قراءة ممتعة~~~ 
الفصل الأربعين. 
 
“دعيني أرى هذه الحقيبة!”
ارتدّ صوت هانا في أرجاء الردهة.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على طرف شفتي سيريت، ثم اختفت بينما كانت تراقب المشهد.
‘هانا خاصتي… ممثلة بارعة فعلًا.’
أُعجبت سيريت بأداء هانا وهي تتذكر ما حدث قبل بضع ساعات فقط.
حين عادت إلى غرفتها بعد أن قضت وقتًا قصيرًا في غرفة السيدة أوكسينبري،
دخلت هانا وهي معها إحدى الخادمات.
وبمجرد أن تأملتها سيريت، أدركت أنها الخادمة نفسها التي كانت تتحدث مع أنيتا في وقتٍ سابق.
“آنستي، آن تقول إن لديها شيئًا تريد قوله لك.”
قالت هانا وهي تتقدم نحو سيريت.
‘إذًا اسمها آن…’ فكرت سيريت.
“حسنًا يا آن، ما الذي تودين قوله؟”
قالت سيريت وهي تعتدل في جلستها بعدما كانت مسترخية على الأريكة.
“لقد… رأيت شيئًا غريبًا.”
“شيئًا غريبًا؟”
أمالت سيريت برأسها قليلًا.
ترددت آن، وعيناها تتحركان بتوتر. فتحت فمها وأغلقته مرات، ثم أخيرًا تكلمت.
“لقد رأيت… الآنسة إليوت وهي تخرج من غرفتكِ، كانت تمسك بشيء يشبه علبة خاتم…”
توقفت آن فجأة، تتفحص ملامح سيريت بقلق.
“ماذا؟ علبة خاتم؟”
“نعم.”
هزّت آن رأسها.
“إذًا تقولين إن الآنسة إليوت سرقت خاتمي؟”
“نعم، يبدو كذلك.”
أومأت آن بحماس، وكأنها أخيرًا أفرغت ما يثقل صدرها.
حينها هرعت هانا نحو طاولة الزينة وفتحت الدرج بسرعة.
تجمد وجهها شاحبًا وهي تلتفت نحو سيريت.
“آنستي، لقد اختفى! العلبة فعلاً غير موجودة!”
بمجرد سماعها ذلك، نهضت سيريت من مقعدها وتقدمت بخطوات سريعة.
وفعلاً، الدرج الذي كان من المفترض أن يحتوي على علبة الخاتم كان فارغًا تمامًا.
كانت متأكدة أنها وضعتها هنا بعد عودتها من غرفة الاستقبال.
أين اختفى؟ الزواج بعد أيام فقط… ولا وقت لصنع بديل.
يديها، اللتان كانت تعبثان بالدرج، بدأت تبطئان تدريجيًا.
شعور مألوف… لا، كانت ذكريات من حياتها السابقة تندفع في عقلها.
شيء مشابه حدث من قبل.
المكان مختلف، والشيء المفقود مختلف، لكن الموقف… هو نفسه.
حين كانت ليديا تقيم في القصر في حياتها السابقة،
اختفى العقد الذي أهداه يوان لسيريت في عيد ميلادها.
وقتها أيضًا، قالت خادمة إنها رأت ليديا وهي تسرقه.
صدّقت سيريت تلك الكلمات تمامًا، واتهمت ليديا أمام يوان مباشرة.
صرخت عليها قائلة إنها تعرف أنها سرقت العقد.
وكان ذلك بعد أن اكتشفت لقاءاتهما السرية في القصر، فازداد حقدها عليهما أكثر.
شعرت وكأن ليديا سرقت منها زوجها ثم هديتها أيضًا، فانفجرت من غير تفكير.
لكن ليديا أنكرت بشدة.
وباقتراح من يوان، فتشوا الغرفة مجددًا معًا.
العقد، الذي كانت سيريت متأكدة أن ليديا أخذته، وُجد قرب سريرها مع إنه لم يكن هناك عندما بحثت أول مرة.
بكت ليديا حينها، وسيريت حاولت أن تشرح أنها فقط صدّقت ما قالته الخادمة، لكن الخادمة أنكرت كل شيء.
وما نالته سيريت مقابل ذلك… كان نظرة احتقار من يوان.
‘كنتِ متهورة يا زوجتي. اعتذري كما يجب.’
‘لكنني متأكدة أنني سمعت ذلك. لا أريد الاعتذار.’
قالت سيريت وهي تبكي، لكن يوان لم يلن قلبه.
منذ ذلك اليوم، تغيرت معاملته لها.
كان ينام بجانبها ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، لكن بعد الحادثة لم يزر غرفتها أبدًا.
كان واضحًا أنه لن يعاملها كزوجة حتى تعتذر.
وبعد أيام من الانكسار، اضطرت سيريت أن تعتذر لليديا.
كان شعور الإهانة لا يوصف —
