ابتسمت سيريت وهي ترد على طلب ليديا لرؤية خاتم الزواج، ثم نهضت من مقعدها وغادرت غرفة الاستقبال.
كان بإمكانها أن تطلب من هانا أن تحضره بدلًا عنها، لكنها شعرت أن البقاء في الغرفة نفسها مع ليديا يخنق أنفاسها.
فاستغلت ذلك كذريعة لتذهب بنفسها وتحضره.
وما إن خرجت إلى الممر حتى هرعت إليها هانا التي كانت تنتظر بالخارج.
“آنستي.”
“هانا.”
“هل أنتِ بخير؟”
تفحّصت هانا وجه سيريت بعينين قلقتين.
كانت هانا لا تحب ليديا أبدًا. قالت إن ابتسامتها زائفة، وإن الطريقة التي تحدّق بها في آنستها من الرأس إلى القدم مقززة.
وعندما لاحظت سيريت ذلك، ازداد حبها لهانا أكثر.
كما توقعت، هانا تعرف كيف تميز الناس جيدًا.
“بالطبع أنا بخير.”
أجابت سيريت وهي تتجه نحو الدرج.
“لو تصرفت الآنسة إليوت بوقاحة، لا تبقي ساكتة، ردي عليها فورًا يا آنستي.”
قالت هانا وهي تتبعها.
“أتظنين أن هذا لائق؟”
ردّت سيريت بابتسامة خفيفة.
“بالطبع! قد تكون ابنة الإمبراطور، لكنها ليست أميرة حقيقية. أنتِ من ستصبحين دوقة فريكتويستر.”
خفضت هانا صوتها وهي تقول ذلك.
“يا لجرأتك.”
ضحكت سيريت وهي تدخل غرفتها.
ورغم أنها وبختها بخفة، إلا أن قلبها امتلأ بدفء خفيف. وجود من يقف في صفها بهذه الصراحة كان يريحها كثيرًا.
ما إن دخلت الغرفة حتى فتحت الدرج وأخرجت العلبة الصغيرة التي تحتوي على خاتم الزواج. فتحت هانا عينيها دهشة.
“ما الذي تنوين فعله بالخاتم يا آنستي؟”
“ليديا طلبت أن تراه.”
“وستريها إياه فعلًا؟”
ضيّقت هانا عينيها.
كانت ملامحها تقول بوضوح: ما الذي سأفعله بآنستي الساذجة؟
ابتسمت سيريت بخفة.
أنا لست ساذجة كما تظنين يا هانا.
“طلبت أن تراه، لذا سأريها إياه.”
كانت تريد أن تترك لليديا المسرح لتقول كل ما يحلو لها من هراء.
فليديا، في نظرها، كانت عنصرًا أساسيًا لتحقيق طلاقٍ مثالي.
فتحت سيريت العلبة وتأكدت من بريق حجر الياقوت، ثم خرجت من الغرفة.
“ربما تحاول استفزازكِ، لا تسكتي لها حينها.”
“حسنًا.”
كانت سيريت فضولية فعلًا.
ماذا ستقول ليديا عندما ترى الخاتم؟
هل ستتفاجأ لأنه ليس من الألماس؟ أم ستكرر هراءها عن “الزواج المزيف”؟
يبدو أن لدي الكثير لأكتبه في مذكرتي الليلة.
دخلت سيريت غرفة الاستقبال وهي تخفي حماسها بهدوء.
رفعت ليديا نظرها إليها بنظرة حادة كالشفرة.
وجهها كان كزهرة وردٍ تفتحت للتو، لكن عينيها كانتا أكثر حدّة من شوكها.
“هذا هو.”
جلست سيريت قبالتها، وفتحت العلبة لتُريها الخاتم.
“يا لجماله!”
تنهّدت ليديا إعجابًا وهي تحدق بالخاتم. ثم، دون أي تردد، أخرجته وارتدته في إصبعها.
هذا كان يجب أن يكون خاتمي.
تلك الفكرة جعلتها ترتديه بسهولة تامة، دون أن تشعر بأي حرج.
بالنسبة لليديا، كان ذلك أمرًا طبيعيًا تمامًا.
لكن ابتسامة سيريت تراجعت.
ها هي امرأة جريئة بما يكفي لتجرب خاتم زواج امرأة أخرى.
“إنه جميل جدًا، ولكن… هل هذا فعلًا خاتم زواج؟”
سألت ليديا بوجهٍ متصنع للدهشة، وهي ترفع يدها لتتفحص الخاتم من زوايا مختلفة.
كانت سيريت تعرف تمامًا ما ستقوله ليديا، لذلك ارتسمت على وجهها ملامح بريئة وهي ترد قائلة: “نعم، يوان قال إنه يريد الياقوت الأزرق، فاخترناه.”
“فهمت.”
ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتي ليديا، بدت عليها السعادة.
آه، لا شك أنها سعسدة لأن اختيار يوان للياقوت الأزرق يعني أن هذا الزواج مزيف.
