قراءة ممتعة~~~

الفصل الثاني والعشرين.

“لماذا تبكي؟ ما الذي دهاك؟”

ارتجف قلب سيريت وهي ترى جيريمي يبكي كالطفل.

هل حدث مكروه في المنزل؟ هل مرض والدهما؟ نظرت سيريت إلى جيريمي بوجه قلق.

لم يُجِب جيريمي على سؤال سيريت، بل انهار على الأرض. كان يبكي بحرقة ويتمتم بكلمات لم تتمكن من فهمها بوضوح.

“ماذا تقول؟ جيريمي، اهدأ وتحدث.”

انزعجت سيريت، فثنت ركبتيها وجلست القرفصاء أمامه.

ما الذي يجري بحق الجحيم؟ لامس قلق سيريت وجه جيريمي.

“سيريت، ماذا أفعل. عائلتنا ستُدمَّر بسببي.”

انتحب جيريمي وكتفاه يهتزان.

“ماذا؟ ماذا قلت؟”

اتسعت عينا سيريت عند سماع كلام جيريمي. تدمير؟ لماذا ستُدمَّر عائلتنا؟ ما هذا الكلام المفاجئ؟

بدأ جيريمي ينوح بصوت عالٍ كالطفل. أمسكت سيريت كتف جيريمي بقوة وهزته.

“توقف عن البكاء وأخبرني بالتفصيل. لماذا ستُدمَّر عائلتنا؟”

“…لقد تعرضت للاحتيال. تعرضت للاحتيال.”

أمسك جيريمي بذراع سيريت وتحدث. كانت عيناه، اللتان تنظران إلى سيريت، مليئة بالأسف. وبدت عليه أيضًا مشاعر الخجل.

هل سمعتُ خطأ؟ رمشت سيريت بعينيها وهي تنظر إلى جيريمي بوجه حائر. لم تستطع فهم كلام جيريمي على الإطلاق.

“احتيال؟ ما نوع الاحتيال الذي تعرضت له؟ ها؟”

“مصنع النسيج… اللقب والقصر…”

تمتم جيريمي، متجنباً النظر في عيني سيريت.

“جيريمي، انظر إلي وتكلم بوضوح.”

قالت سيريت لجيريمي بلهجة حازمة. تنهد جيريمي بعمق ومسح دموعه بظهر يده. ثم فتح فمه ببطء.

“قالوا إنهم سيبيعون مصنع النسيج في سيرفي بسعر رخيص، فاقترضتُ مالاً بضمان لقب أبي والقصر…”

لم يستطع جيريمي إكمال كلامه وأطرق رأسه بعمق.

“ماذا؟ وماذا بعد؟ اقترضتَ، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ أكمل كلامك.”

كان قلب سيريت يخفق بقوة عند سماع كلام جيريمي.

“هذا المحتال هرب بأموالي. مصنع النسيج لم يكن موجوداً من الأساس. ماذا نفعل؟ ماذا نفعل يا سيريت؟”

نظر جيريمي إلى سيريت بوجه غارق في الدموع مرة أخرى. رغم أنه كان أخ سيريت الأكبر، إلا أنه بدا الآن كشقيق أصغر بكثير.

“يا إلهي.”

صاحت هانا، التي كانت بجانب سيريت، جزعًا عند سماع كلام جيريمي.

سيريت أيضاً أصابها الذهول ووضعت يدها على جبهتها. أي نوع من المصائب الكبرى هذه؟

“هل يعلم أبي؟ هل كان هذا بعلم أبي؟ هل سمح بشراء مصنع النسيج؟”

“…لا.”

هز جيريمي رأسه بالنفي.

كانت محقة. أبي لم يكن ليسمح أبداً بوضع اللقب كضمان لشراء مصنع غزل ونسيج.

أبي الذي يولي الشرف أهمية أكبر من المال، لم يكن ليوافق أبداً. إذاً، جيريمي فعل هذا بقرار منفرد.

احتدّت عينا سيريت. ضربت سيريريت كتف جيريمي بقبضتها وصرخت.

“جننت! لقد جننت حقاً!”

“صحيح. ربما كنت مجنوناً. ربما فقدت عقلي.”

“هل سرقت شهادة اللقب ووثيقة القصر دون علم أبي؟”

“نعم، في آخر مرة زرت فيها المنزل.”

أومأ جيريمي برأسه، وهو يراقب ردة فعل سيريت.

“كيف تجرؤ على فعل شيء كهذا دون استشارة أبي بكلمة واحدة! وأنت تعرف شخصية أبي!”

“سيريت، لقد بدأ عصر جديد. الأهم من اللقب النبيل هو المال. المال. إنه عصر لا يمكننا فيه العيش بلقب نبيل فقط.”

“جيريمي.”

نادت سيريت اسم جيريمي وكأنها تتنهد.

“حتى دوقية فريكتويستر تدير عدة أعمال. يجب أن نمتلك عملاً واحداً على الأقل لنتمكن من البقاء.”

شعر جيريمي بالضيق لأن عائلته كانت من العائلات التابعة لعائلة فريكتويتسر وليست ثرية.