أن تعتذر لامرأة كانت عشيقة زوجها.
هي التي كان يجب أن تتلقى الاعتذار، لا أن تقدمه.
ليديا ابتسمت يومها وقالت: ‘كان عليكِ أن تعتني بأشيائكِ جيدًا يا سيريت.’
ترددت تلك الجملة في رأسها الآن، حتى ارتجف جسدها من الغيظ.
توقفت سيريت عن البحث عن الخاتم، ورفعت عينيها نحو الخادمة المسماة آن.
“آنستي، ما العمل؟ لم يتبقَ سوى أيام على الزفاف.”
قالت هانا، وقلقها واضح في صوتها المرتجف.
“لا تقلقي يا هانا. أنا أعرف من هو اللص.”
“آنستي، أرجوكِ، لا تتدخلي بنفسك. أخبري الدوق.”
“لا داعي لذلك.”
ابتعدت سيريت عن طاولة الزينة، وتقدمت نحو آن بخطوات واثقة.
الخادمة المرتبكة، شبكت يديها أمامها وتصلبت في مكانها.
“آن، أعيدي إليّ خاتمي.”
مدت سيريت يدها نحوها.
“مـ-ماذا؟ أنا؟”
توسعت عينا آن.
“سيدتي، لم تأخذه آن! الآنسة إليوت هي من فعلت!”
صرخت هانا وهي تسرع بالدفاع عنها.
“لا، آن هي من أخذته. أنيتا أمرتها. قالت لها أن تسرق الخاتم.”
“لا! هذا ليس صحيحًا! لا أعلم عما تتحدثان!”
هزّت آن رأسها بجنون، وقد بدأ الذعر يتسلل إلى ملامحها.
“بل صحيح. كنتِ تنوين إرجاعه لاحقًا — بعد أن أتهم الآنسة إليوت أمام الدوق. كنتِ ستضعينه تحت السرير، أليس كذلك؟”
اقتربت سيريت خطوة وهي تتحدث.
“آ-آنستي…؟”
ارتجفت عينا آن.
‘إذًا، مكائد ليديا لم تتغير… لا في تلك الحياة، ولا في هذه.’
‘لكن هذه المرة، لن أقع.’
سخرت سيريت في داخلها.
“آن، لقد رأيتكِ تتهامسين مع خادمة ليديا، أنيتا.”
“ذـ-ذلك لأن… لأنني من نفس مسقط رأسها! كنا فقط نتحدث!”
تلعثمت آن.
“وأين مسقط رأسك إذًا؟”
سألت سيريت بوجه خالٍ من التعابير.
“رـروديلان…”
تشابكت يدا آن المرتجفتان.
لم تكن تعلم أصل أنيتا — لكنها افترضت أن سيريت لا تعرف أيضًا.
‘وكيف لآنسة من موشيلي أن تعرف؟’
حاولت تهدئة نفسها، لكن نبضها كان يتسارع.
نظرت سيريت إلى يديها المرتعشتين.
كانت محقة — آن لا تعرف.
“موطن أنيتا هو موشيلي.”
قالت سيريت بنبرة ثابتة.
لم تكن تعرف إن كان ذلك صحيحًا، لكنها فهمت خوف آن تمامًا.
كانت الفتاة خائفة من انكشاف أمرها.
“هانا، ألم تقولي إن أنيتا صديقة ابنة عمك؟”
التفتت سيريت نحوها.
“نعم! صديقة ابنة عمي — ورأيتها عدة مرات في طفولتي، في موشيلي!”
أجابت هانا بسرعة، متقنةً دورها.
شحب وجه آن أكثر وارتجفت حتى صارت تكاد تبكي من الذعر.
لكن سيريت لم تُظهر أي تأثر.
“حسنًا يا آن. لا أريد أن أضيع وقتي أكثر. أعيدي الخاتم الآن، ولن أحمّلك المسؤولية.”
لكن آن ترددت، عاجزة عن القرار.
“فكّري جيدًا يا آن. إن لم تعيدي الخاتم، سأخبر الدوق أنكِ سرقتِه. هل تظنين أنه سيسامحكِ؟”
“آ…آنستي…”
لم يكن خاتمًا عاديًا، بل خاتم الزواج.
ستدفع الثمن غاليًا إن كُشف أمرها.
فالدوق لا يرحم الخدم.
ربما تُزج في السجن.
“وحتى لو سامحكِ الدوق، الآنسة إليوت لن تفعل، فقد أفسدتِ خطتها.”
عينا آن اضطربتا مجددًا.
‘إنها محقة… لا أحد سيتركني بسلام.’
امتلأت عينا آن بالدموع.
راقبتها سيريرت بصمت وذراعاها متشابكتان.
ثم قالت بنبرة أكثر لينًا:
“سأرسلكِ إلى مكانٍ لا تصل إليه يد الآنسة إليوت. بتوصية من قصر فريكتويستر، سيُرحب بكِ في أي مكان.”
“حقًا؟”
“بالطبع. أنا لست مثلهم يا آن.”
قالت سيريت وهي تربت على كتفها بلطف.
“ها هو.”
مسحت آن دموعها وأخرجت علبة الخاتم من جيبها، وقدمتها لسيريت.
فتحت سيريت العلبة.
الخاتم كان هناك، كما هو.