ابتسمت سيريت بدورها.
لكن هذا الزواج ليس مزيفًا بالنسبة له وحده، بل بالنسبة لي أيضًا.
كانت على وشك أن تنطقها، لكنّها تماسكت.
“الياقوت الأزرق… يا له من خيار أنيق.”
بدلًا من قول ما في قلبها، أدّت سيريت دور الخطيبة الساذجة بإتقان.
“أوه، سيريت.”
نظرت إليها ليديا بوجهٍ يفيض بالشفقة.
كان بإمكان سيريت أن تسمع ضحكتها الداخلية وكأنها تقول: يا لكِ من غبية.
فكتمت ضحكتها بصعوبة.
“لماذا؟ أهناك خطب ما؟”
اتسعت عينا سيريت ورفرفت جفنَيها ببراءة.
“لا، أبدًا ليس هناك شيء.”
قالت ليديا، لكن وجهها ما زال يحمل تلك النظرة نفسها—نظرة الشفقة على امرأة لا يحبها زوجها.
تذكّرت سيريت تلك النظرة جيدًا من حياتها السابقة.
لطالما كانت ليديا تنظر إليها بتلك الطريقة—نصف شفقة ونصف استعلاء.
وفي كل مرة، كانت سيريت تنكمش أكثر، تشعر بالغيرة، وتكرهها لأنها كانت تعرف أن حب يوان لم يكن لها.
“أخبريني، ليديا. لا بأس.”
“لا أريد إثارة أي سوء فهم.”
قالت ليديا وهي تخلع الخاتم وتضعه في العلبة.
“إذًا هناك أمر غريب فعلًا. أمي توفيت باكرًا، وأخي الوحيد غير متزوج. لا أعرف شيئًا عن الزواج. أخبريني، ليديا، نحن صديقتان، أليس كذلك؟”
ترجتها سيريرت بوجهٍ مفعم بالرجاء والصدق.
هيا، توقفي عن التردد. أنتِ تموتين شوقًا لقولها، أليس كذلك يا ليديا؟
حدّقت فيها سيريت بثبات حتى تنهدت ليديا واستسلمت.
“حسنًا، سأقولها. فقط كنت… قلقة قليلًا، هذا كل ما في الأمر.”
“قلقة؟ من أي ناحية؟”
“سيريت…”
أمسكت ليديا بيدها بنظرةٍ حزينة.
وكتمت سيريت رغبتها في سحب يدها ونظرت إليها.
“حين قال سموّه إنه يريد خاتم الزواج من الياقوت الأزرق، ألم تقل السيدة أوكسينبري شيئًا؟”
“سألتني إن كنت متأكدة، فأجبتها بنعم.”
“حسنًا… كيف أقولها… سيريت، خواتم الزواج يجب أن تكون من الألماس. الياقوت نوعًا ما…”
“لكن الياقوت جميل أيضًا. هذا من أجود الأنواع، وثمنه لا يقل عن الألماس.”
قالت سيريرت بوجهٍ بريء.
“لا، ليس الأمر مسألة ثمن.”
تنهدت ليديا بعمق، ونظرت إليها بأسى مصطنع.
“إذا لم يكن خاتم الزواج من الألماس، سيبدأ الناس بالشك في صدق الزواج. أي حجر آخر يعني ضمنًا أن الزواج ليس حقيقيًا.”
“ماذا؟ ما الذي تعنينه؟”
سألت سيريت بوجهٍ متفاجئ.
“لو علمت الطبقة الراقية أن هذا هو خاتم زواجك، فستصبحين مادةً للسخرية.”
“حقًا؟”
أظهرت سيريت ملامح حزينة. حاولت أن تدمع عيناها قليلًا، لكنها لم تستطع إلى هذا الحد.
“من المستحيل أن يوان لا يعرف ذلك.”
تمتمت ليديا وهي تراقبها.
“إذًا ما الذي كان يفكر فيه عندما اختار الياقوت؟ ما معنى هذا الخاتم أصلًا؟”
نظرت سيريت إلى الخاتم بوجهٍ متظاهر بالانكسار.
“كل تصرف ليوان وراءه سبب. لم يختر الياقوت عبثًا.”
“هل يجب أن أسأله؟”
“بالطبع، واجهيه. عندما يعود هذا المساء، أريه الخاتم واسأليه بنفسك.”
“أنا خائفة من سؤاله.”
تمتمت سيريت بصوتٍ حزين.
“يا للمسكينة سيريت.”
قالت ليديا بنبرةٍ مشفقة، لكن البهجة على وجهها كانت واضحة لا تخفى.
تظاهرت سيريت بعدم ملاحظتها، واتخذت تعبيرًا أكثر حزنًا.
ثم خطرت لها فكرة: سيكون من الأفضل أن يراها الجميع وهي حزينة.
الآنسة القادمة لتصبح دوقة، تبكي بعد حديثها مع حبّ خطيبها الأول.
