قراءة ممتعة~~~

الفصل الثالث والعشرين.

كانت سيريت تراقب يوان بقلق وهي تقطع اللحم.

وفقاً للخطة، كان عليها أن تعود غداً، لكنها شعرت بأنها بحاجة للبقاء في العاصمة لفترة أطول لتُنهي الفوضى التي تسبب بها جيريمي.

هل سيبدو الأمر غريباً لو قالت إنها تريد البقاء بعد كل ما فعلته بشأن المغادرة؟ سرقت سيريت نظرة أخرى نحو يوان.

“إن كان لديكِ ما تقولينه، فقولي.”

لاحظ يوان نظراتها، فوضع شوكته وسكينه ونظر مباشرة إلى عينيها.

ارتبكت سيريت حين التقت نظراتهما، فتنحنحت بخفة.

“أريد أن أبقى في العاصمة لبضعة أيام إضافية.”

“وماذا بعد؟”

قال يوان بوجه خالٍ من التعبير. تفاجأت سيريت من رده. كانت تتوقع أن يقول لها ببساطة إنها حرة إن أرادت البقاء.

“أود البقاء في قصر الدوق قليلاً أيضاً.”

قالت بتردد وهي تشعر بسخونة في عنقها من بروده.

شعرت وكأنها تتوسل، فجرح ذلك كبرياءها. ومع ذلك، ظل يوان يحدق فيها دون أن يجيب.

بدأ وجهها يحمر تدريجياً. هل يعني هذا أنه لا يريدها أن تبقى؟ يا له من مغرور. أمسكت طرف تنورتها بعصبية.

“انسَ ما قلت. سأغادر غداً كما هو مخطط.”

قالت بسرعة وقد جُرح كبرياؤها تماماً.

“وإن غادرتِ، فأين ستذهبين؟”

“لدي أماكن كثيرة أستطيع الذهاب إليها.”

لم يكن لديها أي مكان. لم يكن هناك أحد في العاصمة قريبة منه كفاية لتطلب المكوث عنده لبضعة أيام.

الفنادق كانت بعيدة، والإقامة في فندق فخم كانت مستحيلة ما لم تسرق محفظة يوان.

“حقاً؟”

أمال يوان رأسه قليلاً. رغم خلو وجهه من التعابير، بدا وكأنه يسخر منها.

“نعم، حقاً.”

قالت بحزم. ضحك يوان من جوابها. رمقته سيريت بنظرة غاضبة.

“لنجرب إذاً.”

قالها دون أن يمسح الابتسامة عن وجهه. كانت نظرة شخصٍ وجد شيئاً مسلياً.

“ماذا قلت؟”

قطّبت حاجبيها. ما خطبه؟ تجربة ماذا؟ بدا كلامه سخيفاً.

“هل تعرفين أحداً في العاصمة؟”

سألها يوان وهو ينظر إليها.

بالطبع لا. لا في هذه الحياة ولا السابقة.

في حياتها السابقة كانت دوقة منبوذة ولم تتقرب من أحد.

لكن كبرياءها لم يسمح لها بالاعتراف، فرفعت ذقنها قليلاً وقالت:

“أعرف.”

“من؟”

“ولماذا تسأل الكثير من الأسئلة؟”

“تلقيت طلبًا ووعدت البارون إينوهاتر أن أعتني الآنسة إينوهاتر جيداً.”

“تتحدث وكأنك وصيي.”

“هو شيء قريب من ذلك. أنا وصيك حالياً.”

رفع يوان كأس النبيذ وأشار نحوها به قبل أن يحتسي رشفة بهدوء.

“أنا وصية نفسي، لذا لا داعي للقلق.”

“وصي سيريت إينوهاتر هو يوان فريكتويستر.”

قالها بنبرة واضحة.

كان صوته ونظره لا يُردّان، فصمتت سيريت.

“سأسأل مرة أخرى. إن غادرتِ هذا القصر، هل لديك مكان تذهبين إليه؟”

“بصراحة؟”

“نعم، بصراحة.”

أومأ يوان.

“لا. الشخص الوحيد الذي أعرفه قليلاً هي إيف راسينغ، لكن من غير اللائق أن أطلب المبيت عندها ونحن لم نعرف بعضنا طويلاً.”

في النهاية أجابت بصدق. فالبقاء في قصر الدوق كان أفضل خيار.

“ألا يوجد أحد آخر؟ أي شخص تعرفينه قليلاً في العاصمة؟”

“شخص أعرفه قليلاً؟ ما الذي تود معرفته بالضبط؟”

سألت سيريت وهي تفكر.

“كنت أتساءل إن كان هناك رجل آخر يمكنه مساعدة الآنسة.”

ضحكت سيريت جافةً من سماع تعبير “رجل آخر” من فم يوان، لكنها سرعان ما قالت:

“الرجل الوحيد في العاصمة القادر على المساعدة هو الجالس أمامي الآن.”

ابتسمت بخفة.

“هذا جيد. أن يكون هناك رجل واحد فقط.”

بدا يوان راضياً عن جوابها.

“إذاً سأعتبر هذا إذناً بالبقاء في القصر لفترة أطول.”

“ما سبب هذا التغير المفاجئ؟ كنتِ متحمسة للعودة.”

“حدث أمر طارئ.”

ارتبكت قليلاً لكنها تمالكت نفسها.

“إن كان ما حدث يحتاج إلى مساعدة، أخبريني. سأساعدكِ دائماً.”

“لا حاجة، أنا بخير.”

رفضت بابتسامة والتقطت شوكتها وسكينها من جديد.

***

تقلبت سيريت طويلاً في الفراش قبل أن تجلس في الظلام.

