قراءة ممتعة~~~
الفصل الثاني والأربعين.
“سموك، لقد حصلنا على الألماس الأزرق.”
قال المساعد ديريك بوجهٍ يملؤه السرور.
“حقًا؟”
حتى يوان، الذي نادرًا ما تظهر عليه العواطف، ارتسمت على وجهه في تلك اللحظة لمحة فرح.
لقد انتظر طويلًا لا يعلم كم من الوقت ليحصل على الألماس الأزرق ذاك.
ولأنه أتى في وقتٍ كهذا، فربما الطفل الذي في بطن سيريت قد جلب له الحظ.
ابتسم يوان بهدوء، ونزع خاتم الزواج الياقوتي من إصبعه.
“يقولون إنه سيستغرق أسبوعًا تقريبًا ليصل، لأنه قادم من قارة آكي.”
كان يوان على وشك الرد على ديريك، حين فُتح الباب ودخلت خادمة سيريت.
“سيدتي بدأت آلام المخاض.”
“المخاض؟”
وقف يوان بسرعة، والتوتر بادٍ على وجهه.
إذًا، الطفل أخيرًا سيولد.
خرج يوان بخطواتٍ سريعة من المكتب.
وبقي خاتم الزواج الياقوتي، الذي لم يعد بحاجة إليه، وحيدًا على المكتب.
بعد أسبوعين، كان خاتم من الألماس الأزرق المصقول في يد يوان.
حدّق فيه بوجهٍ خالٍ من التعبير، ثم ابتسم بسخريةٍ شاحبة.
“حان وقت حضور الجنازة، يا سيدي. يجب أن نغادر الآن فعلًا.”
قال ديريك بصوتٍ خافت.
“لا بد من ذلك. إنها جنازة زوجتي.”
نهض يوان بوجهٍ جامد.
نهض، لكن قدميه لم تتحركا.
ألقى نظرة على المكتب المألوف.
الأيام الماضية كانت ضبابية، ربما لأنه لم ينم جيدًا.
هل سيتمكّن من النوم بعد انتهاء الجنازة؟
بهذا التفكير، غادر يوان المكتب.
كانت الجنازة في دير الدوقية كئيبة الأجواء.
فقد سقط الفيكونت إينوهاتر مغشيًا عليه من شدّة الحزن، مما أحدث بعض الاضطراب.
لكن يوان ظلّ بملامح غير متغيرة.
حدّق بوجه سيريت الراقدة داخل التابوت الزجاجي ببرود.
امرأة حمقاء.
ما زال يوان لا يعلم أي أثرٍ كان يُفترض أن يتركه موتها فيه.
حين حان وقت الوداع الأخير، اقترب يوان من سيريت.
كان وجهها، الغارق بين الزهور، شاحبًا.
حتى وهو ينظر إليها ممددةً في التابوت، لم يكن يشعر أن ما يراه حقيقي.
امرأة كانت في البيت دائمًا، كقطعة أثاث.
ولم يكن يظن أن اختفاء قطعةٍ واحدة من الأثاث سيُحدث فرقًا كبيرًا في حياته…
ربما سيواصل العيش جيدًا.
فذلك ما كان عليه يوان فريكتويستر.
أخرج يوان خاتم الألماس الأزرق من جيبه،
ووضعه ببطء في الإصبع الرابع من يدها.
كان الخاتم ملائمًا تمامًا ليدها.
***
حلّ الظلام في الغرفة.
جلس يوان على حافة السرير، يحدّق في سيريت وهي نائمة.
كان قد رأى في حلمه أنها ممددة داخل تابوت،
واندفع إلى هنا بلا وعيٍ منه.
الأسى الذي خنقه منحَه شعورًا بالعجز واليأس لم يعرفه من قبل.
دخل غرفة خطيبته دون إذن،
ولم يهدأ قلبه إلا بعد أن تأكد أنها ما زالت تتنفس.
كان عليه أن يعود بعدها مباشرةً، لكنه لم يستطع أن يخطو خطوة.
لذا ها هو الآن، يراقب خطيبته النائمة سرًا.
تحرّكت سيريت فجأة واستيقظت بفزع.
“مـن… مَن هناك…؟ يوان؟”
تعرفت عليه وسط الظلام، ونادت اسمه بصوتٍ مدهوش.
من دون أن ينبس بكلمة، جذبها يوان إلى صدره.
حين احتواها جسده، شعر وكأنه استعاد أنفاسه أخيرًا.
