كان الأمر يستحق العجلة للوصول إلى هنا، حتى وإن اضطر لاستنشاق هواء الصباح الباكر بسببه.
“سعادتك، الدوق… لماذا هنا… كيف…”
تلعثم جيريمي، وملامحه لا تزال شاحبة خالية من الفهم.
“تفضل بالجلوس أولاً.”
قال يوان بلطف مشيرًا إلى الأريكة.
أومأ جيريمي مرتبكًا وجلس. ظل يرمش وهو يحدّق في يوان الجالس أمامه، غير قادر على استيعاب ما يحدث.
الشخص الذي اشترى وثيقة اللقب وسند المنزل هو دوق فريكتويستر.
ما الذي يجري بحق السماء؟
“تبدو متفاجئًا.”
“نعم.”
أومأ جيريمي بذهول، وكأن روحه غادرت جسده.
لوّح طيف سيريت على وجهه لوهلة، مما أبهج يوان في داخله.
فكر مبتسمًا في نفسه: الأشقاء يبقون أشقاء. ووجد هذا الرجل أمامه لطيفًا، رغم كل ما تسبب به من فوضى.
“سمعت أن وثيقة لقب الفيكونت إينوهاتر بدأت تتداول، فأمرت على الفور بتأمينها.”
“آه، نعم.”
أومأ جيريمي بلا روح، وكأنه لم يدرك بعد ما يحدث.
ثم أدرك فجأة كم كان محظوظًا أن الوثائق صارت في يد يوان لا غيره.
“شكراً لك يا صاحب السعادة! شكراً جزيلاً!”
قالها والدموع تكاد تنهمر من عينيه.
شعر براحة لا توصف، فأن تكون الوثائق بحوزة دوق فريكتويستر يعني الأمان بعينه.
“سأعيد وثيقة اللقب.”
قال يوان، فناول المرافق إلى جانبه ظرفًا لجيريمي.
فتح جيريمي الظرف بسرعة، ولما رأى الوثيقة بداخله، كادت دموعه تغلبه. كانت أثمن من الحياة نفسها لوالده.
“شكراً لك… حقاً، شكراً.”
تمتم جيريمي وهو يضغط على الكلمات كي لا تنهار صوته بالبكاء.
أعاد الوثيقة إلى الظرف، ثم نظر إلى المرافق بتوتر. كان هناك شيء آخر لم يُسلَّم بعد: سند المنزل.
رفع نظره بقلق، لكن صوت يوان سبقه.
“هناك أمر آخر.”
“نعم، يا صاحب السعادة. سند المنزل…”
تردد جيريمي، يترقب ردة فعله.
“هل يمانع لو أعدته لاحقاً؟”
“عذراً؟ سند المنزل؟”
“أحتاجه لشيء ما.”
تألقت نظرات يوان الجادة.
لقد وجد الوسيلة الأكيدة ليُبقي على خطيبته الهاربة، تلك التي تصر على فسخ الخطوبة مراراً.
كانت امرأة يمكنها أن ترفض وسام الإمبراطور نفسه، لكنها لن تجرؤ على رفض وثيقة اللقب وسند المنزل.
“تحتاجه؟ لأي غرض؟”
سأله جيريمي بقلق ظاهر.
“لا تقلق. سأعيده.”
“بالطبع، سعادتك ستعيده.”
أومأ جيريمي بسرعة، بعينين مملوءتين بالثقة، كأنه يحاول إقناع نفسه بذلك.
“أفضل ألا تعرف الآنسة إينوهاتر أن لي علاقة بالأمر.”
قال يوان بهدوء.
كان يعلم بالفعل أن سيريت تنوي البقاء في القصر بسبب الورطة التي سببها جيريمي.
كان قد سمع القصة من السائق والخدم عند البوابة — كيف أن سيريت، وهي في طريقها للمغادرة، التقت بجيريمي المتسكع أمام القصر، ثم لحقته بعدما فرّ، وقدمت له الثياب والمجوهرات قبل أن تُعيده أدراجه.
