قراءة ممتعة~~~

“يوان!”

خفق قلب سيريت بعنف بعد سماعها ما قاله يوان بصوت هادئ. أمسكت سيريت بكتفي يوان ونظرت إلى عينَيه الرماديتين.

قام يوان بتمرير يده على شعرها وخدّها، ورفع طرف فمه قليلًا.

“لم أستطع تحمّل غيابك، فحاولت أن ألحق بك. لأنني تذكّرت أنني لم أخبركِ أنني أحبكِ أيضًا.”

“هل جننت؟ كيف يمكنك التفكير بالموت بسبب ذلك؟!”

تفاجأت سيريت بكلامه فضربت كتفه بقبضتها. كان قلبها يرتجف. 

ماذا لو أصابه مكروه…

لم تستطع حتى أن تتخيّل ذلك. فشدّت يوان إلى صدرها بقوة.

“لأن كل شيء بلا معنى من دونك.”

عانقها يوان ورسم ابتسامة هادئة على وجهه.

يجب أن أشكر ديريك. 

شعر يوان بالامتنان لأنه حي ويحسّ بدفء جسد سيريت.

ابتعدت سيريت قليلًا عن حضن يوان، ونظرت إليه ثم وضعت كلتا يديها على خدّيه.

“كادت تقع كارثة.”

نظرت سيريت إلى يوان بعينين ممتلئتين بالمودّة. لم تكن تعلم أن مشاعره بهذا العمق.

أمسك يوان باليد الموضوعة على خدّه، ثم طبع قُبل متتالية على جبينها، وعلى جسر أنفها، وعلى شفتيها.

“إن لم تكوني بجانبي، فسأموت.”

“لن أرحل بعد الآن. سأعيش بجانبك مع طفلنا هنري.”

لفّت سيريت ذراعيها حول عنق يوان. 

اقترب يوان ببطء من شفتيها.

احتوى شفتيها برفق وامتصّهما بلطف، وفي الوقت نفسه أنزلها ببطء على السرير.

استلقى يوان وهو يجذب سيريت إلى حضنه ويعانقها بقوة. ومع تمشيطه لشعرها، همس لها بصوت خافت.

“كان هنري مريضًا، لذلك تأخر في كل شيء. تكلّم قبل أن يمشي، وكانت أول كلمة قالها هي بابا.”

بدأ يوان يروي لسيريت بهدوء ما كان يتمنى أن يخبرها به لو التقيا.

ابتسمت سيريت وهي تستمع إلى حديثه. وعندما سمعت قصص أولى خطوات هنري، وكيف استعاد صحته بفضل العلاج، سالت دموعها دون أن تشعر.

“إيف كانت المعلمة المنزلية لهنري؟”

سألت سيريت بصوت مندهش.

كانت تظن أن الرابط الذي جمعها بإيف كان في هذه الحياة فقط، ففكرة أن إيف كانت معلمة هنري بدت لها مدهشة جدًا.

واصل يوان حديثه وهو يداعب شعر سيريت برفق.

“وكانت على وشك الزواج من جيريمي.”

“حقًا؟ جيريمي وإيف سيتزوجان قريبًا.”

تلألأت عينا سيريت.

يبدو أن ما يحدث في الحياة السابقة لا بد أن يتكرر.

“هذا أمر جميل.”

قالت سيريت.

ابتسم يوان ابتسامة خفيفة عند كلامها. حتى في حياته السابقة كانت العلاقة بين الاثنين جيدة.

“احكي لي عن هنري عندما بلغ السادسة. هل أصبح طفلي المشاغب أكثر نضجًا حينها؟”

“……”

لم يستطع يوان أن يجيب سيريت عن سؤالها. هو نفسه لم يكن يعرف كيف كان هنري في سن السادسة.

لم يرى بقية طفولة هنري، ولا شبابه. لم يعرف أي فتاة أحب، ولا إن كان قد تزوج. لم يعرف إن كان قد عاش سعيدًا بعد سن السادسة، ولا إن كان قد واصل إرث العائلة على خير ما يكون.

“وكيف كان عندما بلغ السادسة؟”

“لا أعرف.”

أجاب يوان عندما عاودت سيريت السؤال.

“لماذا لا تعرف؟”

“لأنني أطلقت الرصاص على رأسي قبل أن يبلغ هنري السادسة من عمره…”

“…يوان؟”

نهضت سيريت قليلًا ونظرت إليه من أعلى. 

هل هذا يعني أنه أنهى حياته بيده حتى في حياته السابقة؟

مدّ يوان يده ولمس خدّها برفق.

“كان لديّ الكثير لأقوله لكِ، لذلك…”

امتلأت عينا سيريت بالدموع، ثم بدأت الدموع تتساقط واحدة تلو الأخرى. وضعت سيريت أذنها على صدر يوان.

سمعت سيريت صوت قلب يوان وهو ينبض. وعندما شعرت بأن يوان ما زال حيًّا، أخذت سيريت تنتحب بالبكاء.

كان يوان يربّت على رأس سيريت ويهدّئها بصوتٍ خافت.

