في حيرة.
أي متزوج حديثًا يبقى خارج المنزل طوال الليل؟
ادّعى يوان أن مشكلة في العمل قد ظهرت، لكن سيريت لم تصدّق ذلك حقًا.
قد يكون قال ذلك فقط، بينما قضى الليل كلّه مع ليديا.
ومع ذلك، منذ ذلك اليوم، كان يعود دائمًا قبل أن يتأخر الوقت، وكانا يتناولان العشاء معًا في كل مرة. وهذا جعل تجنّبه أصعب.
استخدمت كل عذر ممكن.
الرغبة في قضاء وقت مع والدها،
الشعور بالمرض،
الرغبة في التعلّم من عمتها.
لكن اليوم، كان والدها وعمّتها غائبين معًا.
وفوق ذلك، أكلت الكثير من لحم الديك الرومي على العشاء بحيث لم تعد تستطيع استخدام عذر انها مريضة.
لقد أكلت بشهية حتى إن يوان سألها إن كانت تحبّه إلى هذا الحد.
“هل أتظاهر بأن لدي عسر هضم؟”
لا، فقد يستدعي الطبيب كين مرة أخرى.
في الليلة التي استخدمت فيها عذر الصداع، أصرّ يوان على استدعاء الطبيب “كين”… إلى أن بدأ رأسها يؤلمها فعلًا.
ووعدت نفسها ألّا تستخدم عذر أنها مريضة مرة أخرى.
“سأتظاهر بالنوم الليلة. سيتغاضى عن الأمر، أليس كذلك؟”
متعبة جدًا من التفكير في عذر آخر، استلقت سيريت وأغمضت عينيها.
لم تمضِ فترة طويلة على استلقائها على السرير حتى دخل يوان غرفة النوم.
تسارع خفقان قلبها عند سماع وقع خطواته.
من فضلك، دع الأمر يمر. من فضلك.
وهي تدعو في سرّها، كانت تصغي لكل حركة يقوم بها.
اقترب يوان من السرير سريعًا واستلقى بجانبها بشكل طبيعي.
شعرت بالتوتر من قربه الشديد. حتى تنفسها بدا مسموعًا أكثر من اللازم.
“أأنتِ نائمة بالفعل؟”
وصلها صوت يوان الخافت.
فتحت سيريت عينيها قليلًا.
كان الظلام يلف المكان على أي حال؛ لن يرى بوضوح.
“يبدو الوقت مبكرًا جدًا للنوم.”
“…….”
“كنت أتساءل أي عذر ستستخدمينه لتتجنّبيني اليوم… فإذا به التظاهر بالنوم؟”
ضحك بخفة.
لقد انكشف أمرها. بالطبع انتبه، فالوقت مبكر جدًا على أن تغفو حقًا.
في النهاية، جلست سيريت.
“حاولت أن أتظاهر بالنوم، لكنني فشلت.”
“يبدو أننا بحاجة إلى الحديث، أليس كذلك؟”
نهض يوان من السرير وأضاء المصباح.
أضاءت الغرفة، وتواجه الاثنان تحت الضوء.
تقاطعت نظراتهما.
بدا الهواء وكأنه يتحرك ببطء شديد.
كانت النظرة في عيني يوان مغرية بما يكفي لجعل معدتها ترتجف.
تجنّبت نظراته، وغادرت سيريت السرير بسرعة.
وعندما توجهت إلى طاولة الشاي، تبعها يوان. جلسا متقابلين وبينهما الطاولة.
“رجاءًا امنحني بعض الوقت، يا سمو الدوق.”
نطقت سيريت وهي تنظر إليه مباشرة.
بالطبع لم تستطع أن تقول
لا أستطيع النوم معك لأنني لا أستطيع إنجاب طفلك.
ولا،
أرفض أن يتم استخدامي في خطتك المرعبة.
لذا لم يكن أمامها سوى أن تتصرّف كفتاة بريئة وخائفة لم تستعد بعد.
لم يكن ذلك حلًا مثاليًا، لكنه كان شيئًا على الأقل.
“هل هي مشكلة يمكن حلها إذا أعطيتك وقتًا؟”
بدأ تعبير يوان يوحي على عدم الرضا قليلًا.