وحين وصل تقرير يفيد بأن وثيقة اللقب وسند المنزل يجري تداولهما في السوق، لم يكن من الصعب عليه أن يربط الأحداث ببعضها.
“تريد أن تُبقي الأمر سراً؟”
سأل جيريمي متعجباً.
“سأخبر الآنسة إينوهاتر بنفسي.”
“آه، نعم، فهمت.”
أومأ جيريمي بحماس.
“أخبرها فقط أنك استعدت وثيقة اللقب، لكن سند المنزل ما زال لم يُعاد بعد.”
“نعم، سيريت أعطتني هذا فقط لأتمكن من استرجاع وثيقة اللقب، لذا لن تتوقع عودة السند أيضاً.”
نظر جيريمي إلى الصندوق الموضوع بجانبه.
“ما هذا؟”
سأل يوان وهو يعرف تماماً ما بداخله، لكنه تظاهر بالجهل.
“آه، هذا… ملابس وعقد وبعض الأشياء… هي، أعني…”
تلعثم جيريمي وهو يراقب ردة فعل يوان.
كانت تلك الأشياء باهظة الثمن، ولا يمكن أن تكون لسيريت. بالتأكيد هي من مشتريات يوان نفسه. شعر جيريمي وكأنه يجلس فوق الجمر لقبولها.
“هل الآنسة إينوهاتر من أعطتك هذا؟”
“كانت مستعجلة، ففعلت. كانت في عجلة من أمرها… إنه خطئي. لو لم يُخدعني ذلك المحتال…”
عضّ جيريمي شفته وهو يدافع عن سيريت.
حاول يوان كتم ضحكته وهو يرى وجهه المبلل بالدموع.
وجد في سيريت، التي سارعت للتخلي عن هدايا خطيبها لحل المشكلة، شيئاً جميلاً.
لم يغضب منها إطلاقاً، بل شعر بالفخر لأنها أحسنت استخدامها.
“سآخذ هذا.”
“بالطبع، خذه.”
وضع جيريمي الصندوق بسرعة على الطاولة.
“كنت أتمنى أن نتناول الطعام معاً، لكن لا وقت لدي اليوم. فلنؤجلها لمرة قادمة.”
قال يوان وهو ينهض.
“نعم، يا صاحب السعادة. شكراً جزيلاً.”
قال جيريمي وهو يقف وينحني باحترام بالغ.
تلقى يوان شكره بابتسامة هادئة، وفكر في نفسه:
بل أنا من يجب أن أشكرك.
***
ابتسمت سيريت بخفة أمام نظرة المحامية ديليباين المتفحّصة.
وضعت فنجان القهوة برفق، ثم قالت بعد أن تنحنحت:
“أعلم أن من الغريب أن تأتي فتاة غير متزوجة لتسأل عن مقدار النفقة التي يمكن أن تنالها بعد الطلاق.”
صمتت المحامية قليلاً، ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة محرجة.
ولما أدركت سيريت ذلك، ارتشفت رشفة أخرى لتكسر التوتر.
“لكن الأمر مهم جداً بالنسبة لي.”
“حسناً، لا بد أن الآنسة إينوهاتر تملك أسبابها.”
ابتسمت ديليباين بتفهم.
“نعم، حدثت ظروف جعلت الأمر ضرورياً.”
“ما يقلقني فقط هو أن تقع الآنسة إينوهاتر في زواج لا تريده.”
“هذا لن يحدث الآن.”
قالت سيريت بنظرة حزينة.
كانت تعلم بنوايا يوان جيداً، ولن تقع في فخه مجدداً.
كل ما عليها فعله هو ألّا تُنجب. ففي حياتها السابقة، حين أنجبت، قتلها.
وإن لم تُنجب هذه المرة، فلن تكون حياتها في خطر.
“أليس الزواج الذي يُفكر فيه المرء بالطلاق قبل حدوثه زواجاً محكوماً عليه بالتعاسة؟”
“عدم الزواج سيكون أشد تعاسة.”
كانت سيريت تدرك وضعها جيداً.
لو فسخت خطوبتها من يوان قبل أن تستعيد لقب والدها أو المنزل، فستفقد الحماية التي تملكها.
