قراءة ممتعة~~~
الفصل الخامس والأربعين.
‘أيُّ تهنئةٍ هذه؟’
نظرت سيريت إلى يوان بتعبيرٍ ملتوي.
كان ما قاله أقرب إلى لعنةٍ من كونه تهنئة. عدّلت تعبيرها وأجبرت الابتسامة على العودة إلى وجهها.
تبادل الاثنان خاتمي الزواج ووقفا أمام الضيوف. عندها فقط بدأت وجوه الحاضرين تتضح أمامها.
مرت نظرة سيريت على وليّ العهد وزوجته وريغان ثم إلى ليديا الجالسة بجوارهما.
‘فستانها كان مبالغًا فيه.’
بمجرد أن رأت ليديا، عادت إلى ذهنها كلمات إيف.
وكما قالت إيف، كان فستان ليديا متباهيًا. الفستان الوردي المزيّن بحبات الخرز اللامعة كان يتلألأ تحت الأضواء.
تساءلت في نفسها أَيُفترض بها أن تشكرها لأنها على الأقل لم ترتدِ تاجًا؟ نقرَت سيريت لسانها في سرّها.
كان مشهد محاولة ليديا اليائسة لإبراز نفسها في حفل زفاف يوان مشهدًا يبعث على الشفقة.
“سيريت.”
في تلك اللحظة، وصلها صوت يوان.
“نعم؟”
انتبهت سيريت من شرودها في ليديا ورفعت رأسها لتنظر إلى يوان.
“يطلبون منا تبادل قبلة العهد، والعروس تنظر في اتجاهٍ آخر.”
لمعت في عيني يوان لمحة من الانزعاج.
أثار ضيقه أن سيريت كانت تحدّق بريغان طوال الوقت. أزعجه أن تنظرعروسته نحو رجلٍ آخر في حفل زفافها.
“نعم.”
أغمضت سيريت عينيها كأنها تقول: “لننتهِ من الأمر بسرعة فحسب.”
انقبض ما بين حاجبي يوان. رؤية هذا الضيق الواضح على وجهها انتزعت منه تنهيدةً غير مصدِّقة.
لف ذراعه حول خصرها وجذبها بقوة إلى صدره. ارتبكت سيريت وفتحت عينيها قليلًا من المفاجأة.
“هل تملكين ثقةً في أن تحبّيني طوال حياتك؟”
سأل يوان بصوتٍ منخفض.
“……”
اهتزّت عينا سيريت.
في حياتها السابقة، كانت واثقة من أنها قادرة على أن تحب هذا الرجل وحده ما دامَت على قيد الحياة.
أما الآن؟ فكانت واثقة من أنها قادرة على أن تكرهه طوال حياتها.
“لم لا تجيبين؟”
“لأنني لا أرى أن السؤال يستحق جوابًا.”
“أتقصدين أنكِ واثقة أنكِ ستحبّينني إلى الأبد لدرجة أن الإجابة لا تستحق عناء النطق بها؟”
“……”
أطبقت سيريت شفتيها أمام سؤاله التالي.
“أم أن العكس هو الصحيح؟”
تبعثر صوت يوان المرير قرب أذنها.
“قبّلني وحسب.”
توقف عن خدش أعصابي بكلمات لا طائل منها.
رفعت سيريت ذقنها. كان مثيرًا للسخرية أن يتحدث رجل خان حبّها عن “الحب”.
رجل لا يستحق حتى أن يُحَب.
“حسنًا. ما دام هذا ما تريدينه بشدة.”
ابتسم يوان ابتسامة مائلة، ثم التهم شفتي سيريت.
اصطدمت شفتاه بشفتيها بقسوةٍ خفيفة، تحملان كل ما في داخله من مشاعر.
رغبة تملّك تجاه امرأة تحاول الإفلات منه،
ومشاعر غريبة أثارتها تلك الرغبة بالتملك،
والارتباك المنبعث من تلك المشاعر الغريبة.
في الآونة الأخيرة، كان يوان يشعر وكأنه يواجه مسألةً بلا جواب واضح.
معادلة غريبة بلا حل، مع أن الحل يقف أمامه في صورة هذه المرأة.
كيف يُفترض به أن يعثر عليه؟ شدّ قبضته حول خصرها أكثر.
حتى مع تصفيق الضيوف وصفيرهم الذي دوّى في أذنيه، بقي تركيز يوان منصبًّا على البحث عن ذلك الجواب.
فقط عندما دفعت سيريت صدره ابتعدت شفتيهما عن بعض.
التقت نظراتهما، وفي عيني سيريت كان الغضب والإستياء واضحين.
لماذا تنظر إليّ زوجتي دائمًا بهذا الوجه؟
امرأة بلا جواب.
قبل أن يشعر بذلك، تحوّلت سيريت في عالم يوان إلى أعقد مسألة على الإطلاق.
“إلى زوجتي العزيزة، أقدّم لكِ ثنائي ومحبّتي.”
أمسك يوان بيد سيريت وقبّل خاتم الزواج الذي يزيّن إصبعها.
يوماً ما، لا بد أن يجد الجواب.