“يوان، ما الذي تفعله؟”
تململت سيريت محاولة الإفلات من يوان.
“لحظة واحدة فقط… لحظة واحدة يا سيريت.”
قال يوان بصوتٍ خافت وهو يضمّها بقوةٍ أكبر.
أراد فقط أن يبقى هكذا قليلًا، أن يتأكد أن امرأةً تُدعى سيريت ما زالت موجودة في هذا العالم.
“سموك.”
واصلت سيريت المقاومة، لكن يوان لم يتركها بسهولة.
وفي النهاية، بدا أنها استسلمت، فارتخت عضلاتها.
ثم سألت بصوتٍ أكثر هدوءًا.
“ما الأمر؟”
ذلك الصوت اخترق أعماقه.
وشعر بحزنٍ غريب يتسلل إلى قلبه، فاشتدت قبضته على ظهرها.
لم يفهم نفسه—
كيف يمكن لحلمٍ تافه أن يهزّه إلى هذا الحد؟
وبعد وقتٍ طويل، أخيرًا أفلتها من بين ذراعيه.
“رأيت حلمًا.” قال بصوتٍ مثقل.
“حلم؟ أكان ذاته؟ الحلم الذي متُّ فيه؟”
سألته سيريت وقد تذكرت حديثهما في العربة.
“نعم.”
في الظلام، تحسّس يوان حتى وجد يد سيريت،
ولمّا شعر بحرارة يدها الصغيرة، ارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة.
“هل عاودك الفضول مجددًا؟ لتعرف إن كنتَ تتمنى موتي؟”
“…”
“أم أنك أتيتَ مسرعًا لتقتلني بنفسك؟”
تنهد يوان بعمق عند نبرتها الباردة الحادة.
“لا تتصرّفي كمن تتمنى أن تموت على يدي.”
“ومن في هذا العالم يتمنى الموت؟”
قالت ذلك بنبرةٍ أكثر قسوة من صوتها، وسحبت يدها من قبضته.
وحين اختفت حرارتها من يده،
تسلّل القلق فجأةً إلى صدر يوان.
ذلك القلق انقلب في اتجاهٍ غريب، مثيرًا بداخله رغبةً متوحشة تجاه سيريت.
أراد أن يعضّ عنقها ويترك أثره هناك،
أن يغوص في جسدها ليُثبت أنها امرأته.
“سيريت.”
نادى اسمها وهو يكبح الرغبة المتأججة في داخله.
“ومهما كانت علاقتنا، فليس من اللائق أن تزورني في مثل هذه الساعة، يا دوق فريكتويستر.”
قالت سيريت معاتبةً.
تصرفه كان غريبًا عليها—
أن يُضطرب بهذا الشكل بسبب حلم؟
كيف يسمح رجل مثله لنفسه أن يُقاد بهذا الضعف؟
أم تراه يتظاهر بذلك فحسب؟
“بصراحة، أشعر وكأنك تسخر مني يا سموك.”
تمامًا كما فعل في العربة،
كأنه جاء في هذه الساعة فقط ليعبث بها مجددًا.
وإلا، فهل يُعقل أن يوان فريكتويستر يفقد صوابه من أجل حلم؟
“أسخر منكِ؟”
ارتعشت حاجبا يوان عند سماعه كلمة سخرية تخرج من فم سيريت.
فهي، في الحقيقة، من كانت تسخر منه.
لو عرفت الدافع الذي جعله يأتي راكضًا، لما قالت هذا.
“الحلم ليس سوى حلم.”
“الحلم ليس سوى حلم.”
ردد كلماتها ببطء.
نعم، كما قالت—الحلم ليس سوى حلم.
ما إن يستيقظ المرء، حتى يتبدد، مجرد وهمٍ لا حقيقة له.
ومع ذلك، لم يفهم يوان كيف يمكن لوهمٍ كهذا أن يفقده صوابه هكذا
“ولكن رؤيتك تموتين في الحلم تؤلمني.”
قال بصوت المنخفض.
حتى بعد استيقاظه، ظل الأثر يطارده.
كان أمرًا غريبًا—لا يشبهه أبدًا.
أن يعجز عن ضبط مشاعره، ويخلط بين الحلم والواقع.
“تصرفك هذا لا يليق بدوق فريكتويستر.”
“أعلم.”
هو يعرف أكثر من أيّ أحد أن هذا السلوك لا يليق به.
“لا تعذب نفسك بسبب موتي في حلم. لا تدع ذلك يؤلمك.”