وفي أسوأ الأحوال، قد تُجبر على الزواج برجل آخر كما تُباع السلعة.
كان الخيار الواقعي الوحيد هو الزواج من يوان ثم الطلاق منه لاحقاً.
المصدر الوحيد للمال الذي يمكن أن تعتمد عليه هو عائلة فريكتويستر.
وبمجرد أن تصبح دوقة، يمكنها جمع مبلغٍ معقول حتى لو لم يكن كافياً لتسديد كل الدين.
ذلك وحده سيكفي لإظهار نيتها بالسداد، ومنع لقب العائلة والمنزل من أن يضيعَا.
كانت خطتها بسيطة: تسدد الدين بالنفقة التي ستحصل عليها بعد الطلاق.
“حسناً، أحترم رأي الآنسة إينوهاتر. أنا دائماً في صف النساء.”
ابتسمت ديليباين، فشعرت سيريت بالارتياح.
“أول ما عليك معرفته هو أن النفقة نفسها ليست بالأمر المهم، بل تقسيم الممتلكات.”
“تقسيم الممتلكات؟”
“النفقة لا تكون كبيرة أبداً. الحد الأقصى عشرة آلاف روبن، سواء كان الزواج لسنة أو لعشر، بغض النظر عن خطأ الطرف الآخر.”
“عشرة آلاف؟”
قالت سيريت بخيبة واضحة. مبلغ صغير كهذا لن ينقذ عائلتها.
“لكن في تقسيم الممتلكات، الوضع يختلف. يمكن أن تنالي من العُشر إلى النصف.”
“النصف؟”
اتسعت عيناها دهشة. النصف من ثروة فريكتويستر؟
ضحكت ديليباين برفق وقالت:
“النصف عادةً يكون لمن عاشوا معاً أكثر من ثلاثين عاماً.”
هزّت سيريت رأسها بقرف. أن تعيش مع يوان ثلاثين عاماً؟ مستحيل.
لن تعيش أصلاً كل تلك المدة، فهو سيقتلها قبلها.
“يكفيني الحد الأدنى.”
قالت بحزم. فالعُشر من ثروة فريكتويستر يكفيها لتسديد الدين وزيادة.
لن يهمها أن تُعرف بأنها “زوجة الدوق السابقة”، فلن تتزوج بعدها.
ستكتفي بالعيش مع والدها في موشيلي بهدوء.
“لكن لتستحقي العُشر، يجب أن يستمر الزواج لعام على الأقل، وأن يُثبت خطأ الزوج بوضوح.”
“خطأ واضح؟”
“كأن تكون له علاقة غير شرعية… أو يمارس العنف مثلاً.”
توقفت ديليباين لحظة، ونظرت إلى سيريت بنظرة متسائلة:
هل حقاً دوق فريكتويستر سيفعل مثل هذا؟
أرادت أن تقول له إنه فعل ما هو أسوأ — تسميم زوجته السابقة، مثلاً — لكنها كتمت كلامها واكتفت بالإيماء.
بعد انتهاء اللقاء، عادت سيريت إلى القصر وهي قد حسمت قرارها.
ستتزوج أولاً.
فالتقسيم لا يتم إلا بعد مرور عام من الزواج، لذا لا بد من البدء الآن مهما كرهت ذلك.
وحين وصلت القصر، سألت كبير الخدم عن يوان.
“عاد تواً، وهو في مكتبه.”
قال الرجل، فتوجهت مباشرة إلى هناك.
وقبل أن تطرق الباب، خرج السائق منها مسرعاً، وحين رآها انحنى واختفى على الفور.
تساءلت في نفسها عن تصرفه الغريب، ثم دخلت.
كان يوان واقفاً عند النافذة، ولما التفت نحوها، كان في عينيه بريق ساخر أزعجها.
لكنها تماسكت، وتقدمت بخطوات ثابتة وقالت دون مقدمات:
“أريد الزواج. في أقرب وقت ممكن.”
عليَّ أن أسترد حياتي السابقة بأي ثمن يا يوان فريكتويستر.
يتبع^^
ترجمة نينا؛ الانستا: justninaae
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 24"