انعكست صورة سيريت في عينيه الرماديتين.
***
رفعت سيريت وجهها المحمّر في حياتها السابقة لتنظر إلى يوان.
بعد أن أنهت استحمامها وعادت إلى غرفة النوم، وجدته قد سبقها إلى هناك.
“سمو الدوق.”
نادته بصوتٍ مرتجف.
كانت قد تعلّمت من السيدة هيل، كبيرة خادمات منزل إينوهاتر، ما يفترض أن يحدث هذه الليلة.
قالت لها إن ذلك قد يكون مؤلمًا بعض الشيء، لكنه في الوقت نفسه فعلٌ جميل يتقاسم فيه الزوجان أعمق مشاعر التواصل.
وهكذا، آمنت سيريت أن هذه الليلة ستكون ليلة رائعة حقًا.
تقدّم يوان دون كلمة وأطبق شفتيه على شفتيها.
ارتجفت سيريت وتراجعت خطوة إلى الخلف، فشدّها من خصرها بقوة حتى التصقت به.
بعد أن افترق عن شفتيها، نظر إليها.
وفي عينيه سؤال يستأذنها بصمت. احمرّ وجهها وابتسمت بخجل.
ليلة تقضيها مع الرجل الذي تحبّه—كانت جاهزة لهذه اللحظة الجميلة.
وكأنه فهم ما تريد، حملها يوان بين ذراعيه وسار بها نحو السرير.
بعد أن وضعها على الفراش، خلع رداءه وثياب نومه دون ذرّة تردّد.
برز جسده العاري أمامها، فبادرت إلى إغلاق عينيها بإحكام.
راح يوان يطبع قبلاته عليها بينما تنزلق يداه بلا تروٍّ لينزع قميص نومها.
لم يكن في لمساته لا رفقٌ ولا رومانسية.
على السرير، لم يكن يوان فريكتويستر رجلًا نبيلًا البتّة.
قالت السيدة هيل إنه فعلٌ رائع تتواصل فيه الزوجة مع الزوج، لكنّ سيريت لم تشعر بأي رابطٍ بينها وبين يوان.
“سمو الدوق… هل هذا هو الصواب؟”
ارتجف صوت سيريت، وجسدها هو الآخر كان يرتعش.
كان الشعور يهمس لها بأن هناك خطبًا ما.
أمسك يوان بمعصميها وحدّق إلى الأسفل نحوها.
كانت نظراته اللامبالية غارقة في الشهوة، لكن لم يكن فيها أثر للمودّة.
“لا أظن أن هذا صحيح. لا يبدو الأمر صحيحًا… على الإطلاق.”
حدقت سيريت في عينيه بعينين دامعتين.
ظل يوان يحدق فيها للحظة، ثم اطبق شفتيه على شفتيها في مللٍ نافد الصبر.
ومنذ تلك اللحظة، لم تستطع أن تنطق بحرف.
لم تفارق شفتاه شفتيها تقريبًا، وبعد أن انتهت تلك القبلة العميقة، اجتاحها ألم غريب جعل الكلام مستحيلًا.
انتشر في جسدها ألمٌ غريب، وإحساس لم تألفه من قبل.
لم تستطع أن تستعيد رشدها، وغرقت في النوم كما لو أنها أُغمي عليها.
لا تدري كم من الوقت مرّ. رفرفت جفونها وفتحت عينيها ببطء.
كان جسدها كله ينبض بالألم. ذلك الوجع الخافت، الذي لم تختبره من قبل، جعلها في حيرةٍ وارتباك.
كان جسدها يؤلمها، وقلبها يشعر وكأن ريحًا باردةً تعصف فيه.
الفراغ الغريب الذي خلّفته تلك التجربة الجديدة تمدّد في أنحاء جسدها، لكن الشخص الوحيد الذي كان يفترض به أن يضمّد هذا الفراغ لم يكن موجود.
حدّقت سيريت، التي قضت ليلتها الأولى، في المساحة الفارغة إلى جانبها.
الرجل الذي ظلّ يقتحم جسدها طوال الليل اختفى وكأن وجوده لم يكن إلا وهمًا.
مدّت يدها تتحسس الملاءة المبعثرة إلى جوارها.
كانت باردة، ما يعني أن يوان قد غادر منذ وقتٍ طويل.
لم تكن تريد أن تفكر بهذه الطريقة…
لكنها شعرت وكأنها تُركت في الخلف.
“السيدة هيل كاذبة.”
قالت إنه فعل جميل تتقاسمه مع الزوج، لكن…
حمّلت سيريت السيدة هيل ذنب ما تشعر به، لا لشيء سوى عجزها عن مواجهة الحقيقة.
مع أن من جرح جسدها وقلبها هو يوان، إلا أنها لم ترد أن تلقي باللوم على زوجها.
انسابت الدموع من عيني سيريت.
كانت تتمنى لو أنه عاملها بلطفٍ أكبر. كانت تريد أن تكون محبوبة.
بقيت تبكي وحدها لفترة طويلة.