أرادت أن يُطبع هذا المشهد في أذهان كل الخدم.
أن يُقال إن علاقة الدوق بزوجته كانت متصدعة منذ البداية بسبب حبه الأول.
“عذرًا يا ليديا، لا أستطيع أن أهدأ. يجب أن أذهب الآن. سامحيني، وعودي بسلام.”
قالت سيريت بصوتٍ مرتجف، أخذت الخاتم وغادرت الغرفة مسرعة.
غطّت فمها وبدأت تُصدر أصوات بكاءٍ خافتة وهي تتجه نحو غرفتها.
“آنستي! ما بكِ؟”
صرخت هانا وهي تلحق بها بقلق.
ولم تكن هانا وحدها، فكل من مرّت بهم من الخدم نظروا إليها باستغراب.
وأثناء صعودها السلالم وهي تواصل تمثيل البكاء، رأت خادمة ليديا “أنيتا” تهمس مع إحدى خادمات بيت فريكتويستر.
وبمجرد أن رأتاها، ارتبكتا وتباعدتا بسرعة، ثم انحنتا بتحيةٍ واختفيتا.
ما هذا؟ أمر مريب.
نظرت سيريت نحوهما بقلق.
“آنستي، ما الأمر؟”
سألت هانا بوجهٍ قَلِق.
استعادت سيريت تركيزها، وعادت لتمثيلها، وركضت نحو غرفتها وهي تواصل البكاء.
“آنستي!”
صرخت هانا وهي تسرع خلفها.
ما إن دخلت سيريت غرفتها وأغلقت الباب، حتى توقفت عن التمثيل فورًا.
التمثيل ليس بهذه السهولة كما كنت أظن.
فكّرت في نفسها وهي تفتح الدرج وتهمهم بلحنٍ خفيف.
“آنستي؟”
قالت هانا بدهشة وهي تنظر إليها.
“هانا، كيف كان أدائي؟ هل بدوت حزينة؟”
سألت سيريت بابتسامةٍ ماكرة وهي تضع الخاتم في الدرج.
“كنتِ تتظاهرين؟”
“نعم.”
ابتسمت سيريت بخفة.
بما أن هانا صدّقت المشهد، فلا بد أن تمثيلها لم يكن سيئًا.
في تلك اللحظة، سُمِع طرقٌ على الباب، ودخلت الخادمة الخاصة بالسيدة أوكسينبري.
“تطلب السيدة أوكسنبري رؤيتك للحظة.”
“حسنًا.”
ها قد وصل الخبر إلى عمتي بالفعل.
على الأقل لم يذهب بكاؤها سدى.
أخفت الرضا الذي ارتسم على وجهها، وأجابت بهدوء.
بعد أن غادرت الخادمة، تظاهرت سيريت بالتثاؤب عدة مرات.
وسرعان ما تجمّعت دموع خفيفة عند أطراف عينيها.
قبل أن تجف، أسرعت بخطى ثابتة نحو غرفة السيدة أوكسينبري.
***
“سيريت.”
“عمّتي.”
اقتربت سيريت من السيدة أوكسينبري وملامح الحزن تملأ وجهها.
“يا عزيزتي، ما الذي حدث؟”
سألتها العمة برقة وهي تراقب ملامحها.
“لا شيء.”
أجابت سيريت بصوتٍ واهن.
“سمعتُ أنكِ كنتِ تبكين وأنتِ تصعدين الدرج. قالوا إن الآنسة إليوت كانت هنا. هل تشاجرتما؟”
“بالطبع لا. ليديا صديقة طيبة جدًا.”
هزّت سيريت رأسها نافية، ثم تابعت:
“كنا نتحدث فقط، وفجأة تذكرت أمي الراحلة. فقدت ليديا أمها في سن صغيرة أيضًا.”
“يا للأسى. يبدو أن الجميع قد عرف الحزن صغيرًا. حتى يوان فقد والدته مبكرًا.”
قالت السيدة أوكسنبري بنظرة حزينة.
صحيح، يوان أيضًا فقد أمه.
تذكّرت سيريت أنها سمعت أن الدوقة الراحلة توفيت حين كان في الثامنة.
وفي لحظة خاطفة، شعرت سيريت بالشفقة عليه.
حين فقدت والدتها، كان جيريمي على الأقل إلى جانبها.
لكنها سرعان ما انتفضت، مصدومة من نفسها.
هل جُننت؟ كيف أشفق على الرجل الذي قتلني؟
“لا شيء يُحزن الطفل أكثر من فقد أمه.”
قالت السيدة أوكسنبري بهدوء.
“صحيح.”
أعادت كلماتها إلى ذهن سيريت صورة الطفل الذي أنجبته.
طفلها أيضًا فقد أمه باكرًا. يا له من مسكين.
غمر وجهها حزن عميق—
حزنٌ لن يُمحى أبدًا.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 38"