كان يؤلمه كأخ أكبر رؤية سيريت تتوجس وتضطرب كلما نظرت إلى الدوق. كما كان يستاء من عدم قدرة والده على التحدث بارتياح مع زوج ابنته المستقبلي.

اعتقد أنه لكي تعيش سيريت بكرامة وثقة بعد زواجها، يجب أن تمتلك عائلة إنوهاتر عملاً مزدهراً.

بهذه الأفكار، لم يتمكن من الحكم بحكمة وأضاع ثروة العائلة بأكملها. شعر جيريمي بالرغبة في قطع يده التي قدمت المال للمحتال.

مسح جيريمي الدموع التي بللت وجهه ووقف. وقفت سيريت خلفه وعبست وهي تراه ينفض التراب عن ملابسه.

“حسناً يا جيريمي. تفهمت السبب الذي جعلك تفعل ذلك. وأدركت حجم الكارثة التي سببتها. ولكن لماذا أنت هنا بالتحديد؟”

جيريمي، الذي تعرض للاحتيال وخسر قصرنا ولقبنا، لماذا هو هنا بحق الجحيم؟ يجب أن يسرع إلى والدي. لماذا يتسكع هنا؟

“آه؟ هذا…”

تجنب جيريمي نظرة سيريت وراح يحرك عينيه.

“لا تقل لي، جيريمي؟”

خطر في بال سيريت فكرة.

أنه جاء لطلب المساعدة من يوان فريكتويتسر؟ حكم بأن الشخص الذي سيتزوج أخته سيساعده، فجاء إلى هنا. هذا الأخ الغبي بكل ما للكلمة من معنى.

ربما اعتقد أن دوق فريكتويتسر يمكنه بسهولة إما سداد الدين نيابة عنه، أو الإمساك بالمحتال، أو كليهما.

“يا إلهي! جيريمي!”

صرخت سيريت بصوت عالٍ.

“أنا فقط جئت لأرى وجه الدوق، لأننا عائلة.”

تمتم جيريمي بوجه خاضع.

“أي عائلة! سأفسخ الخطبة.”

“فسخ الخطبة؟ لماذا؟ لماذا تفسخين الخطبة؟”

نظر جيريمي إلى أخته بعينين مرتبكتين عند كلام سيريت.

إذا فسخت سيريت الخطبة، فلن يتمكن من تسوية هذا الأمر. لقد أتى وهو يتنازل عن كبريائه لأن الحل الوحيد هو دوق فريكتويستر. شحب وجه جيريمي.

“لقد جئتَ لطلب مساعدة الدوق لحل المشكلة التي تسببت بها، وتم القبض عليك بالجرم المشهود؟ صحيح؟”

“سيريت، لماذا تفسخين الخطبة؟ هل أساء إليك الدوق؟ إن لم يكن الأمر كذلك، لا يمكن أن تفسخي الخطبة.”

هز جيريمي رأسه وأمسك بذراع سيريت.

كان وجهه ملحاً للغاية لدرجة أن سيريت ضحكت ضحكة باهتة. ثم خطرت ببالها فجأة فكرة. هل هذا الحادث حدث أيضاً في حياتها الماضية؟

“هل من المحتمل أنك زرتِ الدوق في الماضي؟ هل فعلت؟”

“لا! هذه هي المرة الأولى. المرة الأولى.”

قال جيريمي وهو يلوح بيديه.

“لا، ما أقصده هو…”

ابتلعت سيريت كلماتها. على أي حال، جيريمي لن يتذكر شيئاً من حياته الماضية، ولن ينفع استجوابه بشيء.

لكن سيريت كانت شبه متأكدة من أن جيريمي قد زار يوان في الماضي أيضاً. إذا تذكرت، كان سلوك جيريمي تجاه يوان غريباً بعض الشيء.

تذكرت تصرفات جيريمي التي كانت تظهر خضوعاً مبالغاً فيه ليوان.

بعد الزواج، لم تر والدها البارون إنوهاتر ولو لمرة واحدة، لكن جيريمي كان يظهر وجهه بين الحين والآخر في قلعة الدوق أو في قصر الدوق في العاصمة.

وكانت تصرفاته تجاه يوان في كل مرة تبعث على الريبة.

بالتفكير الآن، لم يكن ذلك السلوك عبثاً. في الحياة الماضية، نجح جيريمي في اقتراض المال من يوان.

“وهكذا كان أبي…”

في الحياة الماضية، لم يأتِ والدها عندما دعته سيريريت إلى قلعة الدوق. ولم يحضر بطولة الصيد السنوية، بل أرسل جيريمي فقط.

في كل مرة، كان سبب رفض والدها هو شعوره بالذنب وعدم قدرته على مقابلة يوان. في الحياة الماضية، كان والدها يعلم بالمشكلة التي تسبب بها جيريمي، ويعلم أيضاً أن يوان قد حلها.

“كنت أنا الوحيدة التي لم تعلم. أنا الوحيدة التي لم تعرف.”