من الطبيعي أنه لم يعجبه الأمر. كان يريد طفلًا منها في أسرع وقت.
خفضت سيريت نظرها لتتجنب حدّة عينيه.
“…بصراحة، أنا خائفة. سمعت أنه يؤلم جدًّا.”
احمرّ وجه سيريت كما لو كانت فتاة بريئة.
أطلق يوان تنهيدة منخفضة. مرّر يده في شعره، واتكأ على ظهر الكرسي وهو يشبك ذراعيه. كان ينظر إلى سيريت بثبات، وكأنه يقول لها أن تواصل الحديث.
“أحتاج إلى وقت. وقت لأستعد نفسيًا.”
رفعت سيريت نظرها لتلتقي بعيني يوان، ثم تابعت كلامها.
“وكم من الوقت تحتاجين؟ كي تستعدي نفسيًا.”
“سنة؟”
نظرت سيريت إلى يوان بوجه يحمل قليلًا من الجرأة.
ضحك يوان بخفة عند سماعه كلمة سنة، ثم ما لبث أن حدّق فيها بنظرة حادة.
“سنة….”
غاص صوته المتذمّر إلى درجة منخفضة.
“هل يمكنك أن تمنحني ذلك؟”
“لابد أنك تخططين لأمر ما بعد عام؟”
عاد صوته إلى نبرة مائلة للسخرية.
“بعد سنة، سأكون أكثر نضجًا، أليس كذلك؟”
وكان لديها خطة. كانت تنوي تطليقه والهرب.
ابتسمت سيريت.
“وتتوقعين من رجل أن يقمع غرائزه لعام كامل منتظرًا نضج زوجته؟”
“يمكنك أن تحتفظ بعشيقة إن أردت. لن أمانع.”
قالت سيريت ذلك بوجه بريء.
في الحقيقة، كانت سترحب بذلك. سيكون الأمر مثاليًا لو خانها.
“هاا.”
أطلق يوان ضحكة مليئة بعدم التصديق.
“هناك الكثير ممن يعيشون هكذا. يتخذون عشّاقًا… ويقيمون علاقات سرية…”
“ولماذا تشجّع زوجة جديدة زوجها على الخيانة؟”
انخفض صوت يوان حتى أصبح باردًا.
ارتجفت سيريت من برودة صوته.
وتجنّبت عينيه الرماديتين الغاضبتين، متعجلة في الشرح.
“أنا لا أشجّعك… أنا فقط أفكر في مصلحتك، يا سمو الدو—”
“لأنك لا تحملين أي حب لزوجك؟”
قاطعها يوان بنبرة باردة.
تصلّب تعبير وجهه كالحجر.
وكانت عيناه الرماديتان الباردتان حادتين كالشفرة، مما جعل سيريت تبتلع ريقها دون وعي.
“…….”
“لا سبب آخر يجعلك تقولين شيئًا كهذا.”
واصل يوان التحديق فيها بذلك الوجه الجليدي.
“هل تريد حبي؟”
سألت سيريت.
“على الزوجة واجب احترام زوجها ومحبته. أليس كذلك؟”
قال يوان ذلك وهو ينظر مباشرة في عينيها.
تسببت تلك الكلمات في صدمتها.
ثم صعد الغضب إلى داخلها.
فالواجب في الاحترام والمحبة لا يقتصر على الزوجة وحدها.
رجل لم يحترمها قط، ولا أحبها ولو مرة واحدة، تجرأ الآن على الكلام عن الحب والواجب؟
تصلّب وجه سيريت.
“معظم الأزواج يكونون كذلك، لكننا لسنا مثلهم. نحن لم نتزوج عن حب. وأيضًا لقد تعلّمت أن الزواج لا يقوم على الحب.”
أجبرت سيريت صوتها على البقاء هادئًا.
“…….”
“لقد علّمتني ذلك بنفسك، يا سمو الدوق. الزواج لا يقوم على الحب. قلت ذلك عندما تقدّمت لخطبتي. أم أن ذاكرتي تخونني؟”
“لا،أنتِ محقّة. تتذكّرين جيدًا.”