قبضت عليه بقوة وقالت: “اذهبي وأحضري كبير الخدم. سأكتب لكِ التوصية.”
“نـ… نعم، آنستي.”
قالت آن وهي تشهق بالبكاء وغادرت الغرفة.
“يا إلهي!”
قالت هانا بدهشة بعد أن خرجت.
بدت ملامحها مذهولة تمامًا.
“هانا، أفيقي. لديكِ عمل مهم الآن.”
قالت سيريت وهي تلوّح بيدها أمام وجهها.
“عمل مهم؟”
“علينا أن نمثّل قليلًا.”
ابتسمت سيريت.
‘حان وقت رد الدين، يا ليديا. سأجعلكِ تدفعين الضعف… لا، ثلاثة أضعاف.’
أخرجت الخاتم من العلبة ووضعته في كفّ هانا.
‘سيُعثر على هذا الخاتم… في حقيبة ليديا.’
“خاتم الزواج، ها هو!”
عندما قلبت هانا حقيبة ليديا، أسقطت الخاتم مع الأغراض بخفة وكأنه خرج منها فعلًا.
“خاتمي.”
كادت سيريت تبكي من الارتياح، لكنها تماسكت.
ارتعش ذقنها وهي تمسك بالخاتم برفق، كأنه شيء ثمين جدًا.
“لا… لا! هذا ليس صحيحًا!”
صرخت ليديا وهي تهز رأسها مذهولة.
‘لا يمكن… هذا مستحيل…’
“يا الهي… كيف… كيف حدث هذا؟”
فقدت السيدة أوكسينبري توازنها بدهشة، وسارع كبير الخدم لمساعدتها.
“يوان، لا. ليس أنا.”
قالت ليديا بصوت مرتجف وعيناها دامعتان.
‘يوان، صدقني. يجب أن تصدقني. إنها مكيدة سيريت.’
تجمد وجه يوان وهو يحدق فيها.
أما سيريت، فرفعت زاوية شفتيها بابتسامة باردة.
‘والآن؟ ماذا ستفعل حين تكتشف أن من تحب… سرقت خاتم زواجي؟’
“كيف إستطعتي سرقة خاتم آنستي؟ لقد كانت تحبكِ!”
قالت هانا بصوت مرتعش، متقنةً أداءها تمامًا.
“هانا، لا تكوني وقحة مع ليديا.”
وبهدوء، اقتربت سيريت منها.
كانت عينا ليديا مغرورقتين بالدموع لكن خلفهما اشتعلت شرارة غضب.
حين التقت عيناها بسيريت كان بريقهما حادًا، بعيدًا كل البعد عن النظرات الباكية التي وجهتها نحو يوان.
‘حسنًا، حدقي كما تشائين.’
فكرت سيريت وتجاهلتها.
مدت يدها وأمسكت بيد ليديا.
“ليديا، أنا آسفة.”
حاولت ليديا سحب يدها، لكن سيريت شدّت قبضتها أكثر.
‘ليس بعد يا ليديا. يجب أن أبقى لطيفة أمامهم.’
“الآن وأنا أفكر بالأمر… ربما نسيَت ليديا إعادة الخاتم بعد أن جربته. كنا مشغولتين… لا بد أنه حدث بلا قصد.”
قالت سيريت بنبرة متعاطفة بينما كانت في الواقع تفضحها أكثر.
“جربته؟”
جاء صوت السيدة أوكسينبري المصدوم من الخلف.
احمرّ وجه ليديا تدريجيًا.
لم تنطق بكلمة، فقط سحبت يدها بعنف من قبضة سيريت.
“هانا، أسرعي واعتذري لليديا حالًا. إنكِ تُحرجينني.”
قالت سيريت بهدوء.
اقتربت هانا بخطوات مترددة.
“آنسة إليوت، أنا آسفة حقًا. لقد أسأت التصرف وظلمتكِ دون علم. أرجوكِ سامحيني.”
قالت وهي تنحني احترامًا.
ارتجفت يد ليديا التي كانت تمسك بطرف فستانها.
بدت وكأنها على وشك أن تصفعها.
لكن سيريت اكتفت بالتحديق في يدها بصمت.
‘جربي فقط أن تلمسيها…’
“آنسة إليوت، أظن أنه من الأفضل أن تعودي الآن.”
قال يوان، الذي ظل صامتًا يراقب الموقف طوال الوقت، أخيرًا.
‘يبدو أنه لم يعد يحتمل رؤية ليديا تُهان أكثر.’
فكرت سيريت وهي ترفع زاوية فمها بابتسامة مائلة.
“آه…”
أطلقت ليديا شهقة قصيرة وبدأت تبكي، ثم استدارت وغادرت الردهة مسرعة.
تنهد يوان بعمق، ولحق بها بخطوات بطيئة.
‘أيؤلمك الأمر لهذه الدرجة يا يوان؟’
تمتمت سيريت في داخلها، وهي تنظر لظهره يبتعد بوجهٍ عابس.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
 
             
			
			
		
		
                                            
التعليقات لهذا الفصل " 40"