لأنك لا تملك الحق في ذلك. كم هو مقزّز.
رمقته سيريت بنظرة باردة.
سيقتلها بعد أن تنجب طفله،
والآن يدّعي أنه يتألم لموتها في الحلم؟
حتى الكلاب الضالة ستضحك من سخافته.
هل يتصنع ذلك ليبدو إنسانًا حتى لا تهرب؟
لكنها لن تُخدع.
حدّقت به سيريت وسط الظلام.
ابتسم يوان بضعف، ثم نهض ببطء.
“آسف لإيقاظك. عودي للنوم.”
“نعم.”
أجابت ببرود، وهي تراقبه وهو يغادر الغرفة.
وقف أمام بابها المغلق يفكر—
هل هذه اللحظة هي الوقع؟
أم أن العالم الذي ماتت فيه سيريت هو الواقع،
وهذا الحاضر ليس إلا حلمًا؟
شعر وكأنه يسير وسط ضبابٍ كثيف.
***
زفرت سيريت وهي ترتشف الكاكاو الداكن.
كانت تفكر في سلوك يوان الليلة الماضية.
حين جاء إلى غرفتها، بدا ضعيفًا على نحوٍ غريب.
لم تره بذلك الشكل من قبل قط.
كم مرة فكرت أن يوان فريكتويستر لا يخاف شيئًا؟
لقد بدا دومًا قويًّا لا يهتز.
لكن البارحة، كان شخصًا آخر تمامًا.
“لماذا يواصل رؤية حلم موتي؟ هذا يثير الاشمئزاز.”
قطبت حاجبيها.
أبلغ به شغفه بقتلي حدّ الجنون؟
أم أن غضب لأنني أحرجت ليديا بالأمس، ولذلك رأى مثل هذا الحلم؟
يا له من حبٍّ عظيم.
كانت تتمتم ساخطَة حين دوّى طرقٌ خفيف.
“ادخلي.”
وقبل أن تنهي الكلمة، كانت هانا قد دخلت.
“آنستي، هل أنهيتِ فطورك؟”
“نعم.”
اقتربت هانا وتفحّصت الصينية على الطاولة الصغيرة.
ولما رأت أن السلطة والبسكويت قد أُنهيا تمامًا، ابتسمت برضا.
وضعت سيريت كوبها، ومسحت فمها بمنديل، ثم نهضت من مقعدها.
“أحسنتِ.”
“اليوم سيكون مزدحمًا.”
لم يكن لديها وقت لتفكر بالرجل الذي قتلها.
كان أمامها الكثير لتفعله اليوم.
في الصباح، عليها الخروج لأمرٍ مهم،
وفي المساء ستستقبل والدها القادم من موشيلي.
“هانا، استعدّي للخروج.”
“الآن؟ لكن الفيكونت سيصل في فترة ما بعد الظهر.”
“لديّ مكانٌ آخر لأذهب إليه في الصباح.”
“أين؟”
“سأذهب إلى منزل إيف، ثم نتناول الغداء سويًا.”
ابتسمت سيريت ابتسامة خفيفة.
وحين أنهتا الاستعداد، غادرت سيريت مع هانا إلى منزل إيف.
استقبلتهما إيف بوجهٍ مشرق.
كان البيت الصغير البسيط يعجّ بالأطفال.
إيف، التي لها إخوة كُثر، بدت منهكة من رعايتهم.
أطفال مشاغبون يركضون ويصرخون،
حتى شعرت سيريت أن روحها تغادرها من الفوضى.
“تا تا.”
وبينما كانت تنتظر بناءً على طلب إيف،
جاءت شقيقة إيف الصغيرة تترنح على قدميها وأمسكت بطرف فستان سيريت.
لمّا لاحظت الطفلة متأخرة، ابتسمت بلطف.
جثت سيريت على ركبتيها لتلتقي بنظرات الطفلة.
وجه الطفلة أعاد إلى ذاكرتها صورة طفلها—
ذاك الذي لم ترَ وجهه يومًا.
لم ترَ ملامحه، لكنه الطفل الذي حملته تسعة أشهرٍ كاملة.
وذلك وحده جعلها تحبه بعمقٍ لا يوصف.
لا بد أنه كان يبتسم بوجهٍ ملائكيٍّ كهذا.
كم كان سيكون جميلًا وهو يمشي بخطواتٍ متعثرة.
طفلي.
طفلي الذي لن أعرف اسمه أبدًا.
امتلأت عينا سيريت بالدموع.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
التعليقات لهذا الفصل " 42"