“المرأة… على عكس الرجل، تحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة لتشارك فراشها مع شخص لا تحبه. لذا نعم— أنا أحتاج إلى وقت لأستعد.”
كانت كلمات سيريت واضحة، لكنها شعرت برغبة في البكاء.
في حياتها السابقة، لم تحتج إلى شجاعة.
ما دام الأمر يتعلق بيوان فريكتويستر، كان ذلك كافيًا.
تحملت الخوف والألم لأنها كانت تحبه.
وأنت من دمّر ذلك.
لقد حطمتها لدرجة أنها لم تعد قادرة على حب أي شخص.
راقبها يوان بهدوء.
“…حسنًا. سأمنحكِ بعض الوقت يا زوجتي.”
“بما أنكَ ستنتظر… يجب أن أشكرك على ذلك.”
“لكن هناك أمرًا واحدًا عليكِ أن تتذكّريه.”
”…….”
نظرت إليه سيريت بعينين تسألان عمّا يقصده.
“رفض العلاقة الزوجية يمكن أن يكون سببًا كافيًا للطلاق.”
”…سببٌ للطلاق؟”
اهتزّت عينا سيريت مع سماع كلمات يوان.
“لو تم طلاقنا بهذه الحالة، فالشريك المذنب سيكون سيريت فريكتويستر. لستُ أنا.”
“هذا….”
“هذا….”
تلاشى صوت سيريت عند آخر الجملة.
لم يكن كلام يوان خطأً، ولم تستطع إخفاء الارتباك الذي ظهر على وجهها. لم تفكر في ذلك مطلقًا، ولا يجب أن يكون هناك أي ثغرة صغيرة ضدها.
“لذلك… حاولي أن تجمعي شجاعتكِ بأسرع وقت، يا سيريت.”
نهض يوان واقفًا وهو يقول هذا.
نظرت إليه سيريت في صمت.
ولوهلة، حدّق الاثنان في بعضهما—
نظرات متبادلة وكأنهما يدرسان أحدهما الآخر.
أطلق يوان تنهيدة خفيفة، ومسح بلطف مؤخرة رأسها بيده الكبيرة.
ثم انحنى وطبع قبلة على جبينها.
“أثق بأنكِ ستسمحين لي على الأقل بقبلة المساء، يا زوجتي.”
ابتعد خطوة إلى الخلف.
“بالطبع، يا سمو الدوق.”
أجابت سيريت وهي تلتقي بعينيه مباشرة.
أومأ يوان إيماءة صغيرة وغادر الغرفة.
بمجرد خروجه، أطلقت سيريت تنهيدة عميقة.
يبدو أنها بحاجة إلى وضع خطة أخرى تحسّبًا لاحتمال فشل الطلاق.
***
قلّب يوان بعض الأوراق، ثم وضع قلمه بخشونة واتكأ إلى الخلف في كرسيه.
أصدر الكرسي صوتًا خافتًا وهو يتحرك.
‘المرأة… على عكس الرجل، تحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة لتشارك فراشها مع شخص لا تحبه.’
كانت كلمات سيريت من الليلة الماضية تتردّد بلا توقف في أذنيه.
أطلق ابتسامة مريرة.
لم يكن هذا شيئًا جديدًا.
فمنذ أن حاولت فسخ الخطبة، وهي تكرر الشيء نفسه وهو انها لا تحبه.
لم يكن عليه أن يشعر بالأذى من كلمات سمعها مرات لا تُحصى—
ومع ذلك ظل يقلبها في ذهنه كالأحمق.
رفع يوان عينيه إلى السقف، وكأنه يقيس صبره.
كم من الوقت يمكنه أن ينتظر زوجة لا تشعر بأي حب نحوه؟
فجأة، سُمع طرق على الباب.
اعتدل يوان في جلسته.
“ادخل.”
وعند ردّه، دخل السكرتير.
“ إنّ صاحب السمو الدوق الأكبر بوبرويل قد حضر.”
“أدخِلوه”
أومأ يوان قائلًا.
وحين تنحّى السكرتير جانبًا، دخل ريغان بوجه مشرق.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 47"