يوان وجيريمي كلاهما التزما الصمت ولم يخبراها بأي شيء على الإطلاق.

تنهدت سيريت ووضعت يدها على جبهتها. فتح جيريمي فمه وهو يراقب سيريت بحذر.

“اسمعي يا سيريت. أرجوكِ أجّلي فسخ الخطبة واطلبي من الدوق معروف…”

“تحدث بشيء منطقي!”

صرخت سيريت في وجه جيريمي.

“من غير الدوق يمكنه حل هذه المشكلة الآن، ماذا نفعل؟ هل لديكِ أي حل عبقري آخر؟”

قال جيريمي بوجه كئيب.

لم يكن كلام جيريمي خاطئاً تماماً، فشعرت سيريت باليأس. يوان هو الشخص الذي يمكنه حل هذه المشكلة بأسهل طريقة.

“كم اقترضت؟”

سألت سيريريت وهي تتنهد.

“١٧٠ الف.”

قال جيريمي بصوت يكاد لا يُسمع.

كان مبلغاً جنونياً حقاً. بهذا المال يمكن شراء منزل فاخر في العاصمة، وثلاثة منازل ملحقة بمزارع في موشيلي.

شعرت سيريت بالدوار وتمايلت، فبدا وكأنه مبلغ لا يستطيع حله سوى يوان، كما قال جيريمي.

“يا آنستي.”

سارعت هانا المندهشة لتدعم سيريت.

“هانا، أشعر بالخجل منكِ أيضاً.”

قال جيريمي لهانا بوجه كئيب.

ظنت هانا في سرها أنه سيد أحمق، لكنها لم تستطع سب سيدها، فابتسمت ابتسامة لطيفة بصعوبة.

“لنستعد لقب أبي على الأقل أولاً.”

خلعت سيريت القلادة من عنقها. ثم أخرجت الخواتم والأساور وأعطتها لجيريمي.

لم تتوقف عند هذا الحد. فتحت حقيبة سفرها وأفرغت بعض الفساتين والمجوهرات ووضعتها في حضن جيريمي.

كانت كلها هدايا من يوان. في الأصل، كانت تنوي تركها، لكن يوان أزعجها فقررت إحضارها كلها.

“أودع هذه واستعد لقب أبي أولاً. أنا سأتدبر المال.”

“أ، أيمكنكِ ذلك؟ شكراً لكِ يا سيريت. حقاً شكراً لكِ.”

بدا جيريمي مرتاحاً، وكأنه فهم أنها ستحاول حل المشكلة عبر يوان.

بعد أن طلبت منه بشدة ألا يخبر والده بأي شيء، أعادت سيريت جيريمي أدراجه.

“يا آنستي، لنعد إلى المنزل. ماذا كان يفكر هذا السيد ليتسبب بمثل هذه الفوضى؟ إذا علم البارون، سيسقط مغشياً عليه…”

تنهدت سيريت بعمق وهي تسمع صوت هانا القلق.

“لا يا هانا. لنعد إلى قصر الدوق. الآن ليس الوقت المناسب للعودة إلى المنزل.”

استدارت سيريت. بدا أنه من الأفضل البقاء في العاصمة لحل هذه الأزمة.

في طريقها إلى القصر، فكرت سيريت كيف يمكنها تدبير المال. عندما وصلت إلى القصر، دخلت سيريت غرفتها وتنهدت بعمق.

“هانا، أخرجي الأمتعة مرة أخرى.”

أمرت سيريت هانا بصوت واهن، ثم انهارَت على الأريكة.

شعرت وكأن كل الدم قد نزف من جسدها. لم تخطر ببالها أي فكرة حكيمة، لكنها كانت متأكدة من أن الآن ليس وقت الرحيل.

***

“ادخل.”

أجاب يوان، الذي كان يقلّب الأوراق في مكتبه، على طرق الباب. دخل المساعد بعد أن فتح الباب وألقى التحية.

“ماذا هناك؟”

“لدي تقرير لأقدمه.”

“تحدث.”

أمال يوان رأسه وهو يتكئ على كرسيه.

“لقد عُرض لقب وقصر البارون إنوهاتر كضمان.”

“ماذا؟”

عبس يوان عند سماع كلام مساعده.

لقب وقصر البارون إنوهاتر؟ ما الذي حدث بحق الجحيم. بشخصيته، لن يعرض لقبه وقصره كضمان أبداً. هل حدث مكروه لعائلة إنوهاتر؟

استغرب يوان ونظرة الدهشة على وجهه.

“الشخص الذي اقترض المال بضمان هو جيريمي إنوهاتر، الابن الأكبر لعائلة إنوهاتر. ماذا نفعل؟”

سأل المساعد.

كان الأمر غير متوقع. بناءً على شخصية البارون إنوهاتر، ربما كان هذا قراراً منفرداً من جيريمي.

إذاً…

“احجزهم. سراً.”

رفع يوان زاوية فمه، متذكراً وجه سيريت وهي تطلب فسخ الخطوبة.

يتبع^^

ترجمة نينا؛ الانستا: @justninaae