قراءة ممتعة~~~
الفصل السابع عشر
“لو كنتِ قادرة على رؤية ظلام قلبي حقًا، لكنتِ عرفتِ أنكِ لا يجب أن تتصرفي بهذه الطريقة الآن.”
تلك الرغبة التي أيقظتها سيريت جعلت حنجرة يوان تجفّ.
نظراته إليها كانت تحمل جوعًا خطرًا، شهوة مكبوتة تتقد في عينيه بينما يحدّق بها من أعلى.
تجوّلت عيناه من عينيها إلى أنفها، ثم توقفت طويلًا عند شفتيها الحمراوين الممتلئتين.
حدّقت سيريت في يوان بعينين مائلتين إلى الأعلى، نظرة متمرّدة تذكّره بتلك اللحظة حين حطّمت المزهرية على رأسه.
“هل تنوي قتلي؟”
خرج صوتها حادًّا كحدّ السيف، لكن بالرغم من كلماتها الباردة، كان عقل يوان منشغلًا بأفكار أخرى.
“ليس من الصعب قتل امرأة بريئة لا تعلم شيئًا، أليس كذلك يا دوق فريكتويستر؟”
عبس يوان قليلًا، متسائلًا: ما الذي تتفوّه به هذه المرأة بوجهها البريء؟
منذ اليوم الذي رمت فيه المزهرية، بدأت سيريت تُلقي بتلك الجمل الغريبة بين الحين والآخر.
كان يجدها مدهشة، مسلّية مقارنة بخجلها المعتاد وابتساماتها المتورّدة، ومع ذلك أربكته، وجعله يتساءل: هل هي جادّة حقًا؟
ظنّها في البداية امرأة يمكن قراءة قلبها بسهولة، أما الآن فهي أشبه بمتاهة معقّدة، تضيع فيها الخطى.
“أنا لستُ وحشًا.” قال يوان بنبرة تائهة.
فأجابته: “بالنسبة لبعض الناس، أنت أسوأ من الوحش.”
ارتجف ذقن سيريت قليلًا وهي تنطقها.
ثم تجاوزته بخطوات سريعة. ظنّ أنها تهرب، فمدّ يده وأمسك بذراعها.
حين استدار بها، قابل عينيها المبللتين بالدموع، فأفلت ذراعها بارتباك.
رمقته بنظرة حادّة ثم مضت نحو غرفتها، وأُغلق الباب بصوت خافت خلفها، تاركةً يوان وحيدًا في الممرّ.
شعر بألم حارق في صدره.
‘أرِني… فقط مرة واحدة.’
تردّد صدى صوت سيريت في ذهنه كوتد مغروس، لكنه لم يتذكّر متى أو أين سمع تلك الجملة، ولا ما الذي أرادت أن تراه.
وفجأة، دوّى في أذنه طنين حادّ، واشتدّ الصداع حتى كاد يختنق.
“هاه…”
ضغط على صدغيه وتوجّه إلى غرفته.
وما إن دخل حتى انهار فوق السرير.
كانت صورة وجهها الحزين وصوتها المرتجف يدوران في رأسه بلا توقف، وكلّما ازدادا وضوحًا ازداد الصداع شدّة حتى صعب عليه التنفّس.
مدّ يده إلى جرس الاستدعاء وسحبه بقوة.
دخل الخادم بعد لحظات.
“هل استدعيتني يا صاحب السمو الدوق؟”
اقترب بخوف حين رآه جالسًا متكئًا على رأس السرير في حالة يرثى لها.
“هل أنت مريض؟”
“أعاني من صداع شديد. أحضر لي دواء.”
“سأستدعي الطبيب كاين.”
“الدواء يكفي.” أجابه وهو يلوّح بيده نافيًا الحاجة.
“حسنًا يا سيدي.”
خرج الخادم مسرعًا، ثم عاد بعد دقائق يحمل الدواء. تناوله يوان في الحال.
“إن لم يخفّ الألم، أرجوك أخبرني، سأستدعي الطبيب.”
أومأ يوان بإشارة تعني أنه فهم، فأحنى الخادم رأسه وغادر.