قال إنه مهما ندم على ما فعله بها، فإنه لا يندم على أنه أطلق الرصاص على رأسه. وإن مجرد لقائهما من جديد يكفيه.

“لم أدرك أنني أحببتك إلا بعد موتك. لم أكن أعرف ما هو الحب، ولذلك جرحتُك.”

كانت سيريت تشعر بنبض قلب يوان وتستمع إلى كلماته بصمت.

“ندمتُ على ذلك بشدة، واشتقتُ إليك بجنون. لم أعد أستطيع العيش بدونك.”

“……”

عند كلماته، انهمرت الدموع من عيني سيريت. بلّلت دموعها صدر يوان.

واصل يوان الكلام بنبرة هادئة وهو يمرر يده في شعرها.

“في اللحظة التي اخترقت فيها الرصاصة رأسي، فكرتُ في انه إن التقينا من جديد، فسأكون أنا أول من يتعرف عليك، وأول من يحبك. وسأرد لكِ الحب الذي منحتِني إياه أضعافًا.”

تمسكت سيريت بطرف ثوبه وانفجرت بالبكاء. تدفقت الدموع بلا توقف من عينيها المغمضتين بإحكام.

“آسف لأنني لم أتعرف عليكِ أبكر من ذلك يا سيريت.”

مسح يوان دموع سيريت وابتسم بهدوء.

كانت تلك هي اللحظة التي آمنت فيها سيريت تمامًا بحب يوان.

***

كانت سيريت تنظر بصمت إلى يوان وهو يُطعِم هنري الدواء.

وصل دواء هنري إلى رونليف بعد بضعة أيام. وما إن وصل الدواء حتى قام يوان بضبط تركيزه وأعطاه للطفل.

مرّ نصف شهر على بدء إعطائه الدواء، ويبدو أن مفعوله كان جيدًا فعلًا، فقد تحسّن لون وجه الطفل كثيرًا، واشتد صوته في البكاء أيضًا. سابقًا لم يكن يملك قوة كافية للامتصاص لشرب حليب والدته، ولكن منذ بضعة أيام بدأ يشربه.

“أحسنت يا هنري.”

بعد أن أنهى يوان إعطاء الدواء، ربّت بلطف على ظهر هنري.

كان يوان ماهرًا إلى حدٍّ كبير في رعاية الطفل. وبما أنهم لم يوظفوا مربية بعد، كان يوان وسيريت وهانا يتناوبون على رعاية الطفل.

لكن عندما كانت سيريت وهانا ترعيان الطفل، كان يوان يبدو غير راضٍ عن ذلك، فكان هنري في أغلب الوقت في حضن يوان. ويبدو أن عدم خبرة سيريت وهانا في رعاية طفل للمرة الأولى لم تكن ترضيه.

“كيف يمكنك أن تكون بارعًا إلى هذا الحد في رعاية الطفل؟”

“لأنها المرة الثانية.”

أجاب يوان على سؤال سيريت وهو يبتسم ابتسامة خفيفة.

حتى في حياته السابقة كان يفعل ذلك دائمًا، لذا أصبح الأمر مألوفًا الآن.

قبّل يوان جبين هنري ثم سلّم هنري إلى هانا.

أخذت هانا الطفل وغادرت غرفة نوم سيريت، بينما جلس يوان على حافة السرير الذي كانت سيريت جالسة عليه.

“لا يمكننا البقاء هنا إلى الأبد، فلنعد إلى قصر الدوقية.”

“نعم، علينا ذلك. لقد تعافى جسدي الآن، ويجب أن نعود إلى البيت.”

قالت سيريت ذلك وهي تبتسم ابتسامة خفيفة وتسند رأسها على كتف يوان.

ربّت يوان على ظهر سيريت وتابع كلامه.

“سأذهب أنا أولًا لأرتّب الأمور، ثم تعالي أنتِ وهنري.”

“أي ترتيب؟”

سحبت سيريت جبهتها عن كتفه وسألته بتعبير مستغرب.

أعاد يوان خصلات شعر سيريت المبعثرة إلى الخلف وعقد حاجبيه قليلًا.

“السيدة إليوت ما زالت في القصر. ليديا إليوت التي قتلت الخادمة، واختلقت برسالة مزوّرة علاقة بينك وبين جاك كلارك، وقتلت لوفي برونك.”

وقد قتلت زوجتي أيضًا.

تحوّل وجه يوان إلى قسوة في لحظة.

لن أتركها تفلت بفعلتها. سأجعلها تدفع ثمن كل تلك الجرائم بالموت.

“هل ظهرت أدلّة على أن ليديا هي من قتلت صوفيا؟”

“لا توجد أدلّة واضحة بعد.”

هزّ يوان رأسه وهو ينظر إلى سيريت التي وسّعت عينيها بدهشة.

أخذت سيريت تفكّر مليًّا. رغم أن النتائج والتوقيت يختلفان قليلًا، إلا أن معظم ما حدث في الحياة السابقة كان يتكرّر كما هو.

إذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن تمامًا أن تعود ليديا وتحضر لها الشاي المسموم كما فعلت من قبل. وإذا تم القبض على ليديا في موقع الحادثة وهي تحاول قتلها، فسيتمكنون من إيجاد أدلّة على الجرائم الأخرى.

“يوان.”

أمسكت سيريت بيد يوان.

أومأ يوان برأسه بلطف وكأنه يقول لها أن تتحدث.

“لنذهب معًا إلى الدوقية.”

“معًا؟”

“نعم.”

“هذا خطير.”

هزّ يوان رأسه بتعبير حائر. لم يكن يستطيع أن يأخذ سيريت إلى مكان توجد فيه ليديا. كان من الأكثر أمانًا أن يُعيد ليديا إلى العاصمة أولًا.

“يجب أن أذهب أنا لأستطيع أن أمسك بذيل ليديا.”

“سيريت.”

“هذه المرة لن أُخدع بسهولة. لا تقلق.”

شدّت سيريت قبضتها على يد يوان.

نظر يوان بصمتٍ إلى وجه سيريت. 

كانت الإرادة القوية واضحة في عينيها الزرقاوين. مهما حاول منعها، فلن تستمع إليه.

“حسنًا. لنذهب معًا.”

لأنه يعرف أن عناد سيريت لا يمكن كسره بسهولة، تراجع يوان خطوة.

ابتسمت سيريت ابتسامة خفيفة كأنها تشكره، ثم أطلقت تنهيدة صغيرة.

ليديا، هذه المرة ستشربين أنتِ ذلك السم. 

اهتزت عينا سيريت الزرقاوان.

***

كانت ليديا تنظر إلى غرفة نوم يوان بوجهٍ عابس. كانت الغرفة فارغة تمامًا. وقد مرّ بالفعل نصف شهر لم يظهر فيه يوان.

أمسكت بالخدم وسألتهم إلى أين ذهب يوان، لكن كل ما عاد إليها كان إجابة واحدة وهي أنهم لا يعرفون.

في البداية ظنّت أنهم يستهينون بها ولا يريدون إخبارها.

لكن بعد أن صفعت بعضهم عدة مرات، أدركت ليديا أنهم فعلًا لا يعرفون شيئًا.

آخر مكان شوهد فيه يوان كان يعرفه سائق العربة وهو ميناء لوسول.

“إلى أين ذهب بالسفينة؟”

تمتمت ليديا بوجهٍ كئيب.

أين ذهب يوان بحق السماء؟ من دون أن يخبرني حتى.

حتى ريغان، الذي كان يزور القصر، اختفى هو الآخر من دون حتى أن يودعها، فساء مزاج ليديا. بدا وكأن الجميع قد تركوها ورحلوا بعيدًا.

وبينما خرجت ليديا من غرفة نوم يوان، خطر ببالها فكرة فجأة.

أليس من الممكن أن يوان ذهب ليجلب الألماسة الزرقاء من أجل أن يتقدّم لي؟

“وإلا، لما ترك المنزل طوال هذه المدة.”

قالت ليديا ذلك وهي تصفق بيديها بوجهٍ سعيد وتضحك بقهقهة.

لقد أوشك عام كامل على الانقضاء منذ موت سيريت.

كان من المؤسف أنها ماتت قبل أن تلد الطفل، لكن في المقابل كان قلبها مرتاحًا.

الآن فقط شعرت أن كل شيء عاد إلى مكانه الصحيح.

الدوقية، يوان، ومقعد دوقة فريكتويستر… كل ذلك صار الآن ملكها.

لم يكونا قد أقاما حفل زفاف بعد، لكن يوان وهي كانا أشبه بالزوجين.

“إذا كان سيطلب يدي، فلا بد أن أفصّل فستانًا جديدًا. أنيتا! أنيتا!”

وقد صارت ليديا في عجلة من أمرها فأخذت تنادي على أنيتا.

وكأنها سمعت الصوت، إذ ركضت أنيتا مسرعة تصعد الدرج وهي تلهث. وقفت أمام ليديا بوجهٍ شاحب، كمن رأى شبحًا.

“أنيتا، يجب أن أُفصّل فستانًا.”

“سمو الأميرة.”

ارتجف صوت أنيتا وهي تنادي ليديا.

نظرت ليديا إليها بوجهٍ مستغرب وهي تميل رأسها قليلًا. وتابعت أنيتا كلامها بوجهٍ شاحب تمامًا.

“سمو..سمو الدوقة… لقد عادت.”

“ماذا؟”

سألت ليديا بوجهٍ مذهول.

“لم تمت، إنها على قيد الحياة!”

صرخت أنيتا.

“سيريت… على قيد الحياة؟”

تلون وجه ليديا بالارتباك. فقد كانت سيريت، دون شك، قد ماتت.

“عادت مع سمو الدوق، ومعهم طفل.”

ومع كلمات أنيتا المتتابعة، دفعتها ليديا بوجهٍ متصلب ونزلت الدرج مسرعة.

وفي الردهة، كما قالت أنيتا تمامًا، كانت سيريت هناك.

سيريت التي كانت تظنها قد ماتت.

يتبع^^

ترجمة نينا @justninaae