كانت الأفكار تزدحم في رأسها، ولم تستطع النوم. كيف يمكن حل هذه الورطة؟

مئة وسبعون ألف مبلغ هائل. قد لا يعني شيئاً لعائلة فريكتويستر، لكنه ضخم بالنسبة لعائلتها.

“يوان لن يهتم بشيء كهذا.”

يمكنه بسهولة أن يغطي هذا المبلغ. هل تطلب مساعدته؟

لكن إن فعلت فلن تستطيع فسخ الخطوبة. طالما المال بينهما، فلن يكون الانفصال سهلاً.

“جيريمي…أيها الوغد.”

تمتمت وهي تخفي وجهها بين ركبتيها.

مهما فكرت، لم تجد حلاً غير يوان. من غيره يمكنه تأمين المبلغ؟

إن فقد والدها اللقب والقصر فلن يحتمل العيش. فالشرف عنده هو الحياة نفسها.

بعد تفكير طويل طوال الليل، خطرت لها فكرة مع بزوغ الفجر. كانت محفوفة بالمخاطر، لكنها ليست سيئة.

“يجب أن أطلب الطلاق.”

قالت بعد أن أنهت كوب الماء الذي قدمته لها هانا.

“طلاق؟ أي طلاق؟”

عبست هانا بدهشة. كان غريباً أن تتحدث من لم تتزوج بعد عن الطلاق.

“الطلاق هو الحل الوحيد. لا يوجد طريق آخر.”

قالت سيريت وهي تنهض من السرير.

لقد قررت، ستتزوج يوان ثم تطلب الطلاق لتحصل على تعويض مالي كبير.

لكن السؤال هو كم سيكون التعويض. ولن تعرف إلا بعد استشارة محامية.

“آنستي، هل ما زلتِ نصف نائمة؟ يبدو أنك لم تنامي بسبب السيد الصغير. هل تودين الراحة قليلاً؟ على فكرة، الدوق ليس في القصر، يمكنك تناول الإفطار بهدوء.”

“لا حاجة. أنا مستيقظة تماماً.”

قالت وهي تمشي بتوتر في الغرفة. من ستكون المحامية المناسبة؟ بالتأكيد ليست واحدة على علاقة بعائلة فريكتويستر.

تذكرت فجأة محامية من حياتها السابقة؛ السيدة ديليباين، التي قرأت عنها في المجلات وسمعت اسمها من سيدات الطبقة العليا.

كانت قد تزوجت من البارون سكوت ثم تطلقت، وعُرفت سابقاً باسم البارونة سكوت.

خلال إجراءات طلاقها، رأت الحاجة إلى محامية مختصة بقضايا النساء، فدرست القانون وأصبحت محامية.

نالت ديليباين سمعة كامرأة تقدمية، وإن وُصفت أيضاً بالغريبة الأطوار، لكنها ستكون مفيدة الآن.

“أين كان منزل المحامية ديليباين؟”

توقفت سيريت تفكر وهي تفرك ذقنها.

“هل كان قرب نهر بينغنت؟”

تذكرت حديثاً قديماً من إحدى السيدات بأن ديليباين تسكن بيتاً أبيض قرب النهر.

حينها كانت سيريت تخشى أن يوان سيطلقها، فكانت تصغي لأي حديث عن الطلاق.

والآن صار ذلك مفيداً. ابتسمت بخفة.

بعد فطورٍ بسيط، غادرت القصر باكراً.

رفضت مرافقة السائق، واستقلت مع هانا عربة مستأجرة. لم يكن من الجيد أن يعلم يوان أنها ذاهبة إلى محامية طلاق.

ترجلت قرب نهر بينغنت، وبدأت تبحث مع هانا عن المنزل الأبيض. وبعد خمس دقائق، ظهر المنزل أمامهما.

“آنستي، هناك، ذاك هو.”

أشارت هانا.

أسرعت سيريت السير. كان البيت الصغير بثلاثة طوابق ويبدو بسيطاً لكنه أنيق.

“آنستي، أين نحن؟ لمن هذا البيت؟”

سألت هانا بارتباك.

“إنه بيت الشخص الذي سيستخرج المال من عائلة فريكتويستر بطريقة قانونية.”

قالت سيريت وهي تصعد درجات البيت بعزم.

***

كان جيريمي يشبك يديه بقلق. فقد تم نقل أوراق اللقب والقصر المرهونة إلى شخص آخر.

كانت تلك الأوراق مطلوبة بشدة مؤخراً، إذ كان الأثرياء الجدد من الطبقة الوسطى يشترون ألقاب النبلاء الفقراء.

لم يكن الأمر قانونياً تماماً، لكنه أصبح شائعاً مع تغير الزمن.

الخبر الجيد أن الشخص الذي حصل على الأوراق وافق على لقائه.

ما إن سمع ذلك حتى أسرع إلى منزله.

“هل هذا كافٍ؟”

تأمل الفساتين والمجوهرات التي أعطته سيريت. كانت ثمينة، لكنه شكّ في كفايتها لاستعادة الأوراق.

كان مستعداً للركوع والتوسل إن لزم الأمر. تنهد بعمق.

في تلك اللحظة، فُتح باب غرفة الاستقبال.

وقف جيريمي بسرعة، وجهه متوتر.

انفتح الباب ببطء، وظهر شخص لم يكن يتوقعه.

“الـ… الدوق؟”

كان يوان فريكتويستر، خطيب سيريت.

“مر وقت طويل.”

قال يوان وهو يمد يده بخفة.

يتبع^^

ترجمة نينا؛ الانستا: justninaae