قراءة ممتعة~~~
الفصل الخامس عشر
سيريت، بعد أن فرت من يوان، اتجهت نحو ردهة السيدات.
كانت تخطط للاختباء هناك لبعض الوقت، ثم تستخدم عذر الشعور بالمرض لتغادر الحفل مبكرًا.
كانت تظن أن الردهة لن تكون مزدحمة بعد، لكن أصوات النساء كانت تتدفق من الباب المفتوح قليلًا.
توقفت سيريت عند سماع تلك الأصوات.
“يؤلمني أن أفكر في ليديا وسمو الدوق فريكتويستر.”
“لقد كانا حقًا ثنائيًا مثاليًا.”
عند سماع ذلك الصوت، خفّضت سيريت يدها التي كانت ممدودة نحو مقبض الباب.
تذكّرت الآن؛ في هذا الحفل تحديدًا، في حياتها السابقة، علمت لأول مرة بعلاقة يوان وليديا.
التوت شفتا سيريت بابتسامة ساخرة.
لقد كان يوان وليديا في حب منذ الطفولة، وكان نبلاء العاصمة يعتقدون يقينًا أنهما سيتزوجان يومًا ما.
“لا أستطيع أن أخالف إرادة جلالته الإمبراطور. إنه يبالغ في حبه لي. يظن أن طبيعة يوان الباردة ستؤذيني في يوم من الأيام.”
انطلقت نغمة ليديا المريرة من داخل الغرفة.
لا، فطبيعة يوان الباردة هي ما آذت سيريت إينوهاتر، لا ليديا.
زوجته التي أنجبت له طفلًا.
كان قلق الإمبراطور بلا معنى إذًا.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي سيريت.
لكن لحظة،
أليس ما قالته ليديا كذبًا؟
ألا تعلم بعد أنها لا تستطيع إنجاب الأطفال؟
هل لهذا السبب غطّى يوان والإمبراطور الأمر عنها بتلك الطريقة؟
أمالت سيريت رأسها بتأمل.
“جلالته فقط مولع جدًا بليديا.”
“كان وجه سمو الدوق شاحبًا للغاية أيضًا. لا بد أن الأمر مؤلم، أن تكون مخطوبًا لامرأة بينما تحب أخرى!”
“لكن ماذا حدث لجبهة الدوق؟ كان هناك خدش.”
“هل ربما ضربته خطيبته؟”
انفجرت إحدى السيدات ضاحكة.
“ديانا، بحقك، هل الدوق من النوع الذي يُضرَب؟”
“من يدري، خطيبته لا تبدو امرأة عادية.”
لقد تحوّل الحديث إلى سيريت الآن.
اتكأت على الحائط، تتابع الحديث المتدفق من الردهة.
في حياتها السابقة، كان الناس يرونها ريفية حمقاء، لذا راودها الفضول لمعرفة تقييمهم لها هذه المرة.
ويبدو أنها تجنبت على الأقل وصف «المرأة الساذجة»، إذ قلن إنها ليست عادية.
“يكفي أن تري تلك السيدة الريفية لموشيلي تحضر الحفل مرتدية ذلك الفستان لتعرفي كم هي مبذّرة.”
“فستانها وقلادتها يبدوان باهظين جدًا.”
“ظننت أنها فقيرة بما أنها من النبلاء الإقليميين.”
“ربما استخدمت مال دوق فريكتويستر. لا بد أنها ألحّت عليه حتى خضع.”
“يا لها من امرأة ماكرة!”
كانت الأصوات المنبعثة مفعمة بالحيوية، مستمتعة بتمزيق سمعة امرأة تُدعى سيريت إينوهاتر.
“هذا ليس صحيحًا، إنه سوء فهم. بدت الآنسة إينوهاتر لطيفة جدًا.”
تحدثت ليديا وكأنها تحاول تهدئة الثرثرة.
“رائعة يا ليديا…” تمتمت سيريت بسخرية خافتة.
كانت كلماتها في الظاهر دفاعًا عن سيريت، لكنها في الواقع رفعت من شأن نفسها.