بقي يوان وحيدًا في الغرفة، زفر بعمق، وغمره شعور ثقيل بالإنهاك، سرعان ما جذبه إلى نومٍ عميق.
***
تلك الليلة، رأى يوان حلمًا فظيعًا — كابوسًا غارقًا في الدماء.
ربما كان بسبب الدواء، أو بسبب الإرهاق الشديد، لكنه كان كابوسًا مرعبًا.
كان الدم الأحمر يقطر في الممرّ.
دون أن يعرف لمن الدم أو لماذا، تبعه بخطوات حذرة.
قادته آثار الدم إلى غرفة.
دفع الباب الموارب ودخل.
كانت هناك امرأة ممددة على الأرض، والدم القاتم يتجمع حولها.
مدّ يده ليرى وجهها، لكنها في تلك اللحظة،
بانغ! — دوّى صوت إطلاق نار، واهتزّ العالم من حوله
“هااا!”
استفاق يوان مذعورًا، يلهث والعرق يتصبّب منه.
كان الصداع قد خفّ بفضل الدواء، لكن نبضًا خفيفًا ما زال يخفق في صدغيه.
“اللعنة…” تمتم بغضب وهو يجلس.
لقد كان حلمًا غريبًا، مقلقًا، ترك مزاجه عكرًا منذ الصباح.
طرق أحدهم الباب.
“ادخل.”
دخل الخادم، يحدّق به بقلق.
“هل أنت بخير يا سيدي الدوق؟”
“نعم.”
مرّر يده في شعره المتساقط على جبينه.
“أشعر بالارتياح لأنك لا تعاني من شيء.”
اقترب الخادم، وفي يده ظرف مختوم بشعار العائلة الإمبراطورية.
“وصلت دعوة من القصر الإمبراطوري.”
أخذها يوان دون مفاجأة، وكأنه كان يتوقّعها.
ففي حفل الأمس، كان قد قدّم طلبين إلى ولي العهد. أحدهما أن يوجّه دعوة له ولخطيبته.
“أرِها لآنسة إينوهاتِر.”
قالها دون أن يفتح الظرف.
“حسنًا يا سيدي. هل أُحضّر الفطور الآن؟”
“ستتناول الآنسة إينوهاتِر الفطور معي، لذا حضّر الطعام لشخصين.”
“مفهوم، يا سيدي.”
توقّف يوان قبل أن يغادر الخادم.
“بل… سأعطيها الدعوة بنفسي.”
ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يتأمّل الظرف بين أصابعه. أراد أن يرى تعبير وجهها بنفسه.
***
“فطورٌ آخر معه… حقًا.”
تنهّدت سيريت بضيق وهي تعلم أن يوان دعاها مجددًا لتناول الطعام معه.
قالت للخادم: “أخبره أنني سآتي.”
كانت تودّ الرفض، لكنها تراجعت — فهذه ستكون المرة الأخيرة على أي حال.
هبطت إلى قاعة الطعام بعد أن أنهت استعدادها، فوجدت يوان بانتظارها.
في الليلة الماضية بدا غاضبًا منها لأنها غادرت دون كلمة، لكنه الآن يبتسم كأن شيئًا لم يحدث، مما زاد حنقها.
“يبدو أن هذا آخر فطور لي في دوقية فريكتويستر.”
قالت ببرود.
“قد لا يكون الأخير.” أجابها بابتسامة خفيفة، ثم ناولها ظرفًا.
تجمّدت ملامحها حين رأت ختم العائلة الإمبراطورية عليه. فتحت الظرف، لتجد دعوة من وليّ العهد والأميرة إلى جلسة شاي في القصر غدًا.
رغم أن الدعوة موجّهة إلى يوان، إلا أنها خصّت سيريريت بالذكر، مع عبارة “نأمل حضور الآنسة سيريريت إينوهاتر.”
تأمّلت الدعوة بوجه متوتر. لم يكن من اللائق رفض طلبٍ من وليّ العهد.
“متى موعد القطار؟” سألها يوان وهو يراقب ارتباكها بمتعة ظاهرة.
نظرت إليه بغضب مكتوم. وجهه المتهكم أوحى بأنها فخٌّ جديد.
“يبدو أنك تستمتع بهذا.”