“شهقة”
رأت حلمًا. ذكريات حياتها السابقة عادت على شكل حلم. ارتجف فكّها وتجمعت الدموع عند طرفي عينيها.
ثم أحست بيدٍ تمسح دموعها برفق. فتحت سيريت عينيها.
كانت لمسة حانية، لم تختبر مثلها قط في حياتها السابقة.
في تلك اللحظة، تصاعد حزنها من الأعماق.
كم بدا ذلك الرجل قاسيًا، أن يأخذ منها ما يريد ثم يختفي.
كانت تلك أول مرة لها.
كم كان الألم شديدًا، وكم كانت خائفة.
عادت كل المشاعر التي اختبرتها في تلك الليلة بكل حدتها، حتى ضاق صدرها.
“هل نمتِ جيدًا؟”
صوت من جوارها—لوجود لم تنتبه إليه—ألقى عليها تحية الصباح.
ارتجفت سيريت والتفتت إلى جانبها.
كان يوان متكئًا في وضع مريح على مسند السرير.
في الليلة الماضية، كانت مرهقة إلى حد أنها، بعد أن أنهت استحمامها، سقطت في النوم فورًا.
ولذلك لم تنتبه إلى وجوده بجانبها.
“يوان.”
جلست سيريت في مكانها.
“يبدو أنكِ رأيتِ حلمًا سيئًا.”
مسح يوان الزواية الرطبة من عينيها بتعبيرٍ لا مبالٍ.
“لماذا أنتِ هنا؟”
وقعت نظرة سيريت الحائرة على وجهه.
“لأنني نمت هنا؟”
أجاب يوان بنبرة تحمل سؤالًا ضمنيًا “وهل في ذلك ما يثير العجب؟”
بمجرد أن سمعت جوابه، نظرت سيريت إلى ثوب نومها بسرعة.
ومن حسن حظها أنها ما زالت ترتدي قميص النوم.
“لست من ذلك الصنف الرديء الذي يفعل أشياء غريبة بزوجة نائمة.”
“نعم، أعتقد أنك لست كذلك.”
سعلت سيريت بخفة ونزلت من السرير على عجل.
رفعت يدها إلى شعرها المبعثر لتعدّله، ثم التفتت إلى يوان.
“لكن لماذا نمت هنا من الأساس؟ هذه غرفتي.”
“إنها ليلتنا الأولى. أين تظنين أنه ينبغي أن أنام إذن؟”
نزل يوان من السرير.
ومع انزلاق الغطاء عنه انكشف الجزء العلوي من جسده المتين. الكتفين العريضين والعضلات المشذبة كانت أشبه بعملٍ منحوت.
كان جسده جميلًا دائمًا.
لم تستطع سيريت إلا أن تعترف في نفسها أنها ما زالت معجبة بجسده القوي.
“عادًة كما تعلمين…”
ضحك يوان ضحكة خافتة على سيريت الهادئة، وتقدم نحوها بخطوات واسعة.
رفعت سيريت رأسها تنظر إلى يوان الواقف أمامها، وهي ترمش بعينيها.
لماذا يقترب بهذا الشكل المربك؟
“عادةً ماذا؟”
“عادًة، عندما ترى الزوجة جسد زوجها العاري لأول مرة، تحمرّ خجلًا وتشيح بنظرها… لا أن تحدق فيه بهذه الطريقة.”
“آوه، هل هذا صحيح؟”
لم تكن هذه المرة الأولى بالنسبة لها.
لقد رأته بهذا الشكل مراتٍ لا تُحصى. لم تعد تشعر بالخجل، والواقع أن الأثر قد خفّ كثيرًا.
إنه جسد جميل، لكنّها تعبت من رؤيته.
“من المفترض أن هذه أول مرة ترين فيها جسد رجلٍ عاريًا.”
وقع نظر يوان المليء بالتساؤل على سيريت.
“لكنّك ما زلت ترتدي بنطالك. لست عاريًا بالكامل.”
هزّت سيريت كتفيها.
حتى لو خلع البنطال، فلن يحصل على الوجه الخجول المرهف الذي يتوقعه من عروسٍ جديدة.
لقد اعتادت عليه أكثر من اللازم.
“أأخلعه إذن؟”
سألها يوان بعينين نصف مغمضتين، وبنظرة مترفة متراخية.
“في هذا الوقت من الصباح؟ الشمس اشرقت!”
أشارت سيريت إلى النافذة التي كان الضوء يغمرها.
“وهل يهم بين الزوجين أن يكون الوقت صباحًا أو ليلًا؟ إذا أرادا فعلها، فهما يفعلانها.”
وفي لحظة، رفع يوان سيريت فجأة بين ذراعيه. اتسعت عيناها دهشة.
“سمو الدوق، تمالك نفسك رجاءً!”
ما الذي يحاول فعله في هذا الوقت من الصباح! تشبثت سيريت بكتفيه وهزت رأسها.
أنزلها يوان على السرير، واسند يديه على جانبي رأسها.
“فلنجرب ما لم نتمكن من فعله الليلة الماضية.”
وارتسمت على وجهه ابتسامة فاتنة.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 45"