وسرعان ما أكدت الإطراءات التي تلت من بقية النساء صحة حدس سيريت.
“آه يا ليديا!”
“كيف يمكنك أن تكوني بهذه النُبل في التعامل مع خطيبة الرجل الذي تحبين!”
“حقًا، ليديا مذهلة. لا أظن أنني أستطيع فعل مثلها.”
وبينما كانت سيريت مشدوهة من حديثهن، اقتربت خطوات منها.
التفتت، فرأت ريغان يتجه نحوها.
كانت على وشك أن تنتصب وتؤدي التحية، لكنه أشار لها بالصمت ومدّ يده نحوها.
حين أخذت سيريت يده بتردد، اصطحبها ريغان خارج قاعة الحفل.
وحين ابتعدا عن الردهة، قال ريغن:
“لديكِ هواية غريبة، آنسة إينوهاتر.”
“هواية غريبة؟”
رفعت سيريت رأسها إليه بعينين متسائلتين.
“هواية التنصت على من يتحدثون عنكِ بسوء.”
ابتسم ريغان بخفة.
“آمل ألا تظني أنني أتهمكِ بالتنصت عمدًا. كنت فقط مترددًا إن كان عليّ الدخول أم لا.”
هزّت سيريت كتفيها بلا اكتراث.
لم تكن تكترث إن ظنّها وقحة، لكنها لم تشأ أن تعترف صراحة.
“هل تحتاجين إلى مكان للراحة؟” سألها بابتسامة.
“أحتاج إلى مكان هادئ.” أجابت.
“هذا مناسب، فأنا أيضًا أحتاج إلى مكان كهذا.”
رافقها ريغان خارج القاعة.
قادها إلى حديقة الورود.
كانت العريشة في عمق الحديقة خالية تمامًا.
وبُعدها عن القاعة جعلهم لا يسمعون لا ضحكًا ولا موسيقى.
“ما رأيك؟”
“إنها جميلة، يا صاحب السمو الدوق الأكبر.”
أبدت سيريت رضاها عن المكان.
فقد كان معزولًا عن الضوضاء، لا أحد سيظهر فجأة، أفضل بكثير من الردهة.
فرش ريغان منديله على الدرابزين المنخفض، وأشار لها لتجلس.
“شكرًا لك.”
جلست سيريت بحذر فوق المنديل، بينما استند ريغان إلى العمود يحدّق في القاعة البعيدة، وكانت هي تنظر إلى الورود المتألقة حتى في ظلام الليل.
كانت ليديا مثل تلك الورود، تفرض حضورها في كل مكان.
لطالما شعرت سيريت بالضآلة أمامها.
بعد صمتٍ طويل، قال ريغان أخيرًا:
“لا تشغلي بالك بما سمعته في الردهة.”
تحركت نظرات سيريت نحوه.
شعرت بالإحراج من نصيحته تلك، فتنحنحت وقالت:
“اسم فريكتويستر اسم لا يُقدّر بثمن… ثمين بما يكفي لأن أتحمل كل تلك الأحاديث من أناس لا يعرفونني.”
“بالفعل، إنه اسم باهظ جدًا.” أجاب ريغان موافقًا.
رأت في كلامه انعكاس ماضيها، تلك المرأة التي كانت تختنق تحت ثقل ذلك الاسم.
كل جهودها كدوقة فريكتويستر التي لم تثمر إلا سخرية الآخرين.
ابتسمت بمرارة، شفقةً على نفسها السابقة.
“أظنه اسمًا أغلى من أن أتحمله.”
انفلتت الكلمات مع تنهيدة صادقة.
نظر إليها ريغان بدهشة قصيرة، وحين أدركت زلّتها، نهضت سريعًا.
“لم أشعر بتحسن منذ الصباح، أظن أنه يجدر بي المغادرة باكرًا يا صاحب السمو.”
“سأخبر يوان.” قال بقلق.
“لا داعي، أستطيع الذهاب وحدي.”
“لكن يجب أن تخبري يوان.”