“دعوة من صاحب السموّ وليّ العهد؟ أليس من الطبيعي أن أكون مسرورًا؟”
ابتسم بزاوية فمه بطريقة أزعجتها، فشدّت على الورقة في يدها.
“صحيح… أظن ذلك.”
“ستضطرين للبقاء أيامًا إضافية يا آنسة إينوهاتِر.”
“هكذا يبدو.” أجابته من بين أسنانها.
ضحك يوان بهدوء، مستمتعًا برؤيتها محاصَرة، وبدأ بتناول طعامه بارتياح، بينما أمسكت هي بالشوكة بعصبية مكتومة.
***
لم تتناول سيريت سوى القليل، ثم عادت إلى غرفتها وجلست أمام طاولة الشاي بوجهٍ شاحب.
كانت تخطّط للعودة إلى موشيلي، لكنها الآن مجبرة على البقاء. لم تكن تريد قضاء دقيقة إضافية قرب يوان.
تنفّست بعمق ونهضت. التذمّر لن يغيّر شيئًا. تأجيل فسخ الخطوبة يومين لن يُسقط السماء.
“هانا! سأخرج.”
فتحت الباب، تبحث عن خادمتها.
لكن قبل أن تنزل الدرج، سمعت صوت خطوات.
استدارت — فرأت يوان يخرج من مكتبه، ينظر إليها.
تجمد وجهها بعبوس فرؤيته وحدها كانت كافية لإثارة غضبها.
“هل تنوين الخروج؟” سألها وهو يقترب بخطوات ثابتة.
لم تجبه.
“سأرافقك.”
رفعت حاجبيها بدهشة. “ترافقني؟”
“نعم.”
“لا حاجة لذلك، يا صاحب السموّ الدوق.”
“في هذه الحالة…”
أمسك بيدها وقبّل ظهرها بخطوات متصنّعة من الرقيّ، بينما كانت عيناه تخفيان شيئًا مختلفًا تمامًا، ثم مضى تاركًا إياها تشتعل غضبًا.
وصلت هانا في تلك اللحظة.
“آنستي هل كنتِ تبحثين عني؟”
“هيّا، لنخرج. ساعديني في تجهيز ملابسي.”
“الآن؟ ما زال وقت القطار بعيدًا!”
“لن نغادر اليوم. تمت دعوتنا إلى القصر الإمبراطوري، وعلينا البقاء يومين إضافيين.”
“حقًا؟”
أشرق وجه هانا فرحًا، إذ لطالما رغبت بالبقاء في العاصمة مدة أطول.
“نعم. حضّري ملابسي. لقد ضاق صدري من البقاء في هذا القصر.”
“حاضر!”
بعد أن أنهت زينتها، التقطت سيريت مظلتها، ثم تذكّرت أنها من هدية يوان. عبست.
“إنها جميلة رغم كل شيء.”
“جميلة جدًا، لا عجب فهي من أفخم المتاجر!” قالت هانا بإعجاب.
ابتسمت سيريت ببرود وقدّمتها لها.
“خذيها لكِ.”
“ماذا؟ المظلّة؟! لكنّها من الدوق نفسه!”
“سيكون إهدارًا إن رميتها. خذيها أنتِ.”
“سيظنّون أنني سرقتها!”
“إذًا احتفظي بها، وسنبيعها حين نعود إلى موشِلي. وسأعطيكِ المال كله.”
“هل من الصواب بيع هدية الدوق؟”
“على الأقل لن أرميها.” قالت وهي تشدّ رباط قبعتها.
كانت هانا دائمًا قلقة من تعامل سيدتها مع الدوق.
كلما جلسا على المائدة، خشيت أن تطعنه بشوكة أو سكين.
كما كانت تلاحظ همسات الخدم الذين استغربوا برود سيدتها تجاه الدوق.
“آنستي، هل يمكنكِ أن تكوني أكثر لطفًا قليلًا مع الدوق؟ فالخدم ينظرون إلينا بشكل غريب.” قالت هانا وهي تربط شريط القبعة.
يتبع في الفصل القادم^^
تابعوني انستا @ninanachandesu
التعليقات لهذا الفصل " 17"