“سمو الدوق مشغول على الأرجح، لا أريد إزعاجه.”
قالتها بنبرة حازمة.
لو أخبرت يوان بأنها مريضة، لعرض مرافقتها، لا اهتمامًا بها، بل التزامًا بالواجب.
لكنها كانت تغادر لتتجنبه، فلم يكن هناك داعٍ لإخباره.
بل ربما سيسعد بعدم معرفته.
“وكيف ستعودين وحدك؟”
“سأستأجر عربة، وإن لم أجد فسأمشي. قصر أسرة فريكتويستر قريب من القصر الإمبراطوري.”
العودة لم تكن صعبة في نظرها.
لكن وجه ريغان شحب من الصدمة.
“حقًا… هذا أمر لا يُصدّق يا آنسة.”
هزّ رأسه مستنكرًا، ثم تابع بجدية:
“أن تستقل سيدة عربة مستأجرة وحدها في هذا الوقت من الليل؟ هذا غير مقبول إطلاقًا.”
“أظنه لا بأس به، فالمسافة قريبة جدًا.”
لكن ريغان ظل مصممًا.
“لا. تقولين هذا لأنك لا تعرفين العاصمة جيدًا. لن أسمح لك بالذهاب وحدك.”
“إذن، سأنتظر قليلًا حتى يعود الدوق.”
تراجعت خطوة، لكنها كانت تخطط أن تغادر بهدوء بعد أن تفترق عنه.
غير أن ريغات فاجأها باقتراح غير متوقع.
“فلنفعل هذا، سأوصلك بنفسي إلى قصر الدوق. أنا صديق مقرب ليوان، لذا لن يُعد هذا غريبًا.”
كان لطفه المفرط يربكها قليلًا.
“أشعر بالحرج لإزعاجك يا صاحب السمو.”
“بل لو تركتك تذهبين وحدك، فلن يغفر لي يوان. لذا أرجوكِ، وافقي من أجلي.”
لم تكن تصدق أن يوان سيهتم فعلًا، لكن صدق نبرته جعلها تومئ بالموافقة.
وهكذا، انتهى بها الأمر في عربة الدوق الأكبر.
فتح الباب ومدّ يده قائلاً:
“إنه لشرف لي أن أرافق الآنسة إينوهاتر.”
“والشرف لي، يا صاحب السمو، أن أمتطي عربة سموكم.”
أمسكت بيده وصعدت إلى العربة.
وكما توقعت، كانت فاخرة جدًا، تضاهي عربة أسرة فريكتويستر في الجودة.
تحركت بسلاسة تامة دون أي اهتزاز.
“أشعر ببعض القلق لأنني غادرت دون أن أقول شيئًا ليوان.”
“سيكون الأمر على ما يرام.” ردت سيريت بلامبالاة.
بل ربما شعر يوان بالراحة لذلك — سيكون حرًا ليقضي لحظاته الحميمة مع ليديا دون قلق.
“أتظنين ذلك؟ هل سيكون بخير فعلًا؟” تساءل ريغان وهو يلمس ذقنه.
“أتمنى أن تخبر الدوق بشكل جيد لاحقًا، سأكون شاكرة.” قالت بابتسامة ناعمة.
“أمر سيدة جميلة هو واجب نبيل.”
“لطالما ظننت أنك تتعامل مع النساء براحة تامة يا صاحب السمو.”
قالت سيريت مبتسمة، فهي تعرف طبيعته المرِحة.
كان محبوبًا بين النساء بفضل شخصيته غير الرسمية،
ومع ذلك، في حياتها السابقة، كان دائمًا وحيدًا — بلا خطيبة ولا حبيبة.
والآن وهي تتذكر ذلك، بدا لها الأمر غريبًا حقًا.
كيف لرجل مثله ألا تكون إلى جانبه امرأة؟
“لطالما ظننت ذلك؟” سأل ريغان بنظرة متفاجئة نحو سيريت.
يتبع في الفصل القادم^^
تابعوني انستا @ninanachandesu
التعليقات